النور الضاوي في حكم و مناجاة الشيخ العلاوي

http://fr.calameo.com/read/00070357444f24f8e6c11
الحمد لله الذي نوّر الأكوان بنور معرفته من حيث إنّه أصلها، فكانت دليلا على وحدانيته وتفرّده في ملكه، جاعلا الصلاة على سيد المرسلين، رسول الرحمة النور المتنزّل المبعوث رحمة للعالمين، دالا على الله بالله صلّى الله عليه وسلّم ما اتصلت عين بنظر، وسمعت أذن بخبر، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى من اقتدى بهم، وسار على نهجهم إلى يوم الدين.

إنّ من النعمة الكبرى والسعادة العظمى والدرجة القربى، والمودّة الخاصّة، والرحمة العامّة والعطاء غير المجذوذ، أن يفيض الله على قلوب أصفيائه وأحبابه وأهل وداده، من نعيم المناجاة والحكم ما يأخذ بلبّ الإنسان وعقله وكلّ جوارحه، هيبة وإجلالا للمنعم المتعال، فإنّ قلوب الذاكرين والعاشقين والوالهين أهل المحبّة والصفاء هي تلك الآنيّة المخصوصة بهذا العطاء، وكم مرّ على مدار الزمان درر يتيمة من هذا النوعية, إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ / القمر آية / 49، فهم حقيقة المجدّدون لهذا الدين الحنيف، يشنفون آذان السامعين للتعلّق بالحضرة العليّة حيث لا مكان ولا زمان ولا عين، ولا أين ولا غين، بل هو مرسل على مشاهد التوحيد الأعلى، والذي تبرق آثاره من العلوم السنيّة، رفيعة الشأن، وما يترجمه تلك الأحوال المنطوية بالمناجاة تارة، وبالحكم تارة أخرى، ولقد كان لمولانا الأستاذ الباع الطويل والنصيب الأوفر في هذا الباب، ولا بدّ في هذا المقام من ذكر شذرات ومقتطفات من بعض منها، وكما هو وارد عن أهل هذه الطريقة الميمونة في تثبيتهم لما حصل بأحرف من نور مسطرة بعناية بكتب وقرطاس تحمل رمز العزّة والسعادة لأهلها ما دامت السّماوات والأرض، فجزاهم الله عنّا وعن المسلمين خير الجزاء، فهم حقيقة خير سلف لخير خلف، فرضي الله عنهم أجمعين وأرضاهم بجوده ومنّه وكرمه، ورحمته، آمين.

لقد ورد في كتاب النور الضاوي في الحكم ومناجاة الشيخ العلاوي للإمام الأعظم المشهور بتلقين الاسم الأعظم مولاناأبي العباس سيدي أحمد بن مصطفى بن عليوة المستغانمي نفعنا الله بسرّه وببركاته آمين، وقد اعتنى بجمعه سيدي عبد العزيز أعراب جزاه الله خير الجزاء الشيء الكثير، من الحكم والمناجاة لمولانا الأستاذ، وعلينا من باب حفظ جميل المربين من أهل هذه السلسلة وتخليدا لذكرهم سنورد بعضا منها لعلّ الله ينفع الجميع بها.

مناجاته (يبدو أن المناجاة بها نقص, سنتدارك ذلك في المستقبل إن شاء الله)


وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ / فصلت آية / 33.

إلهي، أسألك بأعزّ من ناجاك وأفضل من دعاك أن تمطر على قلبي شأبيب عطفك، وسحائب رضاك وتلقي فيه حلاوة ذكرك، وتوقظه من غفلاته حتى لا يشاهد سواك، وتثبته على طاعتك وتقوّيه على تقواك، يا من تحسّنت الأشياء ببهاء جمالك الأقدس، وازدهرت بظهور سناك، ائتنا كفلا من رحمتك وارزقنا نورا نمشي به تنجلي أمامه تكاثف الظلمات، وتتضح به مناهج السعادة وسبل الخيرات، واغفر لنا ما مضى ولإخواننا المؤمنين، ووفقنا فيما هو آت بحقّبسم الله الرحمن الرحيم.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ / الحديد آية / 28.

وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ / الأعراف آية / 180.

وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۚ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ * لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۖ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ / الحشر آية / من 19 – 24 وَإِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ / الزخرف آية / 14.

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ / الأنفال آية / 2.

