هو العارف بالله والدال عليه حالا ومقالا يغني المريد بالنظرة, أبو المواهب, الشيخ الفاني والعالم الصمداني, عالم عصره وفريد دهره, الحامل لكتاب الله, المنقطع إلى الله, شريف النسب من بني "الوكيل" بضواحي الناضور, سيدي محمد بن قدور الوكيلي. وكان يكنى باليتيم لوفاة والده وهو صغير السن, فتكفله خاله قدّور واسمه الصحيح "عبد القادر", ولهذا انتسب إلى خاله وسمي بهذا الاسم (ابن قدور).
يرجع نسبه الشريف إلى العثرة النبوية الطاهرة فهو محمد بن محمد بن أحمد بن العربي بن المختار بن محمد بن علي بن موسى بن علي بن يعقوب بن إبراهيم بن أبو زيد بن يحيى بن عبد الرحمان بن عبد الله بن عبد العزيز بن زكريا بن يحيى بن عيسى بن الحسن بن محمد بن علي بن عيسى بن ميمون أبو الوكيل بن مسعود بن عيسى بن موسى بن عزوز بن معزوز بن عبد العزيز بن علال بن جابر ابن عمران بن سالم بن عياد بن احمد بن محمد بن قاسم بن مولاي إدريس الأزهر بن مولاي إدريس الأكبر بن مولانا عبد الله الكامل بن مولاي الحسن المثنى بن مولانا الحسن السبط عليه السلام بن مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومولاتنا فاطمة الزهراء بنت سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
كان عالما متقنا متدبرا للآي والحديث متمسكا بالسنة عاملا بها, صادقا في كلامه ودعوته, مستقيما في قلبه وروحه, موسوي المقام من حيث صفة الكلام.
ولد محمد بن قدور حوالي سنة 1799م - 1214هـ, تعلم القراءة والكتابة في صغره وأيام شبابه وحفظ القرآن على يد فقيه من أهل البركة والصلاح بقبائل القلعية, فكان هذا الأخير يكتب لسيدي محمد بن قدّور القرآن في اللوح ويرسم له في الأخير اسم الجلالة "الله" ويقول له: "إذا حفظت ما في اللوح فغمّض عينيك وقل "الله" بالتكرار". فكان يفعل ما أمره شيخه حتى نزل به في أحد الأيام حال وغشي عليه. فأتاه الفقيه فوجده ملقى على الأرض غائباً فحركه فلم يتحرك, فظن أنه ميت فخاف على نفسه وهرب من ذلك المسجد.
ويحصل مثل هذا من لا إذن له في تلقين الاسم المفرد, فيهلك بسببه الكثير الخلق ممن يطلبون السلوك إلى الله وهنالك من يفقد عقله, فكما يقال "المأذون مضمون".
فلما أفاق محمد بن قدّور, خرج هائماً على وجهه إلى أن دخل تلمسان بالجزائر, فالتقى برجل من أهل الله فقال لسيدي محمد بن قدّور: " لولا جدّك المصطفى لما قلت لك شيئاً, وأنا رجل عقيم, ولكن حاجتك عند الشيخ محمد بن عبد القادر الباشا في الغرب ببلاد "الخرّوب". فرجع قافلا إلى المغرب واتصل بالشيخ المذكور وتجرّد لخدمته.
وفي رواية أخرى, أن الفقيه المذكور هو سوسي بقبائل القلعية وبأولاد حساين تحديدا ببني سيدال, لما غاب محمد بن قدور عن حسه, تفقده الفقيه وحاول إيقاظه فلما رأى أنه لم يتحرك أذَّن له في أذنه ثلاثة مرات, فلما أفاق, قال له الفقيه اذهب إلى من يأخذ بيدك إلى الله, فسأله إلى من الذي يقصده, فقال له الشيخ أبو عزة المهاجي الشريف التلمساني من أصحاب الشيخ مولاي العربي الدرقاوي, ولعله كان شيخه بما أنه انفرد بذكره لوحده. فتوجه محمد بن قدور نحو تلمسان ومكث عند الشيخ أبو عزة بضعة أيام, ثم أمره الشيخ المهاجي بالذهاب وقال له: "التمس حاجتك عند غيري", ودلَّه على الشيخ محمد بن عبد القادر الباشا الوكيلي دفين تاوريرت من أصحاب الشيخ مولاي العربي الدرقاوي كذلك, ونقدر ذلك في حوالي (1819م, 1234هـ).
