الشيخ : إن المظاهرة التي ستقام هي الكفيلة لنا بكشف وشرح ذلك كله، على أننا لو سعينا في تمثيل ذلك الاحتلال بواسطة السينما، أو على المسارح التمثيلية أو بالخطب، وأحييانا من جديد نزول الجيوش بسيدي فرج لأخذ الجزائر حسبما وقع، لآلمنا قلوب الأهالي وأثرنا حفائظهم بتلك الذكريات الموجعة، لأن الأهالي عندما يعاينون ويرون كيف كان القتل والسلب حسبما تقتضيه الحروب والمعارك وأيضا تذكيرهم كيف أخذت أراضي أجدادهم المغلوبين وكيف أخذوا فلا شك أن مثل هذه المرئيات المحزنة لا تفرح الأهالي بل تؤلم قلوبهم وتجرح عواطفهم طبعا، وربما يكون الضرر كثيرا الشيء الذي ينبغي له على ما أظن قرن آخر وعسى أن تندمل تلك الجروح وتشفى.
هذا وبالعكس يكون الحال لو وضعنا أمام أعين الأهالي وأريناهم الجزائر الحقيقية قبل الاحتلال، مع أراضيها الجذبة ومستنقعاتها الوخيمة ذات الناموس الفتاك التي كانت منبع الوباء والأمراض مع بيان الحروب الأهلية التي كانت تنشب فيما بينهم لأوهن الأسباب. لا طرق ولا سكك حديدية مع استحكام الفوضى واستبداد الأقوياء وإرهاق الضعفاء؛ ثم شخصنا بإزاء هذا أيضا الجزائر الوقتية مع مداها الفسيحة وسككها الحديدية المنتشرة وطرقها المعبدة وموانيها الكبيرة، وتلغرافاتها الكثيرة، وسياراتها العديدة، وحقولها الواسعة ومزارعها ذات القمح والشعير والكروم وبساتينها المخضرة، ومكاتبها الوافرة، ومستشفياتها المتعددة. فبدون ريب والحالة هذه عندما يرى الأهلي مثل هذه الحقائق ماثلة لعينه، فبدل أن يتنغص و يتنكد خاطره، يفرح وينشرح صدره ويزداد محبة في فرنسا.
المكاتب: هل تريدون أن تمدونا بنظركم في شيء يكون سببا في زيادة تمتين عرى المحبة بين فرنسا والجزائر؟
الشيخ : نعم هناك فكرة في إحداث أمر يظهر في نظري جميلا مفيدا وهو إقامة هيكل في بطحاء الولاية – بلاص دو كوفرنوما – يستدعى الناس لتشييده، وذلك الهيكل يمثل فرنسا مثلا تبتسم في وجه معمر وفلاح أهلي رمزا للإخاء والمساواة والمودة الحاصلة بين الجانبين. ويكتب في أسفل هذا الهيكل - الجزائر اليوم غير الجزائر بالأمس قبل الاحتلال - وبمثل هذا تكون الفائدة شاملة حسبما نخيله ويكون ذلك محوا للماضي وإعرابا للأهالي والأجانب أيضا بأن فرنسا ما جاءت إلى الجزائر إلا لتمدين وإصلاح حال الأهالي إصلاحا حقيقيا، مجردا عن المطامع والأغراض الإنتفاعية الشخصية.

المصدر: جريدة البلاغ الجزائري - مقابلة للأستاذ العلاوي حول الاحتفال المئوي لاحتلال الجزائر, العدد 127 بتاريخ 1929/07/19.
تعليقات
إرسال تعليق