تقي الدين الفقير

الشيخ (عبد الرحمن) تُقَيُّ الدين الفُقَيَّر بالتصغير فيهما (ويقال أنه هو الذي سمى نفسه بذلك أي بالتصغير تواضعا منه) الفقيه الصوفي النهروندي الواسطي العراقي المسمى بمكي الشافعي. ويقال أيضا "نافع الدين" كما جاء في بعض السلسلات الشاذلية.

ونهروند التي ينسب إليها قرية من أعمال واسط بالعراق ويسميها بعضهم نهردرني.

كان من العلماء العاملين وإماما عارفا بالله وله أصحاب وأتباع كالنجوم. كان رقيق الشِعر, عذب العبارة, حسن المحاضرة, وكثير الاشتغال بالله تعالى.

صحب الشيخ أحمد الرفاعي رضي الله عنه ولزمه مدة ولبس منه خرقة التصوف. وقد كان الشيخ تُقَيُّ الدين محبوب الحضرة الرفاعية وأحد الرجال الذين شملتهم بالقبول عين العناية الأحمدية. وله في مدحه قصيدة رائعة تدل على ولهه بشيخه أحمد الرفاعي رضي الله عنه منه قوله :

لي بالرفاعي صدق وجه *** عليه ما عشت لا ألام
فإن زهت مني اعذروني *** فقد زهى عتبة الغلام


وفي سند الشاذلية, أخذ عن القطب الرباني, غوث زمانه, وإمام الأولياء, الشيخ فخر الدين الذي عاش ما بين القرنين الرابع والخامس هجري, والذي لا نعرف عنه شيئا للأسف, وقد أكد على هذا السند, الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه ومنه اعتمدت السلسلة.

توفى الشيخ تُقَيُّ الدين رضي الله عنه ببلدته نهروند سنة 1198م/594هـ.

وأخذ عنه سند الخرقة الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن المدني المعروف بالزيات, رضي الله عنه.

قال الشيخ تقي الدين الفقيه النهروندي في قصيدة امتدح بها شيخه أحمد الرفاعي رضي الله عنه كما جاء في نزهة المجالس للصفوري :

أي سر جاءت به الأنبياء    وحديث رواته الأولياء 
سلسلته السادات أهل المعالي    وحكته الأئمة الأتقياء 
فروى نشره الصديرين ريا    وأضاءت بنوره البطحاء 
مد طه يمينه للرفاعي    فانجلت عندها له الأشياء 
يا لها من يمين قدس نزيه   يشتهي شم عطرها الأنبياء 
قد تجلى الله المهيمن لما   ظهرت وازدهت لذاك السماء 

إلى أن قال: 

لا تقل كيف تم هذا وأيقن     يفعل الله ربنا ما يشاء 
واهجر المارقين واعذر     إذا ما أنكر الشمس مقلة عمياء 
أيكون النبي ميتا ؟ وفي القرآن     أحياء ربها الشهداء 
وبمد اليمين لابن الرفاعي حجة     في مقامها سمحاء 
شهدتها المساء آلاف قوم     ورآها الاقران والأكفاء 
صار ذاك المساء صبحا فما   أعجب يوما فيه الصباح مساء 
فرح الدين والهدى وطريق الحق   بل والشريعة الغراء 
وتعالى شأن النبي المفدى   وتلاشت بطبعها الأهواء 

والقصيدة طويلة والقصة شهيرة وسبب نظم هذه القصيدة قال أبو محمد ضياء الدين الوتري في [روضة الناظر] ص 54: وفي هذه السنة [يعني 555] حج السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه بإشارة معنوية، وزار قبر جده عليه الصلاة والسلام، وأنشد تجاه القبر الطاهر.

