يعتبر علي بن محمد البوديلمي العالم الصوفي المحافظ وأحد أقطاب الحركة الصوفية بالجزائر خلال القرن العشرين ومؤسس الطريقة البوديلمية التي ذاع صيتها وكثر اتباعها بالعالم العربي وفي دول العالم وهو أحد أعلام المنطقة الغربية للجزائر الذي ظل بعيدا عن الأنظار أو الاهتمام به أو الكتابة عنه إلى أن جاء دور سيرته العلمية على يد أحد تلامذته بعد وفاته بسنوات وهو الأستاذ العلاوي داعو أحد أتباع الطريقة البوديلمية وأحد تلامذة الشيخ محمد البوديلمي بزاوية تلمسان, ألف كتاب عن حياة الشيخ بعنوان "حياة الشيخ السيد علي البوديلمي" مطبعة الفن بوهران, 1412 هـ, 1992م. وهناك كتاب آخر حول الشيخ البوديلمي كتاب مناقب الشيخ محمد البوديلمي لعبد الغني خطاب, مطبعة تلمسان.
جمع الشيخ محمد علي بين التعليم والصحافة والتأليف والدعوة, فكان أمير الفصاحة وينبوع العرفان, وذو القلم السيال بما جمعه من مؤلفات في التصوف والتفسير والتوحيد وحتى في السياسة أيام الاحتلال الفرنسي.
ولد الشيخ علي البوديلمي الملقب بأبي الحسن علي بن محمد بن عبد الله البوديلمي بمدينة المسيلة بالشرق الجزائري يوم الخميس 13 ربيع الثاني 1323 هـ الموافق لـ 15 جوان 1905م, وهو ابن الشيخ سيدي محمد بن عبد الله شيخ الطريقة الرحمانية ابن عبد القادر بن بوزيان بن مبارك بن الموهوب الذي يتصل نسبه بالقطب الكبير المشهود له بالشرف والصلاح سيدي محمد بن عزوز الديلمي.
بدأ تعلمه للكتابة والقراءة بزاوية أبيه محمد بحي الكراغلة بالمسيلة بجانب مسجد سيدي بوجملين, استطاع جمع قراءة القرآن وهو في السابعة من عمره حيث زاول الدراسة بجانب والده لمدة عشر سنوات قبل أن ينتقل بإيعاز من أبيه إلى زاوية الهامل حيث درس العلوم الشرعية بالمعهد القاسمي الرحماني.
ارتحل الشيخ علي البوديلمي سنة 1922م إلى قسنطينة واستقر بها إلى غاية 1927م حيث زاول دروسه على يد رجالٍ فَطَاحِل في العلمِ لمدة خمس سنوات, وكان من شيوخه عبد الحميد ابن باديس, والشيخ أحمد الجيباني, والعلامة الزواوي الفكون, والفقيه الطاهر زكوطة, والشيخ يحي الدراجي وتحصل منهم على الإذن التام وأجازه في هذه الفترة ومن بين علماء المسيلة الذين أجازوه الشيخ سالم بن مسعود الذي كان يدرس بمدينة العلم وكان ذلك في 19 جوان 1924م. ثم هاجر إلى تونس سنة 1927م حيث قام باختيار أساتذته بنفسه أمثال الأستاذ الزغونين, والأستاذ ابن القاضي, والأستاذ أبي الحسن النجار, والأستاذ بلخوجة والأستاذ المختار بن محمد كما أخذ علم التفسير على يد شيخ الإسلام الطاهر بن عاشور.
استقر الشيخ علي البوديلمي بالزيتونة لمدة عامين ليعود إلى مدينة المسيلة في جوان 1929م ويتصدر بها عمل التعليم والتربية بجامع سيدي بوجملين وبزاوية أبيه محمد, فزاد في صيته في أرجاء إقليم الحضنة وتعداها إلى أوطان الجزائر.