وَقُلِ الْحَمْدُ لله الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا / الإسراء آية / 111. الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا, فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ / يس آية / 83.

2: سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، سبحانك لا يحصي ثناؤك عليك إلاّ أنت، سبحانك لا يوحدك حيث كنت إلاّ أنت، سبحانك لا يدركك كيف أنت إلاّ أنت،. سبحانك لا يعرفك حيث أنت إلاّ أنت، سبحانك لا يعلمك أين كنت إلاّ أنت، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ / الصافات آية / من 180 – 182 .

لا إله إلاّ الله أعلى من كلّ شيء، لا إله إلاّ الله أغلى من كلّ شيء، لا إله إلاّ الله أطيب من كلّ شيء، لا إله إلاّ الله ليس كمثله شيء، لا إله إلاّ الله ليس قبله شيء، لا إله إلاّ الله ليس بعده شيء، لا إله إلاّ الله ليس فوقه شيء. لا إله إلاّ الله ليس تحته شيء، لا إله إلاّ الله ليس معه شيء، لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير.

3: وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ / الأنبياء آية / 87, 88.

فها أنا ناديتك من ظلمات النفس، وما استولى عليها من الحسّ أن لا إله إلاّ أنت سبحانك أني كنت من الظّالمين.

لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الجاهلين، لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الخاطئين، لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الهالكين، فاستجب لي كما استجبت لذي النون يا من أمره إذا أراد شيئا أن يقول له: كن فيكون، وهل ترى أنّ يونس أحوج إلى الرحمة من غيره ؟، لا والله فمصيبة المذنبين أشدّ من مصيبته، فصرنا بهذا أفقر الورى، وقد قلت: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ / التوبة آية / 60.

إلهي، إن كان العفو منك وقفا على المسيئين فقد استوجبناه، وإن كان للمحسنين فلم يظهر معناه. اللّهم إنّك أنت العفو والعفو لا يظهر إلاّ مع الجراءة، وأنت المحسن والإحسان لا يظهر إلاّ مع الإساءة، وها نحن قد ظهر منّا ما نحن أهله فلم يبق إلاّ أن يظهر منك ما أنت أهله فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ / الذاريات آية / 23.

اللّهم: إن كان في رحمتك ما هو ذخر للمذنبين، فإنّنا استودعناه ذخيرتنا يا من لا تضيع عنده الودائع، إلهي، إنّك تعلم أنّي أحبّ التوبة والتوابين لما علمت أنّك تحبّ التوابين وتحبّ المتطهرين، ولكن خشيت إن قلت تبت إليك نقضت توبتي كما هو من طبعي وعادتي، فإنّ ذلك يمنعني الوقوف عند بابك والاعتماد على جودك وكرمك فها أنا تبت إليك إن وفقتني ورجعت إليك إن رضيتني، وكيف لا تقبلني وقد قلت وأنت أصدق القائلين: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ / النساء آية / 17، فاجعلنا اللّهم من أفرادهم فقد صحّ اعترافنا إليك بالعصيان فلم يبق إلاّ الامتنان منك بالغفران.

إلهي، أولست قد أنزلت كتابك على من حاز الشرف ؟ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ / الأنفال آية / 38. فرضيت عنهم بمجرد النطق بكلمة الإخلاص فإن كان هذا نعتك فقد تحقّق الخلاص، لأنّنا آمنا إيمانا وكرّرناها مرارا وهي على ما هي عليه قاطعة للشرك من أصله، وإنّنا وإن عصيناك فما كفرناك، وإن خالفناك فما جحدناك.

إلهي، إنّك أمرتنا بالسؤال وتكفّلت لنا بالنوال، فها نحن سألناك كما أمرتنا، فاستجب لنا كما وعدتنا، أوليس قد قلت في محكم التنزيل: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ / البقرة آية / 186.

إلهي، فإن كانت إجابتك للمطيعين فمن ذا الذي يجيب المسيئين ؟.

إلهي، فقد أخرست المعاصي لساني وأظلمت الغفلات جناني وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ / هود آية / 47 وإنّي على علم من أنّ الذنوب لم تبق لي جاها عندك، ولا يدا معك لما فرّطت في جنبك، وضيّعت من حقّك فكم استغفرتك ممّا كان من الذنوب وما يكون اعتمادا على قولك: وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ / الأنفال آية / 33.

