الشاهد الثامن من القسم الأول في سرد طائفة من شهادات ذوي الهيئات الشرعية والمراتب الدينية الرسمية, في كتاب الشهائد والفتاوي. (1-08).
العالم العلامة, الشيخ محمد بن الحبيب بن الصديق الأمغاري الإدريسي الحسني الفاسي مولدا ومنشأ, المكناسي مسكنا ومرقدا, الشاذلي طريقة، المالكي مذهبا, شيخ الطريقة الحبيبية. رحمه الله وجعل الجنة مثواه, آمين.
فيما أجاب به حضرة المحقق الجليل المدرس النبيل البركة الشيخ السيد محمد بن الحبيب الصديق الفاسي على السؤال الوارد عليه الذي نصه:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
في 21 صفر سنه 1342هـ, الثلاثاء 2 أكتوبر 1923م
جلالة العالم الأرفع والمدرس الأنفع الشريف الأصيل والعارف الجليل الشيخ السيد محمد بن الحبيب بن الصديق الفاسي, عليكم سلام الله ما دمتم لشرعه ناصرين ولاسمه ذاكرين.
هذا وانا استفتيناكم خيرا إن شاء الله, ما قولكم في أفراد الطائفة العلاوية وفي مؤسسها الذي يدعى الشيخ السيد أحمد العلاوي, فإن له شطحات كما لا يخفاكم, وتأليف كثيرة وأتباعا منتشرين يجتمعون على السماع والذكر بالألحان, وقد اشتبه أمرهم عند لم تبلغه حقيقتهم من إخواننا المشارقة, فان كان لكم خبرة بهم أو ممارسة أحوالهم فلتخبرنا, آهم على البدعة عاكفون أم بالسنة عاملون, وأجركم على الله.
صديقكم محمد بن عبد الباري التونسي
الجواب
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد أهل الأرض والسماوات.
اسعد الله بمنه حياة أخينا في الله العارف بالله والمقبل بكليته على الله, سيدي محمد بن عبد الباري.
بعد إهداء السلام وما يليق بكم من الاحترام, قد وصل مكتوبكم مشتملا على السؤال كما تقرر عندنا من أحوال الشيخ العارف بالله سيدي أحمد بن عليوة وأحوال أفراد طائفته.
الجواب, إن هذا الشيخ رضي الله عنه اجتمعنا معه مرتين في زاويته المؤسسة بقصد تربية المريدين وإرشاد السالكين بمستغانم, فوجدناه سيدا فاضلا قائما على ساق الجد والاجتهاد في المحافظة على الفرائض والمسنونات, مشتغلا هو وأصحابه بذكر الله تعالى وفنون المذاكرات, سالما مما نسبه إليه الحسدة من البدع والمخالفات, فإن الذكر مع القيام والاهتزاز ليس من البدع المنهي عنها, وكذلك إنشاد الشعر المقوي على الاستهتار بذكر الله, فقد كان على هذه الحالة أفراد من المشايخ الجامعيين بين الظاهر والباطن, واتصل الأمر على ذلك من عهد الجنيد إلى وقتنا هذا, وجميع من اعترض على القوم إنما هو لشدة قصوره ونقصان استعداده, فلو خالطهم ومازجهم لوجدهم قعدوا على قواعد الشريعة كما وقع لعز الدين بن عبد السلام وأضرابه مع الشيخ بن حسن الشاذلي رضي الله عنه, وأما ما في كلامه من الشطحات فقد سبقه إلى ذلك كثير من الأكابر كأبي يزيد البسطامي وأضرابه. وممن تكفل بالجواب عما وقع في كلام القوم من الشطحات (فمنهم) ابن القيم الجوزية في شرحه على منازل السائرين فليطالعه من أراد سلامة دينه من الطعن في أولياء الله, والله يعصمنا من الزلل ويوفقنا لصالح القول والعمل.
كتبه خديم أهل الله محمد بن الحبيب بن الصديق المغراوي الحسني بتاريخ 22 صفر عام 1342هـ, الأربعاء 3 أكتوبر 1923م.