امتاز الشيخ علي البوديلمي بغريزة قوية لطلب العلم والإحاطة بجوانب الحياة, فكان شديد الاطلاع على الصحف اليومية, وقد صادف ذات يوم السوق الأسبوعي بالمسيلة رجلا يبيع جريدة البلاغ الجزائري التي يقوم بنشرها مؤسس الطريقة العليوية (كما يحلو لمعارضيها بتسميتها هكذا عوض العلاوية) بمستغانم سيدي أحمد بن مصطفى العلاوي, وكان بائع الجريدة من أتباعه, فكان اللقاء وتم التعارف وعرض الضيف على مضيفه زيارة الشيخ بن عليوة بمستغانم فكان الاتفاق وتم ترتيب السفر.
بعث شيخ الطريقة العلاوية برسالة إلى البوديلمي شاكرا له حسن ضيافة تلميذه بتاريخ 26 ديسمبر 1930م جاء فيها: "إننا نشكركم كثيرا على المساعدة التي قدمتموها لأخينا في الله السيد محمد شريف أوقاري (القارئ) الذي كان متجولا في نواحيكم وأخبرنا بأنكم قمتم بتوزيع جريدتنا البلاغ الجزائري, وكذلك الإكرام الذي حضي به من طرفكم ,فجزأكم الله خيرا وسيجمع الله بينا أما هنا بمستغانم أو هناك بالمسيلة".
أحدثت هذه الرسالة وقعا في نفس على البوديلمي, لذلك انتقل إلى مستغانم في 12 جانفي 1931م وحضي هناك باستقبال حار من طرف شيخ الطريقة العلاوية ,وبقي هناك إلى أن وقع الاختلاف مع أبناء الطريقة العلاوية إثر وفاة الشيخ العلاوي ,فعاد الشيخ البوديلمي إلى الجعافرة بمنطقة برج بوعريريج وعمل بالتدريس بين سنة 1934م و1936م.
ويقال أن والده محمد بن عبد الله رغبه بأن يتصل بصوفي وقته وزمانه وعصره الخطير وصوفي القرن العشرين, الأستاذ أبي العباس أحمد بن مصطفى العلاوي رحمه الله بأن يأخذ عنه علم التصوف والإسم الأعظم, وفعلا انتقل الشيخ علي البوديلمي إلى مدينة غليزان مدرسا, وبدعوة من أهاليها بعدما كانت هناك مكاتبات في الموضوع, إلى أن جاء اللقاء بينه وبين الأستاذ العلاوي رحمه الله, فأخذ عنه العهد والإسم فكان منه ما كان فهو بحق مشعل رباني, وهو أيضا آخر القافلة, فقد جمع الله له علمي الحقيقة والشريعة, فهو عالم لهذا العصر بدون منازع.
وهناك رواية أخرى حول قدومه إلى مستغانم, حيث روى لنا الشيخ محمد بن السائح (بسايح) عن ابنه سيدي علي قصة نقطة تحوله هذه, ثم أكدها لنا حفيد المقدم خليفة بن حمُّو الذي كان أول مقدم لمدينة مكناس, وهذا الأخير وأثناء زيارته للشيخ العلاوي قادمًا من المغرب عابرًا عبر مدينة تلمسان, توجه نحو جامعها الكبير فجاء إليه أحد علماء هذه المدينة (الشيخ علي بودليمي الذي كان ممثلاً لحركة "الإصلاحيين" بتلمسان) وسأله إلى أين هو ذاهب, فأجابه إلى مستغانم وبالضبط إلى تجديت زاوية الشيخ العلاوي. سأله الشيخ علي البوديلمي: هل أنت من تلامذته؟ فقال: أنا فقير ومقدما لطريقته ببلدي ! ثم بعد ذلك سلم له الشيخ علي البوديلمي رسالة للشيخ العلاوي.
بمجرد وصول خليفة بن حمُّو إلى مستغانم, اجتمع بالشيخ العلاوي, بعد أن تحدث معه عن ظروف الطريقة بالمغرب, قدم له الرسالة التي كانت بحوزته وأبلغه بهوية صاحبها. ولما فتحها الشيخ العلاوي وجد رسالة مُنَكِّرة بغيضة, وما لفت انتباهه هذه الجملة: "يا أحمد بن عليوة, أعلم أن قلبي يبغضك, وإن كان في وسعي أن أفعل شيئًا من أجل الإسلام, فسأجرعك سمّاً حتى يتساقط كل شعر جسدك من تأثيره, وبالتالي أكون من جعل نهاية لطريقتك ".
