الوجه الأول: قيل لأنه كان يدور في عطيَّته الأسرار والأحوال فيستردُّها لأدنى سبب يقع من المريد أو دونه. سمعنا أنَّه كثيرا ما كان يسلب من الأحوال الخارجة على يديه لأدنى سبب يقع من المريد أو دونه.
الوجه الثاني: أنه كثيرا ما كان يدور في الأماكن والأسواق ويصيح "الله, الله". قال في (ممتع الأسماع) وهذا هو الأقرب في تلقيبه بذلك وعلى هذا فيكون هذا أصل التسمية.
أما التأويل بالندم في العطيَّة, فهو من أرباب البصائر والخبرة بذلك حدث بعد التسمية والله أعلم.
كان رضي الله عنه من الأبدال ومن المجاذيب أرباب الأحوال له الكرامات العجيبة وكان شأنه عظيما، وكان ملامتيا, يظهر بأحوال كأحوال البهاليل من غير تدبير للظاهر ولا مبالاة بما يقع منه. أخذ عن سيدي أبي إسحاق إبراهيم الزرهوني المعروف بالفحَّام (أفحَّام), دفين جبل زرهون وهو الوارث له كما ذكره في "المقصد" وغيره لأنه الذي ظهر بحاله من القوة في الجذب والغيبة في التوحيد، ولم يوجد متصف بذلك غيره، بل لم يعرف آخذ عن الشيخ سيدي إبراهيم سواه.
وولايته عند أهل فاس قطيعة كفلق الصبح، وكان بهلولا مجذوبا، على طريق الملامتيه، تعتريه أحوال الجذب في كل حين، وليس له أهل ولا قرار، يخبر بالمغيبات، ويكاشف كثيرا ممن يلقاه، لا يلتفت إلى مدح ولا إلى ذم، يدخل ديار ملوك بني مرين؛ فيتلقاه النساء والأولاد، فيقبلون يديه وقدميه، فلا يلتفت إلى أحد، ويدفعون إليه الحوائج الرفعية، والذخائر النفيسة، ويلبسه السلطان من أشرف لباسه، فإذا خرج؛ تصدق بجميع ذلك. ويمر على حوانيت الزياتين، فيغمس أكمام الحلة التي تكون عليه ويبرقعها بالزيت أو بالسمن، ولا يزال يدور في بعض الأمكنة ويصرح باسم الجلالة. ولا يعرف له أحد مأوى. وشأنه عظيم عند أهل فاس؛ لما رأو له من الكرامات التي لا تحصى. ولما توفي؛ تساقط الناس على جنازته، وتقاسموا أعواد نعشه وسجادته ولباسه.
ولد رحمه الله بصنهاجة الكبيرة التي يقال لها: صنهاجة الحجر. وله بها سلف وفيهم أولياء، منهم: أبو جده والد أبيه المذكور. وخرج منها صغيرا، ثم دخل فاسا بعد مدة، وبقي بها إلى أن مات.
وله رضي الله عنه كلام على معاني حروف الهجاء وأسرارها. قال في "الممتع": "لم يحضرني". وذكره في "الروض"، وله أيضا أبيات تنسب إليه؛ وهي:
الموت أفنى من مضى والموت يُفنى من بقي
والموت يجمع في الثرى بين المنعم والشقي
يا من أسا فيما مضى كن محسنا فيما بقي
وكان رحمه الله لا تحده الحدود، ولا يمنعه حائط ولا باب، وشوهد عند الكعبة أعزها الله تعالى مرارا، وكان صاحب وقته؛ له اليد العليا على أهل الغيب حسبما تقتضيه حكايته المعلومة مع سيدي عبد الرحمن المجذوب فإنه: لما لقيه صاحب الترجمة بباب القرويين النافذ إلى الشماعين؛ أقبل عليه، وأمسك به، وحركه، ثم دفعه؛ فإذا به بالبرج الجديد بوادي فاس، فمكنه من الخطوة وطي الأرض؛ فرأى الشيخ المجذوب في تلك الحال أن الشيخ سيدي عليا صاحب الترجمة رفعه من سُرته على أصبعه وأهل الله مجتمعون وهو يقول لهم: "من أحبني؛ فليعط هذا!".