ولنا هنا وقفة مع التصرف العجيب للشيخ أبو عزة المهاجي مع المريدين الجدد الذين كانوا يأتون من بعيد وخاصة من المغرب, حيث كان يبعث البعض منهم إلى رفيق دربه وأخيه الأكبر الشيخ محمد بن عبد القادر الباشا تواضعا منه بعد أن يسمح لهم بالإقامة عنده بعض الوقت, كما فعل ذلك مع محمد ابن قدور ومع محمد العزاوي الهبري كذلك حيث أرسله إلى الشيخ محمد ابن قدور, ولا شك أنه فعل ذلك مع آخرين, وذلك لأسباب غيبية لا يمكن لنا فهم أسبابها أو تفسير مغازيها, وربما هناك أحكام ربانية هم أعلم بها يمشون عليها, ولكونه كذلك كما هو معروف عنه أنه كان يجتنب الشهرة وذيع الصيت بكثرة الطلاب بزاويته, وربما كان يقبل من يلح عليه ومن يرى فيه علامات الصدق. ولكن في النهاية ستكون له ملاقاة أخرى وبعد سنين مع الشيخ محمد ابن قدور ليكمل هذا الأخير أمره على يده, بعد وفاة شيخه محمد الباشا سنة (1262هـ/1843م) ويأخذ عنه سره كما هو موثق.
وفي رواية أخرى كذلك أن الفقيه المذكور كان يدرس علوما شتى إلى جانب الفقه وتحفيظ القرآن الكريم. وكان محمد بن قدور رضي الله تعالى عنه يلاحظ أن شيخه الذي يتعلم عليه القرآن الكريم يعلم الطلبة علم التنجيم, ولا يدخله ولا يشركه معهم في التعليم, فقال له بن قدور: "يا سيدي أنا كذلك أريد أن أتعلم علم التنجيم", فقال له الشيخ: "كلا, أنت شريف وعندي لك ما هو أفضل", ثم قال له: "هات لوحتك التي تحفظ فيها القرآن", ورسم له فيها اسم الجلالة (الله) في الأخير, وقال له: "إذا حفظت ما في اللوح فغمض عينيك وقل: الله الله الله (ثلاث مرات). فكان يفعل ما أمره به شيخه, لكن لم يتحصل على ثمرة الذكر, فعاد شيخه ليسأله بعد أيام: "ما الذي حصل معك يا محمد؟", فقال له: "يا سيدي أنا افعل ما طلبت مني", فقال له الشيخ: "كيف تنطق الاسم؟", فأخبره أنه ينطق الاسم بالكيفية التي ينطق بها حروف القرآن الكريم. هنالك علمه شيخه طريقة الذكر ولقنه كيفية الذكر التي وردت عن مشايخ التربية. فلم تمر عليه أيام حتى وجده مغشيا عليه غائبا عن حسه, فحركه فلم يتحرك, فأوصى بعض الناس هناك بأن يقولوا لابن قدور حينما يفيق من سكره: "إذا أردت أن يكتمل أمرك فاقصد الشرق". فلما أفاق ابن قدور ذكروا له وصية شيخه. فخرج هائما على وجهه إلى أن وصل إلى الجزائر ودخل مدينة "غليزان" (ربما كان يقصد تلمسان) في قلعة هناك معروفة بورود الصالحين عليها وزيارتها. فالتقى هنالك برجل صالح يحمل في يده خبزا فقال لابن قدور: "لولا جدك المصطفى لما قلت لك شيئا, وأنا رجل عقيم, ولكن حاجتك عند القطب محمد بن عبد القادر مول الباشا في الغرب ببلاد الخروب".
وفي مدة خدمته المتفانية لشيخه محمد بن عبد القادر الباشا, حسده بعض أقارب الشيخ, فأمره شيخه بالذهاب خوفا عليه. فغادر زاويته وقصد محلة تحت الجبل غير بعيدة عن الزاوية ليبقى قريبا من شيخه, فقد كان يعّز عليه مفارقته. فكان يختفي عن الأنظار بالنهار ويأتي في الليل بالكلأ لمواشي ودواب الشيخ, وكان إذا غلبه الجوع يأكل الحلزون, وبقي على ذلك مدّة من الزمن.
ذات ليلة رآه بعض أقارب الشيخ يتحرك بين المواشي والدواب, فظن أنه سارق, فأخبر الشيخ بذلك, فترقب الشيخ محمد الباشا مجيئه في الليلة الموالية فرآه ثم ناداه وقال: "من هذا؟" فرّد عليه: "أنا ابن قدّور" فاستدعاه وجلس بجانبه وتحادثا, ثم دخلت عليهم خادمة وقالت للشيخ الباشا:" يا سيدي, لم أجد الآنية التي نخبز عليها عادة الخبز", فلما سمع سيدي ابن قدّور كلامها ذهب من حينه إلى أحد أسواق القليعة واشترى آنية وهي قصعة عادة مصنوعة من اللوح وثقيلة شيئا ما, فحملها على ظهره ماشيا إلى بلد الخروب قاطعاً بها مسافة طويلة ووضعها أمام شيخه فسأله: "من أين جئت بها؟", فرّد عليه: "من بعض أسواق القليعة", فتعجب الشيخ من هذا الشاب الصابر الذي يطلب بذلك رضا شيخه.