ولما انتهى الشيخ العلاوي من قراءة الرسالة وفهم معناها, ابتسم وقال لخليفة بن حمو: "لا تنس أن ترجع إلينا عند عودتك إلى المغرب عبر تلمسان وتسليم إجابتي لهذا الشيخ", وكان ذلك كما توقع الشيخ العلاوي.
عندما تم تسليم الرسالة للشيخ علي البوديلمي, وجد مكتوبا ما يلي: "بعد أن شكر الله وأثنى عليه, وبعد أن سلم عليه بتحية الإسلام, أجابه الشيخ العلاوي بهذه الجملة التي ستقلب حياته رأساً على عقب: "يا علي البوديلمي, إذا صادف والتقينا, سأجعلك تذوق خمرة أزلية حتى تعلن كل شعرة في جسدك: الله الله".
استغرب الشيخ علي البوديلمي من الجواب على رسالته, وتأثر تأثرا بالغا حيث يبدو ظاهرا أنه وقع عليه فضل الله وأخذه جذب عجيب نحو الشيخ العلاوي حيث لم يستطع مقاومة دعوته, فتحدث مع نفسه قائلا: "يجب أن أقابل هذا الرجل الذي أريد أن أجرعه السم وهو يريد أن يأخذ بيدي إلى الله". فقال على الفور لخليفة بن حمو في نوع من الجذب والفرح: "خذني إلى الشيخ العلاوي! خذني إلى الشيخ العلاوي! ".
عند عودته إلى مستغانم برفقة علي البوديلمي, جمعه بالشيخ العلاوي الذي استقبله هذا الأخير بكل حفاوة وإكرام والاحترام. وأشاد الشيخ علي البوديلمي بالشيخ العلاوي وقال له: "ما الذي دفعك لتجيبني بكل هاته الرحمة والحلم بتلك الكلمات الساحرة بعد أن كلمتك بكل سوء؟ وبعد أن نويت أن أجعل لنفسي مكانة مرموقة بين أقراني من العلماء من خلال مناظرتي مع الشيخ العلاوي وأنال بذلك شهرةً بمعارضتي لك برسالتي؟ لقد وجدت فيك سيدي أخلاقًا لا توجد إلا عند أهل الله الكمَّل الذين يسيرون على خطى المصطفى صلى الله عليه وسلم. لقد وجدت فيك الأخلاق التي أوصانا بها الله في كتابه الكريم, وكذلك الأخلاق الحميدة لنبينا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. أما أنا وأقراني فَعِلْمُنَا مأخوذ من الأوراق لا يتعدى حناجرنا". فأجابه الشيخ العلاوي: "أما أنا, فبحب الله الذي في قلبي أحببتك فيه! وهذا هو التصوف التي تلومني عليه".
بقي الشيخ علي البوديلمي فترة في الزاوية يراقب ويستمع للشيخ العلاوي, ثم اقترب منه ذات يوم وطلب منه قبوله فقيرًا وكأحد أتباعه, لكن الشيخ العلاوي أخبره أنه ليس فقيراً بل شيخاً وقال لجميع الفقراء: "من هذا اليوم وصاعداً لا أحد يقول "سيدي علي" وإنما "الشيخ علي البوديلمي!".
ومنذ ذلك الحين وضع الشيخ علي البوديلمي نفسه في خدمة الشيخ العلاوي بتفاني في التضحية الكاملة بالنفس والنفيس, ثم نظَّم وقته بين التدريس والاجتهادات النفسية, والتحضير للاجتماع السنوي في الجزائر العاصمة وتنظيمه, وكتابة وتوزيع أعمال شيخه حتى انتقال الشيخ العلاوي إلى الرفيق الأعلى في 14 يوليو 1934م.
