كثيرا ما يتحير المسلم الآن وحقه أن تأخذه الحيرة عندما يلقى نظرة على هيئة المجتمع الإسلامي من جهة ما هو عليه بالنظر لحالته الفكرية وما تشعبت إليه في هذا العصر الأخير القرن العشرين أو تقول القرن الرابع عشر من التشاكس والتضارب والتصادم إلى غير ذلك, الأمر الذي يقضى بالفشل والاندهاش حتى قد يخال الإنسان أنه في ثورة داخلية تتوقد نيرانها من نقط متعددة على غير انتظام.
هكذا تجد الأفكار مائجة والعقول دالجة في مكتنف محيط يتجاذبها منه طرفا الإفراط والتفريط.
فبعيد أن يستقر بها القرار لتخلفها عن الجاذبية بسبب انحرافها عن مركز الاعتدال, هكذا ترى الأفكار تتماوج بين إفراطات الوهابيين وتفريطات الكماليين والكل يعلم أن بعد الطرفين من بعضهما ليس بأقل من بعد ما بين المشرقين على أني لا أعتبر هذين الطرفين من مدخول المتموج بالنظر لاستقرار مركزهما, كل في محيط نقطته في الهيئة الاجتماعية.
إنما الكلام على المتردد بين ذلك ونعني به السواد الأعظم من الأمة الذي طالما توجه الدهر بإكليله معترفا لأفراده بأنهم أهل السنة والجماعة, هذا ما عرفوا به من قبل وهو الذي مكثوا عليه دهرا طويلا,وعليه...
- هل يمكنهم الآن أو يمكن بعضهم الثبات على ذلك المبدأ ؟
- وهل يمكن أن يستقر بهم الآن ما استقر بهم من قبل مع وجود هذين العاملين ؟
- وهل في استعدادهم ما يستطيعون التوفيق به بين الطرفين ؟
- وهل هناك عامل يستطيع الإحاطة بالعاملين ؟
- وهل من الواجب السعي في تقريب المسافة بين الفريقين ؟ أم يترك كلا حبله على غاربه, يعمل في دائرته حسبما يستطيع إليه ؟
فهذا هو المتحير فيه, وهذا هو الذي نريد الوقوف عليه, وليس ما يهمنا من أمة الجزائر بشيء بالنظر لما يهمنا من الأمة الإسلامية جمعاء, على أن أمة الجزائر لم يكن أمرها بالمستعصي لو اهتدى زعماءها لسواء السبيل بالنظر لما عداها, لأنها أقرب للفطرة من غيره.
وزيادة على ذلك أن كلا من طرفي الإفراط والتفريط لم يقر قراره بصفة يتعذر معها وجود المفاهمة من جهة الابتعاد وبعد المسافة.
أما مذهب المتصوفة الذي ربما يرى الفرقين في صفة شبح مظلم ويلصق به كل ما لا تتسع له دائرة الإنسانية فضلا على أن تتسع له دائرة الدين, في حال أنه يعلم براءة المذهب من ذلك. ومثله مثل الأجنبي الذي يريد أن يلصق ما يراه من ذلك القبيل بالتعاليم الإسلامية وإذا فلا يبقى ما يقضي بوجوب التحمل عليه مهما كان بريء الساحة من كل ما يوهم نقصانا في التعاليم الدينية أو يشير فسادا في الهيئة الاجتماعية. ومهما كان عبارة عن مذهب تنحصر تعاليمه في تطهير الأخلاق وتنوير البصائر, وعلى هذا التقرير لا نعتقد أن يكون أربابه أقل غيرة على الدين من غيرهم وأقل توجع على ما حل بأبنائه من الدواهي المختلفة الأنواع. وكيفما كان الحال فالصلاح ممكن والفساد مثله والمخلص يعمل والتوفيق بيد الله وبه المستعان.
المصدر: جريدة البلاغ الجزائري- ثورة الأفكار - العدد 24 بتاريخ 09 ذي الحجة 1345 هـ - 10-06-1927.
تعليقات
إرسال تعليق