بسم الله الرحمن الرحيم
نحن أعضاء جماعة برج أبي عريريج, من طبقة المجلس البلدي والمجلس الانتخابي, يعني البادي والفرع التجاري, نعلن لإخواننا أننا قد كنا قدمنا شهادتنا إلى سيادة الوالي العام بما تحققناه من سيرة الشيخ سيدي أحمد بن مصطفى العلاوي المستغانمي, حسبما اتضح لنا من أعماله الحسناء لدى مروره ببلاد القبائل. وما كان قصدنا بذلك إلا تمحيصا للحق واعترافا بالواقع, إذ لا يتأنى للمنصف أن يجحد فضل من تعترف البقاع الآن بفضله, وليس الخبر كالمعاينة.
كان عندنا البعض من بلاد القبائل, وقبل مرور الشيخ عليها, جامعا من المناكر ما تفرق في غيره, بحيث لا يستثني من أنواع الفجور إلا ما هو كالشرك والعياذ بالله. أما قتل النفس التي حرَّم الله وما يشاكله, قد كاد أن يكون من العوائد اليومية.
أما من حين وصول الشيخ إليهم وبثه النصائح من بينهم, دخلت جميع أفعالهم السيئة تحت خبر كان, فتغيرت أحوالهم تغييرا محسوسا, بحيث لم نسمع عنهم الآن إلا ما يسُّر من الاجتماع على الله والنصيحة في ذات الله.
وبالجملة, إن أموالهم الآن وأرزاقهم تبيت بغير حارس, فنال قطرنا من الهناء والعافية ببركة هذا الإستاد ما لم يسبق نظيره في التاريخ.
وبتلك المناسبة اقترحنا بكل إلحاح على سيادة الوالي العام ورجال حكومتنا أن يرخصوا للأستاذ في التجول بقطرنا, حرصا على دوام الأمن. وهكذا بيَّنا لهم بالبرهان القاطع أن المناكر لم تبقى سائرة إلا في المواطن التي لم يمُّر عليها ذلك الشيخ. ثم وضعنا خطوط أيدينا بأننا ضامنون في جميع ما يتصدر من ذلك الإستاد قولا كان أو فعلا. فساعدنا حضرة الوالي العام على مرغوبنا جزاه الله خيرا.
وبما نحن مسرورون بوصول ذلك الشيخ إلى ديارنا وتجوله بقطرنا, اعتمادا على ما نرجوه من نتائج أعماله, وإذا بجريدة النجاح, سامحها الله, تذكر في عددها 83 أنه بلغها كتاب من برج أبي عريريج من جماعة مستفيضة, يحذرون فيه أهل قسنطينة من ملاقاة الشيخ, لئلا يغتروا, فيقع لهم مثل ما وقع لأهل البرج من الرزايا التي منها ومنها...
فقلنا سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم. فمن هم أهل البرج يا سبحان الله؟ أهم غير سكانه؟ كلا! اللهم إلا إذا كانوا من غير المسلمين أو كان الكِتاب مزورا من بعض المجرمين. ولهذا نلتمس منكم يا حضرة المدير ويا حضرة المحرر لجريدة "لسان الدين" أن تعلنا في جريدتكما ببراءتنا مما نسب إلينا كما تصرحا أيضا بدوام ودِّنا لهذا الأستاذ, وأننا لا نزال راضين على أعماله بقطرنا, ضامنين في جميع ما يصدر منه أداء حكومتنا والسلام.
الإمضاء (مجموعة من أهالي البرج).
جاء هذا المقال ردًّا على المقال التالي والذي كان قد سبق وأدرج في جريدة النجاح:
مجموعة من أعيان الأهالي تطلب منا إدراج المقال التالي:
في عددها الصادر بتاريخ 13 أكتوبر 1922, نشرت جريدة "النجاح" الصادرة في قسنطينة الرسالة التالية والتي وُجِّهت من قِبل مجموعة من أعيان برج بوعريريج بخصوص أحد شيوخ الطريقة يُدعى "بن عليوة":
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسوله.
تنبيه! تنبيه! يا أهل قسنطينة.
إن الشيخ بن عليوة, من مستغانم, الذي مُنع من دخول تراب ولاية قسنطينة, قد وصل إلى برج بوعريريج. لقد أحدث صاعقته وسط آلاف المسلمين, ففرّقهم ومزّق صفوفهم إلى فئتين متعارضتين, وأوقد في قلوبهم نار كراهية عظيمة وأسطورية. وقد أعادت الطريقة التي يترأسها إلى الواجهة الأحقاد الحزبية القديمة التي طالما هدأت.