وفي سنة 1937 م انتقل إلى تلمسان تلبية لأهاليها من العلماء والطلبة والإخوان الصوفية, وذلك بناءً على طلب رسمي من محمد العشعاشي, رئيس الجمعية الدينية الإسلامية في تلمسان وكان ذلك بداية عهدا جديدا له. قوبل انتقاله إلى تلمسان كان يقوم بدور كبير في الكتابة والصحافة وتحدى علماء زمانه الذين رموه بالبعد عن الدين وبالشعوذة. كان الشيخ البوديلمي إماما رسميا في مسجد للا بايا في تلمسان, كما أنه درّس القرآن في مدرسة خاصة وكان من أفضل المنافسين لمدرسة الإصلاحيين "دار الحديث". في نفس الوقت كان عضوا نشطا في جمعية الدعوة العلاوية, ففي عام 1948م أسس طريقته "الإخوان البوديلمية الصوفية" وكان بإمكانه أن يكون رئيسا لجمعية زعماء الزاوية في شمال إفريقيا. فتح عدة زوايا بتلمسان, وكان مثله مثل كل الشيوخ مقاديمه وفقراءه.
وقد ذاع صيته وشهرته حدود الغرب الجزائري, ولما كانت الحركة الإصلاحية التي قادتها جمعية العلماء المسلمين في حراك سياسي واجتماعي من خلال صراعها العلمي ضد الطرقيين وأهل الشعوذة والأباطيل التي لحقت بالمجتمع الجزائري (حسب رأيهم ونظرتهم الفقهية والعقائدية الوهابية), لذا حاولت الطريقة العلاوية التصدي لما كانت تعتبره موجها ضدها من جهود ودعوة كان يقوم بها الشيخ البشير الإبراهيمي وجمعية العلماء (الإصلاحيين), وحذا بأتباع الطريقة أن يستدعوا الشيخ علي البوديلمي إلى تلمسان ليقف في وجه الإبراهيمي بما كان له من قدرة علمية وبلاغية تستطيع ملأ فراغ الطريقة العلاوية بتلمسان. فكان إمام الجامع الأعظم بتلمسان ومفتي الديار التلمسانية, ورفع راية الإسلام أيام كانت الجزائر في حاجة إلى أبنائها, وتضلع وتشبع واستكمل من كل الفنون العلمية شرقا وغربا.
كان الشيخ علي البوديلمي يلقي دروسه في التفسير والحديث بالجامع الأعظم بتلمسان, وكان أحيانا يبرز المفاهيم الصوفية في الدروس وختم تفسير القرآن في ظرف عشرين سنة في الجامع المذكور, وكانت تعقد احتفالات سنوية يحضرها تلامذته وأنصاره وجماعة من العلماء حيث كان يلقى الشعر في المدح النبوي وفي الأخلاق وفي تعظيم الذات العلية والخطب التذكيرية, وكان الاحتفال يشبه ما كان يقيمه الشيخ العلاوي في حياته. وقد دَوَّنَ أحد رحالة المغرب الأقصى الشيخ أرزقي دروس الشيخ البوديلمي بالجامع الأعظم في الأخلاق والدين, وقال أن الناس كانوا يحترمونه ويلتفون حوله لتقبيل رأسه ويده. ترشح الشيخ علي البوديلمي لمنصب مفتي مدينة البليدة لما أصبح المنصب شاغرًا في آذار (مارس) 1950م.
