محمد بن يلس - الشهائد والفتاوي (5-02)

الشاهد الثاني من القسم الخامس في سرد طائفة من أعيان الطريقة العلاوية في كتاب الشهائد والفتاوي. (5-02)

هو العارف بالله محمد بن يلس, تلمساني الأصل والمنشأ, كان ممثل الطريقة الدرقاوية بمدينته, أخذ الطريقة عن الشيخ محمد الهبري ثم عن الشيخ محمد بن الحبيب البوزيدي الذي أذن له في الدعوة والإرشاد إلى الله, كما ذكره في قوله:
 
بالهبري تم المراد   رقاني إلى الأوراد
و مقام الإرشاد من البوزيدي مأخوذ
 
والشيخان الهبري والبوزيدي, تربيا على يد الشيخ محمد ابن قدور الوكيلي الكركري, وهما الإثنان مأذونان بالإرشاد, فلمّا قرب انتقال الشيخ محمد ابن قدّور الوكيلي إلى جوار ربه كان يردد هذه الكلمات: أخذ البوزيدي الِقربة برباطها ! والِقربة هي وعاء من جلد الشاة للسقاية, وهذه إشارة واضحة بأن الشيخ البوزيدي أخذ السّر من شيخه, وطلب منه أن يخلفه في الإشراف على زاويته بجبل كركر.
 
ثم هناك إشكال بعد وفاة شيخه محمد البوزيدي, يبدو أنه كان من المبايعين للشيخ أحمد العلاوي على الخلافة عام 1909م / 1327هـ كما يروي ذلك الشيخ العلاوي بنفسه:
 
يقول الشيخ العلاوي وهو يتكلم عن الفترة التي كان ينوي فيها هجرة الجزائر حينما توفي شيخه محمد البوزيدي : لما انقضى نظر الفقراء أن لا يسمحوا لي بالذهاب, وساعدتهم الأقدار على ذلك, فعزموا على اجتماع عمومي يكون بزاوية الأستاذ رضي الله عنه, ولما وقع الإجتماع تحت أنظار كبار الفقراء, وكان من جملتهم حضرة العارف بالله (الحاج محمد بن يلّس التلمساني) المهاجر الآن بمدينة دمشق بالشام, فتولى خطاباً يذكر ما يحتاج إليه المقام, ثم وقعت البيعة من جميعهم قولاً, وهكذا استمرت على ذلك من أكابر الفقراء إهـ.
 
قصد الشيخ محمد بن يلس بلاد الشام في 20 من رمضان 1329 هـ الموافق ل 14 سبتمبر 1911 مارا بطنجة براً ثم إلى مرسيلبا بحراً, ثم إلى الشام بحراً كذلك فأصبح بذلك ممثل الطريقة الشاذلية الدرقاوية.
 
وسبب هجرته إلى الشام وكذا محمد بن الهاشمي الذي كان من أتباعه هو تأهب فرنسا أنذاك لإحتلال المغرب الأقصى والحضر على الأهالي في الجزائر أن لا يجتمعوا بالعلماء سواء بالجزائر أو بالمغرب حيث كان التنقل حرا بين هاذين البلدين, فعزم الكثير من أهل العلم والصلاح على الهجرة إلى المشرق, وقد سميت هذه المرحلة من التاريخ الجزائري بفترة الفارِّين بدينهم أو هجرة التلمسانيين.
 
عملت الحكومة التركية آنذاك على تفريق جميع الجزائريين ففرقت بين محمد يلس الذي بقي بدمشق, ومحمد بن الهاشمي الذي ذهب إلى تركيا, وأقام في أضنة ,حتى لمَّ الله شملهما بعد عامين من الزمن بدمشق .
 
توفي رحمه الله يوم الثلاثاء 26 ديسمبر 1927م الموافق لـ 11 من جمادى الثاني 1346هـ بدمشق ببلاد الشام.
 
---
أضواء على الشيخ سيدي الحاج محمد ابن يلس التلمساني وانتشار طريقته في الجزائر والمشرق وبالخصوص بالشام المولود في 1271 ه – 1854 م والمتوفى في 1346 ه – 1927 م.  (الحاج محمد العشعاشي).
 
بسم الله الرحمن الرحيم
أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64),  صدق الله العظيم, سورة يونس.
 
الحديث القدسي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله تعالى: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته. أخرجه البخاري.
 
بسم الله الرحمن الرحيم حمدا للمولى عز وجل على نعمة الإسلام وكمال الإيمان والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير وعلى آله وصحبه وسلم ورضي الله عن شيخنا سيد الحاج محمد بن يلس التلمساني هو العارف بالله المستغرق في محبة الله ورسوله ناصر الشريعة ومعدن الحقيقة, المربي المرشد صاحب المحامد الكثيرة الولي الصالح سيدي الحاج محمد بن الحاج علال بن بلحسن بن الحاج علي بن محمد بن يلس الملقب بالشاوش, ولد يوم الاثنين سنة 1271 ه الموافق 1854 م ومات والده وهو صغير, فكان يتيما كفله عمه سيد محمد بن يلس, فقام بتربيته وأغدق عليه النعم وكان مرضيا مخلصا في طاعة الله محبا لنبيه صلى الله عليه وسلم وكان منذ نعومة أظافره يجتمع مع رفقائه المؤمنين المخلصين المحبين في الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم , السادة الحاج عبد القادر وزين وأحمد الستوتي وغيرهم في مكان لهم في حي الشيخ الإمام أبي عبد الله محمد السنوسي الشريف النسب صاحب كتاب التوحيد (في درب مسوفة) وكانوا جميعا يحبون العلم والعلماء مما جعلهم يتصلون بعالم زمانه في تلمسان المتمكن في شتى العلوم من فقه وتوحيد وتفسير وعلوم القرآن ونحو وصرف وبلاغة وأدب وشعر وتصوف وهو سيد أحمد بن محمد الدكالي (المتوفى سنة 1333 ه الموافق 1915 م) وكانت وفاته في وطنة دكالة بالمغرب الأقصى, فاستفادوا من علومه بالمداومة على الحضور في دروسه في مختلف العلوم كما كانوا يواظبون على دروس غيره من العلماء الأعلام, منهم سيد فقهاء عصره سيد محمد بن أحمد الحرشاوي وكان مدرسا في الجامع الكبير بتلمسان وتوفي بتلمسان في السابع من رجب سنة 1313 ه الموافق (20 ديسمبر 1896 م) ومنهم الفقيه العلامة الناسك العابد سيد محمد بن دحمان العبادي المدرس في مسجد سيدي إبراهيم, وتوفي رحمه الله في نفس السنة المذكورة, ودفن في قرية العباد دبجوار الشيخ سيد الطاهر بوطيبة بمقبرة العباد.
 
