لباب العلم في سورة والنجم - الشيخ العلاوي

https://fr.scribd.com/doc/14666190/%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AC%D9%85
هذا  وقد سألتني – أيّها المحبّ أصلح الله عاقبتنا وإياك - أن نجعل تفسيرا في  القرآن الكريم على طريقة أهل الفهم الخاص والذوق السليم، فجعلت أتفكر على  أي شيء من القرآن أقتصر بعد ما تبرأت من فهمي، وانسلخت عن وهمي فأخذتني  سورة (والنجم)، فجلت في بحبوحتها وتفرّست في مصونتها، فظهر لي أنّ لي فيها  سبحا طويل،ا فقلت حسبي الله ونعم الوكيل وبه المستعان.

مختصر الكتاب...

حمدا  لمن فجّر في قلوب أوليائه ينبوعا من سرّه المصون، فأجرى على ألسنتهم من  جداوله ما تقرّ به العيون، ثمّ استلفتنا لذلك الجانب بمقتضى قوله: (فسئلوا  أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون / النمل آية / 43)، فحفّت أحوال مركزهم  القلوب، لأجل الإطلاع عمّا حجب عنها من الغيوب، فاستمطرتها سحائب الرحمة،  وأشرقت عليها شموس المعارف وأقمار الحكمة، فأخذت من ذلك ما فيه كفاية  للعالمين، ثمّ رجعت نحونا قائلة: (فتبارك الله أحسن الخالقين).

قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم (والنجم إذا هوى/ النجم آية /1)، قلت إنّ افتتاح هاته السورة الكريمة باسم النجم يشعرنا ويستلفتنا، لنعلم أنّ المقام ذو أهميّة، نعم، لما فيه من الطلوع والنزول والاستعلاء والتنزل، وعليه فهو ملائم لأسرار غريبة، إنّ السامع إذا اعتبر هوي النجم مع عظم جرمه وعلوّ منزلته إلى الأسفل ثمّ يعرج، فلا يستغرب ما سيسمعه من عروج النبيّ إلى السماء، ونزول جبريل إلى الأرض عليهما السلام إنّما يرى من ذلك من قبيل الإمكان داخلا تحت تصرّف قدرته عزّ وجلّ، ويقول من الإمكان أن تجري عادة الله في أنبيائه كلّما كمل استعداد أحدهم للعروج، يعرج به فطرة الله التي فطرهم عليها قال في إدريس عليه السلام: (ورفعناه مكانا عليّا / مريم آية / 57)، وفي عيسى عليه السلام: (بل رفعه الله إليه/ النساء آية /  158)، ومثلهما في محمد أفضل الصلاة والسلام، إلاّ أنّ محمدا رجع به لإتمام ما وجب عليه من جهة المكان لا من جهة المكانة، والمعنى أنّ روحه عليه السلام لم يفرق الملاء الأعلى، قال مشيرا لهذا المقام: (أبيت عند ربّي يطعمني ويسقيني)، وهذا ما يخص الروحانيّة، وإلاّ فقد كان يطوي الليالي سويا، ثمّ أقول: إنّ القسم به كناية عن نور ثاقب تنتهي فيه الأنوار، وتستمدّ منه البصائر والأبصار، ولا يصرف هذا الاعتبار إلاّ للنفس المحمدي والروح الأبدي، ولكلّ امرىء ما نوى، ولكلّ قلب ما حوى (ما ضلّ صاحبكم وما غوى/ النجم آية / 2)، أي ما ضلّ في حال تلبسه بما لا بدّ منه ممّا خلق لأجله وهو الاشتغال بالله والتوجه إليه، والمعنى أنّه لا يتناول الأشياء بطبعه لغيره، قال عليه الصلاة والسلام: (حبّب إلي من دنياكم ثلاث)، ولم يقل أحببت بإسناد الفعل لنفسه، فيتضح للبصير أنّه مسيّر غير مخيّر، فهو مع الخلق كما إنّه مع الحقّ لا يحتجب بهذا عن هذا، ولكلّ وجهة هو موليها، وقد يتعذّر الإفصاح عن ماهية ما هو عليه مع الحقّ في حالة كونه مع الخلق، ولهذا قال تعالى: (وما ينطق عن الهوى/ النجم آية /3)، فالمتبادر من الفهم أنّه لا يتكلّم بالقرآن عن هوى نفسه، والأعمّ من ذلك أنّه لا يفعل فعلا من سائر الأفعال الظاهرة والباطنة، إلاّ والله سبحانه وتعالى هو الفاعل به فيها: (وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى/ الأنفال آية / 17)، ومن ذلك قوله: (أبصر به وأسمع / الكهف آية / 26).

