عبد الرحمن بوعزيز الجعفري - الشهائد والفتاوي (3-10)

الشاهد العاشر من القسم الثالث في سرد جملة من شهادات أعيان الطريقة العلاوية وفقهائها 
في الشهائد والفتاوي. (3-10)
 
فيما أجاب به المرشد الجليل والصوفي النبيل البركة عبد الرحمن بوعزيز الجعفري1 من قرية الجعافرة, ولاية برج بوعريريج, عن سؤال ورد عليه هذا نصه :

بسم الله الرحمن الرحيم

في جمادى الثانية سنة 1342 هـ ( شهر يناير 1924)

ذو الفيض الرباني والمدد الرحماني الشيخ السيد عبد الرحمن بوعزيز عليكم وعلى من اجتمع بكم من المريدين أطيب السلام وأجمل الاحترام هذا أيها الشيخ قد بلغني عنكم أنكم كنتم منتسبين للطريقة الخلواتية وقد حصلتم على الإذن فيها وبعد هذا بلغني انتقالكم لصحبة الشيخ السيد أحمد بن عليوة المستغانمي وإنكم الآن من أخص أتباعه وبما أن بعض الناس استشكلوا ما بلغهم عنه من المنكرين ظهر لنا الرجوع إليكم في تحقيق النوازل ولعلمنا أنكم لا تكتمون الشهادة التي حرم الله كتمانها فما هي شهادتكم في هذا الرجل اخبرونا بارك الله فيكم بلا عصبية قاصدين في ذاك وجه الله نصيحة في ذات الله وحسابكم على الله إن أخبرتمونا عن شيء أنتم فيه على غير بصيرة وحاشاكم من ذلك إنما ذكرنا هذا توقية للمقام والسلام والجواب ينتظر مع حامله والسلام من خديم النسبة الإلهية محمد بن عبد الباري الشريف التونسي.

الجواب :

بسم الله الرحمن الرحيم

في 7 رجب سنة 1342 هـ (13 فبراير 1924)

حمدا لمن جعل الذكر مفتاحا لباب حضرته وأجلى سحاب الوهم عن بصائر أحبابه وأزال الشك والارتياب عن قلوب أوليائه وصلاة وسلاما على أشرف مظاهر الوجود وعلى آله أولي الكرم والجود هذا وإنه وصلنا مكتوب من طرف أخينا وصفينا في الله ولي الله الشيخ سيدي محمد بن عند الباري عليكم منا جميل السلام ومن جهة ما أردتم منا أن نؤديه لكم من الشهادة فيما علمناه من أحوال الشيخ سيدي أحمد بن عليوة المستغانمي فإن غاية ما يكون عليه الجواب قي هاته النازلة أن نبسط لكم شيئا من أطوار حياتي باختصار ومنه يتضح لكم من أمر المسئول عنه ما يكون فيه الكفاية إن شاء الله.

