المولود الحافظي

المولود الحافظي هو المولود بن الصديق بن العربي
الحافظي الأزهري الورتيلاني,
وينسب إلى قرية بني حافظ الواقعة ببلدية عين لقراج دائرة بني ورتيلان ولاية سطيف.

يتفق الجميع على أن إن الشيخ المولود صوفي سني زاهد، يحب في الصوفيين نشاطهم في الدعاية للإسلام والتعاون والتآخي. ولقد نوه بفضل الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي المستغانمي والآثار الإيجابية التي خلفها وراءه من الأعمال الجليلة لخير الإسلام عبر الريف المغربي وأوروبا عامة وفي فرنسا بصفة خاصة.


هناك اعتقاد أن مولود الحافظي كان صديقا للشيخ العلاوي ومن أحباب الطريقة العلاوية ولكنه من مريدي الشيخ ولذا وضعه على رأس "جمعية علماء السنة" والتي أنشأ من أجلها سنة 1932 جريدة الإخلاص (لسان حال جمعية أهل السنة). وتوجد شهادات تثبت ذلك, والفقراء الكبار على علم بذلك كأحد الفقراء العلاويين من منطقة القبائل, المباشرين للشيخ العلاوي والذي توفي في السنوات الأخيرة أخبر بأن الحافظي أخذ العهد عن الشيخ العلاوي وأنه لم يكن مجرد تعاطف مع الشيخ بدليل سماحه لعدة بن تونس بأن يكون عضوا في المجلس الإداري لجمعية علماء السنة.
 

ولادته ونشأته:
ولد الشيخ: المولود الحافظي سنة 1880م في قرية: "بني حافظ" التي ينسب إليها، بلدية: "عين القراج"، دائرة: بني ورتيلان، ولاية: سطيف حاليا، وفيها شب وترعرع. وما إن بلغ سن التمييز حتى دخل الكُتّاب، فحفظ القرآن الكريم مبكرا، التحق بعدها بمدرسةٍ لتعلم اللغة الفرنسية. وفي خضم مساره التعليمي، وفي أمد وجيز، اكتسب الشيخ الحافظي مبادئ اللغة العربية والفقه والحساب، وقد كان ذلك على يد ثلثة من أهل العلم بالمنطقة. 

طلبه للعلم:
رحل الشيخ الحافظي إلى تونس قبيل الحرب العالمية الأولى، وهناك انتظم في سلك الطلبة بجامع الزيتونة، ولأن وضعه المادي لم يكن مستقرا، اضطر للبحث عن العمل.

اشتغل الحافظي مدة من الوقت توقف بعدها عن العمل، فقد كانت رغبته للتفرغ لطلب العلم أقوى من أن تنازعها أي رغبة أخرى في الوجود، فارتحل إلى مصر عله يجد هناك ظروفا ملائمة تمكنه من التفرغ للدراسة، وبعد متاعب ومشاق كابدها استقبله طلبة المغرب العربي بالأزهر، فعرَفوه بنظام الأزهر وقوانينه، وكذا بشيوخه وتكاليفه.

لم ينل من عزيمة شيخنا وإرادته شيء مما سمعه من طلبة الجامع عن همومهم، وما تكبدوه من متاعب في أول عهدهم، فقد كان آية لعزيمة متقدة رافقته على مدى العشرين سنة التي قضاها بالجامع، درس خلالها: الشريعة وأصول الدين والتفسير والحديث والفلسفة واللغة والأدب وعلم الهيئة والرياضيات، وتعمق في علم الفلك ونبغ فيه حتى صار مرجعا لأهل العلم فيما يواجههم من معضلات فيه، ليحرز في نهاية العشرينات شهادة العالمية. 

شيوخ الشيخ المولود الحافظي:
للشيخ المولود الحافظي شيوخ كثيرون أخذ عنهم وانتفع منهم وتأثر بهم تأثرا كبيرا، وعلى رأسهم الشيخ العلامة: بخيت المطيعي الذي كتب عنه أمين فتواه، الأستاذ سيد حسن الشقرا إثر وفاته وقال فيه[1]: «إن شخصية الأستاذ الإمام الشيخ محمد بخيت كانت الشخصية المبرزة التي تتلاشى أمام عظمتها جميع شخصيات العلماء، فهو البحر، من أي النواحي أتيته استقيت منه، ثم هو البحر في جلاله وهديره لا ينقص منه شيء... ولم يتح لعالم أزهري في عصريه القديم و الحديث ما أتيح للفقيد - رحمه الله - من خدمة العلم والدين والتوفر على البحث والتنقيب طيلة حياته، فهذه مؤلفاته ملك الأسماع والقلوب، وهذه مواقفه المشهورة في مطاردة ذوي الأغراض والدس من أشباه المسلمين تنطق عليهم بالحجة وتردهم على أعقابهم خاسئين».