ثمّ أقول إنّ الأحسن من تفسير الهوى إنّه المحبّة، وعلى هذا يحمل قوله تعالى: (وما ينطق عن الهوى / النجم آية / 3)، أي أنّه لا يفشي ما أكنّه فؤاده من أسرار المحبّة التي خصّص بها دون بقية البشر، وقد قلّ من يطيقها، حتى قيل في قوله تعالى: (نار الله الموقدة , التي تطلّع على الأفئدة / الهمزة آية /  6، 7)، إنّها المحبّة إذا أفرطت بصاحبها، وقد كان له منها عليه الصلاة والسلام أوفر نصيب حتى لقبّ بالحبيب، ومع ذلك لم يظهر عليه ما يؤذن بالجفاء، لأنّ المحبّة منوطة بعدم إفشاء سرّ المحبوب (إن هو إلاّ وحيّ يوحي/ النجم آية / 4)، أي غير متيّسر به النطق   فعيسى عليه السلام لاح عليه ما لاح على محمد من أنوار الحضرة الإلهيّة والإختطافات القلبيّة، والاستحكام لكي يكون محمد قويا متينا في حمل الأسرار، ومدح المعلم مدح للمتكلّم، ولهذا كان لا يفشي شيئا من ذلك إلاّ بين من يستحقه، وقد سأله بعض الصحابة بقوله: (ءأحدث بكلّ ما أسمع منك يا رسول الله ؟)، فقال له: (إلاّ بحديث لم يبلغ عقول القوم، فيكون على بعضهم فتنة)، ومن أجل ذلك لم يصدر من الصحابة عن الحقائق ما تستبعده الأفكار بخلاف غيرهم من أكابر القوم فقد ظهر على أكثرهم ما يحتاج للتأويل، كما احتاجت أقوال المسيح عليه السلام لذلك حتى كان الحواريون يعجزون في أغلب الأحيان عن حلّ ألفاظه، حتى يفسرها هو بنفسه، ومن أخذها على ظاهرها ولم يتكلّف تأويلها يستدل بذلك على ألوهيته، ومن ذلك ما جاء في الإنجيل إن سلم من التحريف أنّه قال مخاطبا للعموم: (أنتم من الأسفل، أمّا أنا فمن فوق، أنّتم من هذا العالم، أمّا أنا فلست من هذا العالم)، وقال أيضا في الإنجيل: (أنا والأب واحد)، وقال أيضا لمن قال له: (أرنا الأب قال الذي رآني فقد رأى الأب)، فهذه الألفاظ إن صحّ نقلها بحاجة إلى تأويل، وتفسير كما احتاجت أقوال بعض العارفين لذلك، لأنّ الأخذ بظاهرها مضرّ للعموم، وردها أشدّ ضررا، لأنّها لا تخلو من حكمة يعقلها العالمون.