لقد كان سبب جذبه حال بدايته مع شيخه محمد مول الباشا, آية من كتاب الله قرأها, وفي هذا الصدد يقول رضي الله تعالى عنه: "قرأت ذات يوم من سورة طه حتى انتهيت إلى قوله تعالى: (وما أعجلك عن قومك يا موسى) (طه, الآية 83). فاستطارت روحي من جسدي كأنها رميت من سهم, فما استقرت إلا فوق العرش, وبقيت وكأني جسد بلا روح مدة أربعين يوما وانا ملقى على ظهري انظر للنجوم واقرأ قوله تعالى: (ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك) (آل عمران, الآية 191). فقصصت ما صار لي على شيخي فقال لي: "أبشر فقد حصل لك ذلك من غير سبب ولا خدمة, ما لم يحصل لغيرك في مدة سنين, وهذا يا ولدي نوع من الفتح".
ومكث في خدمة شيخه مع التجرد للعبادة ولازمه سبع سنين (1819م - 1826م / 1234هـ - 1242هـ), ولما نوَّر الله قلبه, وفتح بصيرته, وبلغ مبلغ الرجال, أمره شيخه بالذهاب إلى قرية عين الزهرة بمطالسة للتربية وتلقين الأوراد. ثم أمر الشيخ محمد الباشا جميع الفقراء بالرجوع إلى بلداتهم وسرحهم إلى حال سبيلهم, وأشار لهم بأن ابن قدور قد أخذ كل ما كان عنده, وبعد حين أذن لشيخ بن قدور بالرجوع إلى بلدته لنشر الطريق وقال له: "اذهب إلى بلدك ولك الإذن, ولكن كن كريما, واحذر إخوانك الشرفاء الحسدة". فقصد راجعا إلى بلده بني "الوكيل", فتزوج واستقّل بالدعوة إلى الله والدلالة وتلقين الأوراد, فكثر أتباعه ومريدوه.
بعد مرور شيء من الزمن, حسده إخوته الشرفاء ودسّوا عليه من يقتله, وذلك لحكمة إلهية بما في الأمر من تشابه مع قصة سيدنا يوسف عليه السلام مع إخوته. فذات يوم, بينما الشيخ ابن قدّور بعيد عن قريته في الجبل, إذ برجل قادم عليه وبيده خنجر يريد قتله, فجعل الشيخ ابن قدّور يذكره ويخّوفه من عقاب الله, فلم يرجع الرجل ولم يتعظ, وقصد الشيخ ابن قدّور شاهرا عليه الخنجر, فبادره الشيخ ابن قدّور فرماه برصاصة من بندقيته فأرداه قتيلا. ثم نزل الشيخ ابن قدّور إلى داره وهاجر من حينه بأهله وأولاده ونزل بجبل "عين زورا", وحفر فيه كهفين, اتخذ أحدهما مسكنا والثاني لتعليم القرآن للأطفال والاجتماع على ذكر الله, فاجتمع عليه الفقراء وانتشر بعد ذلك صيته, واشتهر أمره وداع بين القبائل ذكره. ثم جاءته بعد ذلك جماعة من قبيلة بني "أويحيى" وكان قد سبق لهم الانتساب إليه, فذهبوا به وبأهله وأولاده إلى بلدهم ليلاً. ولما وصلوا إلى جبل "كركر" قال لهم: "هذا هو المستقر, إن شاء الله".
وفي رواية أخرى أن الشيخ بن قدور كان يذهب إلى قبيلة مجاورة لتحفيظ القرآن للصبيان, فحسده إخوانه الشرفاء لما رأوا ظهور خصوصيته, ودسوا عليه من يقتله. وذات يوم بينما هو راجع من القبيلة التي يدرس فيها القرآن إذ برجل كان مختفيا وراء شجرة ويترقبه, فلما رآه الشيخ ابن قدور توقف وقال له: "أتحسدوننا على ذكر الله؟" فلم يستطع الرجل أن يتحرك من مكانه وأعضائه ترتجف هيبة منه. فلما عاد الرجل إلى من أرسلوه وذكر لهم ما وقع له مع الشيخ ابن قدور, قالوا له: "أنت لا تصلح لهذه المهمة لأنك كثير الخوف", فأرسلوا أكثر من رجل لقتل سيدي محمد بن قدور رضي الله تعالى عنه, فهجموا عليه في زاويته فحفظه الحق منهم, حيث قتلوا خادمته وقتل بدوره رجلا منهم, وكانت هذه علامة من الحق أن يترك الجبل ويهاجر إلى مكان أخر أكثر أمنا, فنزل بجبل عين الزهرة وحفر فيه كهفين, اتخذ أحدهما مسكنا والثاني لتعليم القرآن الكريم وللاجتماع لذكر الله تعالى, ثم ذهبت به قبيلة بني يحيى إلى جبل كركر حيث بنى زاويته المعروفة.
