الطريقة العلاوية في الجزائر ومكانتها الدينية والاجتماعية - غزالة بوغانم

اختار شيخ الطريقة العلاوية أن يكون في صف أنصار التفاهم والوفاق الفرنسي الإسلامي، وهو خيار حكم علاقات طريقته بمختلف الأطراف الوطنية وبالاستعمار، فتراوحت علاقاتها بين ثنائية التفاهم والوفاق الفرنسي الإسلامي مع المستعمر. وهو خيار ظلت الطريقة وفية له ولم تكد صفوه لا الممارسات الاستعمارية على فظاعتها، ولا التهم التي لحقتها بسببه، فهي لم تأبه ا مادامت لا تى في خيارها ذاك عمالة وإنما استمالة للمستعمر عسى أن تحرجه بصدق الولاء وشدة الوفاء، فتتمكن من جلب المنافع للمسلمين تدرأ المفاسد عنهم، وعيا منها بقوة الاستعمار وجبروته من جهة، وعملا على تحل دعاية فرنسا الإسلامية من فكرة إلى واقع من شأنه قلب موازين القوى لصالح المستضعفين من جهة أخرى. في الوقت نفسه الذي ميز الصراع المرير علاقاتها مع القوى المحلية آخذا طابع الصراع بين أهل الفقر وأهل الفقه تارة – والذي تجدد ليشكل أحد حلقات الصراع التاريخي والمستمر بينهما- ومع المحسوبين على أهل الفقر الذين وسمهم العلاويون بالدجل تارة أخرى- وإن لم يخالفوا خيارهم السياسي- كما دخلت في صاع مع الوطنيين الذين جهلوا - حسب أي الشيخ ابن عليوة- سبيل الإصلاح ونسوا أن الطي لا يقتنص إلا بفخه والمسلم لا ينقاد إلا بدينه. 

لكن وحدة الهم والمصير وخطورة الظرف الذي يتهدد الأمة وكيانها، جعل المتنافسين يسعون للتقارب وتناسي خلافاتهم المذهبية ولو إلى حين، وتوحيد الجهود لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هوية الأمة الإسلامية وبعث مواتها، وإحياء ما اندثر من تعاليم دينها.

إن رضا الإدارة الاستعمارية الظاهري عن خيارات الطريقة السياسية أعطى شيخها وأتباعه حرية الحركة، كما وجه لها أصابع الاتهام وجعلها محل ريبة من قبل القوى الوطنية الإصلاحية الدينية والسياسية على حد سواء، في الوقت نفسه اعترف لشيخها الكثيرون بالغيرة الدينية والوطنية فضلا عن الولاية وإرشاد الأمة.

ومن هنا غدت رغبتي أشد إلحاحا للبحث عن حقيقة هذه الطريقة قد المستطاع وضمن حدود إمكاناتي الخاصة. خاصة وأن الجامعة الجزائية أتاحت الفرصة للبحث العلمي الحر في مثل هذه الدراسات التاريخية والثقافية الاجتماعية للجزائر، لما لها من أهمية ودور في وضع اليد على الخلفيات المؤسسة لواقعنا الحاضر، لمحاولة فهمه والاستفادة من دروس وعب تاريخنا.

قد يكون هذا البحث أول دراسة أكاديمية  للطريقة العلاوية باللغة العربية، وما يزيد من أهميته هو أن الدارسات الأكاديمية التي تناولتها بالبحث أو دست جانبا منها، كانت لبعض أتباع الطريقة ومحبيها ومعلوم أن من شأن الأتباع إحاطة الشيخ وطريقته خاصة من التبجيل تصل حد التقديس مع الإشادة والإطناب في مدحها، وبث دعايتها. مما يجعل أعمالهم لا تشفي غليل ولا تفي بالغض لمن يتوخى الحقيقة والموضوعية التاريخية.

أسباب اختيار الموضوع:
من أهم أسباب اختياري للطريقة العلاوية لتكون موضوعا للدراسة والبحث ما يأتي:
الرغبة الملحة التي تملكتني في الكشف عن حقيقة الشيخ ابن عليوة وطريقته الذين نالا من ذم ومدح المعاصرين نصيبا، وما أثاراه من جدل، بين قائل بأن الشيخ من الأولياء الصالحين المجددين وبين محذر منه، ومتهم إياه بالخرافة والدجل وأنه أس المضللين، وأن أتباعه جماعة من المشعوذين حتى صعب علي تبين حقيقتهم.