ومن أجل هذا ونحوه انفرد محمد صلّى الله عليه وسلم بالمزيّة، حيث لم يحوج أتباعه إلى حلّ ما يعسر حلّه، إنّما كان يخبر كلّ واحد بما تسعه حوصلته في الإلهيّات، لأنّ العقول متفاوتة والأسرار متباينة لقوله عليه الصلاة والسلام: (حدثوا الناس على قدر عقولهم أتريدون أن يكذّبوا الله ورسوله)، فكان بهذه بمثابة أشرف العالمين على الإطلاق، حتى قال عيسى عليه السلام مشيرا لبعثته حسبما جاء في آخر باب من الإنجيل: (إنّ لي كلاما كثيرا أقوله لكم، ولكنّكم لستم تطيقون حمله الآن، وإذا جاء روح الحقّ ذلك فهو يعلّمكم جميع الحقّ، لأنّه ليس ينطق من عنده، بل يتكلّم بكلّ ما سيسمعه ويخبركم بما سيأتي، وهو يحدثني، لأنّه يأخذ ممّا هو لي ويخبركم)، فجاءت هذه البشارة المسيحيّة بحمد الله جامعة لكثير من صفاته عليه الصلاة والسلام، ثمّ قال تعالى: (فاستوى وهو بالأفق الأعلى / النجم آية /  6،7)، الضمير من قوله فاستوى: عائد على شديد القوّة، وقوله بالأفق الأعلى حالة اختصاصيّة، ورتبة تنزيهيّة خالية عن الإضافات والنسب، إلاّ أنّها غير محيطة بذاته تعالى إنّما هي وجه من وجوهه، ولكلّ وجهة هو موليها، وثمّ وجوه لا تحصى، وأوصاف لا تستقصى، وبها يتنزّل الحقّ سبحانه وتعالى لأحبابه وأصفيائه، لكي تتمّكن معرفتهم إياه، فإدراكه على الوجه السابق متعذر إلاّ بعد التنزّل كما تنزّل لمحمد صلّى الله عليه وسلم: (ولقد جاءهم من ربّهم الهدى/ النجم آية / 23)، لكن لمن اهتدى، وكأي من آية في السّماوات والأرض يمرون عليها، وهم عنها معرضون، جاء في الكتب السّماويّة والأحاديث النبويّة ما فيه الإشارة للتوحيد المحض، ولكن النفوس أخلدت إلى الأرض، وتشبثت بالند والضد، أو ليس في قوله تعالى: (فأينما تولوا فثمّ وجه الله / البقرة آية / 115)، وقوله: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن/ الحديد آية / 3)، ما يمحوا آثار الغير كقوله سبحانه: (أسمع به وأبصر / مريم آية / 38)، وقوله: (الله نور السموات والأرض / النور آية / 35)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (لو دليتم بحبل إلى الأرض السابعة لهبطتم على الله)، وغير هذا ممّا يشعرنا بإحاطته سبحانه وتعالى بالأشياء الإحاطة الغيبيّة، إي هو ولا شي.

وهكذا كانت الإشارة تأتي إلى التوحيد الخاص على ألسنة المرسلين بقدر ما تسعه حوصلة السامعين، فلله الحجّة البالغة، ومن ذلك حجّة إبراهيم على قومه إذ رأى كوكبا قال: هذا ربّي، إلاّ أنّه وجد القلوب غير مستعدة لحمل الحقائق المحضة، فسلاه الحقّ من أن يغتم من تقصير قومه، وما من داع إلى الله بإذنه إلاّ ويجتهد جهده في الدلالة عليه، لئلا يكون للناس على الله حجّة بعد الرسل، ولنشير لبعض من ذلك، فأقول جاء في سفر التكوين من التوراة عن سيدنا يعقوب عليه السلام أنّه قال: (إنّ الله ضابط الكلّ استعلى على في لوز بأرض كنعان)، ومثل هذا ما جاء في سفر الخروج من التوراة أيضا في حقّ موسى عليه السلام: (تراءى لي الربّ في لهيب النار)، المشار لها في القرآن الكريم: (إنّي آنست نارا / طه آية / 10)، وفي الإنجيل من هذا القبيل ما يتعذّر نقله، وفي السنّة الشريفة ما فيه الكفاية، وما ذكرنا هذا إلاّ لنعلم أنّ إشارة المتقدمين والمتأخرين ترمي لما وراء الأشياء، وقد مدح الحقّ سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام بقوله: (وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين / الأنعام آية / 75)، وقوله تعالى: (قل انظروا ماذا في السموات والأرض / يونس آية / 101)، وهذا ونحوه ممّا يهتدى به مفيد للعلم بأنّه سبحانه وتعالى هو القائم على كلّ نفس بما كسبت، قال بعض الأكابر من أهل زماننا: (إن شئت أن ترقى عن درجة أهل الدليل والبرهان، فلازم قل هو القائم على كلّ نفس بما كسبت، وانظر هل تجد غيره قائما بنفسه ثابت البنيان، بل لا تجده إلاّ هالكا ومتجدّدا في كلّ آن، وما بعد العيان من برهان ولا بيان هو: الأول والآخر والظاهر والباطن في كلّ الأطوار والأحيان، (كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان)، وهكذا ما من إشارة صدرت من العلماء بالله إلاّ وفيها ما يهتدى به إلى أعلى درجات الإحسان، ولكن الله يهدي من يشاء.

