محمد أمين الفاروقي

ولد الشيخ محمد أمين بن عبد الهادي الفاروقي في بيت علم وأدب في قر ية "ميركي" سنة 1935م الواقعة في محافظة "سيرت" المعروف بالسعرد في تركيا, ونشأ في أسرة عرفت بالعلم والصلاح, فوالده فضيلة الشيخ عبد الهادي الفاروقي من العلماء البارزين في تلك االمنطقة, وعمه فضيلة الشيخ عبد الرحمن الشاوري نسبة إلى قرية "الشاور" التي ولد فيها وهو من العلماء الذين يشار إليهم بالبنان في تركيا بشكل عام, وفي محافظة "سعرد" بشكل خاص, حيث كان من المراجع الدينية لبناء تلك المنطقة في الفتوى وفي حل النزاعات التي تحدث بين الأفراد وفق أحكام الشريعة الإسلامية.

تلقى فضيلة الشيخ محمد أمين مبادئ اللغة العربية والمنطق وبعض علوم الشريعة على يد والده, وثم أكمل دراسته الشرعية على يد عمه فضيلة الشيخ عبد الرحمن الشاوري وفضيلة الشيخ الملا ظاهر في بلدة "تندورك" من قضاء "ملاذ كرد".

لم تكن المدارس الشرعية في بلاد الأكراد وفق النظام المعهود اليوم, بل كان العامل منهم يعلم قبول تدريس طلبة العلم, فيتوافد عليه طلبة العلم من تلك البلدة والبلدان الأخرى لتعلم العلم الشرعي, وهذا يستلزم تجهيز مكان إقامة الطالب, وتزويدهم بمقومات الحياة من طعام وغيره.

وكانت الدراسة مجانية حسبة لله عز وجل, فلم يتلقى المدرس مكافأة مالية من الطالب, ولا يدفع الطالب أي مبلغ لقاء تعلمهم وإقامتهم, وهذا أمر يسجل أهلها تلك المنطقة من حرصهم على نشر تعاليم الدين الإسلامي الحنيف, والوقوف إلى جانب العلماء ببذل ما يلزم لتأمين ما يحتاجه طالب العلم, وكانوا يطلقون عليه "الفقة" يعني الفقيه.

برزت علامات النبوغ والذكاء لدى فضيلة الشيخ محمد أمين وفاق أقرانه من خلال شهادة أساتذته له, لأن نظام الدراسة في بلاد الأكراد لم يكن يخضع الامتحان في المواد التي درسها الطالب, وإنما يسري الطالب من مرحلة إلى أخرى حسب الخطة الدراسية المعهودة في بلادهم, ولذلك أسند إليه أساتذته تدريس بعض المراحل الدراسية الأولى وهو مازال طالبا عندهم, وذلك ثقة منهم في قدرته العلمية ومكانته من ذلك.

بعد أن أنهى فضيلة الشيخ محمد أمين دراسته الشرعية وفق المنهاج المعتمد في بلاد الأكراد في تلك المنطقة, تفرغ للتدريس واستقبال طلبة العلم لينشر ما تعلمه من علوم, وفي تلك الأثناء زار سورية قاصدا العلامة العارف بالله الشيخ إبراهيم حقي العلواني رحمه الله, وأخذ عنه الطريقة النقشبندية, وإجازة علمية في علوم الشريعة, ولما لمح فيه فضيلة الشيخ إبراهيم حقي ملامح النجابة والذكاء والحرص على تعليم علوم الشريعة, رغب إليه أن يهاجر إلى سورية ويقيم عنده في قرية "حلو"ة, ويقوم بتعليم طلبة العلم لأنهم أكثر من الطلبة الذين كان فضيلة الشيخ محمد أمين يدرسهم في بلاده.

فاقتنع فضيلة الشيخ محمد أمين بتلك الفكرة, وفعلاً هاجر إليها و باشر التدريس وكان من جملة تلامذته فضيلة العلامة الملا يوسف يعقوب رحمه الله.

وتولى الإمامة والخطابة في قرية "عابرا", ثم تولى مهمة الإمامة والخطابة في قرية "ديرونا أغي" (دير غصن) حيث سعى لبناء مسجد فيها, وكان القريتين تتبعان لمنطقة "ديريك" التابعة لمحافظة "الحسكة" ثم انتقل فضيلة الشيخ محمد أمين إلى قرية "تل علو" التابعة لناحية "تل كوجر" من محافظة "الحسكة", وأقام بالقرب من شيخ عشيرة "شمر" الشيخ دهام الهادي رحمه الله , وقد كان على قدر كبير من الدين والخلق والشهامة.

وكان فضيلة الشيخ محمد أمين يرغب أن يساعده الشيخ دهام الهادي رحمه الله في استقبال طلبة العلم, وليقوم الشيخ دهام بالرعاية المادية لهم, إلا ان الظروف الطارئة التي حدثت, وهي الاصلاح الزراعي وأخذ الأراضي من الملاكين وتوزيعها على الفلاحين, حال دون تحقيق تلك الرغبة.

فانتقل فضيلة الشيخ محمد أمين إلى قرية "بوثة الوطبان", وسعى لبناء مسجد فيها وتولى مهمة الإمامة والخطابة فيها لسنوات عدة محتسباً ذلك, وفي تلك الأثناء اتجه للعمل التجاري لتحقيق حاجته وحاجة أسرته فأنشأ محلا تجاريا للأقمشة في "تل كوجر" إلا أن رغبته في التوسع في العمل الدعوي دعته للإتجاه إلى ناحية "تل كوجر", فافتتح فيها محلا للتجارة الأقمشة وسعى لإنشاء بناء مسجد فيها وتم ذلك بناء على نفقة المحسن الكبير الحاج حسن عزيزي رحمه الله الحلبي المنشأ والإقامة وقد كان ذلك المسجد إشعاع نور في تلك البلدة وفي القرى المجاورة, حيث كانوا يتوافدون إليه لحضور دروس العلم ومجالس الذكر التي كان يقيمها في ذلك المسجد المبارك.

