الشيخ مصطفى بن عودة بن طالب, مفتي سيدي بلعباس, الجزائر.
فيما أجاب به العالم الأنفع فضيلة مفتي الديار العباسية بالقطر الجزائري الشيخ السيد مصطفى بن الطالب 1 عن السؤال الوارد عليه الذي نصه:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
في يوم الثلاثاء 26 ربيع الأنور سنه 1342هـ, 6 نوفمبر 1923م.
جلاله المقام المحترم المفتي بمدينة بلعباس, الشيخ السيد مصطفى بن الطالب, عليكم عاطر السلام ورحمه الله ومزيد الاحترام.
هذا أيها السيد, إنه بمناسبة ما يقتضيه مقامكم, وما لكم من الاطلاع على أهل وطنكم, ولا شك أنكم على خبرة من أحوال الشيخ السيد أحمد بن عليوة المستغانمي, وقد بلغني أنه حصل لكم معه اجتماعات, وعليه, فهل يمكنكم أن تطلعونني عما صحَّ عندكم من أحواله وما تفرستموه من سيره, هل هو ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, أم هو بخلاف ذلك حسبما اتضح في وطنكم واشتهر, وقد اعتمدناكم في هذا والجواب منكم بما تيسر وأجركم على الله.
خادم العلم, محبكم محمد بن عبد الباري الشريف التونسي
الجواب
الحمد لله الذي رفع مقام أحبابه بنور اليقين والصلاة والسلام على أشرف الأولين والآخرين سيدنا مولانا محمد صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين وأصحابه الهادين المهتدين وعلى كل من هو على أثاره من أمته إلى يوم الدين, وبعد...
فيشهد قياما بالواجب الشرعي, ذو التحرير الواثق بالغالب, عبده مصطفى بن الطالب, مفتي الديار العباسية, جوابا للسؤال الوارد عليه, المتعلق بشيخ الطريقة الشيخ السيد أحمد بن عليوة المستغانمي, مقتصرا في الجواب على ما ورد في السؤال, فأقول وبالله التوفيق:
إن في معلوماتي وقوة يقيني بما صحَّ لدَيَ وبلغني بطريق الخبر المتواتر, أن الشيخ السيد أحمد بن عليوة المومأ إليه ذو نسب طاهر من عائلة شهيرة بالصلاح, وهو, قدَّس الله سره, على أثر أسلافه, قائم بعزائم القران العظيم 2 والسنة المحمدية المطهرة, هاديا, مرشدا, مهذبا للأخلاق, مفيدا, أمرا بالمعروف, ناهيا عن المنكر لكل من حوله أو يجتمع به من الأقوام, لا تأخذه في الله لومة لائم, ولمواعظه ومذاكراته 3 أذان صاغية وقلوب واعية.
ولقد اجتمعت به مرارا بمسجد سيدي أبي العباس, فرأيته كما بلغني عنه واستفدت منه 4 فوائد جمة, وتوسمته وتفرسته بقدر ما لدي في هذا الباب فلاح لي, أنه على قدم صدق 5.
فهذا ما لدي أيها الأخ السائل من العلم أديته جوابا لمكتوبكم المومئ.
تغمدني الله وإياكم وجميع المسلمين برحمته, وحشرنا في زمرة خير بريته سيدنا ومولانا محمد, صلى الله عليه وسلم وعلى آله, والحمد لله رب العالمين.
بتاريخ يوم الأحد فاتح ربيع الثاني سنه 1342هـ, 11 نوفمبر 1923م.
عبد ربه مصطفى بن الطالب, مفتي بلعباس, وفقه الله, أمين.
_________________
- بلغنا عن فضيلة الشيخ المفتي بمن صاحبه أنه ممن له مشاركة في أغلب الفنون مع حدة في الفهم ومهارة في صناعة التعليم, وقد كان لازم التدريس عدة سنين بمدينة تلمسان, مسقط رأسه, فكانت شاهدة له بحسن القيام بوظيفه وحرصه في التعليم على أبناء جلدته إلى حين ارتقائه إلى الإفتاء بمدينه بلعباس, فعاشر أهلها مكرماً مهاباً إلى هذا الحين (1924م).
- أقول قد ذكرتني هذه الشهادة برؤية كنت قد سمعتها (متواترة) عن والد الأستاذ (العلاوي) رضي الله عنه أنه قال: "كنت مهتما ذات ليلة من ولدي بما كان أصابه من الألم, فرأيته في تلك الليلة في المنام معلقاً مع مصحفٍ مرتبطا به, ولما فقت علمت أنه محفوظ بحفظ الله, وأنه سيكون مع القران إن شاء الله". أخبرنا بهذه الرؤية فضيلة المقدم المبارك السيد الحاج بن عودة بن سليمان المستغانمي.
- هكذا كان يشهد بتأثيرات الأستاذ في التذكير وطلاوته في التعبير كل من له إلمام بمعاني الكلام, لأنه يعطي المراتب حقها, وبالأخص في الحقائق الإلهية والمواهب الاختصاصية, وبهذا سرت إشاراته في المريدين وتمكنت منهم عباراته, فتراهم يعملون في طريق الله بالسجية. عصمني الله وإياهم من طوارق المحن.
- غير خفي ما استجلبه فضيلة هذا الشيخ من صالح العبارة في شهادته من ذكر استفادته من الأستاذ وغير ذلك, ولا شك أن القارئ يستفيد من ذلك أن رجلا تستمد المفاتي (جمع مفتي) من مجالسته حقيق بأن يستمد منه من سواهم من بقية الطبقات, ويا لله العجب, أي مناسبة بين هذه المنزلة وبين المنزلة التي انزله بها بعض الكتَّاب, سامحهم الله, بدون أن تكون لهم أدنى معرفة بالرجل إلا ما بلغ ما بلغهم عنه أنه يقول كذا... ويقول كذا...
- لا شك أنها ما اتضحت هذه الخصلة في الأستاذ لفضيلة المفتي من أنه على قدم صدق في معاملته إلا بعد تمحيصه وتطبيقه بين أفعال الأستاذ وأقواله, وإلا فما هو بالهين أن يثبتها لصاحبها بغير دليل بيِّن, وبالجملة إن فضيلة المفتي ما كان يرى خلاف ما سطره بنانه فيما اعتقده جنانه, وهذا ما تعين عليه, جزاه الله وجزى كل مسلم معترف.
- إنتقل إلى فهرس الشهائد والفتاوي
تعليقات
إرسال تعليق