شعيب بن عبد الجليل - الشهائد والفتاوي (1-04)

الشاهد الرابع من القسم الأول في سرد طائفة من شهادات ذوي الهيئات الشرعية والمراتب الدينية الرسمية في كتاب الشهائد والفتاوي.  (1-04)
فيما أجاب به فضيلة العالم الجهبذ الشيخ السيد شعيب بن عبد الجليل 1 القاضي بمدينه تلمسان عن السؤال الوارد عليه الذي نصه:
الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وسلم
تونس 7 صفر سنه 1342هـ, 14 مارس 1924م
البقية الصالحة والحجة الواضحة فضيلة الأستاذ المعظم والمؤلف الأفخم قاضي مدينة تلمسان الشيخ السيد شعيب بن عبد الجليل, أبقاكم الله ملجأ للسائلين والسلام عليكم وعلى عباد الله الصالحين, أما بعد...
فبمناسبة مكانتكم في الدين واطلاعكم على أهل بلدكم وغيرهم من الوطنيين, تعين الرجوع إليكم فيما استشكل من أمر الشيخ السيد أحمد بن عليوة المستغانمي, والنازلة تنحصر في مسائل ثلاثة:
المسألة الأولى: لا شك أنكم ممن اجتمع بهذا الشيخ, فهل سمعتم من حديثه ما يشعر بالانحراف عن معتقد أهل السنة؟
المسألة الثانية: إن له أتباعا بمدينتكم وإنهم أعرق في الانتساب لهذا الرجل, وهم بين أظهركم, فهل وجدتم في سيره ما لا يرضاه الشرع أو يستثقله الطبع؟
المسألة الثالثة: وهل ما عليه أصحابه من لوازم نسبتهم كالخلوة والجهر بالأذكار يوجد له مستند في الشرع؟
وهذا غاية ما أهمنا من هذه النسبة والاعتماد في جميع ذلك عليكم, أفتونا مأجورين بارك الله فيكم, والجواب ينتظر من حامله أداء لواجب الشهادة ومثلكم من يجيب, والسلام من خديم العلم محبكم محمد بن عبد الباري الشريف التونسي.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
حضرة من تعرف إلينا بخطابه ودل به على علومه وعرفانه وآدابه, الشريف سيدي محمد بن عبد الباري, عافاه الله من الآفات والطوارئ, بسر اسمه تعالى الباري, السلام عليكم ورحمه الله وبركاته وبعد...
فقد وصلني كريم كتابكم بشريف خطابكم, تريد به مني الجواب عن أسئلة ثلاثة في شأن الشيخ السيد أحمد بن عليوة, أعاننا الله وإياه وسائر المسلمين على القيام بشعائر الدين واقتفاء اثأر الهادين المهتدين.
هذا ولما عزمت على الجواب حصل لي ألم قوي 2 أضناني, فأمليت على ولدي هذه الكلمات فكتبها, وهي أنني اكتفيت بجواب 3 الشيخين المفتيين بحواليه حيث إنني كنت عازما على القول فيها بمثل ما قال لأنهما أدرى بحاله من غيرهما, فإن العلامة النحرير ذا القلب المنير والرأي السديد المستنير وارث أهل الصفا والوفا, مالكية وحنفية, الشيخ سيدي عبد القادر بن قارة مصطفى, مفتي مستغانم وضواحيها, والفقيه النبيل محل التعظيم والإجلال السيد محمد بن الحاج علال مفتي تلمسان ونواحيها, فهم أدرى بحاله من غيرهما كما قلنا, لكون الأول ببلده ومصره, والثاني عاشره مده 27 سنة كما قال في جوابه.
نعم, إن الشيخ السيد أحمد بن عليوة اجتمعت معه مرات عديدة, أكثرها بمحل مسجدي أو داري, وفي كلها تكون المذاكرة بيني وبينه فيما يتعلق بأمر الدين 4 في معاني أحاديث أو فقهيات أو حكم لا غير, عملا بما كان عليه السلف الصالح إذا اجتمعوا لا يفترقون إلا عن ذواق, أي حسي أو معنوي. وكنت قد قرأت في هذا التاريخ أيضا على جريدة النجاح عدد 133 فألفيته أوضح 5 فيها حال السيد المسؤول عنه غاية الإيضاح, فليقف عليه من أراد ذلك 6, والله أسال أن يسلك بنا أحسن المسالك ويقينا أسباب المهالك, بحرمه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين.
