الشاهد السادس عشر من القسم الأول في سرد طائفة من شهادات ذوي الهيئات الشرعية والمراتب الدينية الرسمية في كتاب الشهائد والفتاوي. (1-16)
هذه الشهادة مستفادة مما كتبه الأديب الغيور, فضيلة الشيخ السيد إسماعيل بن مامي 1, نائب مدير جريدة النجاح في عددها 133 عندما اجتمع بالأستاذ 2 وزار بعض زواياه بالقطر الجزائري في جولته عام 1342هـ, 1923م.
قال بعد كلام طويل...3
أما مريدو الشيخ العلاوي الذين اجتمعت بهم, فكلهم يمثلون الوطنية الحادة والغيرة على الدين والوطن 4, سواء بمستغانم أو بتلمسان أو بغليزان أو بوهران, وقد نزلت بزاويته بتلمسان فلم أرى من المريدين إلا مواظبة الأوقات 5, وأحيانا يسهرون للقصائد 6 بغاية الرياضة كسائر الزوايا والطرق, وهم مقبلون على أشغال معاشهم 7... إلى أن قال...
وكفى بجريدة "لسان الدين" 8 شاهدة على ما أسلفنا في وصف المبدأ العلاوي, على أن الشيخ له فضيلة أخرى 9 وهي إنقاذه لمئات الآلاف من القبائل الذين استحوذت عليهم جمعية "الآباء البيض" ببلاد زواوة والحمامات وغيرهما, فتحصحص من هذا 10 أن الشيخ بن عليوة صاحب طريقة وأن زواياه كسائر الزوايا وأن مريديه كسائر المريدين, وأن الشيخ له فضل إنقاذ المغرورين بـ "الآباء البيض". وقد أسلم على يديه أخيرا فرنساوي يسمى السيد "طبي" 11, كان صحافيا بوهران وفيلسوفا كبيرا, وتسمى بعد الإسلام بعبد الرحمن, وقد مات أخيرا وشيعت جنازته في مشهد عظيم 12 وصلى على جنازته الشيخ بن عليوة ودفن بمقبرة المسلمين, والقى خطبة على نعشه حضرة الأديب السيد عدة بن تونس 13, كان لها وقع عظيم في نفوس الحاضرين, وعلقت على إسلامه جرائد الإفرنج ما علقت, وأحسن ما قالت إحدى الصحف هذه الجملة: إن السيد "طبي" وضع على رأسه العمامة عندما تجد المسلم يضع على رأسه البرنيطة بافتخار" 14.
هذه الشهادة مستفادة مما كتبه الأديب الغيور, فضيلة الشيخ السيد إسماعيل بن مامي 1, نائب مدير جريدة النجاح في عددها 133 عندما اجتمع بالأستاذ 2 وزار بعض زواياه بالقطر الجزائري في جولته عام 1342هـ, 1923م.
قال بعد كلام طويل...3
أما مريدو الشيخ العلاوي الذين اجتمعت بهم, فكلهم يمثلون الوطنية الحادة والغيرة على الدين والوطن 4, سواء بمستغانم أو بتلمسان أو بغليزان أو بوهران, وقد نزلت بزاويته بتلمسان فلم أرى من المريدين إلا مواظبة الأوقات 5, وأحيانا يسهرون للقصائد 6 بغاية الرياضة كسائر الزوايا والطرق, وهم مقبلون على أشغال معاشهم 7... إلى أن قال...
وكفى بجريدة "لسان الدين" 8 شاهدة على ما أسلفنا في وصف المبدأ العلاوي, على أن الشيخ له فضيلة أخرى 9 وهي إنقاذه لمئات الآلاف من القبائل الذين استحوذت عليهم جمعية "الآباء البيض" ببلاد زواوة والحمامات وغيرهما, فتحصحص من هذا 10 أن الشيخ بن عليوة صاحب طريقة وأن زواياه كسائر الزوايا وأن مريديه كسائر المريدين, وأن الشيخ له فضل إنقاذ المغرورين بـ "الآباء البيض". وقد أسلم على يديه أخيرا فرنساوي يسمى السيد "طبي" 11, كان صحافيا بوهران وفيلسوفا كبيرا, وتسمى بعد الإسلام بعبد الرحمن, وقد مات أخيرا وشيعت جنازته في مشهد عظيم 12 وصلى على جنازته الشيخ بن عليوة ودفن بمقبرة المسلمين, والقى خطبة على نعشه حضرة الأديب السيد عدة بن تونس 13, كان لها وقع عظيم في نفوس الحاضرين, وعلقت على إسلامه جرائد الإفرنج ما علقت, وأحسن ما قالت إحدى الصحف هذه الجملة: إن السيد "طبي" وضع على رأسه العمامة عندما تجد المسلم يضع على رأسه البرنيطة بافتخار" 14.
__________________
- لم نجتمع بفضيلة المشار إليه ولا بمن يعرفني بترجمته غير أن الذي يعطيه الفهم ما كتبه أن فضيلته يدين بالإنصاف, يسره إثبات الحقيقة على وجهها الخاص وإلا لما تأنى له أن يأتي بنقيض ما أثبته بالأمس وما ذلك إلا لعلمه بأن الرجوع إلى الحق أولى من التمادي على الباطل, وهذه الصفة عزيزة أن توجد في كل كاتب, والملخص من هذا والذي يظهر أن جريدة "النجاح" الغراء لم تتعمد على ما ارتكبته من قبل, ولهذا لما أطلعت على الأمر من أصله بواسطة نائبها لم تبالي إن تغضب المغرضين بما صرحت به من أن الأمر وجد على خلاف ما أعتقد في شأن الشيخ العلاوي المستغانمي ونحو هذا مما سيؤخذ مما صرح به فضيلة الكاتب.
