شهادة الشيخ ابن باديس بخصوص الشيخ العلاوي

تزامن أن أرسلت دعوة لحظور حفل زفاف لدى أحد سكان مستغانم (1931م), ويبدو أنه كان من أهل العلم, للشيخ العلاوي وكذلك للشيخ ابن باديس, فاجتمعا الرجلان في موضع واحد. ولا يخفى أن ابن باديس كان خصما لذوذا للشيخ العلاوي, خصومة فكرية ومنهجية وعقائدية. عند انتهاء الحفل, استضاف الشيخ العلاوي الشيخ ابن باديس لزاويته المعمورة فلبى ابن باديس الدعوة. وعند عودته لمدينته قسنطينة نشر في جريدته (الشهاب) المقال التالي يشهد فيه للشيخ العلاوي بالآداب العالية المحمدية :

مستغانم: قصدنا من المحطة إلى مسجد الأخ الشيخ بالقاسم ابن حلوش لما بيننا من سابق المعرفة بالمكاتبة وروابط المودة المتأكدة ولأن ابنه الشيخ مصطفى أحد مريدينا ومن أعزهم علينا فتلقيانا بالحفاوة والسرور الزائدين وأنزلنا على الرحب والسعة ومن غده دعا للعشاء معنا أعيان البلد منهم فضيلة الشيخ المفتي سيدي عبد القادر بن قارة مصطفى وسماحة الشيخ سيدي أحمد بن عليوة شيخ الطريقة المشهورة وكان هذا أول تعرفنا بحضرتهما فكان اجتماعاً حافلاً بعدد كثير من الناس، ولما انتهينا من العشاء ألقيت موعظة في المحبة والأخوة ولزوم التعاون والتفاهم على أساسهما وأن لا نجعل القليل مما نختلف فيه سبباً في قطع الكثير مما نتفق عليه، وأن الإختلاف بين العقلاء لا بد أن يكون ولكن الضار والممنوع المنع البات هو أن يؤدينا ذلك الاختلاف إلى الافتراق وذكرنا الدواء الذي يقلل من الاختلاف ويعصم من الافتراق وهم تحكيم الصريح من كتاب الله والصحيح من سنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم-. فاستحسن الشيوخ الحاضرون ذلك وحل من الجميع محل القبول، والحق يقال أن أغلب الناس ممن رأينا صاروا يشعرون بألم الافتراق وينفرون منه ويصغون إلى دعوة الوفاق والتحاب، وما افترق المجلس حتى دعانا الشيخ سيدي أحمد بن عليوة إلى العشاء عنده والشيخ الحاج الأعرج بن الأحول شيخ الطريقة القادرية إلى الغداء فلبينا دعوتهما شاكرين، فكانت حفلة الغداء في دار الشيخ سيدي الحاج الأعرج.

ثم دعانا الشيخ سَيِّدِي أحمد بن عَلِيوَة إلى العشاء. فَلَبَّيْنَا دَعْوَتَهُ شاكرين. وفي حفلة العشاء التي حَضَرَهَا من أعيان البلد ومن تلامذة الشيخ ما يناهز المائة. وبالغ الشيخ في الحفاوةِ والإكرام، وقام على خدمَةِ ضيوفه بنفسه، فملأ القلوبَ والعيونْ, وأطلق الألسنةَ بالشكر. وبعد العشاء قرأ القارئ آيات. ثم أخذ تلامذة الشيخ في إنشاد قصائد من كلام الشيخ ابن الفارض, بأصواتٍ حسنةٍ، ترنحت لها الأجساد. ودارت في أثناء ذلك مذاكرات أدبية في مَعَانِي بعض الآيات زادت المجلس رونقا. ومما شَاهَدْتُهُ من أَدَبِ الشيخ وأُعْجِبْتُ به, أنه لم يتعرض أصلاً, لمسألةٍ من مَحَلِّ الخلافِ, يوجبُ التَعَرُّضَ لها, على أَنْ أُبْدِي بِرَأْييي وأدافعُ عنه. فكانت محادثَاتِنَا كُلُّهَا في الكثيرِ مِمَّا هُوَّ مَحَلِّ اتِفَاقٍ دُونَ القَلِيلِ الذِي هُوَّ مَحَلِّ خِلاَفْ...

وانصرف المدعوون ونحن من جملتهم, شاكرين فضلَ حَضْرَةِ الشيخِ, وأَدَبِهِ ولُطْفِهِ وعِنَايَتِهْ. كما شكرنا أدب تلامذته وعنايتهم بضيوف أستاذهم, وخصوصا الشيخ عَدَّةْ ابْنَ تُونَسْ, تلميذَ الشيخِ الخاص.

أهل مستغانم أهل ذكاء وحسن نية وإقبال على العلم والشيخ مصطفى بن حلوش قائم في مسجده بالتعليم والإرشاد للعامة بدروس ليلية وساع في تحصيل رخصة من الحكومة لتعليم الصغار. وقد أضافنا فيها الشيخ ابن حلوش أبو مثوانا والشيخ الحاج بن الأعرج والشيخ أحمد بن عليوة والسيد الجيلاني التدلوتي عائلة دين وفضل وعمل، ولو اتسعت المدة لكنا تشرفنا بكثير غيرهم منهم صاحب الفضيلة الشيخ المفتي العالم المطلع المنصف الذي كاد أن لا يسامحنا بالسفر في اليوم الذي عيناه.

تعليقات