فنزل بجبل "كركر" وبنى زاويته المعروفة حوالي (1834م/1249هـ), وصار يدعو إلى الله ويلقن الاسم الأعظم لمن يريده وصارت زاويته أهم مركز ديني بالمغرب الشرقي, فأقبل عليه خلق كثير, وانتفع به عباد الله لا يحصون كثرة وتخرج على يده رجال عارفون بالله ومشايخ في علم الشريعة والحقيقة الذين حملوا راية الدعوة إلى الله وتخرجوا على يديه في زاويته علما وأدبا وشريعة وحقيقة وفتحا, فانطلقوا بأمر شيخهم إلى نشر الدعوة إلى الله, وبنوا زواياهم وقاموا بنشر الدعوة إلى الله وإرشاد مريديهم وتربيتهم على أتم ما يرام, فنشروا الطريقة, وعلّموا الناس الشريعة, وعرفوا العباد بالمعبود, فاهتدى بهم من صح نظره, ولطف ذوقه واستصفح عقله وهداه ربه.
أما عن طريقته وبعض أوصافه رضي الله تعالى عنه فيقول تلميذه محمد بن المختار الحسني القضاوي المجاوي السعيدي رحمه الله تعالى: "طريقة هذا الشيخ المبارك والمجذوب السالك طريق الاسم الأعظم والذكر الأهم "الله" وهي طريق الوصول لا طريق التبرك, وطريق الشهود والعيان لا طريق الدليل والبرهان, وكان عجب عجيب وسر غريب ودعاء المجيب, إذا أتاهم مريد بصدق ونية, رؤيت عليه سمات أهل العناية وبشارات أهل الخصوصية بمجرد ملاقاته. فهو العارف بغوامض العلوم والمورع عن السوى ليس له خبر عنها, كامل في المعرفة راسخ فيها, جامع بين الشريعة والحقيقة, محقق بحق الطريقة, قد استوفى للشريعة حقها, وللطريقة حقها, وللحقيقة حقها. ومن كماله أنه يجذب المريد في أقرب مدة ويورعه عن السوى ثم يزج به في مقام الفناء من حيث لا يبقى لنفسه أثر ولا له عن حسه خبر, ويحصل على المعرفة في أقرب مدة. وكان إذا تكلم في الأسرار تلوح في وجهه لمعات الأنوار.
وكان من أخلاقه وأحواله رضي الله تعالى عنه أنه كان على قدم الحبيب صلى الله عليه وسلم تخلقا وتحققا, فكان يعطف على من يقصده ويلطف به حيث لا يستعمله في المشقة ولا يدله على التعب الذي هو كثرة عمل الظاهر من غير فكرة ولا إخلاص, وكان هين بلا كلفة لا يحقر طعاما ولا يذمه بل كان يأكل المليح إذا وجده ويأكل الدنيء إن وجده. وكان لا يحقر أحدا من المسلمين ويظن الخير في جميع الخلق, لا سيما أهل المنتسبين على الله, فهم أولى, ويعتقد فيهم الولاية من شدة كماله وكان لا يرى لنفسه مزية على غيرها, وكان يقول لفرقائه إذا عظموه زيادة: "ما نحن إلا عبيدا لله وأنا واحد منكم, ولا تعودوا لمثل هذا الحال". وكان إذا سمع لفظ المشيخة في حقه, كره ذلك ويقول: "والله إني لأستحي من الله من هذه المقالة وأكره هذه الدعوى". وكان صابرا على طاعة الله واستعمال الجهد في خدمته فصبره عجيب لا يطيقه إلا القليل.
ولقد صليت معه صلاة التراويح في ليلة القدر وكان خلف الإمام, والإمام يبدأ من رأس السلكة إلى أخرها ونحن جميع الفقراء أدركنا العياء وصرنا نصلي قعودا وهو رضي الله عنه لا يزال منصوبا قائما حتى ختمت السلكة. فكان يقول: "لا يصبر على الطاعة إلا من يذوق حلاوة المناجاة".
وكان يهتز عند ذكر الله ويقول: "من لم يهتز عند ذكر الحبيب فليس يحب الحبيب".
وكان يقول رضي الله عنه: "تعجبت فيمن يدعي ذكر الله ولم يؤثر ذكر الله عز وجل على قلبه ولم تظهر عليه أسراره, ليس له حظا فيما حازوه الرجال من حلل المعارف ونيل عوائل النصاب, فسبحان من أعطى لكل قلب ما أشغله".