لقد تأثر الشيخ المولود الحافظي أيما تأثر بالعلامة المطيعي، فكان لا يذكره إلا بالإعجاب والتقدير، فقد كان غيثا من العلم منهمرا، أخلص ونبغ في كل من تتلمذ على يديه، لقد كان مرجعا للعلماء في كل ما شكل عليهم، يقصده الجميع من كل حدب وصوب، كيف لا وهو الذي لم يكن يدخر جهدا في إرشاد المحتار وهداية الضال إلى سبيل الصواب.

لقد أخذ عنه الحافظي حبه للعلم وتقديسه له وانقطاعه إليه، والرغبة الملحة في نشره بكل إخلاص ومحاربة ذوي البدع والخرافات، مجاهدا بالفكر والقلم واللسان، كما أخذ عنه حرصه المنقطع النظير على الوقت، واستثماره في النفوذ إلى أغوار العلم بالبحث والدراسة والتنقيب في أمهات الكتب لاستخراج حقائقه وكشف أسراره في عبقرية نادرة ونبوغ فذ. 

المكانة العلمية للشيخ المولود الحافظي:
لقد حاز الشيخ الحافظي على شهادة العالمية التي امتحن من أجلها في مختلف العلوم والفنون التي تدرس بالأزهر، وكان ذلك على يد علماء أجلاء، افتك إعجابهم، وحاز على احترامهم وتقديرهم بما حباه الله من فيض علم وقوة استدلال وفصاحة لسان، ورغم كونه قد تضلع في مختلف العلوم، إلا أنه قد نبغ في الرياضيات وعلم الفلك، فكان فيهما نادرة زمانه، وإليه يعود الحكم والقول الفصل فيهما.

ومما زاد في ذيوع صيته بالأزهر مناظرة جرت بينه وبين أحد زملائه، وهو الشيخ الرداد البرقاوي الطرابلسي بحضور جمع غفير من العلماء والطلبة، ولما رفعت القضية إلى الهيئة العلمية العليا بالأزهر حكمت هذه الأخيرة لصالح الحافظي واعترفت له بالتفوق العلمي. 

عودته إلى الوطن ونشاطه:
تغرب الشيخ الحافظي عن وطنه سنوات عدة في سبيل تحصيل العلم والمعرفة، وتحمل من أجل ذلك المتاعب والمشاق ليعود إلى أرض الوطن سنة 1918م مسلحا بهما، واضعا نصب عينيه خدمة بلده والنهوض به في هدف عظيم وغاية نبيلة.

ما إن انتشر خبر عودته إلى مسقط رأسه "ببني حافظ" حتى أخذ الأعيان والشيوخ وطلبة العلم يتوافدون عليها لملاقاته في إجلال وتقدير كبيرين، فظل طوال شهرين محجة للزوار الذين خفقت قلوبهم بحب العلم والعلماء.

بعد أيام من عودته، قرر الحافظي أن يجمع في بيته طائفة من الطلبة المتميزين بالمنطقة ويقوم بتعليمهم بمساعدة من أثريائها الذين يجلون كل ما له علاقة بالعلم ويرون في نشره وخدمة أهله عبادة تقربهم من الله تعالى، فضحى بحريته وراحته وحرية أهله وراحتهم لسنوات في نزعة إنسانية جعلته يسمو بعلمه إلى أن ينفع به بنو جلدته. تعهد الحافظي طلبته: أمثال: الشيخ عبد الحميد بن حالة، الشيخ محمد السعيد اليجري والشيخ عبد القادر الزيتوني... بتوجيهات بناءة ونصائح ثمينة، وظل يذكي في أعماقهم حب الوطن ويلهب فيهم نزعة النهوض به وتحريره، كيف لا وهم أمل الأمة المنشود.