في حالة البعد روحي كنت أرسلها     تقبل الأرض عني وهي نائبتي
وهذه دولة الأشباح قد حضرت    فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي

فظهرت له يد جده عليه الصلاة والسلام فقبلها والناس ينظرون. وهذه القصة تواتر خبرها، وعلا ذكرها، وصحت أسانيدها، وكتبها الحفاظ والمحدثون، وكثير من أهل الطبقات والمؤرخين، لا ينكرها إلا جاهل قليل الرواية، حاسد لسلطان النبوة، وظهور المعجزة المحمدية، أو معذور من غير هذه الأمة الأحمدية، على إن ظهور هذه المعجزة النبوية في تلك الأعصار التي ظهرت بها البدع، وكثرت بها الفتن، وتفرقت بها الأهواء، وذهب بها أهل الباطل إلى مذاهب كثيرة كالإلحاد والزندقة وغير ذلك مما سلكه الفرق الضالة من طرق الضلالة ما كان إلا لإعلاء كلمة الحق والشريعة والدين على يد هذا السيد الجليل الذي اختصه الله ورسوله بهذه النعمة وأبرزه لهذه الخدمة، لعدم وجود من يماثله أو يشاكله في ذلك القرن من الأولياء والسادات وصالحي الوقت نفعنا الله بهم.

وقال في ص 62: إذا عدت كرامات الرجال كفاه [يعني السيد أحمد الرفاعي] فخرا وشرفا تقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم بين جم غفير من المسلمين حتى سارت بها الركبان، وتواتر خبرها في البلدان، وقصر عندها باع أكابر الإنس والجان، وغبطه عليها الملأ الأعلى، كما قال ذلك في شأنه الشيخ عبد القادر الجيلي عليه الرحمة والرضوان.

وفي العقود الجوهرية ص 5 عن العبد الصالح العارف بالله عبد الملك بن حماد إنه قال: قدر الله لي الحج سنة خمسمائة وخمسة وخمسين، وجئت إلى المدينة وتشرفت بزيارة النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذلك الأسبوع جاء لزيارة قبره عليه الصلاة والسلام شيخنا سيد العارفين إمام الأمة السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه وقد دخل البلدة بقافلة عظيمة من الزوار فلما دخل الحرم الشريف النبوي وقف تجاه القبر الأفضل، والوقت بعد العصر وقد غص الحرم المبارك بالناس وأنشد غائبا عن نفسه حاضرا بمحبوبه:

في حالة البعد روحي كنت أرسلها     تقبل الأرض عني وهي نائبتي
وهذه دولة الأشباح قد حضرت    فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي

فظهرت له يد النبي عليه الصلاة والسلام تتلمع بيضاء سوية كأنها زند البرق، فقبلها والناس ينظرونه، وقد من الله تعالى تفضلا علي فرأيتها ورأيت كيف استلمها، وإني أعد هذا الشهود الباهر ذخيرة المعاد، وزاد القدوم على الله تعالى. ثم قال: وكان في القافلة المذكورة الشيخ أحمد الزعفراني، والشيخ عدي بن مسافر الأموي، والسيد عبد الرزاق الحسيني الواسطي، والشيخ عبد القادر الجيلاني، والشيخ أحمد الزاهد، والشيخ حيوة بن قيس الحراني، والشيخ عقيل المنبجي العمري، و جماعة من مشاهير أولياء العصر وقد تشرفت الكل برؤيا اليد النبوية الطاهرة الزكية واندرجوا تحت بيعة مشيخته رضي الله عنه وعنهم أجمعين، وخبر هذه القصة متواتر مشهور، وقد ساقه كثير من أعيان الرجال بوجه التفصيل فليراجع.


المصادر :
1. طبقات الشاذلية ص 74.
2. روضة الناظرين وخلاصة مناقب الصالحين ص 120/121.

3. نزهة المجالس للصفوري 


أنظر كذلك :

الشرف المحتم للسيوطي
مختصرالإمام الرافعي
نفحة الفاروثي 
الترياق للواسطي
وغيرهم...

تعليقات