دخوله في طريق القوم
أخذ الشيخ الحاج محمد بن يلس الطريق عن العلامة الشيخ الدكالي الآنف الذكر, ودله على شيخه العارف بربه الأستاذ الكبير والكوكب المنير قطب العارفين الحاج محمد بن أجمد بن عبد الرحمن العزاوي الهبري صاحب زاوية تاغيت جبل بني زناسن فسافر إليه واجتمع به وأخذ عنه الذكر الخاص, ونال بذلك السر المصون والعلم المكنون وأذن له بالإرشاد والتربية والنصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأمة المسلمين وعامتهم وحثه على متابعة الكتاب والسنة, وسافر معه لأداء فريضة الحج (سنة 1305 ه الموافق 1887 م) فرأى من الكرمات ما لا يمكن حصره, وبعد رجوعه من حج بيت الله الحرام وزيارة روضة الرسول سيدنا محمد
صلى الله عليه وسلم, تصدر لتعلين النناس وإرشادهم وتربيتهم على مكارم الأخلاق التي بعث الله رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لتتميمها, وقد هدى الله على يديه خلقا كثيرا واشتهر أمره وشاع خبره بين الخاص والعام, وله الفضل في نشر الطريقة الدرقاوية في تلمسان وضواحيها. وتوفي شيخه سيد الحاج محمد الهبري تغمده الله تعالى برحمته سنة 1317 ه في رمضان الموافق 1999 م, فانتقل الشيخ الحاج محمد بن يلس إلى وهران ومكث فيها ثلاثة أعوام, يعلم ويربي ويرشد وينشر الطريق, وكان من تلامذته العلامة الشيخ الطيب المهاجي وكذلك شيخ زاوية بطيوة الفاضل الوقور سيد الحاج البوعبدلي.
 
سفره إلى الريف
ثم سافر الشيخ المربي الحاج محمد بن يلس إلى الريف بالمغرب ومكث هناك عامين يعلم التوحيد والفقه وينشر الطريق ثم عاد لتلمسان وكان ذلك سنة 1324 ه الموافق 1906 م, ففرح به الأهل والأحباب إذ كانوا يشتاقون لحديثه وإرشاداته ومعارفه فعاد إلى التعليم والذكر والمذاكرة والوعظ وكثرت تلامذته وانتشرت الطريقة انتشارا لم يعهد لها مثيل في تلمسان, حتى حسد على ما منحه الله تعالى عليه من إقبال, وحاولوا إفساد العلاقات الطيبة التي كانت بين الشيخ الفاضل الحاج محمد بن يلس وبين الشيخ محمد بن الحاج محمد الهبري ولكن الله يحق الحق ويبطل الباطل فلم ينالوا شيئا.
 
في زاويته
كان رحمه الله تعالى يجمع الناس في زاويته يعلمهم التصوف والفقه والتوحيد واللغة ويجمع الناس على الذكر والمذاكرة, وكانت تقام حفلات دينية تنشد فيها أناشيد المديح ويذكر فيها اسم الله, ويقومون للعمارة فيذكرون الله قياما كما ذكروه قعودا ولا يطيلون القيام لأن اجتماعهم كان للتذكير والمذاكرة, فيعطهم مستمدا من كتاب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فهما أساس الدين وكثيرا ما كان يقول: من تحقق ولم يتشرع فقد تزندق, ومن تشرع ولم يتحقق فقد تفسق ومن جمع بينهما فقد تحقق.
كرمه
 
لقد كان كريما ينفق مما أعطاه الله تعالى لا يخشى فقرا وقد ذكر أحد تلامذته وهو مولاي مصطفى الشريف أن الشيوخ المعروفين جمعوا الأموال, وبنوا العمارات واشتروا العقارات, أما هو أي الشيخ ابن يلس فقد أنفق ماله على الفقراء ولغرض نشر الطريق ولم يخلف لأولاده من بعده مالا ولا سكنا ولا أي متاع الدنيا إلا الذكر الحسن أو خزانة كتب.
وكان لا يقابل السيئة بالسيئة بل يقابلها بالحسنة عملا بقوله تعالى: ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة فإنه ولي حميم.
 
كانت أوقاته كلها ذكر ومذاكرة في الاجتماعات العامة والخاصة وكان يكثر السياحة ويعلم أينما حل وارتحل. عندما كان يتلقى دروسه عن شيخه السيد الحرشاوي محمد بن أحمد, اعتذر شيخه عن متابعة التعليم, وطلب التغيب لمدة من الزمن فسأله الشيخ ابن يلس عن سبب التغيب فأجابه أن عليه ديونا تقدر بمائة دورو ذهبية يريد السياحة لجمعها, فما كان من الشيخ ابن يلس إلا أن باع محلا له بهذا القدر وسلمه المبلغ. وهكذا داوم فضيلة الشيخ الحرشاوي دروسه قد سدد. وهذه قصة رواها الكثيرون عنه ومنهم والدي الحاج مصطفى الحاج محمد العشعاشي رحمهم الله. لا يصغي لأخبار السوء. كان رحمه الله ذا أخلاق عالية, لا يعير أذنا صاغية لمن ينقل أخبار سيئة ولا يلتفت إلى من يقول عنه كلاما كاذبا لينقص من فضله وهو يحب إخوانه في الله ولا يعبا بما يقال فيهم ولا يقبل عنهم لأنه على يقين من أنهم ممن صفت سريرتهم وحسنت علانيتهم ووجبت محبتهم وأن اللقاء والإجتماع بهم يزيد في الإيمان والمعرفة ويقرب إلى الله. وقد ذكر له بعض الشباب بأن السيد الحاج محمد بن العربي بلقايد ذكر الشيخ اين يلس بسوء فما كان من هذا الخبر إلا أن ذهب لزيارة السيد الحاج محمد ابن العربي بلقايد وما كان من هذا إلا أن استقبله استقبالا حارا مما دل على أن السيد بلقايد لم يرد بقوله ذلك إلا اختباره وهذه عادة فقد فعل ذلك مع سيد محمد ابن ابراهيم البودالي فذكرله عن شيخه سيدي محمد الهبري ما لا يرضيه لاختباره.
 
