الولي الشّهير والعارف الكبير صاحب المناقب والآداب الدّال على حضرة الملك الوهّاب, سليل بيت النبوة الطاهر, صاحب السر الباهر, رافع لواء الطريقة والجامع بين بحري الشريعة والحقيقة, ومولانا العارف بالله تعالى والدّال عليه الشّيخ عبد الكريم سليم المومني عشيرة, الحسيني نسبا, الشّافعي مذهبا, الأشعري عقيدة, الشّاذلي طريقة, الهاشمي الكردي نسبة وتربية المكنّى بأبي عارف.
ولد رضي الله عنه في قرية عبين من أعمال عجلون عام 1924م من أبوين صالحين من عائلة كبيرة وهي عائلة المومني القاطنة في قرى جبال عجلون والتي تنتسب إلى السيّد الجنيد البغدادي رضي الله عنه إلى سيّد الكائنــات صلّى الله عليه وسلم, فبذلك يكون الشّيخ قد حاز على شرف النسبتيـــن نسبة الجسم ونسبة الروح.
شبّ الشّيخ رضي الله عنه تقيّا عابدا متحليا بالصفات الكريمة الدالّة على شرف نسبته, عمل في الزراعة في بداية حيــاته ثم التحق بالجيش الأردني وخاض مع كتائب المجاهدين عدة معارك ضد الصهاينة المعتدين في فلسطين, وفي تلك الفترة في عام 1950م ساقته الأقدار إلى مسالك الأوليــاء والعارفين الكبار فالتقى بالعارف الكبير الشّيخ محمّد سعيـــــد الكردي رضي الله عنه وأخذ عليه العهد, وذلك بعد أن توالت البشائر على الكردي من شيخه الهاشمي رضي الله عنهما بأن سيخلفك رجل من آل البيت اسمه "عبد الكريم" وسمّى له بلدته التي يسكن فيها وذلك قبل لقاء الأشباح بعامين فاحتفى به شيخه وقام إليه وألبســــــه جبته, فكانت البشــرى بخلافتـه رضي الله عنه قبل أن يضع أول قدم له في طريـــق القوم, وهذه البشائر والرؤى يدريها القاصي والدّاني من أبناء هذه الطريقة ومن سكّان قرى عجلون حيث سمعها جمع كبير من الكردي رضي الله عنه وما زال كثير من المعمّرين من أبنـــاء قرى صخرة وعبين وعبلين أحياء يروون هذه القصة لمن خلفهم من أجيــال فهي فخر لهم ولكل منتسب إلى ذلك الجناب الشريف ويكفي العاقل اللبيب طالب الحق سماع قصة واحدة من فم واحد منهم ولن أطيل.
تلقى الشّيخ رضي الله عنه علومه من توحيد وفقه ولغة وغيرها على يد شيخه وأستاذه سيّدي الكردي رضي الله عنه إلى جانب علوم والتربية السلوك ولازم شيخه طيلة حياته وسكن بجواره لسنوات يغرف من بحر الشّيخ ودرره وأسراره, متأدبا في حضرة الشّيخ بآداب قلّ نظيرها, له مكان بين الإخوان لا يجلس فيه سواه , كما أنه صحب شيخه سيّدي الكردي في زياراته لشيخه سيّدي الهاشــمي رضي الله عنهم أجمعين, حتى أنارت شمسه ولمع نجمه وظهرت عليه أهلية الخلافة والإرشاد وشهد فيه شيخه بأنه من الأكابر في الطريق ومن العارفيــن فأذنه الشّيخ أوّلا بنشر الطريق في بلدته وما حولها وإقامة الاجتماعات على ذكر الله وتعليم الشرع الشريف فنفع الله كثيرا من العباد على يديه وعمّ الخير على أهلها ببركته وأخذ الطريق عنه كثير من السكّان والحمد لله , كما كان شيخه رضي الله عنه يقدّمه عند سفره خارج البلاد ليقيم الاجتماع ويذاكر الإخوان في غيابه ويقدّمه في الإمامة, فإذا كان هذا مقام الشّيخ في حياة شيخه فكيف بمقاماته في الولاية والقطبانية بعد وفاة شيخه وخلافته له, فبعد وفاة شيخه الكردي رضي الله عنه عام 1972م انتهت إليه خلافة الطريق في البلاد حيث أوصى الكردي رضي الله عنه الإخوان قبل وفاته بإحضار الشّيخ من بلدة عبين إلى مدينة اربد ـ مركز الطريقة ـ وتقديمه ومبايعته ونصرته على نشر هذه الطريق المباركة لكونه كما وصفه شيخه بأنه الوحيـــــد الذي يستطيع جمع الإخـــوان بعد وفاة الشّيخ وهذا ما حصل فقد انقلب كثيرون من أصحاب العمائم والجبب وحاملي الإجازات الخطية على أعقابهم ظنّا منهم أن الطريق بحاجتهم "والله متم نوره" فقد جمع الشّيخ شمل الإخوان بعد أن احتار بعضهم في أمره وانقطع الكثيرون , وانتشرت الطريق في عهده انتشارا واسعا من شمال البلاد إلى جنوبها حتى سمّيت باسمه, وقام الشّيخ برفع لوائها خير قيام بعزم وثبات وصبر منقطع النظير , وزواياه بحمد الله منتشرة في اربد وفي عجلون وسحاب ومادبا والطفيلة وغيرها عامرة بذكر الله وتعلم العلوم الشرعية .