اللّهم: إنّي أستغفرك من كلّ مخالفة ومعصية، وأتبرأ لك من سائر أفعالي وأفعال الأشقياء.

إلهي، لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا / الكهف آية / 73, رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ / آل عمران آية / 8.

اللّهم: إنّك أعطيتنا الإيمان قبل السؤال وهو أعزّ شيء تكرّمت علينا به، والكريم لا يرجع في هبته والموصوف لا يتخلّف عن وصفه، اللّهم: أنت الشاهد على ديني وإيماني، وأنت الشاهد على إسلامي وإحساني، وأنت الشاهد على قلبي ولساني رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ / التحريم آية / 8.

إلهي، إنّي استعظمت ذنبي قبل أن تقرنه بعفوك، ولما انتبهت وجدت الرحمة منك سابقة لغضبك، إلهي، لو أردت أن توحشني من مقامك لما أطلعتني على كرمك وأي كرم أعظم من قولك في بعض كلامك: وما غضبت على أحد كغضبي على من أذنب ذنبا فاستعظمه في جانب كرمي، فعلمت أنّه لا ينبغي للمؤمن أن يستعظم شيئا هو محتقر لديك بالنظر إلى كرمك وجودك، وهذا مع الخشية منك والإنابة إليك، وإلاّ لما استطاع المذنب الوقوف بين يديك، إلهي، لما أطلعتني على أنّ الكلّ بقضائك وقدرك علمتني أن نشتكي منك إليك، إذ لا ملجأ منك إلاّ إليك، وإنّي أشهدك على ما في قلبي، وأنت خير الشاهدين. إنّ الظنّ فيك جميل وأنت حسبنا ونعم الوكيل، وإنّ مع تفريطي في جنبك وتقصيري في حقك.

إلهي، إنّك كلّفتني إصلاح قلبي مني وأن أجمعه عليك، وكيف تكلّفني إصلاح شيء هو بيدك ؟، فوحقك لو ملكته ساعة لرددته إليك، ولو صرّفتني فيه لحظة لجمعته عليك، فها هو تحقّق منّي التقصير، وأنت على جمعه إذا تشاء قدير, رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ / القصص آية/ 24.

إلهي، فإن خفتك فمن حقّي لأنّك مقتدر عظيم، وإن رجوتك فمن صدقي لأنّك حليم كريم إلهي، فبحق عزّك إلاّ ما تعطّفت عن ذلّي وبحقّ علمك إلاّ ما صفحت عن جهلي، أو ليس ذكرت من نعت العلماء : وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا /الفرقان آية / 63. وقد سمعت منّي الخطاب فأسمعني منك الجواب، إلهي، عزمت عليك بأعزّ الوسائط إليك، وبحقّك عليك إلاّ ما صفحت عن جهلي، ولا تزدني ذلاّ على ذلّي, أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ / يوسف آية / 86.

إلهي، فهل يليق بك أن تقبّح وجها كان لك ساجدا، أم تعذّب بدنا كان لك عابدا، أم تحرق لسانا كان لك ذاكرا، أم تطمس بصرا كان لك ناظرا، أم تؤلم قلبا كان بك عارفا، أم تطرد عبدا كان منك خائفا، فإن كان ذلك ما يقتضيه العدل فقد ينازعه الفضل، والواقع منك، والأنسب إنّ الرحمة سابقة للغضب، إلهي، إنّك أوجبت علينا إغاثة الملهوف، وأنت أولى بالإغاثة منّا, إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ / البقرة آية / 143.

إلهي، إنّي على علم من أنّ مقامي لم يبلغ عندك جاها نرتجيه، ولا قدمت من أعمالي فعلا نرتضيه إلاّ مجرّد التوحيد، فإنّني شاهد على وحدانيتك وأنت خير الشاهدين، إلهي، توفني مسلما وألحقني بالصالحين، إلهي، كيف أتشفع إليك بشهادتي، وأنت الذي استشهدتني، أم كيف أتقرّب لك بعبادتي وأنت الذي استعبدتني، أم كيف أتوسل إليك بذكري وأنت به ذكرتني، كفاني من الجزاء أن صيّرتني للعمل أهلا قبلته منّي، أم لم تقبل فأنا عبدك على كلّ حال، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرّا إلاّ ما شاء الله.