مما لا بد من ذكره
هو أن الشيخ ابن يلس رحمه الله لما رأى من بعض إخوة الطريق الشبان بعض النفور وأنهم حاولوا تعكير الجو فنقلوا عنه ما لا يقال إلى الشيخ سيدي محمد بن الحاج محمد الهبري, سافر إلى مستغانم واتصل بالشيخ المربي والعارف بالله سيد حمو بن الحبيب البوزيدي المتوفى سنة 1327 ه الموافق 1909 م فانتهل من ورده واغترف من فيض بحره ونال منه مراده, إذ أذن له بالتربية والإرشاد أما تلقين الأوراد فكان من طريق شيخه الأول الأستاذ الكبير قطب العارفين سيد الحاج محمد بن أحمد بن عبد الرحمن العزاوي الهبري رضي الله عنه, وقد أشار الشيخ بن يلس رحمه الله في قصيدته التي يقول فيها:
 
بالهبري تم المراد لقنني بالأوراد أما مقام الإرشاد من البوزيدي مأخوذ
 
ولما انتقل الشيخ حمو بن الحبيب البوزيدي إلى رحمة الله ودفن في زاويته بتجديت مستغانم وبعد ثلاثة أيام من وفاة الشيخ, اجتمع كبار الفقراء بجانبي الزاوية الحاج أحمد بن اسماعيل والشيخ الحاج محمد بن يلس والمقدم بن عودة بن سليمان وسيد الحاج أحمد بن عليوة وغيرهم ليختاروا خليفة للشيخ فتم اتفاقهم على تعيين الشيخ محمد بن يلس لرياسة الزاوية في مستغانم, فاعتذر الشيخ بن يلس لأنه لا يستطيع ترك زاوية تلمسان ولأنه يكثر السياحة مما لا يسمح له بالقيام بشؤون زاوية مستغانم فقرروا إسنادها للمقدم الحاج بن عودة بن سليمان فاعتذر أيضا, وأخيرا للشيخ الفاضل صاحب التآليف المتعددة الشيخ أحمد بن عليوة, وكان ممن لازموا الشيخ حمو بن الحبيب البوزيدي وانتفعوا بعلمه وبفضله, فرضي بذلك وقبل.
 
ثم إن الحكومة الفرنسية كانت تضايق الشيخ بن يلس في زاويته لأنها كانت تمنع التعليم في غير المدارس الرسمية مما جعله يخرج من تلمسان بحجة السياحة وكثيرا ما كان ينتقل إلى قرية الملح التابعة حاليا لولاية تموشنت وهي قريبة منها ينزل عند تلميذه مولاي السايب صاحب معمل الأجور ويبقى عنده الشهر أو ما يقرب من ذلك ثم يعود لزاوية تلمسان وبقي هكذا إلى 15 شوال سنة 1329 ه الموافق 13 أكتوبر 1911 م تاريخ هجرته إلى الشام.
 
هجرته إلى الشام
و في هذه الفترة بالذات فرض قانون التجنيد الإجباري على الشعب الجزائري من طرف السلطة الإستعمارية الفرنسية وبالطبع احتج الشعب عن ذلك, ولما لم يجد مفرا من ذلك قررت كثير من الأسر التلمسانية مغادرة الوطن والهجرة إلى بلد إسلامي فسمحت لهم فرنسا أولا بذلك, ثم منعتهم, فكانوا يجتازون الحدود سرا وكان أكثرهم يتجه إلى الشام ومنهم من هاجر لتركيا ومنهم من هاجر إلى الحجاز أما الشيخ بن يلس فاختار الشام لهجرته لقوله
صلى الله عليه وسلم اللهم بارك لنا في شامنا قالها صلى الله عليه وسلم ثلاثا. ولم تسمح له الحكومة الفرنسية بالهجرة فسافر سرا عن طريق السعيدية ثم الحجرة في الريف المغربي الذي كان تحت السلطة الإستعمارية الإسبانية حتى وصل طنجة ومنها ركب باخرة أوصلته إلى الشام وكان في رفقته زوجته البسطاوي منصورية وابنه الحاج أحمد الذي كان في سن الجندية والذي خلفه على زاوية دمشق وعمته رازية, ومن المهاجرين الشيخ محمد بن الهاشمي ومحمد بن عبدلة وسيد الغوثي بلحاج وأخوه محمد بلحاج وسيد داودي بن قازي وغيرهم. وخلف على زاوية تلمسان سيد العربي بورصالي فقام بها أحسن قيام إلى أن توفاه الله تعالى سنة 1338 ه الموافق 1920 م. وكان وصوله إلى الشام يوم عيد الأضحى واستقر فيها واتصل بالعالم العلامة وشيخ الطريقة اليشروطية بدمشق الشيخ محمود أبو الشامات وكان يزوره دائما في زاويته العظيمة قرب مسجد سنان باشا واتخذ مقره في مسجد عز الدين في باب الجابية وكان يجتمع إليه المريدون فيقيم حلقات الذكر مرتين في الأسبوع وشاع خبره وكثر مريدوه وأحبه أهل الشام وفسحوا له مجال الإرشاد وسلموه الزاوية الحمدية في حي الشاغور وجعلوا له في آخر حياته راتبا شهريا يستعين به فنشر الطريق واتصل بعلماء الشام وفضلائها, أذكر منهم المحدث الأكبر الشيخ بدر الدين الحسني والشيخ أمين السويدي والشيخ توفيق الأيوبي والشيخ ياسين الفراء والشيخ هاشم الخطيب والشيخ علي الدقر كما اتصل بفضيلة العالم العلامة المحدث الشهير الشيخ جعفر الكتاني الذي كان مجاورا في المدينة المنورة والذي طلبت منه الحكومة التركية أن يبدل دار استقراره فيجعلها دمشق بدل المدينة وذلك لموقف الشريف حسين من الدولة التركية أيام الحرب العالمية الأولى والمعروف أن الشيخ جعفر الكتاني من كبار الصوفية بل هو شيخ الطريقة الكتانية في المغرب الأقصى وقد هاجر إلى المدينة بعد أن قتل ملك المغرب عبد الحفيظ آنذاك أخاه محمد وهذا قبل احتلال فرنسا للمغرب. وفي أثناء الثورة السورية 1925 م ألقت السلطات الفرنسية القبض على الشيخ ابن باديس وعلى ولده الشيخ أحمد وعلى السيد الغوثي بلحاج الذي كان في خدمة الشيخ وعلى بشير تلو وهو من تجار دمشق المحترمين ومن تلاميذ الشيخ ثم أفرج عنهم بعد أن عذب ولده الشيخ أحمد عذابا شديدا لأن السلطة الفرنسية قد اتهمتهم بالمشاركة في الثورة السورية وأكدت التهمة بمواقف الشيخ من التجنيد الإجباري في الجزائر ومن عدم التقيد بقرارات الدولة الفرنسية بخصوص التعليم في الزوايا وخروجه من الجزائر مع زوجه وولده مهاجرا بدون جواز. ولكن أصدقاء الشيخ بن يلس كثيرون سوريون وجزائريون مهاجرون فدافعوا عنه, وعمل على الإفراج عنه محدث دمشق الأكبر الشيخ بدر الدين الحسني رحمه الله وشخصيات عسكرية مرموقة. ومن الجدير بالذكر أن الشيخ ابن يلس كان في هاته المدة مريضا قعيد الفراش فلم يعطي أي انتباه لمرضه الذي أصابه ابتداء من سنة 1922 م ولازمه حتى توفاه الله سبحانه وتعالى سنة 1927 م. على كل لقد نشر الطريق في دمشق وضواحيها وكانت له زاوية كما ذكرنا في دمشق وأخرى في برزة وهي قرية قريبة من دمشق فيها قبر الصحابي برزة رضي الله عنه وأخرى في دوما كما أن الشيخ أحمد أنشأ زاوية في كفرسوسة.و أخرى في بيت سحم في ضواحي دمشق.
 
