الشيخ العلاوي والإدارة الفرنسية

ذات يوم استدعى الوالي العام الفرنسي الشيخ العلاوي, فلما أذن للشيخ بالدخول, استقبله بوجه عبوس والغضب يظهر على وجهه رافعا صوته قائلا في حال من عنف وتهديد وتهكم :
- لقد بلغني من مصادر موثوق بها لدينا أنكم الإمام المهدي المنتظر.

فسكت الشيخ العلاوي ولم يجبه, فسأله الوالي العام :
- لما لا تجيبني.

فرد عليه الشيخ العلاوي قائلا :
- إنك الآن في حالة غضب وليس في بالك إلا قول الوشاة, وأنا لا أستطيع أن أمحو هذه الصورة السيئة من ذهنك إلا إذا رجعت إلى إنسانيك, ورجعت لك حكمتك لتفصل بيني وبن هؤلاء الوشاة.

فأردف الوالي قائلا في هدوء :
- تكلم فإني أسمع لك بكل تبصر وحكمة.

فسأله الشيخ العلاوي :
- وماذا سيفعل المهدي المنتظر؟

فأجاب الوالي العام قائلا :
- يقتل ويسجن  كل من خرج عن طاعته.

فقال الشيخ العلاوي :
- إن كانت هذه  مهمة المهدي المنتظر, فأنتم السيد الوالي العام الإمام المهدي المنتظر, لأن لكم جميع الوسائل لتقتلوا وتسجنوا جميع من خرج عن طاعتكم, وأما أنا المفتقر إلى الله تعالى ذاكرا شاكرا لله, ماذا عساني أفعل وليس لي إلا هذه المسبحة.

ومرة أخرى استدعى الوالي العام الشيخ أحمد العلاوي, ولكن  هذه المرة أراد أن يكتشف حقيقة أمر الشيخ أحمد العلاوي ونواياه, هل يريد بأمره أن يستحوذ على جميع الحركات الدينية الإسلامية لتكون له الزعامة وبعدها تكون له أهدافا أخرى كحشد قوة يطلب بها إمارة أو ملكا. إلا أن الوالي العام كان يظن أن الشيخ العلاوي كسائر المحجوبين الغافلين عن الله الظانين أنه بكثرة العدد وجمع المال تكون لهم قوة قاهرة لا تقهر, لكن حال الربانيين غير هذا.

بعدما أن أذن للشيخ العلاوي بالدخول على الوالي العام, بدأ هذا الأخير بالمراوغة في الحديث كأنه معجب بأمر الشيخ ودعوته المؤثرة في تلامذته وسلوكهم الحسن في السير والمعاملة مع غيرهم, ثم قال :
- إني على يقين من أن المؤسسة  الوحيدة من جميع الزوايا في التربية والتعليم والتوجيه الحسن إلى أعلى  مراتب الإنسانية هي زاويتك وأن جميع الزوايا الأخرى راكدة تجمد عقول الناس وتتعاطى الشعوذة, وجعلت من دعوتها جمع المال وابتغاء الجاه وهذا ما أطلعتنا عليه مصالح مخابراتنا في تقارير مفصلة, ولهذا أستشيرك في غلق جميع الزوايا ما عدا زاويتك, فما هو رأيك؟

فأجابه الشيخ أحمد العلاوي :
- لا تفعل هذا ! وإن كنتم عازمين أيها الوالي العام على غلق الزوايا فأغلقوا زاويتي لأنني على يقين, أنا ومن أتبعني, أن إلهنا لا ينحصر ما بين الجدران, عاملين بقول رسولنا صلى الله عليه وسلم : (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا). إن القداسة عندنا هي قداسة القلب, لأنه محطة لأسرار الرب كما جاء عن رسولنا  محمد صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن الله تعالى : (لا تسعني أرضي ولا سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن), فأنا, ومن اقتدى بي, زوايانا في قلوبنا, وأما الغير فهم أشد تعظيما ومحبة لمحلاتهم التي يجتمعون فيها للذكر و إقام الصلوات وتعليم الدين الإسلامي, وربما إن فعلتم هذا, وهو إغلاق بعض الزوايا كما جاء في حديثكم, فإن فرنسا ستفقد الثقة والمصداقية لدى المسلمين, لأن هذا المبدأ يتنافى مع حرية الأديان وسينجر عنه فتنة وفوضى عارمة, وإن أخذتم برأيي أيها الوالي العام فلا تفعلوا هذا.


المصدر: الضياء اللامع في تعريف منبع النور الساطع للشيخ عبد القادر بن طه الملقب بدحاج البوزيدي.

تعليقات