وقد أدى ذلك إلى أن كثيرًا من أتباع بن عليوة الجهلة, طلّقوا زوجاتهم لأنهن لم يستطعن إقناع آبائهن أو إخوانهن بالانضمام إلى هذه الطريقة. فتمّ تطليق الأمهات, وأُجبرن على مغادرة بيوتهن الزوجية لهذا السبب.
ولن تكفينا أوراق كثيرة لنكشف عن أسرار هذه الطريقة, وشيخها, وأتباعها.
وخلاصة القول, إن وضع أهالي برج بوعريريج مؤلم وخطير فعلاً.
وبعد أن علمنا بسفر الشيخ بن عليوة المرتقب, وبحزننا الشديد على المخاطر التي ستحدق بإخواننا في تلك المنطقة, نرى من واجبنا أن نُحذّرهم.
فبسبب هذه الطريقة, حدثت حالات طلاق, وبيعت بيوت وأراضٍ, وأُهملت الأراضي الزراعية, وتُركت العائلات والأطفال, ولا نزال نجهل الغرض الحقيقي لهذا الشيخ الديني الذي يسعى إلى تغيير الدين المحمدي بنشر الفتنة في كل مكان يحلّ فيه.
نسأل الله أن يحمينا من مصائب المستقبل, ومن شرور بن عليوة وطريقته.
والسلام.
مجموعة من أهالي برج بوعريريج
تعليق "درويش العلاوي" على المقال المُفترى على الشيخ العلاوي (بن عليوة):
يُعتبر المقال المنشور سنة 1922 والمتعلق بالشيخ بن عليوة (الشيخ العلاوي) مثالًا صارخًا على الحملات التشويهية التي كانت تُشنّ ضد رموز الإصلاح الروحي والتصوف النقي في الجزائر في ظل الاستعمار الفرنسي, وفي ظل صراع التيارات الاجتماعية والفكرية داخل المجتمع.
يتهم المقال الشيخ العلاوي بإثارة الفتنة والتفرقة بين المسلمين, ويذهب إلى حد القول إن بيوتًا قد خُربت وزوجات طُلّقن بسببه. وهذه مزاعم تفتقر إلى أي دليل موثوق, وتعتمد على خطاب تعبوي عاطفي هدفه التشويه فقط.
المقال يصدر عن "أعيان" دون ذكر أسمائهم, وهو ما يُضعف مصداقيته. وغالبًا ما كانت مثل هذه البيانات تُحرّكها جهات مرتبطة بالإدارة الاستعمارية, أو تيارات معادية للتصوف, ترى في نفوذ الشيخ تهديدًا لها, سواء دينيًا أو اجتماعيًا.
اتهام الشيخ بمحاولة "تغيير الدين المحمدي" يُظهر جهلًا بطبيعة دعوته, التي كانت تهدف إلى إحياء البُعد الروحي للإسلام, وليس تغييره. بل إن الشيخ العلاوي كان يُحذر من الجمود, ومن الانحرافات العقدية والظاهرية, ودعا إلى التوازن بين الشريعة والحقيقة.
يجب فهم المقال ضمن سياقه التاريخي, ففرنسا كانت تحارب أي نفوذ ديني يُمكن أن يُشكل تهديدًا لسيطرتها, وخاصة الطرق الصوفية التي لم تُوالِ الاستعمار.
تصاعد التيارات "السلفية المتشددة" والمعادية للتصوف, والتي كانت ترى في الطرقية شركًا وضلالًا, ما جعلها تُحارب الشيخ العلاوي علنًا, رغم بُعده عن الغلو والتعصب.
وجود نزاعات محلية بين أتباع طرق مختلفة, مما كان يُستغل سياسيًا لتأليب الرأي العام ضد بعض المشايخ.
المقال المذكور لا يُعدّ وثيقة تاريخية موثوقة, بل هو بيان دعائي مليء بالتضليل, هدفه ضرب سمعة الشيخ العلاوي وتشويه دعوته الإصلاحية. والواقع والتاريخ يُكذبان محتواه, إذ يشهدان بأن الشيخ العلاوي كان من أعلام الوسطية والروحانية, ومن دعاة السلم والوحدة, لا من مثيري الفتنة والانقسام. بل إن أثره الروحي والعلمي ظلّ حيًا إلى اليوم, في الجزائر وخارجها, وهذا في حد ذاته شهادة على بطلان مثل هذه الاتهامات.
تعليقات
إرسال تعليق