من تلاميذه
من تلاميذه ومحبيه الفاضل الشيخ جميل الشطي مفتي الحنابلة بدمشق ومن تلاميذه السيد بديع الشويكي الذي أصبح محاميا وقد نشر هذا الأخير بإذن من الشيخ ابن يلس الطريق في حمص عندما كان تاجرا فيها. وكان منشدا حنين الصوت يحفظ أناشيد كثيرة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ومن تلامذته الشيخ أحمد القصيباتي وهو أحد المقدمين في الزاوية وكانت والدته تجمع النساء للذكر والمذاكرة. وللشيخ رحمه الله ديوان شعر مطبوع كما له رسائل كتبها لتلاميذه في تلمسان جمعها الشيخ الغوثي بغدادلي ولكنها لم تطبع حتي الآن.
 
وفاته
واشتد عليه المرض في آخر أيامه واتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الإثنين 12 جمادى الآخرة 1346 ه الموافق 30 نوفمبر 1927 م وصلي عليه في الجامع الأموي ودفن في مقبرة الباب الصغير بدمشق قرب قبر سيدنا بلال رضي الله عنه مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشيعت حنازته آلاف مؤلفة من الناس وبكته دمشق بأسرها, وفي حالة الإحتضار, كان يقول ويطلب منا أن نقول معه: وقفنا ببابك يا رب العالمين, ارحمنا بفضلك يا أرحم الراحمين.
 
رحمه الله رحمة واسعة وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء آمين.
 
هذه الوصايا من الشيخ الحاج أحمد بن يلس
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الأحباب بالله والمحبون من أجله العاملون على نشر كلمة التوحيد والإجتهاد والذكر والمذاكرة وتعمير أوقاتكم بالله وعلى ما أنتم عليه, وإياكم والغفلة عن الله فإن من لم يكن في الزيادة فهو في النقصان نسأله تعالى أن يفتح على جميع الإخوان فتوح العارفين بالله وأن يجعلنا من المتحابين في الله وفي الله متعاونين على ما يوفي الله ورسوله
صلى الله عليه وسلم, هذه رسالة مختصرة شاملة لأركان الطريق وجامعة لأسرار الطريقة بالتحقيق. ألهمني الله أن أكتب إليكم هذه الرسالة بعون الله وأجعلها بين أيديكم حبا في الله فإذا وصلت بين أيديكم بمشيئة الله فأسأل من فضل الله أن تكون هذه الوصايا مقبولة عندك وعند الله, أيها المريد, وأن تعمل بها بتوفيق الله حتى تدخل في زمرة أهل الله عدد هذه الوصايا اثنان وعشرون احفظها يحفظك الله وتصل بها إلى المتحابون بالله.

1-أوصيك بتقوى الله حتى تذوق طعم حب الله.
2-وأوصيك بتفويض الأمور إلى الله حتى تستريح من العزم والإختبار والتدبير المخالف لتقدير الله.
3-وأوصيك بالتوكل على الله حتى يكفيك الله.
4-وأوصيك بالتسليم والرضا بقضاء الله حتى تسلم من المخلقات وتنال رضاء الله.
5-وأوصيك بالصبر الجميل على إيحاء الناس لله حتي تنسى أوصاف البهائم وتتخلق بخلق الله.
6-وأوصيك بكتم الضبط وبالعفو عن عباد الله حتى تجد حلاوة عفو الله.
7-وأوصيك بستر العيوب وبالشفقة على جميع خلق الله حتى يستر الله عيوبك ويرحمك الله.
8-وأوصيك بالعزلة عن الغافلين عن الله حتى لا يشغلونك عن التوجه إلى الله وعن الحضور مع الله.
9-وأوصيك بالصدق وخلوص النية في جميع خلقك لوجه الله حتى لا تلتفت إلى غرض النفس ولا إلى نظر الخلق لئلا تسقطون نظر الله.
10-وأوصيك بالإتباع قولا وفعلا ظاهرا وباطنا لحبيب الله ويعزك الله ويمدك الله.
11-وأوصيك بكتم أحوال القلب وستر أسرار الحب وحفظ حدود الله عن كل من لا يعرف نفسه ولا يطلب ربه ولا يعرف الله حتى يطيب عيشك ويدوم حضورك ويحفظك الله ونكون أمين الحق ومحرز أسرار الله.
12-وأوصيك بالتوبة والرجوع إلى الله من كل ما يقطعك عن الله حتى تجد الحق مع الكل والكل مع الله.
13-وأوصيك بترك جميع ما سوى الله حتى تشهد الوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة وتجمع بين حب الخلق وحب الله فتعامل الخلق بالأدب مع الله.
14-وأوصيك بترك حظوظ النفس وبالسفر القلبي عنها حتى لا تبتلى بالسفر الظاهر لأجلها ويصفو وقتك مع الله.
15-وأوصيك بتقليل الطعام والمنام والكلام بغير الله حتى تذوق لذة الإلهام وحلاوة الأنس بالله.
16-وأوصيك بمداومة الذكر القلبي بكلمة لا إله إلا الله حتى يتنور قلبك بنور وحدانية الله وينعكس ذلك النور على صفحات الكائنات وتشاهد وحدة الوجود بنور الله تعالى دونه الفقر الحقيقي وسعادة الغنى بالله.
17-وأوصيك بنفي الخواطر والأخطار في ملاحظة غير الله حتى لا يبقى بينك وبين الله حجاب فيكون قلبك بيت الله.
18-وأوصيك بجلاء القلب بصقيل ذكر الله حتى تنظر فيه ويظهر لك سر معية الله وتجدر بك أقرب إليك منك وتكون من المقربين إلى الله وتعرف نفسك وربك بالله وتملك كنز معرفة الله وتنال السعادة الأبدية وتلحق بخواص أهل الله.
19-وأوصيك بالأعراض عنك والإقبال على الله حتى تكون ناسيا لنفسك ومتذكرا الله.
20-وأوصيك بمحو الوجود بالكلية في محبة الله حتى يجد بك لطفه إليه ويكون هو سمعك وبصرك فتسمع بالله وتبصر بالله فلا يبقى لك لا انتظار ولا اجتياح إلى جارح عنك ولا شغل مع الله غير الله وتكون مستعينا بالله عن سوى الله.
21-أوصيك بدوام الإشتغال السري بوحدانية الله حتى لا يخطر ببالك في حميع أحوالك غير الله خصوصا في مظاهر الأفعال. فلا تشاهد الفعل إلا من الله من العطاء والمنع والضر والنفع والإيذاء والإهداء والإنعام وسائر ما يصدر عن الأنام فإذا ظهر إنعام فلا تشكر حقيقة إلا الله وتشكر ذلك المظهر مجازا لكونه كلا إله إلا الله وإذا وقع إيذاء أو إيلام فترى ذلك من عدل الله ولا تعاقب ذلك الشخص لكونك في جميع أحوالك حاضرا مع الله وغائب عن سواه.
22-وأوصيك بخلاصة هذه الوصايا وهي ترك الكل ونسيان الهوى في جنب ذكر الله حتى لا يبقى في القلب إلا الله وتموت نفسك الحيوانية ويحيي قلبك بالله فتكون حينئذ ولي الله – قال بعض أهل الله: من كان في قلبه الله فمعينه في الدارين الله ومن كان في قلبه غير الله فخصمه في الدارين الله.
 