مواقفه من شيوخ جمعية العلماء (الإصلاحيين)
كعضو في الدائرة الإسلامية, ساهم بنشاط في محاربة نفوذ الشيخ البشير الإبراهيمي عضو بالحركة الإصلاحية لابن باديس. والذي حصل بين جمعية العلماء المسلمين (الإصلاحيين) والشيخ علي البوديلمي إنما هو امتداد لما حصل بينها وبين الطرق الصوفية منذ بداية الثلاثينيات, حيث تطور التهاتر الفردي المتقطع شيئا فشيئا, خاصة بين بعض الإصلاحيين الذين اتخذوا فكرهم كرسالة يجب أدائها وعلى رأسهم كل من الإبراهيمي والشيخ الطيب العقبي الذي أمعن في الإساءة إلى الطرقيين, حتى أنه بلغت به الجرأة إلى أن يقول في أحد دروسه بنادي الترقي, وبحضور مصطفى القاسمي (شيخ زاوية الهامل) والشيخ العلاوي "لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى, ولا شيوخ الطرقيين حتى تتبع ملتهم "ثم تطور الأمر إلى تبادل التهم عبر الجرائد, مثل الرشاد والشهاب وحتى في سجل المؤتمر الخامس لجمعية العلماء, وخلال هذا السجال الذي أطال شخصية علي البوديلمي في جريدة الشهاب منذ 1931م لما كان بمدينة المسيلة, ثم تلمسان ,كانت مواقف الشيخ علي البوديلمي من تصريحات ومواقف أعضاء العلماء خاصة البشير الإبراهيمي واضحة لم تخرج عن الحجة الدامغة في أمور الشرع والدنيا, فقد وجه كتابه المفتوح إلى الإبراهيمي يدعوه للمناظرة في نقاط الخلاف المشهورة التي كان يتناولها الإبراهيمي في دروسه بدار الحديث يتلمسان, فيقول الشيخ البوديلمي في كتابه "إيماطة اللثام عما نشأ في الحاضرة التلمسانية من الشكوك والأوهام والشقاق والخصام" ملخصا للجدال بينه وبين الإبراهيمي وجمعية العلماء: "وعلى كل حال فإن مرجعنا وإياكم جميعا إلى ما قرره علماء مذهبنا من أهل السنة والجماعة لا علماء البدعة والظلالة", ويقترح على الإبراهيمي الإجابة على جملة من الأسئلة التي هي حديث التلمسانيين والرأي العام آنذاك, إلا أن الأمر تطور نهاية الثلاثينيات عندما حرضت الجمعية طلبتها بالاعتداء على الشيخ علي البوديلمي ووصلت القضية إلى العدالة الفرنسية, وأصبحت من إهتمامات التقارير الفرنسية الإدارية وصحافتها ,خاصة وأن الصحافة الحرة قد تعدت حدود الآداب والقراءة المحترمة, ومن بين الجرائد الخاصة التي ابتعدت عن نهج العمل المسؤول والكتابة المهذبة صحيفة "الجحيم" التي كانت تكتب بأسماء مستعارة كـ "الزبانية" (انظر عدد الجحيم 30 مارس 1933).
في مجال آخر كانت له نشاطات سياسية حيث كان باتصال بالحزب الشعبي الجزائري الذي أسسه مصالي الحاج, فكانت الاستخبارات الاستعمارية الفرنسية تتبع خطواته. في تقارير استخباراتية لذلك الوقت, يمكن لنا أن نقرأ ما يلي: "إلا أنه كان يتردد على وجه الخصوص على أعضاء الحزب الشعبي الجزائري لمصالي الحاج. ونلاحظ أنه مشبعا بوطنية عالية وذلك منذ أن كان تلميذا لابن باديس. ونقر أنه من بين أتباعه (مصالي الحاج) حيث قام خلال الانتخابات الجمعية الجزائرية لعام 1947م, بدعاية نشطة لصالح المرشح المستقل".
إنتاج الشيخ علي البوديلمي.
لقد جمع الشيخ على البوديلمي بين خصال العلماء والأدباء, فكان منارة الصوفيين ورجال الإفتاء, وقد ساعده على ذلك عوامل عدة منذ أن أخذ العلوم الدينية عن والده الشيخ محمد وأساتذته بالزيتونة والمدينة, وقد شهد له بغزارة العلم والدراية علماء أجلاء أجازوه في مختلف الطريق الصوفية وتعليمها وكذا في علوم الدين, من بينهم العلامة الكبير وزير المعارف بالمغرب السيد محمد الحجوي سنة 1943م وكذا الشيخ عبد الرحمن بن زيدان نقيب الأشراف بمكناس سنة 1942م والعالم الجليل سيدي أبوشعيب الدكالي الذي التقى به بجامع الزيتونة بتونس سنة 1944م وتلقى إجازة علماء آخرين نذكر من بينهم محمد بن مؤقت المراكشي, وقاضي سوسة الهاشمي الفيلالي, كذا رئيس جمعية علماء المسلمين عبد الحميد بن باديس وسيدي حسن العلوي المالكي مدرس الحرم المكي بمكة, ويذكر في اطار لقاء الشيخ علي البوديلمي بإمام الحرم المكي أنه عندما طلب الشيخ البوديلمي من الإمام العلوي أن يخبره في علم الحديث أجاب المالكي (إمام مكة) أن المغاربة هم الذين يخبرون المشارقة في أسانيد الحديث.
