الشيخ العلاوي - الزعامة وما أدراك ما الزعامة

ولا واحد ممن يشم رائحة الإنسانية الحقة ويوفر فيه شيء من خواصها إلا وهو يود أن يكون زعيما في أمته بارز الذات من بين قومه وأبناء جلدته يشار إليه بالبنان على طريق الإعظام والتبجيل. هذا ما يختاره لنفسه وهكذا يريد أن يبقى ذكره ما بقى الدهر مرتكزا في الأفئدة وليس في هذا المبتغى من محظور, إنما هي غاية يصبو إليها ذو الهمة العالية, ومن ذلك قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام (وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) 
[الشعراء:84],  ونعني مما قدمناه الزعامة الحقيقية الخالصة المخلصة.

‏وبالجملة فإن الزعامة بتلك الصفة لها مكانتها لا هي بضاعة تشترى ولا حديث يفترى إنما هو صدق العزيمة والإخلاص يتمثلان في الشخص يبعثانه على العمل مضطرا لأن يظهر بتلك الصفة.

‏ويتخرج من هذا أن الزعماء قسمان : قسم يعمل في قومه بالتكلف, وقسم بالسجية, فأهل التكلف في تعب مستمر يرجون راحتهم فيما يستقبل ليتمتعوا بالنتيجة عاجلا والثواب عند الله آجلا, غير أن الكثير من هذا النوع يرجع عن عقبه ويتلوَّن في مشربه خصوصا إذا خانه الساعد وأعوزَّه المساعد, وكيفما كان الحال فالأمة تراقب من سير هاته الطبقة فهي التي تسير هذا النوع من الزعماء لتحمي المخلص وتطرح المنتكس و أحرى بالزعيم أن يراقبها لأنها قادرة على أن ترفع وتضع وتضر وتنفع ونعني بالأمة تلك الشاعرة بواجبها أو ببعضه .

‏أما ذو الزعامة الغريزية المفطور على أن يكون زعيما بالسجية فإنه يعمل لقومه بالطبع لا بالتطبع وهذا النوع هو الذي يسَيِّر الأمة لا الأمة تسَيِّره ولك أن تقول هو الأمة برمتها (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً) [النحل:120], لولا أنه نوع قليل ويشير لذلك قول الإمام علِّي في وصايته لكًمَيْلْ "أُولئِكَ وَاللَّهِ الْأَقَلُّونَ عَدَداً".

غير أن الواحد منهم كاف وما خسرت أمة كان ذلك الفرد نصيبها وأحرى إذا كان لها أفراد لأنه نوع مجبول على حب السعادة لأمته وإن كانت السعادة فيها شقاوته لما يقاسيه في ظروف حياته. أما غيره في الغالب يخسر صفقته في الطريق لا لشيء سوى أنه يقدم سعادته على سعادة قومه فهو يكتفي بالنزر القليل مما يرجع عليه بالنفع ولو على ‏الأقل حصوله على لقب الزعامة وهذا مما يعتبر ضعفا في الزعامة وخورا في العزيمة أما لو كان فيما يكنه شيء من الغرائز الإنسانية التي تبعثه على أن يكون إنسانا فلا يكون بصره متجها إلا إلى الأمام فهو لا يقدم رجلا و يؤخر أخرى إلا في صلاح أمته ولا يطلب راحة ولا هو يشتهيها لأنه هو الذي يوجد لنفسه في كل حين تبعا وفي المثال (إن الهمم إذا عظمت تعبت من أجلها الأبدان).

‏ونحن مهما فقدنا هذا النوع يجب علينا أن نستخلص من النوع جهودنا لجهوده لتتضاعف قوته ويتسع أمله إما مع ضعف غريزية الزعيم واستدبار الأمة عنه أو عدم الاكتراث بعمله فلا بد وأن تنتهي جذوة أعمال الزعماء على غير طائل فكثيرا ما يمتلئ الأفق بصياحهم و نفع الأمة من ذلك لا يتعَدَّ أسماعها, والله قادر على أن يحيي الأرض بعد موتها, ويبعث النفوس من مرقدها, وما ذلك على الله بعزيز.


المصدر: جريدة البلاغ الجزائري- الزعامة وما أدراك ما الزعامة - العدد
227 بتاريخ  12 جمادى الأولى 1350هـ - 25-09-1931.

تعليقات