وقد كانت بداية تعرفي على الموضوع خلال مرحلة التدرج وبالضبط في السنة الثالثة جامعي  حين اقترح علي أستاذي الكريم الدكتور عبد الكريم بوصفصاف، البحث في سبب التناقض البين في موقف كل من الدكتور سعد الله، والشيخ أحمد حماني من الشيخ ابن عليوة وطريقته، فكانت تلك مناسبة لي لأطلع على تراث الطريقة العلاوية، وسهل علي العمل في الموضوع حينها إعادة الزاوية نشر أهم كتب الشيخ ورسائله، وبعض مقالات صحيفة لسان الدين الثانية.

وكم كانت دهشتي كبيرة، ورفضي للخطاب الديني لشيخ الطريقة أكبر حينها، واجتهدت في بحثي لأصل إلى نتائج تؤكد كل ما رامت به جمعية العلماء الطريقة العلاوية.

ثم كانت السنة الموالية التي بدأت بإضراب عام للأساتذة في الجامعة استغرق قرابة نصف الموسم الدراسي، فكانت لي فرصة سانحة اهتبلتها بالاعتكاف- في مكتبة الأساتذة بجامعة الأمير عبد القادر حينا وبمكتبة ولاية قسنطينة حينا آخر- على قراءة ما وجدته من كتب القوم، وما كتب من دراسات عن التصوف، لأخرج بقناعة أن الرجل لم يكن بدعيا بين القوم لا في أقواله ولا في أفعاله، كما اقتنعت أيضا أنه يمكن معالجة الموضوع بأسلوب آخر تكون مصداقيته أكبر.

وأتيحت لي الفرصة ثانية عندما واصلت دراساتي العليا بالجامعة نفسها، وعند اختيار موضوع الرسالة تملكتني الرغبة في إعادة دراسة الموضوع وبمنظور آخر يأخذ بعين الاعتبار طبيعة الخطاب الصوفي.

وزاد من رغبتي في معالجة هذا الموضوع هالة الشكوك التي أحاطت بموقف أهم الشخصيات التي هاجمت الطريقة العلاوية في ذاك الوقت وبعده، حتى أني لم أستطع تبين الحق من الباطل ومن ذلك:

1. ما نسب إلى الشيخ عبد الحميد ابن باديس من تصريح مفاده أن لو كنت متخذا طريقة لاخترت الطريقة العلوية, وما أكده الشيخ أحمد حماني من أنه كان بين الرجلين كل الاحترام الشخصي، وأن الذي حال دون المصالحة بين المتخاصمين المسلمين، والتعاون بين قادة جماهير المتدينين، هو المستعمر بكيده ودسائسه.

2. التقلب في موقف كل من أحمد توفيق المدني، ومحمد السعيد الزاهي من الطريقة وشيخها؛ فالمدني في (كتاب الجزائر) أشاد بابن عليوة وزاويته، واعتبره معينا على نشر الفضيلة وحفظ الاربطة القومية الإسلامية، ونقل عنه إنكاره على حزب الإصلاح عنفه وشدته في مهاجمة الطرقية، وخصوصا العلاوية. أما في مذكارته - وباستثناء الوثائق المتعلقة بنازلة آذان غرداية- فقد غير موقفه إلى النقيض تماما؛ فهل غيره بعد انتمائه رسميا لجمعية العلماء عام 1951، وعبر عن ذلك التحول عمليا لما أصبح وزيرا للأوقاف في الجزائر المستقلة؟ أما محمد السعيد الزاهي، فبقد ما هاجم الطرقية عاد إلى أحضانها، بعد أن انشق على جمعية العلماء المسلمين الجزائيين عام 1937، ثم أسس عام 1938 جريدة الوفاق، وشراك في مؤتمر الزوايا.

ولهذه الأسباب مجتمعة عزمت على اقتحام الموضوع على صعوبته، وآثرت الخوض فيه عسا أن أساهم بفعالية ومصداقية في كتابة فصل من فصول تاريخ الجزائر الاجتماعي. وأن أنقل للقارئ الكريم ما توصلت إليه من حقائق.

المصدر: غزالة بوغانم, الطريقة العلاوية في الجزائر ومكانتها الدينية والاجتماعية.

تعليقات