الناصر معروف في الذب عن مجد التصوف - الشيخ العلاوي

الناصر معروف في الذب عن مجد التصوف
نشرت الرسالة أول الأمر في أعداد من صحيفة البلاغ الجزائري بامضاء الناصر معروف بقلم الإمام المرشد ‏الشيخ أحمد بن المصطفى العلوي، فقام الشيخ محمد بن الهاشمي التلمساني بجمع تلك الفصول وطبعها في ‏رسالة مستقلة وذيلها بتقاريظ العلماء الأجلة في المشرق والمغرب انتصارا للحق، وقياما بواجب التعاون على ‏البر والتقوى، وحماية لبيضة الدين أن تعبث به يد الأشرار, صدر عن مطبعة التوفيق - دمشق - 1931. والرسالة رد على ما نشره احد علماء المدينة ‏المنورة في مجلة الشهاب عدد 174 من الهجوم على شرف القوم الصوفية و التنكيل بكرامتهم. فكان الرد عنيفا ‏مفحما يمثله البيت التالي :‏ يا ناطح الجبل العلي لتوهنه أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل. 

مختصر الكتاب...

إلى المعظم قدره أستاذ التدريس بالحرم النبويّ الشريف الشيخ (...) رزقني الله وإيّاكم رفقا بالمؤمنين خصوصا من ذلك أئمة المسلمين وهداة المسلمين. 

هذا أيّها الأخ الكريم إنّنا وأيم الله لمن يغبطكم لمكانكم ومكانتكم، وهذا لا يمنعني أن نقول لكم أنّه يجدر بكم وأنتم أهل الصلاح. والدعاة إلى سبيل الصلاح. أن تكونوا على جانب عظيم من التثبت في النقل ومجانبة ضعف المأخذ ولا سيما أنتم بصدد إثبات الحجّة، وتوضيح المحجّة، كما لا يخفاكم أنّ الحجّة لا تثبت فيما تحاولون إثباته إلاّ بالمتواتر والأمر البيّن الظاهر.

قد كنت أيّها الأخ وقفت على ما كتبتموه بمجلة (الشهاب) عدد (174) تلك الكتابة التي أخذت لنا صورة معلوماتكم، والتي لم تكن منها الغاية إلاّ الحطّ من شرف القوم (الصوفيّة)، والتنكيل بكرامتهم، لتظهروهم للعموم بالصفة التي ذكرتموها من كون (الجنيد وعصابته) كانوا من أحطّ مرتبة عند بعض الأئمة من مرتبة الخوارج، فضلا عن حمقهم والخلل الموجود في أقوالهم وأعمالهم هذا ما كنتم تحاولون التعبير عنه، وقد أسعفكم الحظ على ذلك.

وعليه فلا تراني من المتكلّفين ولا من المترامين على شيء لا يهمني إذا حاولت نقض ما أبرمتموه، وحلّ ما عقدتموه بصفة تعجبكم حتى لا يكون ما قررتموه ضربة لازم يقضي على مجد التصوّف من أصله خصوصا إذا ما ثبت صدور الحكم بذلك عن أئمة السلف، وأنت خبير بأنّ قيمة النصوص مرسومة على ظاهرها فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها، وكيفما كان فإنّ عصا موسى لا تشتبه بغيرها، وإن كانت بين الكثير من العصيّ، وهكذا يده البيضاء وإن كانت بين كثير من الأيدي، وإنّني وإن كنت نحترم شخصكم يتحتّم عليّ عندما أتأمل ما كتبتموه أن نقول:قد تسورتم على القوم (الصوفيّة) المحراب، وأردتم مقارعة الجبال بما تحت أيديكم من السراب. 

يا ناطح الجبل العالي لتوهنه   أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل

إنّ ذلك السياج الذي أقامته يد العناية الإلهيّة حول كرامة المتصوّفة من أمد بعيد كان، ولم يزل ثابت القواعد فحقيق أن لا تستطيع لمثل ذلك ولو حاولت دهرا طويلا.