وكان قدس الله سره دائما دامع العين ويقول: "من لم تدمع عيناه, قسى قلبه, والدموع علامة الخشوع, فمن لم يبكي من خشية الله فليعزي نفسه في حياته".
وكان إذا تكلم في مباحات الدنيا ختم مجلسه بالذكر ويقول: "هكذا ينبغي".
وكان يقول رضي الله تعالى عنه قوله: "التعفف عن الكريم كرامة".
وكان يقول: "من لم يعرف العطاء من الله, والمنع من الله, حرام عليه متاع عباد الله وإن أخذه عليه لعنة الله".
وكان يقول رضي الله تعالى عنه: "لا فرق بين العاطي والآخذ في الحقيقة, فالذي أخذ هو الذي أعطى, والذي أعطى هو الذي أخذ, ومن لم يفهم هذا الكلام فإنه يأكل من الناس غصب وسحت, ومن فهمه فليأخذ ولا عليه, وإن حاسبه الله فأنا المؤاخذ بذلك والله على ما نقول وكيل".
ومن كلامه: "حصن العارفين وأمان الواصلين هو السكون في عش العبودية التي خلقنا من أجلها. وغاية العبودية ومنتهى أمرها: التلاشي في عظمة المعبود. ويبقى الإنسان بين يدي مولاه بلا علم ولا عمل ولا حركة ولا سكون, ليتخلص إخلاصا تاما ويتحرر من رق الأكوان ويصير عمله كله سر, لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده".
ومن كلامه: "التواضع الحقيقي هو ما نشأ عن شهود العظمة وبرز من عين المنة والا كان حظا للنفس".
والشيخ ابن قدور لم يؤلف ولو كتابا واحدا, فمن بين تلامذته من حاولوا الكتابة عنه في حياته لم يوفقوا في ذلك, فقد حكي لنا بالتواتر أن أحد تلامذته رضي الله تعالى عنه ألف كتابا في مناقبه, فأتى به فرحا إلى شيخه, فلما رآه الشيخ ابن قدور, قال لذلك المريد: "أنا لم أتي لتأليف الكتب وإنما جئت لتأليف القلوب".
فكان تلامذته أوراقه التي كتب فيها بماء الحياة وهو الذي كان يقول فيهم مخاطبا: "والله إني تركتكم أفرادا وشيوخا".
فمن بين هؤلاء الرجال المأذونين بالتربية الشيخ سيدي محمد بن مختار القضاوي الحسني رضي الله عنه حيث شهد له الشيخ محمد ابن قدور بالمعرفة والفهم.
قال له يوما عندما ألقى عليه قصيدة من نظمه: "والله لا عندي في طريقتي من يشبه ابن عجيبة في العلوم", وقد أذن له بالتربية والإرشاد.
يقول الشيخ سيدي محمد بن مختار:
"أوصاني شيخي محمد بن قدور بهذه الوصية الربانية: "أوصيك يا ولدي أن تكون على قدمي ولا تشد على عباد الله ولا تزيد على ما أنا عليه فإنكم لا بد لكم أن تكونوا مربين من بعدي", فقلت له: "يا سيدي لسنا أهلا لذلك المقام", فقال: "كنت أفر من المشيخة ولم أرضاها لنفسي حتى لصقت بي رغما على أنفي, وكذلك أنتم إن هربتم منها لم ينفعكم ذلك, فإن لكم الإذن من الله ورسوله".
وقال لي في إحدى المرات: "مد ذراعك ولا عليك فان الله أمدك بالإذن والنيابة".
وقوله رضي الله عنه: "كنت أفر من المشيخة" فقد حدث له ذلك في بداية أمره حيث انه لم يرد أن يتقدم للدلالة على الله عز وجل حتى هدد بالسلب وجاءه النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أنه إذا تصدر للدعوة إلى الله فإن الولاية ستبقى في أحفاده".
وقد ألف الشيخ محمد المختار القضاوي الحسني عن شيخه كتابا سماه بقلادة الجواهر في أعناق الفحول والأكابر فيه شرح لقصيدة يمدح فيها شيخه محمد بن قدور رضي الله عنه وقدس الله روحه.
ومنهم الشيخ عبد القادر بن عدة بن عطية العماري البوعبدلي المشيشي رضي الله عنه (1830م – 1918م / 1245هـ - 1336هـ) صحب شيخه محمد بن قدور مدة 40 سنة, فقد كان بمثابة الأب له وليس فقط شيخه, فقد رباه صغيرا من بين أبنائه. ولما شهد له شيخه بالفهم الثاقب والقدم الراسخ في المعرفة أذن له بالعودة إلى بلدته غليزان بالجزائر لينفع الناس, فقالت له إحدى زوجاته: "لماذا أذنت له فهو عندنا كأحد أبنائنا", فقال لها: "لست من أذن له إنما أذن له جده رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما".