وكتب في صبيحة يوم الثلاثاء 10 شهر ربيع الثاني عام 1342م, 20 نوفمبر 1923م, من إملاء والدينا وأستاذنا شعيب حفظه الله من كل عين, عبيد ربه وأسير ذنبه أبو بكر مصطفى بن علي بن عبد الله, وفقه الله بمنه, قاله عبد ربه أبو بكر شعيب بن علي بن عبد الله, وفقه الله, أمين.
______________________
  1. فضيلة هذا القاضي مشهور في قطره بالتقى وغزارة العلم وقوة الإيمان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, أقام في منصبه ما يزيد على الخمسين سنة, وله تآليف عديدة, وقد ترجم له غير واحد, وكان الأستاذ يقول: "هذا الرجل ممن يُشَّمُ منه رائحة السلف الهادين".
  2. قال فضيلة الشيخ القاضي: "عفي الوقت الذي ورد عليه هذا السؤال, ولو لم يلحقني ما لحقني من الأذى والألم الذي أنا متلبس به, لأسهبت الحديث في هذه النازلة, ولكنني اكتفيت بكتابة المفتيين الجليلين" يعني فضيلة مفتي مستغانم ومفتي تلمسان, فقد كان يعتبرهما في النوازل.
  3. فكان قوله هذا تصديقا على جميع ما ضمن في الشهادتين, وما قال هذا إلا بعد ما أمعن فيه من نظر, ويكون جوابه عن الأتباع المسؤول عنهم هو ما أجاب به فضيلة مفتي تلمسان قوله "نِعْمَ الأتباع" إلخ...
  4. وهكذا كنا نعرف مباحث الأستاذ لا تخرج عن المواضيع الدينية غالبا إذا اجتمع بدوي المكانة في الدين.
  5. كانت صدرت في مدة تاريخ السؤال الوارد على حضرة الشيخ, وقد بلغني أنه ابتهج بقراءتها حيث رآها فحصت على الحق واهتدت لسواء السبيل, ومن جمله ما ذكر بذلك العدد كلام سيذكر في محله, وبعدما ذكر عدة فضائل للأستاذ رضي الله عنه وبرهن عليه بأقوى دليل قال "إن الشيخ له فضيلة أخرى وهي إنقاذه لمئات الألوف من القبائل الذين استحوذت عليهم الجمعية التبشيرية للآباء البيض يعني جماعة القسيسين ببلاد زواوة والحمامات وغيرهما" إلى أن قال "وإن الشيخ له فضل إنقاذ المغرورين بالآباء البيض, وقد أسلم على يده أخيرا فرنساوي يسمى السيد شارل طبي (عبد الرحمن), كان صحفيا بمدينة وهران, إلخ... كما سيأتي إن شاء الله في محله.
  6. يفهم من هذا أن فضيلة الشيخ يرى ما سلكت عليه جريدة النجاح في ذلك العدد حسب الآتي ذكره هو نفس ما حقه أن يذكر من أعمال الشيخ وأتباعه وإلا لما أحال القارئ عليه بقوله "فليقف عليها من أراد ذلك". انتهى ما ذكره فضيلة الشيخ القاضي حسب ما كان عليه في ذلك الحين من كبر السن الذي نهز 85 سنة والضعف الناشئ عن توالي الأمراض, فجزاها الله خيرا.
________________
تعريف موجز بالشيخ شعيب بن عبد الجليل:
العلامة الفاضل الشيخ أبو مدين شعيب ابن الحاج علي بن عبد الجليل (الجليلي) الشريفي الحسني قاضي تلمسان, الجزائر, المعروف اختصارا بـ شعيب بن عبد الجليل, 1260-1346هـ / 1844-1928م, دفن قرب ضريح الشيخ أبو مدين شعيب بالعباد, رحمه الله, آمين.
للمزيد عنه, انقر على الروابط التالية:

تعليقات