فيا أخي في الله الله الله لا تغفل عن الله حتى لا تجد في قلبك غير الله ولا تعرف أبدا إلا الله, الأول الله والآخر الله, الظاهر الله, الحي الله, الباقي الله.
 
والسلام من محب الله في الله الفقير إلىالله خادم أهل الله الحاج محمد بن يلس التلمساني ثم الشامي الدرقاوي الشادلي القادري الجنيدي, أمدنا الله وإياكم بمدد أهل الله آمين. دمشق. الشام. 27 شوال 1342 ه.
 
خليفته
وبعد وفاته بأيام, اجتمع المريدون في الزاوية الحمدية واتفقوا على إسناد الزاوية إلى ابنه الشيخ أحمد وألبسوه برنوس والده.
 
ومن المعلوم أن ابنه الشيخ أحمد كان أستاذا للغة العربية في المدرسة العلمية الوطنية وهي من خيرة مدارس دمشق, كما كان يدرس الأدب والفقه الحنفي والتوحيد وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم , وتاريخ الإسلام وكان يقوم بتعليم المريدين في الزاوية بين العشاءين درس في الفقه ابن مالك ودرس في مقامات الحريري. وكان له درس أسبوعي في ديار المريدين ليلة كل سبت بعد صلاة العشاء في الحديث النبوي, يحضره عدد كبير من المريدين كما أنه كان ينوب عن والده في الإحتماعات الأسبوعية العامة في الزاوية ليلتي الاثنين والجمعة. ولذلك وافق الجمع على إسناد رياسة الزاوية له بعد أبيه فسار على نهج والده.
 
خلفاء الشيخ في مختلف الزوايا
ترك رحمه الله على رأس زاوية برزة الشيخ كمال شاكر وهو من أعيان قرية برزة وترك على رأس زاوية دوما الشيخ محمود الدوماني وهو إمام وخطيب دوما ومن أعيانها, كما ترك على زاوية تلمسان الشيخ الغوثي بغدادلي وهو من تجار تلمسان وكان له أتباع بتاوريرت بالمغرب وكذلك في فاس. ومن خيرة تلامذته الشيخ محمد بن الهاشمي وهو من علماء الشام وهو من تلامذته القدامى, وكان شريكه في التجارة عندما كانا في تلمسان, وقد تزوج الشيخ ابن يلس بأخته بعد وفاة زوجته الأولى حسنى بنت البجاوي ثم ماتت بعد سنة من ذلك ولذلك كانت الصداقة والمحبة قوية بين الشيخ ابن يلس وبين تلميذه الشيخ ابن الهاشمي, وقد أذن له الشيخ ابن يلس في حياته بتلقين الأوراد كما أذن للشيخ أحمد القصيباتي بذلك, وللشيخ الهاشمي قصيدة في التوحيد جعل لها شرحين, شرح مختصر وشرح مفصل, أظهر فيهما كفاءته العلمية ومعرفته الكاملة بعلم الكلام وتعمقه في معرفة مذهب الإمام الأشعري. ومن ضمن تلامذته ومريديه السيد الحاج أحمد ميصالي التلمساني مؤسس حزب الشعب الجزائري والملقب أبو الأمة والغي طلب فيه حرية واستقلال الجزائر في الوقت الذي كانت معظم شعوب العالم آنذاك مستعمرة كما كان لميصالي الحاج تأثير كبير في مختلف الحركات التحررية في العالم حيث قد أشاد بها مشاهير الثوار: كهوشيمين وشاولين وغيرهم...إلخ, وصلى الله العظيم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم, كلما ذكره الذاكرين وغفل عن ذكره الغافلون.
 