وذكر في "الابتهاج" أنه: وقع في بعض كلام صاحب الترجمة ما
يدل على أنه كان من الأبدال، وحلاه الشيخ المدرع في منظومته بالقطبانية،
فقال:
ومنهم:
القـطب الجليل المجذوب علي الدوار نعم المحبوب
شيخ الشيوخ لجل الأعيان مصباح أهل السر والعرفان
ومنهم:
القـطب الجليل المجذوب علي الدوار نعم المحبوب
شيخ الشيوخ لجل الأعيان مصباح أهل السر والعرفان
وقد ترجمه المؤرخ أبو عبد الله بن عسكر في (دوحة الناشر) فقال: "كان رحمه الله من عباد الله الصالحين، وولايته عند أهل فاس قطعية كفلق الصبح، وكان مجذوبا، على طريق الملامتية، تعتريه أحوال الجذب في كل حين، يخبر بالمغيبات، ويكاشف كثيرا ممن يلقاه، لا يلتفت إلى مدح ولا إلى ذم، يدخل ديار ملوك بني مرين، فيتلقاه النساء والأولاد، فيقبلون يديه وقدميه، فلا يلتفت إلى أحد، ويدفعون إليه الحوائج الرفيعة، والذخائر النفسية، ويلبسه السلطان من أشرف لباسه، فإذا خرج، تصدق بجميع ذلك".
ويمر على حوانيت الزياتين، فيغمس أكمام الحلة التي تكون عليه ويبرقعها بالزيت أو بالسمن، ولا يزال يدور في بعض الأمكنة ويصرح باسم الجلالة، ولا يعرف له أحد مأوى. وشأنه عظيم عند أهل فاس، لما رأوا له من الكرامات التي لا تحصى. ولما توفي، تساقط الناس على جنازته، وتقاسموا أعواد نعشه وسجادته ولباسه، وكانت وفاته في آخر العشرة الخامسة. يعني: من القرن العاشر ودفن خارج باب الفتوح. وحضر الناس جميعا حتى السلطان والفقهاء وغيرهم جنازته رحمة الله عليه" انتهى كلام صاحب (الدوحة).
ركب يوما على قصبة بقنطرة الصبَّاغين وفي عنقه قدِّيد لحم معلَّقا وهو ينادي: "اخرجوا يا بني مرِّين والله ما نترككم ببلادنا.", وكان ذلك آخر انقراض دولتهم.
وجلس يوما بباب القرويين, يأكل الخيار والنَّاس يصلُّون, فقال رجل في نفسه: "هذا يأكل الخيار والنَّاس يصلُّون", ودخل يصلي ونفسه تتحدَّث بشراء حمار من سوق الخميس وكانت صلاة صبح يوم الخميس, فلَّما خرج ناداه سيدي علي: "يا فلان, أكل الخيار خير من صلاة الحمار."
دخل يوما دار إنسان بغتة, فوجد ربَّة المنزل وهي تغسل الثياب فكرهت دخوله لكونه وجدها على غير حالة ترضي من جمع الثياب عليها, شأن الغاسلة للثياب, فبينما هو كذلك وإذا بصبيٍّ قد سقط من علوِّ الدار, فاختطفه من الهواء ومكنَّه لها وقال: "يا هذه, لهذا دخلت."
وقع أيضا أنه دخل يوما دار بعض معارفه وصعد فوق السطح فأخذ يدور بحلقة الدار وهو يقول "الله الله مولانا", يكرر ذلك لورود وارد عليه ذلك الوقت اقتطعه عن ضبط حسِّه فلم يبالي بجمع ثيابه عليه, فخطر في نفس امرأة من تلك الدار قالت: "سيدي علي يصعد على السطح ولا يجمع ثيابه", فنزل إليها مسرعا وقال: "أي عدوَّات أنفسهن."
وحدث يوما أنه مرَّ على دار فألقى يده تحت عتبة الباب العليا وصاح على أهل الدار أن أخرجوا, فما زال يصيح عليهم حتَّى لم يبقى فيها أحد, فأزال يده فسقط الحائط ونجوا جميعا.
كانت وفاته في جمادى الثاني سنة 947هـ, والأقرب الذي يصِّح أنه توفي في أواخر سنة940هـ بداية سنة 941هـ و دفن خارج باب الفتوح من فاس وحضر الناس جميعا حتى السلطان والفقهاء وغيرهم جنازته رحمة الله عليه.
تعليقات
إرسال تعليق