ومنهم الشيخ محمد الهبري رضي الله عنه العزاوي الملقب بالهبري (1824م – 1898م / 1239هـ - 1317هـ) مؤسس زاوية تاغيت في بني يزناسن قرب أحفير (المغرب), كان إماما عابدا زاهدا يشتغل بتجارة الأواني الخزفية وكان شغوفا عن البحث عن الشيخ المربي حتى تم له ذلك في قصة معروفة طويلة.
ومنهم الشيخ محمد العبدلاوي رضي الله عنه.
ومنهم الشيخ محمد بن مسعود رضي الله عنه من الغزوات بالجزائر.
ومنهم الشيخ أحمد بن عبد الله وأخوه المختار بن عبد الله رضي الله عنهما, حيث التقى بهما الشيخ محمد بن قدور في قبيلة أولاد عثمان في قصة طويلة معروفة, وقع فيها من الكرامات ما شاء الله.
ومنهم الشيخ محمد بن الحبيب البوزيدي رضي الله عنه الملقب بسيدي حمو الشيخ بمستغانم (الجزائر) (1824م - 1909هـ / 1239هـ - 1327هـ) وهو الوارث لسر شيخه والظاهر بحاله.
ومنهم ابنه الشيخ الطيب بن محمد بن قدور رضي الله عنهما, ولقد أذن له شيخه بالتربية وتلقين الأوراد وإدخال الخلوة وتلقين الاسم المفرد, قبل انتقاله رغم صغر سنه (14 سنة), فقد كان حليما حنونا متخلقا بالرحمة, وكان كل صباح يصعد إلى قمة جبل هناك وينظر في الخيام فيتحسس ويتفقد الخيام التي لا يصعد منها الدخان, فيعلم حينئذ أن تلك الخيمة لا تملك طعاما لتطبخه, فيجمع لهم الطعام ويأخذه إليهم, وكان هذا حاله كل يوم رحمه الله.
بالجملة كان تلامذة الشيخ محمد بن قدور على خير عظيم وحصل لهم نفع كبير وكانوا مستغرقين في بحار المشاهدة.
يقول الشيخ محمد بن الحبيب البوزيدي: "كنا نتلو القران الكريم جماعة والشيخ في وسطنا, ولما وصلنا إلى قوله تعالى (هو الأول والآخر والظاهر والباطن) فقال فقير من بيننا "العين التي لا ترى ما سوى الله حقها أن تعمى", فعند ذلك شرع الفقراء في الذكر وتركوا التلاوة", فكان هذا حالهم ذكر ومذاكرة واستغراق في أسرار الحق.
وبقي على حاله إلى أن توفي رضي الله تعالى عنه حوالي 1867م - 1284هـ ودفن بزاويته في جبل كركر التي لا تزال قائمة والذي اشتق الناس منه لقب الكركري للشيخ محمد بن قدّور, رحمه الله, وأجزل له الثواب والعطاء وعوض الله المسلمين عنه خير الجزاء وقدس الله روحه الشريفة. وله قبة شهيرة وعليه هيبة ووقار.
ولقد ترك الشيخ محمد بن قدور رضي الله تعالى عنه من الأبناء أربعة أولاد, وهم مولاي طيب وهو مدفون مع والده في ضريحه, ومولاي محمد وهو مدفون مع والده في ضريحه أيضا, ومولاي أحمد وهو مدفون مع والده في ضريحه كذلك, ومولاي السعيد وهو مدفون بوردانة وضريحه هناك مشهور رحمهم الله تعالى رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جنانه ورضي تعالى عنهم.
وللشيخ العديد من الكرامات معروفة بالتواتر عن الكثير من عن أحفاده وأحفاد الفقراء.
قصيدة للشيخ محمد بن قدور الوكيلي رضي الله عنه:
يا من تزعم بالأسرار سلم وادخل حمانا فعجل بالاستغفار لعلك تكون منا
أفنى عن شرب الأوزار تطهر بمائنا تضحى مقام الأبرار تشاهد ما شاهدنا
فصدق تكون مختار تكتب في صفحاتنا تلوح لك الأنوار تشرب ما شربنا
فتعرف معنى الأذكار يامن تنكر علينا فعلمنا بالأخبار على من يصدقنا
خسفت جميع الأقمار بطلوع شمسنا غابت ما لها أثار من شدة ضوئنا
أشرقت لنا الأنوار باقتباس نورنا خمدت كل نار أطفئت بنورنا
فصحت لنا الأخبار من عزة مولانا فجاءت لنا الأقمار بشهود معنانا
لولا الله المعبود ورسوله المشهود لتهنا عن الحدود ونبوح بسرنا
وهذه قصيدة نورانية للشيخ الرباني العارف بالله محمد بن مختار نجل السعيدي المجاوي القضاوي الحسني رضي الله عنه وأسكنه في فسيح جنانه التي سماها الجوهرة المكنونة في مدح شيخه محمد بن قدور الوكيلي الكركري رضي الله عنه وأرضاه وهذه الأبيات الأولى للقصيد التي تتألف من سبعة وثمانين بيتا (87).