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. آمين
حديث سيدنا جابر رضي الله تعالى عنه يثبت أسبقية نوره سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم فقد روى من عبد الرزاق بسنده في كتابه جنة الخلد عن جابر عن عبد الله الأنصاري قال: قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي أخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء. قال: يا جابر إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره, فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جن ولا إنس فلما أراد الله أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء, فخلق من الجزء الأول القلم ومن الجزء الثاني اللوح ومن الثالث العرش ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء فخلق من الجزء الأول حملة العرش ومن الثاني الكرسي ومن الثالث باقي الملائكة ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء فخلق من الجزء الأول السماوات ومن الجزء الثاني الأراضين ومن الثالث الجنة والنار ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء فخلق من الجزء الأول نور أبصار المؤمنين ومن الثاني نور قلوبهم وهي المعرفة بالله ومن الثالث نور أنسهم وهو التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله. ثم نظر إليه فترشح النور عرقا فتقطرت منه مائة ألف قطرة وعشرسن ألفا واربعة آلاف قطرة فخلق الله من كل قطرة روح نبي ورسول ثم تنفست أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسهم أرواح الأولياء والسعداء والشهداء والشهداء والمطيعين من المؤمنين إلى يوم القيامة. فالعرش والكرسي من نوري والكروبيون من نوري والروحانيون من نوري, والجنة وما فيها من النعيم من نوري والشمس والكواكب من نوري والعقل والعلم والتوفيق من نوري وأرواح الأنبياء والرسل من نوري والسعداء والصالحون من نتائج نوري ثم خلق الله آدم من الأرض وركب فيه النور وهو الجزء الرابع, ثم انتقل منه إلى شيث وكان ينتقل من طاهر إلى طيب إلى أن وصل إلى صلب عبد الله بن عبد المطلب ومنه إلى وجه أمي آمنة, ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين وخاتم النبيين وقائد الغر المحجلين. هكذا بدأ خلق نبيك يا جابر. حديث صحيح.

وعلى هذا المنوال فقد قال
صلى الله عليه وسلم : أنا من نور الله والمؤمنون من رشحات نوري.
ومن ذاك أنه صلى الله عليه وسلم عندما سئل: متى نبئت يا رسوا الله, قال صلى الله عليه وسلم كنت نبيا وآدم منجدل في طينته, ومرة أخرى قال عليه الصلاة والسلام ردا على سؤال سائل كنت نبيا وآدم بين الماة والطين ومرة ثالثة سئل صلى الله عليه وسلم متى نبئت يا رسول الله فقال كنت نبيا ولا ماء ولا طين والدليل المصحفي الثالث على أسبقية نوره صلى الله عليه وسلم سورة الإنسان فقد فال تبارك وتعالى  هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فعلناه سميعا بصيرا. وقد قال بعض المفسرين أن الإنسان المقصود في هذه السورة هو أبونا آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ولكن رؤساؤنا السادة الصوفية قالوا أن آدم عليه السلام لم يكن مخلوقا من نطفة أمشاج ولذلك فإن المقصود بهذه السورة هو الإنسان الكامل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من ثم فهي توضح أسبقية نوره صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث سيدنا جابر رضي الله عنه ومن هذه الحيثية نخلص إلى أن كل جدود النبي صلى الله عليه وسلم مسلمون مصداقا لقوله تعالى هو الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين وقوله صلى الله عليه وسلم انتقلت من صلب طاهر إلى رحم طيب من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي ولم يصبني من سفاح الجاهلية شيء وقال صلى الله عليه وسلم حاكيا عن نفسه وعن سيدنا الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كنا نورين بين يدي القديم الأزلي وتزل تنتقل من صلب طاهر إلى رحم طيب حتى ظهر علي في عبد المطلب وظهرت في عبد الله. وقال صلى الله عليه وآله وسلم أنا دعوة إبراهيم وأنا بشرى عيسى.
و حديث سيدنا جابر رضي الله عنه يوضح كل ذلك ولا بد لنا أن نورد هنا ما دار بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيدنا جبريل عليه السلام عندما كان سيدنا جابر رضي الله عنه يسأل النبي صلى الله عليه وسلم أول شيء خلقه الله تعالى بالرغم من أننا قد سبق أن أوردناه في باب مراتب الغيب وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما رأى استغراب سيدنا جبريل عليه السلام عندما قال صلى الله عليه وسلم لسيدنا جابر رضي الله عنه عن أول شيء خلقه الله تعالى نور نبيك يا جابر. سأله قائلا يا جبريل كم عمرت من السنين؟ فقال جبريل عليه السلام  يا رسول الله لست أعلم غير أن في الحجاب الرابع نجما يطلع في كل سبعين ألف سنة مرة ورأيته سبعين ألف مرة فقال صلى الله عليه وسلم وعزة ربي أنا ذلك الكوكب رواه أبو هريرة رضي الله عنه بلفظ أنه صلى الله عليه سأل جبريل عليه السلام قائلا يا جبريل كم عمرت من السنين...؟إلخ الحديث ثم سأل الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام عن المكان الذي يأتي منه بالوحي فقال  حيثما أكون في أقطار السماوات أسمع صلصلة جرس فأسرع إلى البيت المعمور فأتلقى الوحي فأحمله إلى الرسول أو النبي فقال له صلى الله عليه وسلم اذهب إلى البيت المعمور الآن واتل نسبي فذهب سيدنا جبريل عليه السلام مسرعا إلى البيت المعمور وتلا نسب النبي صلى الله عليه وسلم قائلا محمد صلى الله عليه وسلم بن عبد الله بن عبد المطلب إلخ... فانفتح البيت المعمور ولم يسبق أن فتح له قبل ذلك فرأى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم بداخله فتعجب فعاد مسرعا إلى الأرض فوجد الرسول صلى الله عليه وسلم في مكانه كما تركه مع سيدنا جابر رضي الله عنه فعاد بسرعة خارقة إلى البيت المعمور فوجد صلى الله عليه وسلم هناك ثم عاد مسرعا إلى الأرض فوجده صلى الله عليه وسلم ما زال جالسا مع سيدنا جابر رضي الله عنه فسأل جبريل عليه السلام سيدن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائلا :هل ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه هذا؟ فقال سيدنا جابر رضي الله عنه: كلا يا أخا العرب فإننا لم ننته بعد من الحديث الذي تركتنا فيه. فقال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم  إذا كان الأمر منك وإليك فلماذا تعبي؟ فرد عليه صلى الله عليه وسلم قائلا للتشريع يا أخي جبريل وتلا قوله تعالى  ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وبيدي لوا ء الحمد ولا فخر وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي, وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر رواه الترمذي وغيره. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من قبليز نصرت بالرعب مسيرة شهر, وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وجعلت تربتها لنا طهور إذا لم نجد الماء, فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل, وأحلت لي الغنائم, وأعطيت الشفاعة , وكان النبي يبعث في قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة. رواه البخاري. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من زار قبري وجبت له شفاعة. رواه الدرقطني وكثيرا من أئمة الحديث. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حج البيت الحرام ولم بزرني فقد جفاني رواه بن عدي بسند يحتج به قال وجفاؤه صلى الله عليه وسلم حرام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  حياتي خير لكم تحدثوني وأحدثكم ومماتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فما وجدت من خير حمدت الله وما وجدت من شر استغفرت لكم. حديث قدسي: إن الله تباركك وتعالى قال لحبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم  في ليلة المعراج: لولاك لما خلقت الأفلاك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما أنا رحمة مهداة. فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإنه أتاني جبريل آنفا عن ربه عز وجل فقال: ما على الأرض من مسلم يصلي عليك مرة واحدة إلا صليت أنا وملائكتي عليه عشرا. رواه الطبراني وعنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لله تبارك وتعالى ملكا أعطاه الله أسماء الخلائق فهو قائم على قبري إذا مت, فليس أحد يصلي علي إلا قال: يا محمد, صلى عليك فلان بن فلان, قال فيصلي الرب تبارك وتعالى على ذلك الرجل بكل واحدة عشرا. رواه البزار والطبراني وأبو الشيخ بن حبان.
مسك الختام الوصية بالقرآن
أما بعد: فإن سر نجاح المسلمين في وحدتهم وتضامنهم هو تمسكهم بدينهم, ورجوعهم إلى العمل بالكتاب والسنة, فبذلك يمكن الله لهم في الأرض ويستخلفهم ويبدلهم من بعد خوفهم أمنا, فقد قال الله تعالى في محكم كتابه المبين: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا. بهذا نصل الله الصحابة والسلف الصالحين وأيد الغزاة الفاتحين فنشروا الدين والأخلاق والفضيلة وهدموا الشرك والبدع والرذيلة وأنقذ الله بهم الإنسانية من كبونها وأيقظ النفوس بعد غفلتها وفته بهم أعينا عميا وأذانا صما وقلوبا غفلا وكانوا هداة مهتدين صدقوا ما عاهدوا الله عليه, رضي الله عنهم وأرضاهم فالمسلمون اليوم يحتاجون إلى توعية عامة وثقافة دينية ليهتدي الضال وينتبه الغافل ويعم السلام ويسود الإسلام وتستريح البشرية من العناء الذي أحاط بها وتحمد النفوس السرى عندما ترى بشائر الآمال تتحقق بفضل الإتباع لهذا الدين المتين. لقد أخبرنا نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم عن كل هذه الأمراض والمصائب التي تنخر في الأمة وتهدم البناء وتشتت الشمل وتفرق الجمع. لقد وصف
صلى الله عليه وسلم الداء وأرشد إلى الدواء فقال:ستكون فتن كقطع الليل المظلم قال الراوي قلت يا رسول الله وما المخرج منها؟ قال: كتاب الله تبارك وتعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر من بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله, هو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم. وكتاب الله في مفهوم كتاب الله سبحانه وتعالى يعني أيضا العمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , فالدعوة إلى كتاب الله تعالى إذا كانت صادقة فهي دعوة إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن كتاب الله دعا إلى اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالدعوة إلى القرآن والعمل به وترك السنة النبوية دليل واضح على تناقض الداعي وكذبه وافتراؤه. وقد اعتنى النبي صلى الله عليه وسلم بتعليم القرآن عناية عظيمة خصوصا بالنسبة للصبيان الصغار, ولا شك أن في ذلك فائدة كبرى وهي لأجل أن تسرى روح القرآن في قلوبهم ونوره في أفكارهم ومداركهم وحواسهم ولأجل أن يتلقن عقائد القرآن منذ الصغر وأن ينشأ ويشب على محبة القرآن والتعلق به والإئتمار بأوامره والإنتهاء عن مناهيه والتخلق بأخلاقه والسير على مناهجه. وكان صلى الله عليه وسلم يشترط على وفود الأعراب بعد إسلامهم قراءة القرآن بينهم وتعليمهم أمر الدين وإقامة المؤذنين, وفي اعتناء الصحابة رضي الله تعالى عنهم والسلف الصالح بعدهم بتعليم الصبيان اقتداء لما كان عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم واستجابة كاملة لأمره ومسارعة صادقة لاكتساب الخيرات والبركات التي ضمنها بإذن الله تعالى لمن فعل ذلك إذ قال لهم: من علم ابنه القرآن نظرا غفر له ومن علمه إياه ظاهرا- أي عن ظهر قلب – بعثه الله على صورة القمر ليلة البدر ويقال لابنه: اقرأ فكلما قرأ آية رفع الله عز وجل الأب بها درجة إلى آخر ما معه من القرآن. رواه الطبراني عن أنس رضي الله عنه. وقال صلى الله عليه وسلم :  ما من رجل يعلم ولده القرآن في الدنيا إلا توج أبوه يوم القيامة بتاج في الجنة يعرفه به أهل الجنة بتعليم ولده القرآن في الدنيا. رواه الطبراني عن أبي هريرة وفي رواين عند الإمام أحمد: أنه يكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا – أي لا تقدر بهما الدنيا- فيقولان: بم كسينا هذا؟ فيقال: يأخذ ولدكما القرآن. وفي رواية الطبراني: بتعليم ولدكما. وقال ابن خلدون في المقدمة في فضل تعليم الولدان: اعلم أن نعليم الولدان القرآن شعار من شعائر الدين أخذ به أهل الملة ودرجوا عليه في جميع أمصارهم بما يسبق فيه القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده من آيات القرآن وصار القرآن أصر التعليم الذي ينبني عليه ما يحصل بعد من الملكات ثم اختصت العوائد الإسلامية بتقدم دراسة القرآن إيثارا للتبرك وخشية ما يعرض للولد من جنون الصبا من الآفات والقواطع فيفوته القرآن.
 