إنّني والحمد لله لا انتصر بكتابي هاته ولا بغيرها إن شاء الله إلاّ لأمر ينتصر له الدين ويهم به جمهور المسلمين، وعليه فلا تظنّ أيّها الأخ الكريم أنّي أقصد حماية أهل الطريق كيفما كانت نحلتهم وتطوّرت صبغتهم، وإن حادوا عن الشرع الشريف فمعاذ الله أن تجدني للظالمين عضدا فالشرع حاكم غير محكوم عليه، والمتصوّفة كغيرهم من سائر الطبقات فيهم الغثّ والسمين، وذلك في أفراد المجتمع طبيعي، والمتداخل لا يسلم منه أي فريق كان.

ولا أراني معذورا عندكم فيما ربّما نرتكبه من بعض العبارات، وهي أن تجدوا لها حظّا من الثقل على أسماعكم الشريفة فلا أراها تبلغ في ذلك ما بلغت إليه عبارتكم في أسماعنا تلك العبارة التي ذكرتم فيها كون (الجنيد)، ومن يشاكله من رجال التصوّف كانوا أحطّ رتبة من الخوارج عند بعض الأئمة،  وهذا زيادة عمّا كان يصاحبهم من الزيغ في أقوالهم وأفعالهم حسبما ذكرتم تلك النقائص.

إنّي أرى من واجبي أن نتتبع بالنقض جميع ما كتبتموه أيّها الأخ حرفيّا، ولكن عند الشروع تبين لي خلاف ذلك لما وجدته في مقالكم من ضعف المبنى واختلال المعنى، الأمر الذي لا يعطي كبير أهميّة لنقض كلّ جملة على حدّتها، فظهر لي أن نقتصر على المسائل التي تهمنا في الموضوع.

المسألة الأولى: التنصيص على ما قدمناه من كون المقال مختل التركيب.
المسألة الثانية : كون المصدر المعتمد عليه في النقل عندكم لا يصح به الاحتجاج.
المسألة الثالثة: في كون ما نسبتموه من النقول إلى الأئمة لا يعطي من نفسه دلالة صريحة على فساد مذهب الصوفيّة. 
المسألة الرابعة: استطراد ما يفيد احترام رجال التصوّف عند سائر طبقات الأمّة من عهد الأئمة إلى وقتنا هذا.

وهنا نشرح عن المسألة الأولى فقط...

بيان المسألة الأولى:
فيما يوجد من الخلل في مقالكم حسبما ذكرناه، ولنقتصر من ذلك على جملتين تكفينا مؤنة التطويل، إحداهما ترجع إلى اللفظ، والأخرى إلى المعنى وبذكرهما يدرك القارىء، وتدركون أنتم أيضا ما لتلك المقالة من المتانة التي رأيتموها كافية في الاستدلال على إثبات فساد مذهب القوم (الصوفيّة) رضي الله تعالى عنهم.

قلتم في مفتتح ما كتبتم بعد ما ذكرتم (الجنيد وأبي يزيد) وجماعة معهما نقلا من كتاب  (تلبيس إبليس) أنّه صدر عن هؤلاء أقوال وأفعال مخالفة للشرع منكرة أنكرها عليهم العلماء الخ …

ثمّ قلتم قال: ابن الجوزيّة بعد ما ذكر جملة من منكراتهم، ولمّا قلّ علم الصوفيّة بالشرع فصدر منهم من الأقوال والأفعال ما لا يحلّ مثل ما ذكرنا. ثمّ تشبه بهم من ليس منهم، وتسمّى باسمهم وصدر عنهم مثل ما قد حكينا الخ …

قلت: وهنا يتعيّن عليّ وعلى كلّ من يقف على هاته الجملة أن يستوقفكم شيئا ما ريثما تتبين له كيفيّة الاستنتاج من هذا التركيب العجيب سواء عليه كان من عندكم، أو من عند غيركم، لأنّ القارىء لا بدّ وأن يتوقف على الفهم فيما يقرأه، ومن أين له أن يفهم قولكم: إنّه لما قلّ علم الصوفيّة بالشرع صدر منهم من الأقوال والأفعال ما لا يحلّ مع قولكم ثمّ تشبّه بهم من ليس منهم، وتسمّى باسمهم وصدر منهم مثل ما حكينا، وكان الصالح منهم نادرا.