إلهي، وإن كانت الذنوب منا شنيعة، فإنّنا ما نوينا بها القطيعة، فاجعلها منّا اللّهم هفوات، فقد جاء عن علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين على المنبر، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إنّما الأعمال بالنيات وإنّما لكلّ امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته لما هاجر إليه رواه البخاري في صحيحه.

إلهي، ما عبدك العابدون مهما عبدوا، ولا عرفك العارفون مهما عرفوا، ولا وحّدك الموحدون مهما وحدّوا، ولا وصفك الواصفون مهما وصفوا، وكيف يدرك الموجود كنه من أوجد ه، أم كيف يوفي العابد حق من استعبده، فسبحان من حكم الغيب على الشهادة، فالظاهر غيب والغيب شهادة.

إلهي، إنّك أمرتني بالتوحيد وأن أكون على ذلك شهيد، وكيف يوحدّك من لا وجود له مع التوحيد، أم كيف يوحدّك وأنت على كلّ شيء شهيد، سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، ومن ثنائي عليك أن حيّرتني فيك.

اللهم إن كان في أحبابك من أغنيته عن السؤال منك، فإنّي لا أسألك الغنى بك عنك، وإنّما أسألك الغنى بك عمن سواك.

اللهم إنّك على علم من أنّي لا أحبّ السؤال من الخلق، ولا أحبّ من يسألهم، ولكنّ الحوائج ردتنا إليهم فاجعل اللّهم حوائجنا كلّها إليك، واجمع همّنا عليك حتى لا يكون التجاؤنا إلاّ إليك ولا يقع نظرنا إلاّ عليك، اللّهم: لك أسلمت وبك آمنت وإليك أنبت وعليك اعتمدت، اللّهم افعل بنا ما أنت أهله، ولا تفعل بنا ما نحن أهله، اللّهم: اعصم منا البصر والبصيرة، وطهّر منا الفؤاد والسريرة، وقنا شرّ أنفسنا ولا تؤاخذنا بذنوبنا, وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ / فاطر آية / 45.

اللّهم إن قدّرت علينا محنة فلا تجعلها في ديننا، وإن قدّرت علينا مصيبة فلا تجعلها في قلوبنا، وإن قدّرت علينا فتنة فلا تجعلها في أخرتنا، وإن قدّرت علينا معصية فلا تجعلها عاقبة أمرنا، اللّهم: كن لي ناصرا ومجيرا, واجعل العقل منّي وزيرا, كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا / طه آية / من 33 – 35.

اللّهم قلّت حيلتي وضعفت قوتي وكلّت عزيمتي، وها أنا استمد الإعانة منك على دوام اليقين، فإنّي خشيت أن يطرقه ما يضعفه فيما بقي من السنين, أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ / الأنبياء آية / 83.

اللّهم أنّي استودعتك ديني وإيماني فأدخلني بهما في الصالحين، للّهم: اجعل سيئاتنا سيئات من أحببت، ولا تجعل حسناتنا حسنات من أبغضت، اللّهم: لا تفتنا في ديننا ولا في دنيانا، ولا في مماتنا ولا محيانا، ولا تجعلنا فتنة للظالمين، اللهم متّعنا بنعمك وجنبنا نقمك, مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا / الكهف آية / 17.

اللّهم ارزقنا العلم ما فيه كفاية، ومن الفهم ما فيه كفاية، ومن العقل ما فيه كفاية، ومن الصبر ما فيه كفاية، ومن الحزم ما فيه كفاية، ومن الحفظ ما فيه كفاية، ومن الشوق ما فيه كفاية، ومن الذوق ما فيه كفاية، ومن التوفيق ما فيه كفاية, وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ / هود آية / 88.

اللّهم اكفنا ما أهمّنا في المحيا وفي الممات, اللّهم: اكفنا ما أهمّنا في جميع الحالات، اللّهم: اكفنا ما أهمّنا من شرّ المخلوقات, فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ / البقرة آية / 137.

اللّهم أحينا ما كانت الحياة خيرا لنا، وأمتنا ما كان الممات خيرا لنا، وجنبنّا شر أنفسنا, إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي / يوسف آية / 53.