كنت منذ الصغر أتشوق لأخبار الصالحين ولمن يسمعني عنهم حتى ألهمني الله أن أبحث عمن انتهت إليه أسرار التربية من أهل عصرنا وكان من حسن التفوق أن لا نتقيد2 بطريق إذا لم يكن صاحبها يملك من السر شيئا أو ملك ولم يستطع أن يملكه غيره لأني كنت لا أميز بين طريق وأخرى بل كل من يوجد لديه هذا الفن فهو بيت القصيد وقد درجت على هذه الحالة حتى ذات يوم ذكر لي عن بعض المشايخ بمدينة بجاية فقصدته وأخذت عليه بعد ما اشترط علي جملة من الأوراد اليومية فالتزمت بذكرها وبعد مدة زمنية أمرني بصيام الدهر واكل خبز الشعير بالماء فقط فبقيت أيضا على ذلك إلى أن لقنني الأسماء السبعة المعروفة في الطريقة الخلواتية وبعد أيام قلائل أمرني بالتصدر للإرشاد3 وما سمعت منه ذلك حتى ارتعت فرائصي لعلمي أن مقصودي ليس هو هذا وما بلغت منه سوى إشارات منامية لا علم لنا بتأويلها ولما ذكرت له ذاك انتهرني أن أعود لذكر مثل هذا أمامه أو أمام الأتباع لئلا يشوش عليهم ذلك وعندما سمعت منه هذا علمت في نفسي يقينا أن المتبوع ليس من رجال الشأن الذي اتبعناه عليه وحينئذ فارقت هذا الشيخ وصرت أبحث عمن هو بالصحبة أحرى إلى أن منَّ الله علينا بملاقاة هذا الأستاذ الأعظم مولانا أبي العباس الشيخ سيدي أحمد بن مصطفى العلاوي المستغانمي في أواخر عام 1337 هـ (1919م) بشهر ذي الحجة بواسطة تلميذ من أخص تلاميذه يسمى السيد محمد الشريف الزواوي4 بعدما ناولني كتاب الأستاذ المسمى بالمنح القدسية ولما نزل الأستاذ رضي الله عنه بعرشنا (بقبيلتنا) جددنا عليه العهد بعدما سألني عن حالي فأخبرته بجميع ما كنت عليه فقال لي أن عملك هذا كله يضاعف لك إن شاء الله لأنك قصدت به وجه رب العالمين وبعد ذلك لقنني الذكر الخاص بكيفيته المعروفة عند أهله وأجاز لي أن أذكره أينما تيسر لي خلوة أو جلوة ومكث ببلدنا ثلاثة عشر يوما فدخل على يده في طريقته نحو ألفين بين رجال ونساء وشبان وبعدما رجع لبلده رضي الله عنه قصدته فأمرني أن أدخل الخلوة فمكثت فيها ستة أيام وكان منها ما كنت أترجاه من قبل من جهة التشرف على ما كان عليه أكابر القوم رضوان الله عليهم فحمدت الله على هذه النعمة وهكذا حصَّل عليها الجَّم الغفير من أهل قطرنا الزواوي ما يزيد على الستة ألاف نسمة5 زيادة على من بقي مقتصرا على عهد التبرك ولم يطلب الزيادة لله وإلى الآن لا زال الناس يدخلون هاته الطريقة أفواجا, أفواجا, وعدد المتصدرين للإرشاد من إخواننا لا يحصى كثرة6 ومذهب الشيخ أن لا يتصدر أحد إلا بعد تصفية باطنه وتنوير بصيرته وإلا فلا يأذن له الأستاذ في ذلك (وهنا التفت فضيلة الكاتب إلى جماعة المغرضين ونصحهم أن لا يتمادوا على ما كانوا توهموه في هاته الطائفة حيث اتضح لديهم أنها على خلاف ذلك. أورث الله الناصحين خيرا والمنصوحين عملا, ثم قال: ) والسلام من صديقكم عبد الرحمن بن الحسن أبي عزيز الجعفري كان الله له أمين.

وقد قام ببناء زاوية بقرية الجعافرة والتي تبرّع بأرضها محمد الشريف بن الحسن الزواوي، فأصبحت تلك الزاوية مدرسة تذكيريّة تدعو الناس إلى سلوك الطريقة، ومعرفة الله الخاصّة، حيث انتشرت الطريق انتشارا هائلا، حيث استبدلت صرخة البارود في جوف الليل بذكر اسم الله الأعظم، فأصبح أهلها إخوانا على سرر متقابلين. لا نعلم تاريخي ميلاده ووفاته, فرحمه الله وجعل الجنة مثواه, آمين.

رؤية بعض فقراء سيدي الشيخ عبد الرحمن بو عزيز رضي الله عنه عن الشيخ العلاوي:
قال: "ذكر لنا بعض الفقراء أنّه رأى القمر منشقّا على نصفين، ثمّ نزلت منه لوحة معلّقة بالسلاسل، وما زالت تدنو من الأرض حتى لم يبق إلاّ مقدار يسير، وإذا بالأستاذ العلاوي رضي الله عنه ظهر من أعلاّها، ومعه سيدنا عيسى عليه السلام، فقام المنادي ينادي إنّ كلّ من أراد أن يرى عيسى عليه السلام مع الأستاذ الأعظم فها هما قد نزلا من السماء فليأت مسرعا، فرجّت الأرض بأهلها رجّا، واجتمعت الخلائق كلّها، وطلبوا الركوب مع الأستاذ على تلك اللوحة، فقال لهم امكثوا فسنرجع إليكم".

سنة ولادته غير معروفة لدينا أما وفاته رضي الله عنه ففي سنة 1374هـ (1954م).