بعد سنوات من التعليم قضاها في بيته، انتقل الحافظي إلى زاوية عبد الرحمن اليلولي رفقة جمع من الطلبة، ولصيته الذائع، تضاعف عدد طلبة المعهد بعد انتقال الحافظي إليه، حيث أنشأ ساعة فلكية على رخامة مربعة بالجانب الغربي من المعهد تضبط الوقت بواسطة الظل، لكن جنود الاحتلال خربوها، كما خربوا مثيلتها التي أنشأها بزاوية عبد الرحمن الحملاوي بالعثمانية غرب قسنطينة بعد تنقله إليها، حيث اضطلع هناك طوال المدة التي قضاها فيها بالتدريس وتسيير شؤون التعليم فيها، ليعود مرة ثانية سنة 1947م إلى المعهد اليلولي، لينتقل بعدها إلى المعهد الكتاني بقسنطينة، حيث عمل الحافظي بجد ونشاط وحيوية جعلت المعهد يخطو في عهده خطوات واسعة وموفقة مسجلا أحسن النتائج. 

صفاته:
عرف الشيخ الحافظي بسرعة بداهته وبعزمه وحماسته، وطموحه الذي يخترق به الحواجز مناشدا حياة كريمة قوامها العلم والمعرفة، لقد كان عنوانا للجد والمثابرة، ومثالا للأخلاق الفاضلة والسلوك القويم، عرف بغزارة علمه وكثرة مطالعته، كما عرف بقوة الحجة وفصاحة اللسان. 

مجالات جهاده:
آمن الشيخ الحافظي دائما أن العلماء ورثة الأنبياء، وأنهم ورثوا عنهم وظيفة التربية والتعليم والدعوة إلى الله تعالى وهدايتهم إلى سبيل الرشاد.

جاهد الحافظي في مجال العقيدة، لا سيما في مسألة التوسل والاستغاثة بالصالحين التي نفاها جملة وتفصيلا في مقالٍ له في جريدة "الشهاب"، ردا على مقال نشره أستاذه بالأزهر، الشيخ: يوسف الدجوي المصري، والذي نشر بمجلة "نور الإسلام" ونقلته مجلة "الشهاب" وصحيفة "النجاح" والذي ذهب فيه الشيخ الدجوي إلى جواز التوسل، فكان رد الحافظي أنه: «...إذا امتنع الفعل والعلم من الميت حقيقة ومجازا ولغة امتنع التوسل به والاستغاثة لأن جوازهما بناء على صحة صدور الفعل منه للسببية الظاهرة وهي مفقودة منه لما عرفت. فوجب ترك التوسل والاستغاثة بالأموات ...»[3]، هذا وللشيخ الحافظي عدة مقالات في مجال الدين وفي مختلف فروع الشريعة وأركان الإيمان، منها تلك التي كتبها تحت عنوان: "سوانح رمضان" المنشورة في "صحيفة النجاح" في شهر رمضان، سنتي: 1926م و1927م، والتي تعالج مجموعة من القضايا المتعلقة بالدين كالغاية من الصوم والأبعاد والنتائج التي تنجم عن مجاهدة النفس بالصوم، هذا وتناول في مقالاته مسألة طغيان العوائد على الناس على حساب الشرائع في أحوالهم الاجتماعية والشخصية من رمضان وإتباع الجنائز والمواريث والأنكحة والطلاق.

اهتم الحافظي بالجمعيات الخيرية، وأسهب في بيان دورها في تخفيف البؤس والشقاء عن الفقراء والمساكين: «الذين أقعدهم العجز عن تحصيل ما يسدون به رمق الحياة، منهم السائل ومنهم المحروم، ومنهم الملحف ومنهم المتعفف، يقاسون شدائد ويعانون مصائب، يحق لهم أن يستمطروا الرحمة من الأمة ولسان حالهم يقول: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"، فهم إن نادوا المحسنين انكسرت قلوبهم، وان سكتوا سكتوا على أحر من الجمر، فكم يتضاعف انكسار خاطرهم إذا ردوا خائبين، وكم تندمي أفئدتهم إذا صادفوا عنفا من قساة عفاة جفاة»، معربا عن استيائه من حال من يبذرون المال في أوجه الإثم، ومتحسرا من حال من يظنون أن الإنفاق في أوجه الخير يؤدي إلى الفقر، ماضيا في تصوير ما يجب أن يكون عليه المسلمون من تراحم وتعاون، لاسيما ما يجب أن تضطلع به الجمعيات الخيرية حتى تؤدي دورها على أكمل وجه، وذلك تمتينا للعلاقات الاجتماعية التي تضعف وقد تنقطع بسبب حب الذات، ملحا على التمسك بالأخلاق الفاضلة وعلى رأسها التواضع، والرجوع إلى الحق وقبول الرأي السديد البناء من أي شخص كان، واحترام الآخرين وأقوالهم وأفعالهم، داعيا إلى تحكيم شرع الله تعالى تفاديا لأي نزاع أو شقاق أو فرقة: «...دواؤكم بأيديكم يا قوم إن أردتم إصلاح ذات بينكم وهو اتباع القانون السماوي المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم عزيز، ارجعوا إليه واشربوا من حياضه...وخذوا منه حياتكم فإنه يدعوكم لما يحييكم».