اعتصمت بالله من مكائد النفس والشيطان، اعتصمت بالله من شياطين الأنس والجان، أعوذ بالله من عذاب الله، أعوذ بالله من سخط الله، أعوذ بالله من مكر الله، اللّهم: إنّي أعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك، أعوذ بكلمات الله التّامات من غضبه وعقابه، وشرّ عباده ومن شرّ همزات الشياطين أن يحضرون، اللّهم: إنّي التجأت إلى بابك، وتوكلت على كرمك وتحصنت بأسمائك، بسم الله في كلّ شيء، بسم الله الذي لا يضرّ مع اسمه في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، اللّهم: إنّي أسألك باسمك العظيم الأعظم، وهو بسم الله الرحمن الرحيم الذي عنت له الوجوه، وخشعت إليه الأصوات، ووجلت من خشيته القلوب أن تصلّي وتسلّم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وأن تقضي حاجاتنا وتفرّج كرباتنا وتقيل عثراتنا وتغفر زلاتنا، وتثبت أقدامنا وتبلج حجتنا، وتؤيد أتباعنا وتنزلنا وإياهم منزلا مباركا، وأنت خير المنزلين، اللّهم: احرسنا بالعين التي لا تنام، واكنفنا بالكنف الذي لا يضام، وأدخلنا في الحصن الذي لا يرام، واجعل عاقبة أمرنا دار السلام.

اللّهم إنّي أسألك لعموم المؤمنين، فقد ضاقت بهم الأسباب وسدّت دونهم الأبواب، وإليك المرجع والمآب، يا من ترتجي لكشف الكربات، ويا من يقصد عند المهمات, أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ / النمل آية / 62. لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ / التوبة آية / 128, 129.

اللّهم إنّي أسألك بكلّ قلب ولسان أن تصلّي وتسلّم على رسول الرحمة سيد ولد عدنان سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وأصحابه في كلّ شأن، وأنت كلّ يوم في شأن، فالشؤون منك لا تعدّ والمدد منك لا ينفد, قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً / الكهف آية / 109.

اللّهم اجعل كلماتك هاته للصلاة عددا ورحمتك الواسعة للسلام مددا، اللّهم: إنّي صليت على النبيّ فاستغرقت أنواع العدد، واستوفيت أصناف المدد، فانتبهت فوجدت عددك لا يعدّ ومددك لا ينفد. اللّهم: إنّي أسألك أن تنهي العدد في الصلاة عليه فيما لا يعدّ والمدد فيما لا ينفد.

اللّهم صلّ على سيدنا محمد وأعطه الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إنّك لا تخلف الميعاد، اللّهم: عظّم شأن محمد، وبيّن برهان محمد وبلّج حجّة محمد، ووضح فضيلة محمد، وتقبّل شفاعة محمد، وأيّد شريعة محمد، وسدّد أمّة محمد، وانصر أتباع محمد، وقوّ أشياخ محمد، وارزقنا محبّة محمد، وصلّي اللّهم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأشياعه وأنصاره وأزواجه وأصهاره وذريّاته ومحبّيه وأمته إلى يوم الدين وعلينا معهم أجمعين يا أرحم الراحمين يا ربّ العالمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

اللّهم يا من جعلت الصلاة على النبيّ من القربات، أتقرّب إليك بكلّ صلاة صُلِيَّتْ عليه من أول النشأة إلى ما لا نهاية للكمالات.

سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين.

***

لقد تمّت، والحمد لله المناجاة العلاوية التي تدلّ على قوة صاحبها الربّانيّة، وإنّنا متيقنون بأنّ كلّ من عمل بها حسبما أمر بها صاحبها رضوان الله عليه إلاّ ويمدّه الله بنور من عنده ويهديه سواء السبيل.

وهناك نص ما أمر به أستاذنا صاحب المناجاة، قال رضي الله عنه: يسرني أن يقرأها المريد في كلّ يوم مرّة باختلاء وإحضار قلب وصدق لهجة من التمّعن في معانيها، ومن لم يستطع فمرّة في الأسبوع والأفضل ليلة الجمعة، وفقنا الله للعمل بها حتى لا يضيع حظّنا ممّا هدته لنا يد العناية، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأحبابه وأصفيائه إلى يوم الدين.