____________________
تعاليق محمد بن البشير الجريدي:

  1. أقول إن فضيلة المشار إليه من أجَّل المشايخ بأرض القبائل, ذو زاوية عظيمة بعرش الجعافرة عمالة قسنطينة, أما فضيلته فقد ظهرت عليه بركة النسبة ظهورا بيِّنا بمجرد التعلق بها والعمل بمقتضاها والإذن له في الإرشاد فقد انتشر ذكره وطار صيته وأقبل عليه الناس أفواجا للاشتغال بالذكر والانفراد في الخلوة حسب ما أذن له بذلك وقد بلغنا أن الخلوة كانت عنده لا تخلو من نحو خمسين أو ستين رجلا منقطعين للذكر إلى أن بلغ عدد المتخرجين منها على يده ما يقرب من ستة آلاف. أما أهل التبرك فلا يحصون لكثرتهم وهذا هن فضل الله عليه وعلى الناس أما الرجل فلا يرى فيما ظهر عليه إلا متواضعا حسبما كان يرى بين الفقراء كأحدهم لا يمتاز عن اللفيف إلا بما لا بد منه وبالجملة إن تأثير هذه النسبة في تابعيها لا ينكر وجوده إلا مكابر أو جاهل بطريق القوم. 
  2. هذا لمن يروم الغاية من طريق القوم العارف بما وضعت الطريق من أجله أما المتقيد بالألقاب فلا يحسن فى نظره ذلك ولربما يراه من الخرق وهو حقيق بأمثاله بما أنه حمل الطريق على غير محملها ودخل البيوت من غير أبوابها ألهمنا الله و المسلمين آمين. 
  3. وهذا من الأغاليط الفادحة التي يرتكبها بعض المشايخ ظنا منه أن من سلك ذلك السبيل بعد الأسماء وما هو من ذلك القبيل حصل على نصيبه من طريق القوم حتى كأن الطريق عندهم لا تبنى إلا على شبه ذلك ولم يعلم ان جميع الأذكار وما يشاكلها إنما هي مجرد قربات ووسائل أما المقصود فمن وراء ذاك. 
  4. ابن الحسن الجعفري ولنذكر نبذة من ترجمة هذا الرجل بما له من المزايا فإني قد رأيت من اللازم التنويه بشأنه ليعلم القارئ ما عليه أفراد هاته النسبة وقبل ذلك أقول إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء من عباده. كان فضيلة المشار إليه قبل قبوله على الأستاذ من أرض القبائل, عريقا في الأمية, لا يعرف شيئا أكثر من العمل البدني مع بعض سور قرآنية كان حصَّل عليها في صغره, فاستأذن الأستاذ في المكوث عنده بالزاوية بقصد التجريد فأذن له, فقام يسقى الماء للفقراء نهارا والاشتغال بذكر الاسم الأعظم ليلا منفردا إلى أن أخذت مرآة باطنه في الصفاء وكان من أحسن الفقراء معاشرة غير أنه كان يرى أبعد من أن يتصدر مثله للإرشاد. وبعد ما مرت عليه الأعوام بالزاوية أخبر الأستاذ ذات يوم أنه رأى في المنام كأنه وجد صندوقا وعندما فتحه خرج منه إنسان وإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم, فالتفت إليه قائلا: فضحتني فضحك الله بالنور الذي لا يطفأ", وبعدما قصها على الأستاذ أحدثت فيه تأثيرا وعند ذاك قال له: "اذهب لوطنك وأرشد الناس بما تعلم أنه صواب وبما علمك الله وإني ما أراك إلا مؤيدا منصورا فيما تدعو إليه", فخرج في ذلك الحين من الزاوية وكان كلما مر على قبيلة من القبائل ودعا أهلها للانتساب والرجوع إلى الله إلا وانقادوا إلي الله ذكرانا وإناثا. وهو السبب الوحيد في نشر النسبة العلاوية في أرض القبائل وقد عمل بإرشاده علماء أجلة وإني رأيتهم إلى أن يعترفون بالجميل ومنهم فضيلة الكاتب المشار إليه ومن خصال هذا الرجل التي هي أحرى بالذكر أنه السبب الوحيد في فتح زاوية بمدينة باريس بفرنسا مع رفيق له السيد الأخضر بن عمروش, وهذا ما تأتى لي ذكره من ترجمة هذا الرجل الجليل. 
  5. يعنى بذلك من حقق ما أسست الطريقة من أجله ولا شيء أكثر من معرفة الله على طريق الخصوص مع اكتساب الأخلاق الكريمة والسجايا السليمة والعمل بالسنن المأثورة وكفى بها نعمة يشعر بها من حصل ولو على الأقل منها ولهذا ترى أفراد هاته الطائفة يبالغون في الاعتراف بفضلها عليهم. أما من لا خبرة له بما حصلوا عليه فيها فلا يرى ذلك منهم في الغالب إلا من طريق التهافت على غير طائل. 
  6. لانتشارهم في الأقطار النائية والقريبة وقلَّ أن تجد قرية أو دشرة خالية من أفراد هاته النسبة ونعني بهم المرشدين المتصدرين ولولا خشية الإطالة لذكرت من أسمائهم ما يفوق حد الكثرة ممن عرفناه وأخرى من لم نعرفه منهم.

تعليقات