إن الرغبة الأساسية التي دفعته إلى الهجرة إلى سورية هي السعي في نشر العلم على نطاق أوسع, فقد استصدر موافقة من وزارة الأوقاف في سورية لفتح ثانوية شرعية للذكور واخرى للإناث وكانت سببا لاستقطاب طلبة العلم من تلك البلاد ومن القرى المجاورة كما سعى فضيلة الشيخ محمد أمين إلى إنشاء العديد من المساجد في القرى المحيطة ببلدة "تل كوجر", وسعى إلى استقطاب الأئمة والخطباء ليقوموا بنشر تعاليم الدين الحنيف في تلك المنطقة.

ولم تكن طموحاته عند حد إنشاء الثانوية الشرعية, بل كان يطمح إلى إنشاء كلية في المرحلة الجامعية, إلا أن ظروف الأزمة السورية التي حلّت سنة 2011 حالت دون ذلك, حيث هاجر فضيلة الشيخ محمد أمين إلى بلدة "سيرت "سعرد" في تركيا, إلا أن قلبه ظل معلقاً بالمسجد الذي نشأه في "تل كوجر", والثانوية الشرعية التي أسسها, حيث كانت مصب طموحاته وأهدافه.

أما ما يتعلق بالسيروالسلوك, فقد ألمحنا من قبل أنه أخذ الطريقة النقشبندية على فضيلة العارف بالله الشيخ إبراهيم حقي رحمه الله ثم أخذ الطريقة الشاذلية على شيخ الطريقة الشاذلية في حلب العارف بالله الشيخ عبد القادر عيسى رحمه الله وذلك في أواخر سبعينيات القرن الماضي, وقد أذن له رحمه الله بالطريقة الشاذلية.

ثم تعرف فضيلة الشيخ محمد أمين على شيخ الطريقة الشاذلية في دمشق العارف بالله الشيخ عبد الرحمن الشاغوري رحمه الله فأذن له بالإذن الخاص في الطريقة الشاذلية, وبعد وفاة فضيلة الشيخ مصطفى التركماني رحمه الله خليفة الشيخ عبد الرحمن الشاغوري رحمه الله رغب أحباب الشيخ مصطفى التركماني أن يأتي فضيلة الشيخ محمد أمين إلى دمشق ليقوم ما كان يقوم به فضيلة الشيخ مصطفى من مجالس للذكر والعلم في مساجد دمشق, إلا أن حرص فضيلة الشيخ محمد أمين على نشر العلم في البلاد النائية التي كان يقيم فيها حال دون موافقته.

وقد كتب فضيلة الشيخ محمد أمين الإذن لفضيلة العارف بالله الشيخ شكري حلفي, بناء على اجتماع الأحباب ورغبتهم بأن يكون الشيخ شكري خليفة للشيخ مصطفى التركماني رحمه الله , فكتب ذلك بناء على تلك الرغبة.

وأما مؤلفاته, فكثرية منها مطبوع, ومنها لم تتم طباعته بعد.

فمن مؤلفاته المطبوعة:

- مقدمة لمعرفة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- تعليقات على كتاب (عيو ب النفس وأدواتها) للإمام أبي عبد الرمحن السلمي.
- حقيقة التصوف كما بينة سلطان العلماء عزالدين بن عبد السلام
- طباعة دار الفرفور, بدمشق.
- تعليقات على كتاب (التنوير في إسقاط التدبير) لابن عطاء الله السكندري. طباعة دار البيروتي, بدمشق.
- ترجمة كتاب (تلوحيات تسعة من كتاب "حقيقة نورلي" أنوار الحقيقة للأستاذ بديع الزمان النورسي.
- أوراد السالك وعقيدته. طباعة دار فجر العروبة, بدمشق.
- تحقيق كتاب شرح أسماء الله الحسنى المسمى: (التحبير في التذكير للقشيري). طباعة دار الفقيه في أبي ظبي, الإمارات العربية المتحدة.
- الإغلاق لباب السياق.
- تعليقات على: المواد الغيثية الناشئة عن الحكم الغوثية, للشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي المستغانمي. طباعة دار البيروتي, بدمشق.
- تعليقات على: إلجام العوام عن علم الكلام, للإمام الغزالي, وقد خرج أحاديثه الشيخ محمد الفحام,طباعة دارالبشائر بدمشق.

ومن مؤلفاته التي لم تطبع بعد:

- وصايا الآباء للأولاد.
- إيجاز الكلام في جواب أسئلة أبي خوام وفيها كذلك حكم عقيدة البيوت وفروغية احلوانيت.
- تعليقات على قواعد الأحكام في مصالح الأنام لعز الدين عبد العزيز بن عبد السلام.
- تحقيق كتاب عن العلم وزين الحلم للشيخ محمد بن عثمان بن عمر البلخي.
- الرسالة القرآنية في موجز العقيدة السبحانية.
- تعليقات على شرح القصيدة المنفرجة لمولانا القاضي زكريا الأنصاري.
- المواهب العرفانية في شرح الحكم العطائية.
- شرح ثلاث اجزاء من ديوان قصائد الجزري للشعر الكلاسيكي الكوردي إلى اللغة العربية
- ترجمة وشرح "كلستان قصائد شعرية" من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية عبارة عن ثلاثة اجزاء.


من إعداد شيار ألياني




تعليقات