بدأت بحمد الله به استعنت *** عليه توكلت وإليه ملجئتي
وصل يا رب ثم سلم على الهادي *** محمد المبعوث للخلق رحمة
وآله والصحب والأخيار الذين هم *** على منهج القويم أشرف رتبة
وبعد فها أنا أقول مبينا *** لبعض أحوال الشيخ قطب الدائرة
فإنني لم نوفي بحق امتداحه *** ولكني نمدحه بقدر بضاعتي
وما قدر مثلي أن يحيط بقدره *** ومن يقدر أن يحصي الرمال العليجة
فحاروا ذوي الألباب في درك حاله *** فكلت أفكارهم في حاله بالكلية
خفا عن خصوص الناس أحرى عمومهم *** وقد قل من يدريه من ذوي الدعوة
وقد حجبوا عن سره بوقوفهم *** مع خيال الشبح المغطى بالولاية
ولو شهدوا منى جماله مثل ما *** شهدت بعين قلبي ذاك حقيقة
لقروا به حق الإقرار واقتدوا *** ولكن أعين قلوبهم أعميت
كإبليس في شأن السجود لآدم *** وقد حجب اللعين برؤيا الطينة
ولو شهد الذي رأته ملائكٌ *** لكان هو أولى بتلك السجدة
لكن سبق المقدور بطرده حقا *** وأخرجه المولى من سعة رحمة
كذلك ولي الله في شبه آدم *** تنبه وكن فاطنا لهذه النكتة
تستر سره بأوصاف ذاته *** كما الحق اختفى بظهور حكمة
فللحسناء نقاب وللشمس سحاب *** وإياك تحجبك عن الشمس سحابة
فيا له من شيخ عارف مورع *** كامل محقق بحق الطريقة
محاسنه تسطو وتعلو على الورى *** كأنها أمواج البحار العظيمة
وسره ظاهر ونوره باهر *** وشمسه طالعة على الكون نارت
وهل بعد ضوء الشمس يبدو لك الدجى *** وهل بعدها تبقى النجوم منيرة
ومنصبه يعلو على كل منصب *** ورتبته تعلو على كل رتبة
فجاز فحاز ثم فاز فوزا عظيما *** وقد خصه المولى بأعلى المقامات
عطوف لطوف عفيف متواضع *** مكين أمين لا يخون الأمانة
تقيٌ نقيٌ وافي للعهد قانع *** كريم زعيم لا يراقب الزلات
شكور صابر متصدق *** شفيق رحيم دافع للملامة
أديب لبيب فائق متهذب *** هين لين مطيب الحالة
فذوا المقام الرفيع والهمة العليا *** وذاته قد حوت أوصافه الحميدة
سلك طريق القوم ثم سلكوها *** فَقَرَّبَ بُعْدٌ ثم أطوى المسافة
فريد في عصره من غير مزاحم *** وأعطى له المولى مفاتيح الرحمة
فطوى لمن أتى لبابه سائلا *** بفقر وذل مع صدق ونية
فيكسيه حلة المعارف وللتقى *** يهيم على الكونين فخرا بحِلَّةِ
ويُدخل الجنة التي من دخلها *** فإنه لا يشتاق حقا للجنة
إشارته تسري في القلب وتزعجه *** إلى حضرة الرحمن شوق الملاقة
وعلمه نافع وقلبه خاشع *** وعينه دامع من كثرة الخشية
في قلبه أنهار العلوم تفجرت *** فخصه ربه بسر الخلافة
إذا نطق من الفؤاد للفظه *** وإن صمت قد صار صمته حكمة
إذا بسم ترى الأنوار من وجهه *** تلوح كأنها أنوار البريقة
حكايته تحي القلوب سماعها *** وتجلى عنها غيوم الشكوك والظلمة
ومن فيضه جمع المواهب فرقت *** في حزبه يكون أهل السعادة
مقامه قد فاق المقامات كلها *** وليس له شبيه من أهل التربية
فقد كسر كل الإمداد بمدده *** فقال أنا هو المربي بهمة
وأبطل ما قد ادعوه أهل الدعوة *** وخسفت نورهم شمسه المضيئة
كموسى مع فرعون لما ألقى العصى *** تلقفت سحر ما ألقوه السحرة
شريف ظريف وارث سر جده *** محمد المختار خير البريئة
سقاه سبحانه من كأس محمد *** فأفنى من الأكوان بتلك السقية
تجلى له صرفا من غير تمازج *** فأسكره من عذب الشراب من خمرة
فشاهدها فاستغرقته بفكرة *** فغاب بها عن كل الكل وجملة
