الشيخ أحمد العلاوي المفسر الأديب والشاعر المتصوف

الشيخ أحمد العلاوي المفسر الأديب والشاعر المتصوف
يمثل التصوف نزعة إنسانية ظهرت في كل الحضارات على نحو من الأنحاء وهي تعبر عن سمو الروح الإنسانية إلى كل ما هو أرقى وأعلى،متحررة في ذلك من كل قيود المادة، وإن حصر التصوف في الثقافة العربية في تعريف واحد هو من العملية الشاقة بمكان، كون المتصوفة مارسوا التصوف من خلال مجاهدتهم وأحوالهم التي توصلوا إليها"1 في خدمة الحركة العلمية والأدبية والتصوفية فلقد أثر أحمد بن مصطفى العلاوي في أعلام حوض الشلف وتأثر بهم، (فهو من الذين ربطوا مصب الشلف بمنبعه)، والشيخ أحمد هو أحد أعلام التصوف كان جهاده قولا وفعلا وكتابة،وقد هيأت له العناية الإلهية منذ صباه لينير سبيل الحائرين، ويرشد السالكين إلى طريق الخير والفلاح.

عاش حياته مجاهدا في سبيل إحياء الدين ونهضة الأمة، تخرج على يديه آلاف من المشايخ والمريدين، كما أسلم على يديه عشرات المسحيين، وإذا كان الشيخ العلاوي شخصية فذة من أعلام التصوف في العصر الحديث فهو2 شخصية علم وفكر ودراية واسعة بالثقافة الإسلامية, رجل مصلح، مجدد وداع إلى الله بالحوار والحجة والإقناع واحترام الآخر, أديب وشاعر تميز بالبعد الصوفي والحس المرهف والذوق السليم, مفكر ومبدع من خلال ما تضمنته طروحاته الفلسفية من حلول لمشاكل المسلمين ولمشاكل وأزمات إنسانية عامة, شخصية وطنية غيورة على الشخصية الجزائرية, شخصية متفاعلة مع القضايا العربية والإسلامية والإنسانية, جسد ذلك كله في إنجازاته الفكرية والأدبية والفلسفية التي تزيد عن العشرين مؤلفا في مختلف العلوم نذكر منها:

مظهر البينات في الّتمهيد بالمقدمات.
مفتاح علوم السر في تفسير سورة و العصر.
المنح القدوسية.
المواد الغيثية الّناشئة عن الحكم الغوثية – في ثلاثة أجزاء.
الأنموذج الفريد المشير إلى خالص الّتوحيد.
لباب العلم في سورة والّنجم.
البحر المسجور في تفسير القرآن بمحض الّنور.
القول المعتمد في مشروعية الذكر بالاسم الأعظم.
دوحة الأسرار في معنى الصلاة على الّنبي المختار.
معراج السالكين و نهاية الواصلين.
مفتاح الشهود في مظاهر الوجود.
القول المقبول فيما تتوصل إليه العقول - عقيدة.
منهاج التصوف - قصيدة.
نور الإثمد في سّنة وضع اليد على اليد في الصلاة.
الأبحاث العلاوية في الفلسفة الإسلامية.
الديوان.


لقد استطاع الشيخ من خلال أعماله وعلى الأخص ديوانه الشعري الذي ضم مختلف الأغراض الشعرية أن يكسب أشعاره مسحة تصوفية فنية، استمدت الحركة الأدبية منها قوتها، إذ تمكن من جمع أشعاره في إطار فني امتاز بأسلوب تعبيري خاص، فهو اعتمد على الرمز والإيحاء والإشارة، عوضا عن التعبير التصريحي التقريري، الذي يوحي إلى المعنى بطريقة مكشوفة، هذا الإطار الفني التعبيري يهدف في مجمله إلى عملية تبليغ المقاصد الروحية وأحوال تجارب الصوفيين إلى الآخر والتي قد تقف اللغة وحدها عاجزة لبلوغ الغاية ما لم يسلك الشاعر المتصوف طرائق عدة في عملية التبليغ كالرمز والإيحاء، والإشارة، وحتى ّالإيماءات، من هنا نجد أن اللغة جزء من عملية تبليغ المقاصد، ذلك ما يميز الإطار الفني التعبيري للأسلوب الصوفي عند الشيخ أحمد بن مصطفى العلوي وهو أسلوب لا يسلكه إلا العارفون من أهل التصوف والطريقة، والاستعانة بالرمز هو بمثابة المذهب الفني الذي يستبطن العالم الخارجي، ويستظهر العالم الداخلي، بعد أن يحل في روح المادة، يحل الصوفي في ذات الحقيقة3 ، من ذلك يظهر الرمز كمذهب يعتمد في عملية التبليغ مرحلتين أساسيتين هما:

-1 وضع الصيغ التعبيرية (Le codage)
-2 الكشف عن هذه الصيغ أو ترجمتها 
(Le décodage)

إن الشعر أو النظم كتابة والكتابة علامة وضع للصياغة, والقراءة هي عملية كشف عنها، وتبقى عملية النظم لغة التي هي في الواقع منظومة (système ) من العلامات أو الرموز في التعبير الصوفي لأن النظم الصوفي تكون فيه الحركة الرمزية ذاتها هي في أساسها حركةٌ صوفية، أنكرت العقل واعتمدت النشوة الصوفية مصدرا للإلهام4 مما يبين أن شعراء الصوفية هم المؤسسون الأوائل للمذهب الرمزي في الثقافة العربية الإسلامية، قبل أن تظهر الرمزية كمذهب واع في النصف الأخير من القرن التاسع عشر لدى رواد الرمزية الغربيين أمثال "إدغرآلان بو" و "بودلير" و "رامبو" وغيرهم من الذين كان لهم تأثير كبير على الشعر الحديث، حيث أمسى الرمز دين الحداثة الشعرية5، وهو ما لمسناه من خلال ديوان الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي الذي قام الأستاذ يحي بعيطيش بدراسة وصفية لهذا الديوان جاء فيه باختصار: 

ديوان الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي:
يقع ديوانه في (216) مائتين وست عشرة صفحة من الحجم المتوسط بلغ مجموع قصائده (72) اثنين وسبعين قصيدة، تباينت قصائده بين الطول والقصر في عدد أبياتها، حيث بلغت أطولها (215) مائتين وخمسين عشرة بيتا،كما في اللامية التي افتتح بها الديوان و(15) خمس عشرة بيتا كما في قصيدة "دارت كؤوس الغرام" وقد قسمه صاحبه إلى ثلاثة دواوين هي:
-1 ديوان الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي.
-2 ديوان شيخه البوزيدي.
-3 ديوان تلميذه عدة بن تونس.


صدر الديوان في طبعته السادسة سنة 1999 عن المطبعة العلاوية بمستغانم، كما أن الديوان مقسم إلى أشعار منظومة بالعامية، وأشعار منظومة بالفصحى، وقد شملت الأشعار المنظومة بالعامية "الموشحات والأزجال"، أما الأشعار المنظومة بالفصحى فقد شملت الأغراض الشعرية العادية، كالمدح والغزل ووصف الأحوال والمكاشفات والفخر، والدعاء والتوسل، والزهد، والرثاء, ومن ذلك نستدل على بعض الرموز الصوفية من خلال بعض الأغراض منها: 

الموشحات:
عرفني محبوبي ما لا ندري *** في زمان قريب
كل عاشق يرى وجود غيري *** ليس له نصيب


أنا في كل حالة نشرب *** من مدام عتيق
و حبيبي بغنائه يطرب *** مع صوت رقيق
بألغاز و ألحان يسلب *** بقية العاشق


وأنا في ذلك الخطاب ندري *** ولي فهم صائب
كل عاشق يرى وجود غيري *** ليس له نصيب


أنا من عشقي ناداني الخمار *** بنداء خفي
بعد قربي رفع عني الأستار *** وتجلى علي
أين الغنا قلت أين المزمار *** لما بدا إلي



قال لي إياك تفشي سري *** ليس معي رقيب
كل عاشق يرى وجود غيري *** ليس له نصيب
6

يبدو رمز الحضرة الإلهية والتجلي هنا ماثلا في هذا الموشح الصوفي، إذ إن التجلي هنا نوعان:

تجلي الإطلاق:
وهو كل ما أشعر بعدم وجود الغير والسوى والعالم والمشار إليه ب
"كل عاشق يرى وجود غيري". 