هذا ولا ننكر على الحافظي وطنيته الصادقة، فهو الذي عكف على دعوة الناس إلى الوحدة ونبذ الفرقة، ورفض الواقع الذي فرضه الاحتلال الفرنسي وأن يصروا على التغيير بقدر استطاعتهم، وأن ينهضوا فوق الأحداث ويهتموا بتربية أبنائهم حتى يكونوا عدة للمستقبل، داعيا في سلسلة مقالاته التي نشرها تحت عنوان "العلم والأدب وحالة الجزائر" عن الإصلاح والمصلحين إلى معرفة أدواء الأمة والإخلاص في معالجتها، كما عني بالتجنس الذي قال فيه: «نصرة الدين وتقوى الله وطاعة الله ورسوله فيما جاءت به الشريعة السمحة، هي شروط العزة والسيادة والقوة والسلطان.والذين ضيعوا عزة الله وضاعت منهم العزة وهي في متناول أيديهم وفي إمكانهم الحصول عليها، أصبحوا يطلبونها بطريق التجنيس، علهم أن يكونوا أعزاء مثل الذين يلحقون بهم، وينتسبون إليهم في عزتهم، ولكن الله سبحانه وتعالى مكر بهم، ورد كيدهم في نحورهم بجعلهم أذلاء وأذنابا للذين حاولوا المساواة بهم في عزتهم، فإن القانون الآن اعتبر التجنس في درجة متوسطة بين الأهلي غير المتجنس وبين الفرنسي الأهلي، فالفرنسي الأصلي أكبر مقاما من المتجنس المتفرنس، وهذا أقل منه بكثير، بل الأدهى والأمر أن المسلم التجنس المتفرنس أقل شأنا من اليهودي والاسبنيولي والطلياني والمالطي المتجنس المتفرنس».

إلى جانب ما سبق اهتم الحافظي بمجال التربية والتعليم اهتماما كبيرا، فهو يرى أن التعليم من أسباب النهضة إذا ما تولاه الأكفاء، وقد انتقد طريقة التعليم التي تقوم على حشو الأدمغة بالمعلومات، ودعا إلى تدريب التلاميذ على الفهم كل حسب استعداده الفكري ليكون بعد ذلك تحريضهم على الحفظ، معبرا عن استيائه من هؤلاء الذين يحملون رسالة نشر العلم ولا ينهضون بها خير النهوض، فالتعليم شرف وعزة، والتربية التي لا تقوم على الإسلام والعلم والمعرفة إنما تُعِدّ أجيالا لمستقبل معتم ومظلم، منتقدا الزوايا الغنية بالأوقاف لكنها تهمل التعليم الذي من أجله أسست، ولا تعنى بصرف أموالها فيما وقفت له، أو أن قيامها برسالتها التعليمية التربوية ليست في المستوى المطلوب.

هذا إلى جانب مجال الفلك والكونيات التي نشر فيها مقالات عدة عن الأهلة والخسوف والكسوف وعن الساعات الشمسية التي أنشأها ورسمها.

وفاته:
انتقل الحافظي إلى رحمة الله فجر يوم الثلاثاء 23 ربيع الأول 1367هـ الموافق لـ: 08 فبراير 1948م، وشيعت جنازته بعد زوال يوم الأربعاء في موكب مهيب شهده الآلاف ممن سالت بهم الطرق من مختلف المناطق ليشهدوا جنازة الأخ والإمام والعالم، ودفن بمسقط رأسه ببني حافظ
, رحمه الله وجعل الجنة مثواه, آمين.

تعليقات