ولمّا علم سبحانه وتعالى ما تعوده المرشد بالطبع منة تمنى الهداية لجميع خلق الله، وبالأخص المصطفى صلّى الله عليه وسلم مع أمّته أراد سبحانه وتعالى أن يستلفت ذلك المنصب الشريف لتعلقات الإرادة ومظروفات القدرة حتى لا يغتم بسبب تعارضه من نقائض رغبته، وإلى الآن تجد من يجنح لهذه الخطّة على التقريب، ويحسب أنّ له أوفر نصيب يجادل في الله بغير علم لا يصغي لخطاب ولا يفزع من عتاب (وما لهم به من علم إن يتبعون إلاّ الظنّ / النجم آية / 28)، والحاصل إنّ الحجاب مانع من إدراك الحقائق على ما هي، فسائر أفراد الطالبين من غير أهل اليقين والنور المبين مالهم بما عند الحقّ من علم إن يتبعون إلاّ الظنّ، فلهذا يتقوى إيمانهم تارة، ويضعف أخرى، ولا يدري في العاقبة على أي حالة يكون، لعدم إطلاعهم على حقائق الأشياء، بخلاف العلماء بالله فإنّهم عرفوا الأشياء من أصلها، ودخلوا البيوت من أبوابها، فكشف لهم عن حقائق الذات الجامعة لسائر الأسماء والصفات، فعرفوه سبحانه وتعالى على الوجه اللائق بجلاله، وكانت معرفتهم ناشئة عن مكاشفة وعيان لا عن دليل وبرهان، وهؤلاء يحق اتصافهم بالعلم، لأنّ العلم هو إدراك المعلوم على ما هو عليه إدراكا كشفيّا، فكانوا شهودا على وحدانية الله كشهادته على نفسه: (شهد الله أنّه لا إله إلاّ هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط / أل عمران آية / 18)، ومن لم يصل إلى رتبتهم لا يتصّف بالعلم، أي لا يصدق عليه عالم بالله، وقد يكون عالما بأحكام الله، والعلم يتشرّف بشرف المعلوم، وكلّ من لم يلاحظ ما وراء الكائنات من أسرار القيوميّة وأنوار الديموميّة لا يؤمن عليه أن تبعث بفؤاده الوساوس، وغيرها من الشكوك والأوهام والظنون، وإن كان الظنّ هو أعلاها فإنّه لا يغني عن اليقين لقوله تعالى: (وإنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئا / النجم آية / 28)، ومن الغريب أنّ أهل هذا المقام لا يبغون عنه حولا مع ما يكابدون فيه من الشكوك والوساوس، وكلّ ذلك بسبب إعراضهم عن الله وعدم اعتنائهم بما تستحقّه الذات المقدّسة من التوجه الكلّي إليها والإدبار عمّا سواها.

إنّ التسليم لا يقع من الإنسان على الوجه الأكمل إلاّ بعد الانكشاف عن مكنونات القضاء والقدر، وإن كان مع وجود الفكر لا يستطيع أن يدرك الهداية في وجود الضلال والصفاء مع وجود الخلل، وإن اتضح له ذلك من وجهة يتعذر من الأخرى.

إنّ ما عليه بواطن أهل الخصوصيّة من جهة سريرتهم مع الله، وكيفيّات وصولهم إليه وفنائهم فيه غير متيسر ذكره، وكلّ من يريد الإفصاح عن معلوماتهم والإطلاع على مكنوناتهم من غير أن ينخرط في سلكهم، فلا يزداد من الله إلاّ بعدا وإلى الآن تجد الناس جاثين على معلوماتهم مختلفين في مقاصدهم، وما زالت ألسنة الخلق فيهم ما بين مدح وقدح، والكلّ يقول فيهم باجتهاده، والحقّ من ورائه أو نقول لا يمر على أفكاره، ومن المعلوم أنّ الإنسان كائنا من كان لا يخطر بباله أنّ وصول العارف إلى الله هو وصوله إلى نفسه لا غير، حتى لو قال به فيكون على سبيل الإيمان والتقليد، وأمّا الكيفيّة فمجهولة.

