الشيخ العلاوي - إليكم يا مشايخ الزوايا

أيها السادة, إن من واجب النصيحة أن نستلفت أنظاركم السامية إلى أمر عظيم نصبتم أنفسكم للقيام به وكرستم حياتكم على الوفاء بحقه, وهو واجب الإرشاد, وبث النصائح المفيدة بين العباد, جريا على طريقه أسلافكم الطاهرين الذين (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) سورة الذاريات, الآية 17, يأمرون ويأتمرون وينهون وينتهون. فكم أثبت لهم التاريخ من الخصال الجميلة, وكم شهد لهم الواقع بالأوصاف الفاضلة, أثرهم على الناس عظيم, وكأني بكم أنتم البقية الصالحة التي تمثل لنا مظهر الغابرين من رجال الدين.

وإذاً, فهل فكرتم في أمركم؟ هل أنتم على أثرهم عاملون وقائمون بواجبكم, أم أنتم ونحن على منهجهم ناكبون؟

فالأمر أيها السادة خطير والدعوة عظيمة والواجب يطلبنا أن نبرر صحة ما تظاهرنا به, ولا مبرر لنا إلا الفعل الصادق.

أيها السادة, إن وجودكم بتلك الزوايا التي ترمز على كونها أسست على تقوى من الله لكافي في كونكم قائلين إنكم الهداة المهديون والقادة العاملون, ولو لم يكن منكم قول البتة, فكيف إذا سمعنا منكم وسمع الناس من صريح عبارتكم ما يفيد أنكم قائمون في عصركم هذا بمقام الإرشاد محاربون لضروب الزيغ وأنواع الفساد.

آ مع هذا يجمل بأستاذ الزاوية ومرشد الجماعة أن يفقد من الأوصاف ما هو بصدد الدعوة إليها؟

أيها السادة, إنما مقام التصوف عرَّفه العلماء بالله وبأحكام الله بعدة تعريفات, ولا واحد منها إلا وأفاد أنه الغاية لمنتهى الكمال الإنساني, وقصارى القول فيه أنه مذهب كله جدلا يخالطه شيء من الهزل, ولنا أن نقول فيه أنه مذهب بنيت دعائمه على ارتكاب العزائم, فأهله في كل عصر يكونون المثل الأعلى والمظهر الأجلى في تمثيل مكارم الشريعة ومحاسن الدين, ومهما كان المذهب بتلك الصفة وكنتم انتم المتمين إليه والعامليين على تحقيق مبادئه لزمكم تطبيق أحوالكم وأحوال من ينتهي إليه نفوذكم على أصول المذهب وفروعه حالا ومقالا, وإلا فيخشى علينا وعليكم الدخول في دائرة قوله تعالى (كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) سورة الصَّف, الآية 3.

أيها السادة, إن وجودكم بتلك الصفة وتظاهركم بذلك المذهب لكاف في دعوى الاستقامة, وما إن قادت إليكم العباد إلا لأنكم الرافعون لنسبة الله, تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله, فذلك الأمر هو الذي أكسبكم تلك الصبغة وأعاركم ذلك الثوب الجميل الذي أصبحتم تتمتعون به بين الخاصة والعموم, ويا ما أجمله من ثوب لو صحبنا وصحبكم في يوم تحق فيه الحقائق ويظهر فيه كل كاذب وصادق.

أيها السادة إن المقام خطير والغفلة عن أداء واجبه منه أخطر, أخرج الطبراني في كبيره: "إن أناسا من أهل الجنة ينطلقون إلى أناس من أهل النار، فيقولون: بم دخلتم النار فوالله ما دخلنا الجنة إلا بما تعلمنا منكم؟ فيقولون، إنا كنا نقول ولا نفعل".

أيها السادة, إن وجود الضعف الساري بين طبقات المرشدين لا ينكر حصوله له إلا مكابر, الأمر الذي كاد أن يربط الخاصة بالعموم, فضروب الغفلات مستحكمه في كلٍ بحسابه, وإذا كانت الغفلة لا يحسن استحكامها بين الأتباع والمريدين فيكون استحكامها بين رجال الزوايا أبشع من ذلك وأفظع. أخرج الطبراني والبزار عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حي من قيس أعلمهم شرائع الإسلام, فإذا هم قوم كأنهم الإبل الوحشية, طامحة أبصارهم, ليس لهم هم إلا شاة أو بعير, فانصرفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا عمار ما عملت؟ فقصصت عليه قصة القوم وأخبرته بما فيهم من السهوة, قال: يا عمار, ألا أخبرك بأعجب منهم؟ قوم علموا ما جهل أولئك ثم سهوا كسهوهم". (اه). قلت لا يبعد أن يكون هذا مما اشترك فيه الآمر والمأمور في زماننا هذا غير أن الدرك على من يتظاهر بخلاف ذلك.

أيها السادة إننا لم نعرج على ذكر البعض من أعمال أبناء المشايخ الذين شوَّهوا نسبة القوم بأفعالهم, ولربما نفرد لنظير ذلك فصلا في غير هذه العجالة. إنما حديثنا مع من يستحق الحديث ومع من يرى للنصيحة أهلا, (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) سورة الأعراف الآية 201.

أيها السادة, إن واجبكم في عصركم هذا يزيد على واجبكم من قبل, فإن الضرورة تبعثكم على أن تقوموا لله مثنى وفرادى وجماعات, رافعين أصواتكم ناشرين أعلامكم داعين إلى الله بالفعل لا بمجرد القول, فان الزمان استدار كهيئته (بدأ هذا الدين (الإسلام) غريبا وسيعود غريبا) كما جاء في الحديث الشريف, وإذا ها هو دينكم الذي هو عصبة أمركم أصبح كما علمتم, وإذا فما فائدة وجودكم؟ ولأي شيء ترجون؟ فهل خلقتم لأن تكونوا حماة الدين أم لتكونوا بأنفسكم مكتفين لا عليكم في غيركم من بقية المؤمنين؟ أعاذنا الله وإياكم مما يبعدنا عن أداء واجبنا ومما يجعلنا ممن يؤثر الحياة الدنيا على الأخرة, أمين.


 
المصدر: جريدة البلاغ الجزائري - إليكم يا مشايخ الزوايا,  العدد 216 بتاريخ 26-06-1931.
 
 

تعليقات