محمد بن علال - الشهائد والقتاوي (1-03)

الشاهد الثالث من القسم الأول في سرد طائفة من شهادات ذوي الهيئات الشرعية والمراتب الدينية الرسمية في كتاب الشهائد والفتاوي.
(1-03)
الشيخ محمد ولد مصطفى بن علال, مفتي تلمسان, وهو الشيخ المعني في سيرة الشيخ العلاوي الذي كان يلقي دروسا في علم التوحيد التي كان يحضرها الشيخ العلاوي في شبابه بجامع سيدي الغريب.
فيما أجاب به فضيلة العالم الجليل الشيخ المحترم السيد محمد بن الحاج علال 1 مفتي حضيرة تلمسان عن السؤال الوارد عليه الذي نصه:
الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد واله وسلم
تونس 20 صفر عام 1342هـ الموافق لـ 2 أكتوبر 1923م
العلامة النحرير والدراكة الشهير فضيلة مفتي مدينه تلمسان السيد محمد بن الحاج علال, زادكم الله رفعة وإقبالا, والسلام عليكم ومزيد الإجلال.
هذا وان الداعي لتسطير هذا المكتوب هو ما أهمنا من أمر الشيخ السيد أحمد بن عليوة المستغانمي, فقد أنبهم أمره على كثير من أهل قطرنا, وكل ذلك لعدم الاجتماع به والاطلاع على حقيقه أمره, وبمناسبة ما بلغنا أنه كانت لكم وظيفة التدريس ببلده, ولربما كان يحضر دروسكم على ما قيل, فتعين الرجوع إليكم من جهة ما عرفتموه من سيره وما امتحنتموه من أخلاقه, ومثل ذلك سيرة أتباعه الذين مكثتم بين أظهرهم عدة سنين, فما هو نظركم في جميع ذلك لأنكم أدرى بهم من غيركم, والمؤمن يعتمد على أخيه في اكثر النوازل, فأخبرونا بارك الله فيكم, والجواب ينتظر مع حامله أداء لواجب الشهادة.
والسلام من كاتبه خديم العلم والحقيقة, محبكم محمد بن عبد الباري الشريف التونسي.
الجواب
الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد واله وصحبه وسلم
أخونا ومحبنا في الله ورسوله العلامة الكامل والجهبذ الفاضل, السيد محمد بن عبد الباري التونسي, عليكم السلام التام والرحمة والبركة حسب ما يليق بشرف قدركم, وبعد...
سيدي, قد بلغني رسلكم الرفيع وفهمت لذيذ سؤالكم البديع عن سيرة خلينا وعوض ولدنا الشيخ المرشد السيد أحمد بن عليوة المستغانمي وعن اتباعه, فاعلم سيدي إنني توطنت ببلده المذكورة (مستغانم) لمدة 27 سنة مدرسا, حتى تصاهرت معهم 2, وكنت أجلس عند هذا المعظم بأدب ووقار منه, ولم أرى منه إلا الخير, وكنت أشاهده ملازما لشيخه المرحوم سيدي محمد البوزيدي بأدب كثير وهو راض عنه حتى توفى, فناب عنه وخلفه, فالله اسأل النفع به بالمسلمين, وأشهد وأتحقق بأنه كان يتقي الله ويخشاه من صغره ولم أسمع عليه إلا ما يسر في دينه. وكان يحضر في بعض دروسنا 3, وخصوصا علم التوحيد والمرشد المعين في الفقه وغيرهما, وكنت أبصر فيه في ذلك الوقت بنور الله لوائح الصلاح, فكنت أقول له: "يا ليتك اشتغلت بالعلم" لحسن سؤاله وآدابه, فحقق الرجاء فيه. وإني تشرفت به 4 حيث كان ممن يحضر مجلسي, فأرجوه دعاء الخير 5
أما نسبه 6 فقد أخبركم به أخونا الشيخ المفتي ببلده (الشيخ عبد القادر بن قارة مصطفى) فلم يزد عليه, وأما سيره, فإنه سالك مسلك أهل السنة والجماعة, وعقيدته عسجد صافي 7, والتطويل غير محتاج إليه. وأما اتباعه 8, فنعم الأتباع, ونعم الفقراء لكونهم ملازمين للصلوات الخمس والجماعة, وكنت أعرفهم جميعا إلا القليل وأجالسهم كذلك حتى فارقتهم بالانتقال إلى مسقط الرأس (تلمسان) 9, ولم أنسى محبتهم جزاهم الله عن ذلك خيرا, ولا زالت مرتبطة بالقلب من غير انفصال. والحاصل سيدي إنهم رجال وأي رجال, والعاقل لا ينكر على أصحاب الأحوال, فسِّر الله يختص به من يشاء, ولا غرابة في الإنكار على الشيخ المذكور, إذ العادة جرت في أهل الله كذلك, ولا يخفاكم ما جرى لأصل الوجود صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه, من إنكار قرابته وعشيرته, وكذلك إخوانه الأنبياء, والأفاضل خلفا عن سلف.