فقل لي بربّك ما معنى قولكم ثمّ تشبّه بهم من ليس منهم، فإنّي وتالله ما أدركت لهذا التركيب معنى أرتاح إليه، ولولا ما جاء في آخر مقالكم من الحطّ على (الجنيد وعصابته) لظننت أنّكم تريدون بصدر مقالتكم تنزيه أولئك الآجلّة عمّا صدر من المتشبهين بهم أخيرا على حد قوله تعالى: (فخلف من بعدهم خلف / الأعراف آية / 169)، والمعنى أنّهم كانوا على هدى، ولكنّكم ما قصدتم ذلك ولا أفصحتم عن عكسه، ولا تركتم لنا مندوحة نستطيع بها تبرير ما جئتم به من هذا التركيب العجيب والأسلوب الغريب. فإنّي ما أدركت منه إلاّ أنّه في أقصى دركات الاختلال، وبودنا أن لو تعرفونا بما عندكم فيه من حسن البيان وهذا ما يرجع إلى اللفظ. أمّا ما يرجع إلى التناقض في المعنى من جهة الاستدلال فقد جاء في تركيبة ما هو أوهى بكثير مما قدمناه، فلا يروج عند من له أدنى مسكة من فهم، أم تمييز حسبما ستدركون ذلك بأنفسكم عندما أطلعكم عليه. 

فقد ذكرتم يا حضرة الأخ من اعتراض على الصوفيّة، وأنكر عليهم (أبو سليمان الداراني وأحمد بن أبي الحواري)، ولم تلبثوا إلاّ قليلا حتى ذكرتم هذين الرجلين من جملة الصوفيّة الذين وقع عليهم الإنكار، فمنهم من: قبض عليه، ومنهم من: فرّ هاربا بنفسه، فبمثل هذا التناقض تريد أن تستقيم لكم الحجّة.

وإليكم ما نقلتموه قلتم سامحكم الله نقلا من كتاب (تلبيس إبليس)، وبإسناد عن (أبي حاتم) قال: حدثنا (أحمد بن أبي الحواري) يقول: حدثنا وكيع، قال: سمعت سفيان يقول: ما زلنا نعرّف الصوفيّة بالحمق إلاّ أنّهم يستترون بالحديث. تأمّل أيّها الأخ كيف جعلت أبا سليمان وأحمد بن أبي الحواري ممن يعتمد عليهم في إنكارهم على مذهب الصوفيّة، وفي جملة من بدّعوهم وضلّلوهم، ثمّ بعد ذلك ذكرت الرجلين بأنفسهما من جملة من وقع عليهم النكير من العلماء، فقلتم نقلا عن كتاب (تلبيس إبليس) إنّ العلماء بمصر أنكروا على ذي النون المصري ما يتكلّم به، وعلى أبي يزيد البسطامي،  وأخرجوا أبا سليمان الداراني، وهرب من أيديهم أحمد بن أبي الحواري الخ …، فتأمل أيّها الأخ، وقل لي بربّك هل عليّ لوم إذا أنا وقفت كالمتحير عندما نجدك تذكر أبا سليمان الداراني، وأحمد بن أبي الحواري في جملة رجال العلم الذين تريد أن تقيم الحجّة بهم على فساد مذهب الصوفيّة، ثمّ تجد في المحل نفسه أنّهما من جملة المعترض عليهم من رجال العلم !

وهل تراني مغاليّا إذا قلت لكم أنّ مقالتكم تلك مختلّة لفظا ومعنى ؟ كلا !

تعليقات