وحلت محل الكل منه بكلها *** فإياه إياها إذا ما تبدت
وجر ذيول العز فخرا لأنه *** عروس هواها في ضمير جلة
وهام فيها حتى حاز في هيامه *** فما استقر إلا في الذات العلية
ويبقا لها فيها ولا شيء غيرها *** لكنه بالوهم أوقع الحجبة
وسكره دائم مع الصحو مصحوب *** وقلبه هائم دائما بفكرة
وخاض بحورا لم يخضها غيره *** فسبحان من أسدى عليه المنية
فأجلسه المولى على بساط العز *** وأعطى له التصريف حقا في ملكة
مليك على التحقيق ليس لغيره *** من الملك إلا اسمه ولقابة
محادث مع الحق منذ عرفه *** مكالمه أيضا بلسان القدرة
وله قرب أنس وسر مخصص *** ووارد تكليم لذيذ المناجاة
وأسرار غيب عنده علم كشفها *** فنعمة المولى بأسرار الحضرة
وبفضله لنا نصيب من سره *** ومنه بدا حقا لعين بصيرة
شربت من بحره نقطة عذيبة *** فغبت عن الأكوان بتلك الشربة
ومزقت أثواب الوقار تهتكا *** وطبت وطاب الوقت بطيب حالة
وتهت به فخرا عن الوجود طرا *** وصرت به حرا من رق الطبيعة
أيا كعبة المقصود في كل وجهة *** أيا أملي وسؤالي أنت ذخيرتي
أيا فخري وفرحي وكنزي واعتمادي *** ويا رجائي وقصدي أنت وثيقتي
له الإذن من الله ثم رسوله *** في تربية الرجال أهل العناية
وكم من رجال عربدوا بمدده *** فقالوا أنا ولا علينا الملامة
سقاهم فغنوا ثم هاموا وأسكروا *** وأطربوا وجدا ثم شوق المحبة
ففنوا عن السوى بمحض كرامة *** وبقوا بعد الفنا بنور الشريعة
وقد حصَّلوا على الكمال فأجمعوا *** بين تشريع الرسول والحقيقة
لعمري لقد فازوا وحازوا وجازوا كل المنى *** وخصَّهم المولى من جملة العامة
هنيئا لهم قد طاب عيشهم الرغد *** ودامت لهم كل الخيرات الجزيلة
فيا لهم من رجال أعظم قدرهم *** وقد سعدوا والله حق السعادة
وهم قوم لا يشقى جليسهم حقا *** تحفُّهم الأملاك مع غشي الرحمة
وهم أولياء الله أهل ودادهم *** فلا خوف عليهم في يوم القيامة
سألتك يا رب بالغوث المفرد *** أستاذنا حققنا بحق المعرفة
توسلت يا رب إليك بجاهه *** وجاه أصحابه الأخيار الأحبة
وأحفظ إيماني ربي ما دمت في الدنيا *** عند الموت فاختم بحسن الخاتمة
اللهم عبيد مذنب ضل وافترى *** فإني بهم راجيك تغفر زلتي
اللهم عَظُمَ الذنب عني فليس لي *** سوى فضلك العميم أرجو ذخرتي
اللهم سامحني برحمتك ارحمني *** وبنصرك أنصرني وكن لي كفايتي
وها أنا واقف في بابك طالب *** في خيرك راغب وأجبر لي كسرتي
وبذكرك أشغلني وفيه أثبتي *** في الدنيا وكذا في الأخرة
وبأحمد المختار إني توسلت *** إليك إلاهي عجل لي بالتوبة
وفي حزبه اجعلني إذا الهول عَظُمَ *** وأسكني معه في دار الكرامة
عليه صلاة الله ما هبت الصبا *** وما زار حجاج قبره الشريفة
وآله والصحب مع أهل بيته *** ذوي الأخلاق الأطهار بيت النبوءة
درويش العلاوي, أحباب الشيخ أحمد العلاوي
المصادر:
- كتاب ذوي النهي والبصائر بتراجم الشيخ العلاوي وشيوخه وبعض خلفائه الأكابر, لعبد ربه البوزيدي.
- مذاكرة لسيدي أحمد الكركري, فديو بيوتيوب, الزاوية الدرقاوية الشاذلية الكركرية.
- كتاب قلادة الجواهر في
أعناق الفحول والأكابر لمحمد بن المختار القضاوي المجاوي السعيدي الحسني وفيه شرح
لقصيدة يمدح فيها شيخه محمد بن قدور رضي الله عنه وقدس الله سره (نقلا عن فديو بيوتيوب, الطريقة الكركرية).
تعليقات
إرسال تعليق