والقرآن الكريم: هو كلام الحكيم العليم رب العالمين نزل به روح الأمين على عبده ورسوله وأفضل خلقه وسيد أنبيائه وخاتم المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين, علما وعرفانا وبصائر وتبيانا ورحمة وفرقانا وهدى ونورا وبلاغا للناس وإنذارا وتبشيرا وذكرا مباركا حكيما وعروة وثقى وصراطا مستقيما وعدلا وصدقا وقصصا حق, قرآنا عربيا مبينا في أعلى طبقات البلاغة معجزا للثقلين كافة في لفظه ونظمه وأسلوبه ومدلوله. قال سبحانه وتعالى: قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. ومعجزة باهرة على وجه الدهر باقية, دليلا على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في رسالته العامة الخالدة للثقلين كافة إلى يوم القيامة. له أبهى صلوات وفيه أعظم حلاة كلما زدته تلاوة, فيه من الأسرار الإلهية عجائب ومن أنواع العلوم والمعارف غرائب ومن أحسن القصص مواعظ ومن أصدق الأمثال بصائر: يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا. كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير. لم يفرط فيه الله تعالى من شيء, آيات بينات وحكم بالغات ورحمة للمؤمنين وشفاء لما في الصدور وضحت به المحجة وقامت به الحجة على الثقلين عامة و يهدي الله لنوره من يشاء.
 