ومن أجل ما لزمه من الخفاء احتيج إلى المرشد قال تعالى: (واتبع سبيل من أناب إليّ /  لقمان آية / 15)، بخلاف طريق الجنّة فإنّه لا يلتبس على أحد لمباينته لطريق الضلال، والحلال بيّن والحرام بيّن إلاّ من غلبت عليه شهوته، واتخذ إلهه هواه، وأمّا الطريق الموصل إلى الله، فقد يلتبس على السائر كيفما كان إلاّ إذا اتخذ رفيقا لا يلتبس في الغالب إلاّ بطريق الجنّة، وقد يكون مختارا للطالب ظنا منه أنه أحسن المسالك الموصلة لحضرة الله لما يرى فيه من أنواع الجزاء، من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، فيتخذه سبيلا حتى إذا بلغ غايته تعرضت له دار السلام بما فيها، فيقول: ما كان قصدي فيك، فتقول: أنا جزاؤك وأنا حظّك، فلا يرضى بها جزاء إلاّ أنّه يقاد إليها بالسلاسل، حتى إذا دخلوها تكون عليهم حسرة، وليس ذلك إلاّ لما فاتهم من مطلوبهم، وهكذا إذا فتح الله عليهم رضوانه، والحاصل أنّ الله سبحانه وتعالى ينزل العبد حيث أنزله العبد من نفسه، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته لله ورسوله: (إنّ ربّك واسع المغفرة / النجم آية / 32)، فليصلح ظاهره ويطهّر سريرته بما يلقيه فيها من أنوار التوحيد (إنّ الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزّة أهلها أذلّة وكذلك يفعلون / النمل آية / 34)، ومتى يستطيع العبد أن يتخلّص من جميع مساوئه حتى يتفرّغ لطلب الحقّ، قال في الحكم العطائيّة: (لو إنّك لا تصل إليه إلاّ بعد فناء مساويك ومحو دعاويك لا تصل إليه أبدا، ولكن إذا أراد أن يوصلك إليه غطّى وصفك بوصفه، ونعتك بنعته، فوصلك بما منه إليك لا بما منك إليه).

وعليه فعلى أي شيء حصل من رجع عن الطريق (أعنده علم الغيب فهو يرى / النجم آية / 35)، فالهمزة للاستفهام الإنكاري على مقصوده العقيم وسيره السقيم المعدوم النتيجة، فكأنّه يقول فغاية وصوله الحرمان لعدم تحصيله على شيء ممّا للقوم من العلوم الغيبيّة والأسرار الذوقيّة.

ولمّا كانت النفس السوية تأبى في سعيها أن يكون غير الحقّ جزاءها، فهي تختلج دائما خشية أن يكون حظّها ما سوى النظر إليه، فبالطبع تتشوق دائما أن تسمع موثقا من الله يزيدها اطمئنانا على أن تكون غايتها غير مشوبة بشيء، فأجاب سبحانه وتعالى صاحب هذه النفس على ما يقتضيه الفيض الأقدس بقوله: (وأنّ إلى ربّك المنتهى / النجم آية / 42)، فاطمأنت بذلك القلوب بما حقّقته من رضاء المحبوب، فبذلك فليفرحوا هو خير ممّا يجمعون، وهذه غاية العبد من ربّه، وهو المعبّر عنها بالفناء في الله، لأنّ الانتهاء إليه مقتضى للفناء فيه ضرورة لعدم ثبوت الحدوث مع القدم.

ولمّا أتى سبحانه وتعالى بالبيان الكلّي ممّا يخص إدراكه للعموم، نبهنا الآن على ذلك حتى لا يعد من جملة أبسط المواعظ، فقال: (هذا نذير من النذر الأولى / النجم آية / 56)، أي: ممّا أكنته أسرار الأوائل من النبيين والمرسلين جاء به الحق سبحانه وتعالى على الأواخر، تشريفا لنبيّهم محمد صلّى الله عليه وسلم، لكي تشارك علماء أمّته أنبياء بني إسرائيل (العلماء ورثة الأنبياء)، قال تعالى: (فاسجدوا لله واعبدوا / النجم آية / 62)، أي وإن كان قد فاتكم ما فاتكم من معرفته، فلا يلزم من ذلك التقصير في عبادته أقوام خصّصوا بخدمته حتى صلحوا لجنّته وأقوام خصّصوا بمحبّته، فصلحوا لحضرته، قال: (كلا نمدّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربّك وما كان عطاء ربّك محظورا / الإسراء آية / 20).

تعليقات

  1. السلام عليكم
    جزاااااااااااااااكم الله خيرا
    اود التحقق من امر حيث انه مكتوب
    الحقوق محفوظة لمطبعة العلاوي بمستغانم
    فهل المطبعة اجازت النشر فتصبح مطالعتنا و تحميلنا محللة
    اتمنى التوضيح حتى استطيع اكمال الانتهال من هذا الكنز المبارك
    جزاكم الله خير

    ردحذف
  2. يمكن لك المطالعة والتحميل دون حرج ولكن لا يمكن المتاجرة به بطبعه ونشره دون اذن المطبعة العلاوية التابعة للزاوية الكبرى بمستغانم

    ردحذف
  3. يمكن لك المطالعة والتحميل دون حرج ولكن لا يمكن المتاجرة به بطبعه ونشره دون اذن المطبعة العلاوية التابعة للزاوية الكبرى بمستغانم

    ردحذف

إرسال تعليق