حكمه

قال رضي الله عنه:

  1. العارفون طبقات عارف بربّه، وعارف بنفسه، إلاّ أنّ العارف بنفسه أشدّ من العارف بربّه.
  2. المحجوبون طبقات محجوب عن ربّه، ومحجوب عن نفسه، إلاّ أنّ المحجوب عن نفسه أشدّ حجابا من المحجوب عن ربّه.
  3. الزاهدون طبقاتزاهد فيما عند الله، وزاهد فيما في يديه، إلاّ أنّ الزاهد فيما عند الله أشدّ زهدا من الزاهد فيما بين يديه.
  4. من عرف الله زهد فيما عنده والغافل عنه لا يكتفي من فضله.
  5. ما كثرت مساوىء النفس إلاّ لتستر أنوار القدس.
  6. من عرف الله في نفسه رجع إليها واتبع مرضاتها.
  7. من عمل بالعلم قبل أوانه عوقب بحرمانهولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيّه وقل ربّ زدني علما / طه آية / 114.
  8. من تحقق بحقيقة الصمدانيّة لم يجد محلا للغيريّة.
  9. ليس الشأن أن تعرف الله بعد رفع الحجاب، إنّما الشأن أن تعرفه في نفس الحجابله باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب / الحديد آية / 13.
  10. ليس التوحيد ما تحمله الأوراق، أو تتلفظ به الأشداق، إنّما التوحيد ما يرى من أثر العشّاق، وتلوح أنواره في الآفاق.
  11. التوحيد كالنار ما وقع على شيء إلاّ أحرقه وأذهب خبثه.
  12. ما استقام حال العارف بين أهله إلاّ بعد تصنّعه.
  13. إذا كان حظّ العارف من الله الجنّة فقط كانت كجزاء المحجوب النار.
  14. لو كشف عن سرّ العارف، لأدركت حقيقة النبوة.
  15. ليس الشأن أن تعرفه في جميع الأسماء الحسنى، إنّما الشأن أن تعرفه في كلّ لفظ ومعنى وعلّم آدم السماء كلّها / البقرة آية / 31.
  16. أبعد الناس عن ربّهم أشدهم مبالغة في التنزيه.
  17. ليس الشأن أن تبالغ في التنزيه، إنّما الشأن أن تعرفه في التشبيه.
  18. التشبيه مع اليقين في التوحيد خير من التنزيه مع الحجاب عن التوحيد.
  19. من طلب الله بغيره لم يصل إليه أبدا.
  20. من عرف الله بالدليل، فهو يقول بالتعطيل ولم يشعر.
  21. من طلب الله في غير نفسه أضل سبيله من حيث أراد.
  22. الحقّ ليس بقريب كما أنّه ليس ببعيد.
  23. القرب مع الاثنين والحقّ واحد.
  24. المعرفة بلا اعتماد ربّما تقضي بالبعاد.
  25. تاء الخطاب عقاب، وهاء الهوية بليّة، ونون الأنانيّة إثنينية، والحقّ من وراء ذلك.
  26.  لا تركن إلى معرفة الحقّ، فتحجب بها عن أسرار الخلق.
  27. من ذاق حلاوة مناجاة الحقّ لم يصبر عن مخاطبة الخلق.
  28. من زهد في الخلق زهد في الحقّ ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله.
  29. من تجلّت عليه عظمة الذات أذهلته عن الصفات.
  30. من لم يرض بمجالسة المتكبرين فهو متكبّر.
  31. من تمام الأدب إثبات الحجاب.
  32. الحكمة كالرخصة لا يجوز العمل بها إلاّ عند الحاجة.
  33. ما وحّد الله جاهل وما شاهده غافل.
  34. ضدّان لا يجتمعان إن كنت لم يكن وإن كان لم تكن، فاترك وجودك يدعوك الداعي إليه.
  35. كلّ من نطق بالتحقيق إلاّ وقيل فيه زنديق، ومن كتمه اتصف بالتحقيق.
  36. ما من ذرّة في الوجود إلاّ وعليها اسم من أسماء المعبود.
  37. لا تترك نفسك وتعاديها، بل اصحبها وابحث عمّا فيها.
  38. ليس التوحيد كلمة تتلى باللسان، إنّما التوحيد يقين ووجدان، ربّ جاهل يتنعّم بجهله وعالم يتألم بعلمه.
  39. الحقّ لا تدركه الأبصار وهو يدركها، وكيف لا تدركه وهو أقرب إليها من نفسها، وهل يمكن للعين أن ترى عينها.
  40. من جهل المريد طلب المزيد.

تعليقات