سياحات الشيخ أحمد العلاوي إلى الزاوية المدنية بقصيبة المديوني بتونس 1918 - 1928

زار الشيخ أحمد العلاوي، رضي الله عنه، الزاوية المدنية بقصيبة المديوني، في مناسبتيْن, الأولى: في سنة 1918م حيث زار الشيخ أحمد العلاوي, القسم الأولي من الزاوية, وجلس حذو المحراب, وكان ذلك حائطًا من الزاوية في بداياتها قبل أن ينتقل إليها الشيخ. وكان من بَين مُستقبليه الحاج محمود النعيجي، مُقدّم النعيجة (منزل فارسي-ولاية المنستير) وقضى فيها بضعة أيامٍ. وكانت هذه الزيارة بغرض تَهنئة تلميذه الشيخ المدني بزواجه الثاني من أم الفقراء الحاجة هنونة. وكان الشيخ المدني آنذاك لا يزال يسكن في البَيت الأسري حيث يقيم مع بعض أقاربه (وَسط بلدة قصيبة المديوني). هذا وقد أقام أفرادَ عائلته صفًّا واحدًا حتى يسلموا على الشيخ العلاوي. وناول زوجتَه 200 فرنكًا وقال لها: قدمي هذه الهدية لسيدنا الشيخ العلاوي. فلما قدّمتها له، تسلمها ثمَّ ردّها إليها قائلا: هَذه هديتي إليكِ. فتَمَنَّعت ولكن الشيخ محمد المدني أمرها بعَينيه أن تقبل الهَدية.

ولما وصل إلى أمي الجمالية (أم محمد المدني التي رَبته ولكن لم تُنجِبه لأنَّ والدتَه فارقت الحياة وهو صغير جدًّا)، قَدمها قائلا: هي في مقام والدتي وأنا أجلّها. فأكبَّ عليها الشيخ أحمد العلاوي وقبَّلَها في جَبينها، وشَكرها على حسن صنيعها مع رَبيبها. بُعيدَ ذلك رأى جملاً واقفًا أمام البَيت، وكان لم يتعود رؤية الجمال من قَبل في مستغانم، فَظلَّ يَتَأمله ويذاكر حول عظمة الله وحكمته في مخلوقاته.

هذا وقد كانت إقامته في بيت صغير في مقام الولي الصالح سيدي المديوني. ولما انتهت الزيارة ألَّف الشيخ المدني قصيدَته العذبة: "أيها الإخوان هذا جمع الله السلام" لتوديعه.

وتمت الزيارة الثانية في بداية العشرينات حيث زاروا منطقة السواسي التي بدأ فيها حضور الفقراء ومدينة القيروان.

في سنة 1928م أراد الشيخ أحمد العلاوي زيارتَه ثالثةً، بمناسبة عودة الشيخ المدني من الحجَّة الأولى، ولكن السلطات الفرنسية مَنعته فأرسل عِدة بن تونس نائبا عنه.

فخلال زيارته الزاوية المدنية بقصيبة المديوني سنة 1918 ليهنِّئَ مريدَه ونائبَه في تونس الشيخ محمد المدني، رحمة الله عليهما وكان من جملة الحاضرين في تلك الزيارة الحاج محمود النعيجي، فقيرٌ مَدني شاب. وأراد أن يغتنم فرصة حضور الشيخ العلاوي ليغترف من بحار فضله وعلمه فتوجه إليه. وطلب منه أستاذه المدني خدمة الشيخ العلاوي والسهر على راحته. وقبيل النوم، كلما طلب شيئا من الشيخ العلاوي يجيبه:
- على ما ترى. 
- هل أجلب لك الماء يا سيدي؟
- على ما ترى.
- هل تريد غطاء؟
- على ما ترى.
- هل أطفئ المصباح؟
- على ما ترى.


وكان يسعى من وراء هذه الأسئلة نيلَ مذاكرةٍ أو نظرةٍ، ولكنَّ الشيخ العلاوي كان مستغرقا في ذكر الله طيلة الليل، حتى غلبه هو (الحاج محمود) النوم، ولم يفطن إلا والشيخ المدني على رأسه يوقظه لصلاة الصبح.

قصة نادرة وأحوالها شارقة فيه صدق التوجه إلى شيخ التربية، وفيها آداب الشيخ المدني مع شيخه ولطفه مع أبنائه، وفيها استغراق الأستاذ العلاوي مع رَبِّه. رضي الله أجمعين ونفعنا بأسرارهم.

رحمهم الله أجمعين وثبتنا على عهودهم وحبهم إلى يوم الدّين.

المصادر:
- من مذاكرات الشيخ محمد المنور المدني شهر أوت 2019

تعليقات