الشيخ العلاوي - إجابته عن معنى حديث "ادْعوني بلسانٍ لَم تَعصوني به قَطُّ"

دار في مجلسٍ علميٍّ سنة 1328هـ, 1910م قرب جامع الزيتونة بتونس العاصمة, بمحضر الشيخ أحمد العلاوي, والشيخ محمد الخضر حُسين, والشيخ محمد المدني, والشيخ محمد بن الخوجة, وكُلهم من أساطين جامع الزيتونة, رحمهم الله جميعًا وبرد ثَرَاهم.

يقول الشيخ محمد المدني: وقَد استَطْردنا هنا مسألةً كانت وَقَعت بحاضرة تونس, أجاب عنها حضرة أستاذنا وسيدنا أحمد العلاوي, رضي الله عنه, صورتها أنَّه كان في زيارته الأولى عام 1328هـ, 1910م لحاضِرَة تونس العاصمة, اجتمع بالعلامة المُحقق سيدي محمد الخضر بن الحُسين, والعلامة المرحوم الشيخ سيدي صالح القصيبي, بمحل المرحوم النابغة سيدي محمد الصكلي الخنيسي, الكائن بالحَجَّامين, قرب جامع الزيتونة.

فقال الشيخ صالح المذكور إنَّ فَضيلة شيخ الإسلام العالم المحقق الشيخ محمد بن الخوجة كان تكلم في ختم رمضان على حديث: أنّ الله عزّ وجل أوحى إلى موسى عليه السلام: ادعني بلسانٍ لم تعصني به, فقال: أنّى لي بذلك, فقال: ادعني بلسان غيرك", واستشكلَ وجده مشكلا أي معقدًا ظاهرَ الحديث, واستشكلَ أيضًا ما أجابوا أي علماء الحديث به أنَّ الإنسان يَتَسبب في دعاء غيره به بالإحسان لذلك الغير, فإن الله تعالى يخاطب العبدَ ويأمره بالدعاء هو بنفسه. وحَمل الكلام على الحقيقة أولى من حَملِهِ على المجاز, إلا لداعٍ أو قرينة مانِعَة من معناه الحقيقي, فبقي الإشكال عندَ مولاي شيخ الإسلام, بَرَّدَ الله ثَرَاهُ, ولَم يَحصلْ جوابٌ, وقد ساق الشيخ صالح هاته الواقعة مَساقَ السُّؤَال للأستاذ.

فأجاب الأستاذ العلاوي بما صُورته: "إنَّ لنا مقاميْن, الأول عام والثاني خاص, أما العام فهو أنْ يَدعو الداعي بآيات القرآن الكريم كقوله تعالى: "رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ", (الحشر: 10) وكقوله تعالى: "وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ", (البقرة: 286), وغير ذلك من آيات الدعاء. والقرآن لسانٌ عربيٌ مُبين لم يعصِ أحد به رَبَّه, إنما هو لسان طاعة وعبادة, فكل داعٍ, من أي طبقةٍ كان, لَه أن يدعو بهذا اللسان.

وأما الخاص فَبَيَانه أنَّ الله تعالى يقول في بَعض كلامه: "وَمَا تقرَّبَ إِلَيَ عبْدِي بِشْيءٍ أَحبَّ إِلَيَ مِمَّا افْتَرَضْت عليْهِ, وَمَا يَزالُ عَبْدِي يتقرَّبُ إِلى بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه, فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الَّذي يسْمعُ بِهِ, وبَصره الَّذِي يُبصِرُ بِهِ, ويدَهُ الَّتي يَبْطِش بِهَا, ورِجلَهُ الَّتِي يمْشِي بِهَا, وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْتَه, ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَّنه", فإذا مَنَّ الله على عَبده بهذا المقام فصارَ الحَقُّ سَمعَه وبَصره ولسانه الخ … وأشرقت أرضُهُ بنور رَبِّها, فاللسان حينئذٍ ليس بلسانِ هذا العبد, إنما هو لسان المَعبود, جلَّ شَأنه, فيدعوه بلسانه الذي لم يعصهِ به قَطُّ".

هذا حاصلُ ما أجاب به حَضرة مولانا الأستاذ في ذلك الوقت, قد عَلَقَ بذهني, ذَكرْته باختصارٍ, ولم أدرِ إذا كان به تفصيلُ أكثر من ذلك لطول العهد به, ولكنه وقع هذا الجواب إذَّاكَ من الشيخين محمد الخِضْر حسين وصالح القصيبي موقعًا حسنًا, وقد وقع من جميع أفراد المجلس موقع الزلال من الظمآن وعلى هذا النمط كانت أجوبة الأستاذ في حلِّ المشكلات.



المصدر: جواهر المعاني, ص. 34-35. (مخطوط سيدي محمد تقتق).

تعليقات