وتجلي التقييد:
وهو كل ما أشعر بوجود العبد مع الله والمشار إليه هنا
"بعد قربي رفع عني الأستار *** وتجلي علي"

وفي:
 "قال لي إياك تفشي سري *** ليس معي رقيب"

أما في القصيدة العادية نلمس أغراضا متنوعة نذكر منها المدح:
لقد اختلفت موضوعات المدح في الديوان بين مدح لأهل الله ولحزب أهل الله، ولأهل السنة، ولأهل العرفان، إلا أن الحظ الأوفر في مدح الشيخ خصصه لمدح الرسول صلى الله عليه وسلم، وبذلك لم يخرج عن دائرة المتصوفة في المدح، وذلك ما يطلق عليه بنظرية النور المحمدي عند الصوفيين 7، وهي التي تختص بمدح شمائل الرسول الخلقية والخصال الحميدة. وجاء مديحه بين النظم الفصيح والعامي، وهو يقول في الفصيح مادحا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:

يا رسول الله أنت *** أنت النور المتشكل
لا يكون الكون حتى *** يظهر بك متجمل
8

أما في المديح العامي يقول:
نبغي نمجدك يا طه *** واللفظ ما يساع وصفك
بعض المديح فيك سفاهة *** الأمثال قاصرة عن مثالك
جات النجوم فوق سماها *** بصري ضعيف ما يدركك
9  


الفخر:
الفخر عند المتصوفة، ومن بينهم الشيخ أحمد هو غير الفخر المعروف كغرض من الأغراض الشعرية التي يعتز فيها الشاعر بالصفات الحميدة (كالشجاعة والنجدة والقوة وإكرام الضيف، وعلو الحسب والنسب)، وإنما هو الفخر الصوفي أو الفخر الروحي الذي سما فيه الشيخ عن ملذات الدنيا وطيبها حينما أدرك أن كل ما فوق التراب تراب فافتخر بنسبه من أهل اليقين والعرفان، كما تعددت موضوعات الفخر عنده، حيث افتخر بمقام روحانيته، وببشارة الرسول صلى الله عليه وسلم. 

الغزل:
وهو عند الصوفية غير الغزل المعروف في الأغراض الشعرية، إذ إنه يمثل لدى شعراء التصوف "الحب الإلهي والهيام به" وفيه يهيم الشاعر بالشوق والتطلع إلى الله، وقد تغزل الشيخ بليلى، ولبنى، والخمرة، وهي كلها مواضيع لأوصاف حسية تمثل في مجملها رموزا للحب الإلهي، كما أن هذا الغرض عرف في ديوان الشيخ موضوعات عديدة كوصف الوجد، والتغزل بالحب الإلهي، والكلف بالخمرة وغير ذلك...

ومن الأغراض الشعرية الأخرى في ديوانه نجد المناجاة، والترغيب في السنة، والرد على المعترضين، والدعاء والتوسل والزهد والرثاء وفي هذا الأخير نجد له قصيدة واحدة من النظم الفصيح رثى فيها شيخه البوزيدي بأبيات طويلة عكس فيها تألمه وحسرته على فقدان علم من أعلام التصوف. 

وصف الأحوال والمكاشفة:
لقد ركز الشيخ أحمد العلاوي في غرض وصف الأحوال والمكاشفة على موضوعات حول وصف الحضرة القدسية، ووصف نشوتها، ونفحاتها، وحالات التجلي، والمكاشفة، والفناء.


خلاصة القول فإن الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي قد سعى جاهدا من خلال مؤلفاته عامة وديوانه خاصة إلى تحقيق غاية محددة تمثلت في خدمة الدين، والوصول بالمريد إلى التمسك بحبل الله المتين.

فهرس الراجع-1 ينظر فصل التصوف في مقدمة ابن خلدون.
-2 إيليا الحاوي:الرمزية السريالية في الشعر الغربي والعربي،دار الثقافة بيروت . 1980 ،ص 12
-3 آمنة بعلي:الرمز عند رواد الشعر العربي الحديث،ماجستير مرقونة 1985 ص 7
-4 التربية والمعرفة في مآثر الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي،محاضرات وشهادات،مقالة للأستاذ يحي بعيطيش أستاذ بجامعة قسنطينة، ملتقى الذكرى العاشرة لتأسيس الجمعية العلاوية، 2001 مستغانم،ص 131
-5 أ.يحي بعيطيش:المرجع نفسه.
-6 ديوان الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي،ط 6،المطبعة العلاوية 1999 .63 – ص 62
-7 حسين مجيب المصري:في الأدب العربي والتركي،مكتبة النهضة المصرية،القاهرة، 19962 ،ص 271
-8 الديوان ص 92
-9 الديوان ص 86

الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي المفسر الأديب والشاعر المتصوف. الملتقى الوطني الثاني لأعلام حوض الشلف 02 03 و 04 2009م.
إنجاز الأستاذ مزاري عبد القادر أستاذ مساعد بالمركز الجامعي لولاية غليزان. قسم اللغة العربية وآدابها.

تعليقات