لقد ربط الله سبحانه وتعالى عزنا بعز القرآن وشرفنا بشرفه وبقائنا ببقائه يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا به أذلنا الله. وهذا القول من عمر رضي الله عنه هو ثمرة ما تلقاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء يوما بنسخة من التوراة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هذه نسخة من التوراة فسكت فجعل يقرأ ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير فقال أبو بكر رضي الله عنه: ثكلتك الثواكل ما ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فنظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعوذ بالله من غضب الله ورسوله رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  والذي نفس محمد بيده لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواء السبيل ولو كان حيا وأدرك نبوتي لاتبعني ولذلك جاء الأمر بتعاهد القرآن خوف النسيان بقوله صلى الله عليه وسلم : تعاهدوا هذا القرآن فو الذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل من عقلها والمعنى أن المؤمن ينبغي له المحافظة على تلاوة القرآن الكريم ومدارسته ومذاكرته خشية أن يتفلت منه وينساه. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة, إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت متفق عليه. وروى الدارمي بإسناده عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: أكثروا تلاوة القرآن قبل أن يرفع, قالوا: هذه المصاحف ترفع فكيف بما في صدور الرجال, فقال: يسرى عليه ليلا فيصبحون منه فقراء وينسون قول لا إله ألا الله ويقعون في قول الجاهلية وأشعارهم وذلك حين يقع عليهم القول.
 
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب رواه الترمذي وصححه. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد, وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر فيها ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها. رواه أبو داوود والترمذي. وعن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله يوم القيامة أجذم. رواه أبو داوود. روى الإمام مسلم وأحمد عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أنه قال: قام رسول الله يوما فينا خطيبا بماء يدعى – أي مكان يسمى- خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد: ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول فأجيب – يريد بذلك وفاته صلى الله عليه وآله وسلم – وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي. وعن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما كالمودع فقال: أنا محمد النبي الأمي أنا محمد النبي الأمي لا نبي بعدي أوتيت فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه وعلمت كم خزنة النار وحملة العرش وتجووز بي وعوفيت وعوفيت أمتي فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله أحلوا حلاله وحرموا حرامه. رواه أحمد وغيره. وإن من أعظم المنن الإلهية التي خص الله تعالى بها هذه الأمة المحمدية دون سائر الأمم جعل قلوب هذه الأمة أوعية لكلامه وصدورها مصاحف لحفظ آياته ولا يغسله من قلوبهم تيار الماء ولا يمحوه من صدورهم كيد الأعداء, قال سبحانه وتعالى: بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العالم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون, وروي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ القرآن فاستظهره فأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الجنة إن شاء الله, وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار رواه الترمذي وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أعطاه الله تعالى حفظ كتابه فظن أن أحدا أعطي أفضل مما أعطى فقد غلط وفي رواية: فقد صغر أعظم النعم رواه البخاري. وقد أمر الله تعالى بإكرام أهل القرآن وتعظيمهم وتقديمهم على غيرهم لأنهم من شعائر الله تعالى يجب تعظيمها وإجلالها لله. قال الله تعالى:و من يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.
 
كتبه عبد الله الفقير لمولاه محمد بن الحاج مصطفى العشعاشي والله تعالى أسأل وبجاه الحبيب عند الله تعالى وبكرامته أتوسل أن لا يقطعنا عن دخول باب السلام لأجل السلام على سيدنا محمد سيد الأنام صلى الله عليه وسلم وأن يتفضل علينا بمجاورته الكريمة على أكمل الأحوال, اللهم صل على سيدنا محمد كما أمرتنا أن نصلي عليه وكما تحب أن يصلى عليه وكما يحب أن يصلى عليه وكما هو أهله وكما تحبه وترضاه له وعلى آله وصحبه وسلم علينا معهم أجمعين. اللهم ببركة الصلاة عليه مسكنا شريعته واجعلنا على سنته وتوفنا على ملته واحشرنا في زمرته, وأوردنا حوضه الأصفى واسقنا بكأسه الأوفى وأدخلنا تحت لوائه واجعلنا من رفقائه وعطف علينا قلبه الشريف وأفض علينا من بركاتك وانفحنا بنفحاته واجعلنا مرايا لأنواره ومخازن لأسراره ولسان حجته وترجمان حكمته, هداة مهتدين بسيره وسيرته وحملة لشريعته.
 
اسمع واستجب يا ذا الجلال والإكرام والطول والأنعام فأنت يا رب الولي لمن تولاك والمجيب لمن دعاك, أنت أمرتنا بدعئك ووعدتنا بإجابتك حيث قلت وقولك الحق:و قال ربكم ادعوني أستجب لكم.
 
فها نحن قد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا إنك لا تخلف الميعاد وصلى الله العظيم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم, ملما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون, سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
 
اللهم صل على من منه انشقت الأسرار وانفلقت الأنوار وفيه ارتقت الحقائق وتنزلت علوم آدم فأعجز الخلائق وله تضاءلت الفهوم فلم ندركه منا سابق ولا لاحق فرياض الملكوت بزهر جماله مونقة وحياض الجبروت بفيض أنواره متدفقة ولا شيء إلا وهو به منوط إذ لولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط صلاة تليق بك منك إليه كما هو أهله اللهم إنه سرك الجامع الدال عليك وحجابك الأعظم القائم لك بين يديك اللهم ألحقني بنسبه وحققني بحسبه وعرفني إياه معرفة أسلم بها من موارد الجهل وأكرع بها من مواهب الفضل واحملني على سبيله إلى حضرتك حملا محفوفا بنصرتك واقذف بي على الباطل فأدمغه وزج بي في بحار الأحدية وانشلني من أوحال التوحيد وأغرقني في عين بحر الوحدة حتى لا أرى ولا أسمع ولا أجد ولا أحس إلا بها واجعل الحجاب الأعظم حياة روحي وروحه سر حقيقتي وحقيقته جامع عوالمي بتحقيق الحق الأول يا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن اسمع نداءي بما سمعت به نداء عبدك زكرياء عليه السلام وانصرني بك لك وأيدني بك لك واجمع بيني وبينك وحل بيني وبين غيرك الله...الله...الله... إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ربنا آتنا من لدنك رحمة وضيء لنا من أمرنا رشدا إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما.

تعليقات