________________
- قد أخبرني من يثق به أن فضيلة المشار إليه هو ذو نسبة دينية ومعارف اختصاصية زيادة على ما له من الحظ الوافر في العلوم الشرعية, انتصب للتدريس بالقرويين عمَّره الله منذ سنين, وكان يحضر مجلسه جمٌّ غفير من الطلبة, ويذكرون أن مجلسه مجلس بحث ومفاهمة, وان فضيلته لا يفتر عن التذكير حيثما كان, وهو ممن يعتبر التصوف اعتبارا زائدا بما أنه ينتسب لمذهبه, وهكذا أغلب الفقهاء بقطره يجلُّون رتبة التصوف خلفاً عن سلفٍ, وبالجملة إن الرجل يعتبر ذا تحقيقات في عدة فنون.
- أقول ما كان انتقال حضرة الكاتب من مدينة فاس إلى محروسة مستغانم إلا بقصد الاجتماع بالأستاذ رضي الله عنهما, وقد بلغني أنه حصل معه على أوقات ثمينة كانت معمورة بالمذاكرة والمفاهمة في أهم النكت وهذا كذا كانت تتوارد خاصة الأكابر على الزاوية لذلك الغرض.
- وما كنا نسمع عن الزوار ممن قصد الزاوية يخبر بخلاف ما أخبر به فضيلة الكاتب, وهذا مما يعرف بالضرورة عند من مارس أحوال هذه الطائفة أن عموم زواياها أضبط الأماكن التعبدية, فلا تجد الواحد بها إلا ذاكرا أو تاليا أو متعلما في الغالب.
- وعلى فرض أنه منها, فهل يبلغ به الحال إلى درجة المحرَّم, فيكون الذكر مما يعاقب عليه بين يدي الله عز وجل يوم القيامة؟ وإني ما أظن أبدا أن الله يؤدب الذاكر على مجرد اهتزازه بالذكر وما هو من هذا القبيل إلا إذا كان مستوجب العذاب من طريق أخر.
- يعني بأولئك من كان من طبقه الشعراني والغزالي والدسوقي والشهاب أحمد والفيروز أبادي والشيخ الشاطبي وشهاب الدين الأدرعي والعز بن عبد السلام والسيوطي وأبي المواهب التونسي وأبي ليون التجيبي وأبي محمد عبد الله الهبطي والحافظ الشوكاني قاضي صنعاء اليمن والشيخ عبد الواحد الكتاني وغيرهم ممن لا يحصى كثرة ممن فعل ذلك أو قرَّر عليه.
- ولو جلبنا ما تفوهت به الأكابر من أهل الطريق لوجدنا ما تفوهه به الأستاذ رضي الله عن جميعهم بالنظر إليه كقطرتين من غمام أو رشفة من ديم, ولكن الناس لا تلتمس المعاذير في الغالب إلا لمن مضى, وهو صريح في عدم الإنصاف والله اعلم. أما من شرح الله صدره للإسلام فلا تمنعه المعاصرة من أن يلتمس العذر لمن عاصره بالطريقة الملتمسة بها المعاذير لمن مضى.
- ومهما عرفنا لابن القيم الجوزية من التحقيقات في الفروع والأصول وما هو عليه من المكانة في المعقول والمنقول, فلا نرى ما التمسه للقوم من المعاذير وارتكبه من التأويل في شطحاتهم إلا من مدخول الشرع الشريف, والا فليس بالهين أن يدخل مدخلا شبه هذا على غير يقين بأن يقصد تصويب كلامهم قبل أن تتضح له مقاصدهم, والحال أنه أشد الناس تحريا وأبلغهم تزييفا لما نصَّ فيه, وهذا ما تيسر تعليقه على ما كتبه هذا الكاتب الجليل, جزاه الله خيرا.
- إنتقل إلى فهرس الشهائد والفتاوي
تعليقات
إرسال تعليق