إنني سيدي اختصرت في الجواب لكثرة الاشتغال, فالمسامحة من فضلكم, وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه.
كتبه في 5 ربيع الثاني 1342هـ / 15 نوفمبر 1923م أسير ذنبه وخديم العلم والعلماء, علال بن محمد بن الحاج علال مفتي محروسة تلمسان.
___________________
  1. استفدنا ممن يوثق به من أهل مستغانم أن فضيلة المسؤول عاشر طويلا بمستغانم للقيام بوظيفة التدريس, فكان أكرم رجل بتلك الديار, لم يسمع عنه ولا منه في جميع تلك المدة ما يخدش بكرامته, فكان عالما متعففا واقفا على حدوده, عاملا بمقتضى وظيفة إلى أن ارتقى لمنصب الإفتاء بتلمسان, ومن ذلك العهد قضى الدهر على وظيفة التدريس الرسمية بمستغانم, ولم تستقم إلى هذا الحين.
  2. يعني تصاهر مع أهل البلد من أطيب عائلة من أهلها.
  3. كان الأستاذ رضي الله عنه يذكر فضيلة المسؤول وأنه من أخص مشايخه في العلم.
  4. وكثيرا ما كان يبالغ حضرة المسؤول في كون الأستاذ ممن كان يحضر دروسه, وهذا مما يفيد القارئ وجه مكانة الشيخ بين علماء قطره ومشايخ عصره, وبالضرورة إن لو كان ساقط المنزلة في نظرهم لما تأتى فضيلة هذا المسؤول الافتخار بانتسابه إليه.
  5. بلغنا أنه كان يلتمس منه صالح الدعاء ويزوره لمحله, وإذا ذهب الأستاذ إلى تلمسان يأتيه (فضيلة المسؤول) إلى زاويته بنفسه, فيقول له الأستاذ: "لو تأخرت حتى قدمت أنا عليك لكان أحسن", فلا يريد منه ذلك ويقول له: "أنا أحق بالقدوم احتراما لجنابكم", جزى الله المنصفين خيرا.
  6. يعني بذلك ما ذكره فضيلة مفتي مستغانم (الشيخ عبد القادر بن قارة مصطفى) في شهادته حيث قال: "إنه فينا ذو نسب ومن أسلافه العلماء والصلحاء... " إلخ, لأن الشهادة المشار إليها كان منها على الاطلاع.
  7. وهذا التنصيص فيه مبالغة وزيادة إيضاح على ما ذكر فضيلة مفتي مستغانم من أن عقيدته هي عقيده أشعرية, وعليه يتأمل المنصف هاتين الشهادتين الصادرتين من مفتيين جليلين, فهل يبقى معهم متسع في قلب المنصف لما يبلغه من قبيل الإشاعات والأراجيف المنقولة عن غير علم أو المقروءة من كتب الأستاذ بغير فهم؟
  8. يستفاد من هذه الجملة أن الأتباع في نظر الهيئة الشرعية بمواطنهم أرفع مكانة وإلا لما صرَّح فضيلة الكاتب بقوله "نعم الأتباع" ويشبه هذا ما جاء صريحا في رسم المحكمة الشرعية بمستغانم حيث قال: "أما أتباعه فهم عندهم, يعني أهل البلاد, من أحسن الناس سيرة, واقفون على حد السنة... " إلخ. 
  9. يعني بذلك مدينه تلمسان لأنها مسقط رأسه, وهذا ما تأتى لفضيلة هذا الشيخ أن يبسطه في هذا الباب لضيق الوقت في حال طلب الجواب منه, جزاه الله خيرا.
____________________
ترجمة الشيخ علال بن محمد بن الحاج علال باختصار
ولد الشيخ محمد بن علال عام 1276هـ / 1860م بتلمسان, تخرج من مدرسة تلمسان سنة 1299هـ / 1882م, وعيِّن إماما لجامع سيدي إبراهيم الغريب بتلمسان, واستمر في هذه الوظيفة لمدة ثماني سنوات إلى أن عيِّن مدرسا بمستغانم بجامع الطبانة أو المسجد المريني سنة 1307هـ / 1890م, واشتغل بالتدريس إلى سنة 1334هـ / 1916م, وهكذا امتدت مدة تدريسه بمستغانم نحو السبع وعشرون سنة كما ذكر ذلك في شهادته (بالتقويم الهجري), ثم تولى وظيفة الإفتاء بتلمسان عام 1334هـ / 1916م إلى وفاته عام 1350هـ من شهر ربيع الثاني / سبتمبر 1931م, رحمه الله.

(مصدر ترجمة الشيخ علال : تاريخ الجزائر الثقافي لأبو القاسم سعد الله, ج3, ص118, 119).


- إنتقل إلى فهرس الشهائد والفتاوي

تعليقات