ترك الشيخ علي البوديلمي عدة مؤلفات منها ما تعلق بأمور الدين ومنها ما ارتبط بأحداث كانت له علاقة بها فترة الاحتلال الفرنسي خلال إقامته بمركز الحضنة الغربية بالمسيلة أو خلال انتقاله إلى مدينة تلمسان نذكر منها :
- "كتاب إماطة اللثام عما نشأ في الحاضرة التلمسانية من الشكوك والأوهام والشقاق والخصام" طبع عام 1939م بالمطبعة العلاوية بمستغانم. وقيل أنه ردود على إفتاء أحد العلماء (ربما البشير الإبراهيمي حسب التقارير الفرنسية) في مسائل خالفت المذهب المالكي ومذهب السنة والجماعة, وخلفت هذه الفتاوي هرجا كبيرا في مدينة تلمسان وقد تصدى لها الشيخ علي البوديلمي بعد أن طلب مناظرة الشيخ الإبراهيمي كما يوردها إبراهيم ابن العقون, وقد لقيت هذه المسألة صخبا إعلاميا وصل مدن بالمغرب الأقصى كفاس و وجدة ومكناس.
- "كتاب إرشاد الشباب لنهج الصواب" وهو عبارة عن محاضرات كان يلقيها الشيخ علي البوديلمي في الإرشاد الديني والوطني جمعها في كتاب لا يعرف تاريخ طبعه.
- كتاب "رسالة رفع التلبيس عن نية من أراد مسخ المسلمين بالسفور والتجنيس" وقد صدر سنة 1938م بفاس بالمغرب, وهو عبارة عن رد الشيخ البوديلمي على الإصلاحيين الراغبين في التجنيس والسفور ويذكر البعض أن سبب كتابته كذلك أن أحد الإصلاحيين كتب مقالا في جريدة البصائر بعنوان "حجاب المرأة عادة لا دين" وأنكر مشروعيته.
- "كتاب الرسالة الديلمية في صيانة العائلات الإسلامية" وطبع سنة 1947م وكان سبب كتابته ردا على مقالات جريدة الزناتي "الصوت الحر" في مسائل إلغاء لبس الحائك وإلغاء الصداق وحذف محاكم القضاء والمساواة في المواريث.
كما كان للشيخ علي البوديلمي شأن في الدروس والمحاضرات والمواعظ التي جعلت منه أحد الرموز الروحية لإحدى الطرق الجزائرية الحديثة والتي أصبحت تعرف عند أتباعه في العالم العربي وخارجه بالإخوان الصوفية البوديلمية.
تمكن الشيخ البوديلمي من الجمع بين العلوم الباطنية والظاهرية للإسلام واكتساب العلم اللدني وتحمل مسؤولية التربية والإرشاد عبر طريقته. بحمله شعلة العلم والنور أرشد طلابه ونشر رسالة هذه الطريقة حتى انتقاله إلى الرفيق الأعلى بتلمسان عام 1988م حيث دفن في مقبرة سيدي السنوسي (رحمه الله ونعمه).
المصادر:
- صلاح خليفة , العلويون والمدنيون , من الأصول المباشرة إلى الخمسينيات, رسالة للحصول على دكتوراه الدولة في الدراسات العربية والإسلامية, جامعة جان مولان ليون الثالث.
- ذكريات الشيخ محمد بن السائح (بسايح) والمقدم خليفة بن حمو.
- الأستاذ العلاوي داعو, أحد أتباع الطريقة البوديلمية و أحد تلامذة الشيخ محمد البوديلمي بزاوية تلمسان ألف كتاب عن حياة الشيخ بعنوان : "حياة الشيخ السيد علي البوديلمي" – مطبعة الفن بوهران – 1412هـ الموافق لـ 1992م.
تعليقات
إرسال تعليق