كان الشّيخ رضي الله عنه متخلقا بالصفات الدالّة على رفيع قدره وعظيم شأنه ورعا زاهدا, كثير الذكر كثير الصمت, صاحب همة عاليــة وبصيــرة نافذة وكشف صريــح , مقتفيا للسّنة في أفعاله وأقواله وأحواله, متقلّلا من الدّنيا وحطامها كريما معطاءً , بشوشا صاحب طرفة ودعابة محبوبا عند العام والخاص, صبورا متحملا لأذى العباد فكم وكم أوذي في دينه وإيمانه من كثيرين ممن انتسبوا لهذه الطريق, وكم طعنوا في خلافته وإذنه من شيخه, فصبر واحتسب ذلك عند مولاه, وكيف لا وقد بشّره سيّدي الهاشمي قبل حصول ذلك بعشرين عاما حيث كان في زيارة لسيّدي الهاشمي بصحبة شيخه سيّدي الكردي رضي الله عنهم وكان يقلّم شجرة في بيت الشيخ فقال له سيّدي الهاشمي : سيكون لك خصوم في هذه الطريق وستقلّمهم كما تقلّم هذه الشجرة, فجرى ما جرى للشّيخ من الخصوم والحسّاد وهذه سنة الطريق فما جرى على الشّيخ جرى على من قبله من العارفين أمثال سيّدي الشّاذلي وسيّدي الشّعراني وسيّدي العلوي وسيّدي الهاشمي رضي الله عنهم كلهم وقع عليهم الإنكار والطعن والحسد, وقد طرحت الطريق هؤلاء المنكرين طرح النّوى حتى غدا اجتماع الشّيخ خاليــا من المكدّرات والفتن وأصحاب المآرب والمناصب ممن لا يدركون عظم هذه الأمانة, وصار مضربا للمثل بين الصوفية حيث التزام أتباعه بالكتاب والسنة وحيث النظام والأدب والأخوة.وكما قال سيّدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه عندما سئل عن كتبه, قال : "كتبي أصحابي".
زوج الشّيخ رضي الله عنه وأنجب ذريّة كبيرة منهم من سكن في اربد ومنهم في خارجها, نخص منهم بالذكر نجله الأكبـر الشّيخ "محمّد عارف" رحمه الله تعالى الذي كان منشــدا في حضـرة والده من أهل الأدب والعلم والخصوصية كما وصفه الإخوان , قدّر الله وفاته رحمه الله قبل والده بسنوات في حادث سير قبيل دخوله المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام حيث كان متوجها لأداء العمرة مع رفقة له ودفن في البقيع, وقد حزن عليه الشيخ رضي الله عنه مع تسليمه بمراد الحق جل جلاله, تراجعت صحته رضي الله عنه بشكل كبير مع ما كان يكابده قبل ذلك من أمراض وأوجاع مثل السكري والضغط والكبد وما أصابه من جلطات متعاقبة, أخبر أحد الإخوان الذين عاصروا تسلم الشيخ رضي الله عنه لخلافة الطريــق بأن الشّيخ كانت لحيته سوداء حالكة فما لبثت سنوات حتى صارت بيــضاء لما تحمله من حسّاده وخصومه الساعين بالفتنة والفساد والطعن والتشكيك بخلافته, ومن كان يحضر اجتماعه من منافقي الطريق أصحاب النفوس والمصالح, عدا عما يتحمّله أشياخ الطريــق من أعباء الأمانة والمسؤولية عن قلوب مريديهم وعن أمّة سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم جمعاء فالشّيخ المربي للمريد بمنزلة الأب الشفيق الرحيم بأولاده بل أكثر.
ثم أن الشّيخ رضي الله عنه في أواخر حياته أقعد بسبب ما يعانيه من أمراض فأجاز في حياته وارثه وخليفته ومولانا ودليلنا على الله تعالى الشّيخ عبد الكريم حمّاد عرابي أطال الله بقائه فينا ونفعنا به وهو من آل البيت الكرام, وأخذ عليه العهد بحمل الأمانة ونشر هذه الطريقة فقام بذلك خير قيام.
انتقل الشّيخ عبد الكريم المومني قدّس الله سرّه إلى رحمة الله تعالى مساء يوم 28 مايو 1991م عن عمر يناهز 66 عاما أمضاها في خدمة الطريق وخدمة الإسلام والمسلمين ودفن بجوار مسجده الذي قام بإنشائه ووافته المنية قبل افتتاحه (مسجد الإمام أبي القاسم الجنيد رضي الله عنه), رحمه الله وجعل الجنة مثواه, آمين.
تعليقات
إرسال تعليق