- وقد بلغنا عن فضيلته أنه كان في اجتماعه بالأستاذ رضي الله عنه على غاية ما ينبغي أن يكون عليه من جهة وفور الاحترام وإعطاء ما يناسب المقام, أما الآن فقد تمهدت سبل المواصلة بينه وبين الأستاذ حسبما تدل عليه بعض المكاتيب, من ذلك رسالته التي كتبها للشيخ في هذا (الشهر) الأخير, وبما أنها كافية في إظهار ما عليه صاحبها من جهة الاحترام القلبي والميل الروحي نحو الأستاذ, استحسنت نشرها هنا ليعلم القارئ ما صار إليه أمر صاحب "النجاح" وهذا نص الرسالة التي بعثها إسماعيل مامي للشيخ العلاوي: قسنطينة في 1 أوت سنة 1924م - الملاذ الأكبر, الحجة الإمام, المربي الهمام, الشيخ سيدي أحمد بن عليوة, حرسكم الله, بعد السلام والرحمة الدائمين, والسؤال عن كافة أحوالكم والسادات الفقراء والأقارب أجمع.. أقول تشرفت إدارتنا برسالتكم الميمونة, وقد ذكرتنا في السويعات التي قضيناها بين أعتابكم الطاهرة الشريفة, وما رغبه منا مقدمكم السيد عدة بن تونس فما هو إلا واجب نحو جنابكم وخدمة لزاويتكم العامرة وغسل لما مر في العصور المظلمة (يعني بها مدة خوض الجريدة فيما لا يليق بجناب الشيخ وأتباعه) لا أعادها الله, وآخرا شكركم على خدمتكم وقيامكم بنشر الدين ولو كره الكافرون بنعمتك, كما يشكرك رفيقي السيد عبد الحفيظ, المدير, والسلام على جملتكم, الداعي إبنكم مامي إسماعيل. اهـ. تمعن أيها القارئ وتأمل في هذه الرسالة, فلابد أن يتبدى لك من خلالها ما يبرهن على عقيدة صاحب "النجاح" في الشيخ رضي الله عنه وتعظيمه لجنابه, كما يظهر أيضا من الرسالة جليا أنه قد ندم على ما كان منه حتى صار يتمنى اليوم ويقصد غسل ما كان لوث به العرض العلاوي بالأمس, وهذه غاية في الاعتراف بالجناية, وهذا لابد أن يجبها إن شاء الله, بما أن الاعتراف بالذنب في الغالب يغفره.
- ومن ذلك ما قاله: "وبعدما سكت الشيخ سألته عن الأبيات التي بالديوان وهي: إن مت بالشوق منكد, ما عذر ينجيك, إن تبقى في هجري زائد, للمولى ندعيك, من هو بالملك موحد, ينظر في أمرك, عبس بالقول تساعد, ما نرجوه فيك". فقال لي: "لكل شيء سبب, وسبب تلك الأبيات أني كنت ذات يوم في اشتياق عظيم للنبي صلى الله عليه وسلم وفي حالة غير ما تشاهدني الآن, فأخذتني سنة, فرأيت كأني أخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بتلك الأبيات وهو في تدلل وترفع عني, وأنا في افتقار وتذلل له, فلما انتبهت, رسمتها (كتبتها) في كنشي, ثم حكيت القصة لرفيق كان مرافقا لي, فقال: "لا بأس بإثباتها بالديوان والنص عليها" إلى أخره" اهـ. ويشبه هذا ما ذكرته جريدة "لسان الدين" بعددها الثالث حيث جاء فيها: "إن هذه المسالة جرت له في النوم مع النبي صلى الله عليه وسلم, فقام على إثر رؤياه في الليلة نفسها فسبك المحاورة بعموم ألفاظها حسبما صدرت في النوم وقصته مشهورة بين خواص أتباعه, وعليه فهل يكون صدور شبه الأداء الذي هو بغير اختيار وفي النوم أيضا معدودا من قبيل الإساءة؟ اللهم إلا إذا كان من قبل نشره أو عدم التنبيه عليه, وبالجملة إن العمد في هذه النازلة لا يتصور بحال, والحكم لا يتوجه على الفاعل إلا مع القصد.
- قلت وهذه التصريحات من فضيلة الكاتب جديرة بالاعتماد عليها في الدلالة على ما جبلت عليه أفراد هذه الطائفة من الغيرة على الدين والاهتمام بشأن الإسلام, وفي ظني أن فضيلة الكاتب ما ذكر ذلك إلا بعد محاكاة الأفراد وتمحيص ما هم عليه في جميع البقاع التي حل بها, فوجدهم على خط مستقيم بالوصف الذي ذكر, وفي ظني أن ذلك لم يوجد في عمومهم على سبيل الاتفاق بدون أن يكونوا استفادوا من تعليمات الأستاذ لهم, وان كان كذلك فمن يرغب عن هذه التعليمات المحتاج لها في هذا الجيل وفي هذا العصر وفي هذا الوطن.
- وفي ظني أن غاية ما يوصف به المؤمن من أفعال الخير مواظبته على الأوقات, بما أن "الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا" النساء:103, "وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ" البقرة:45.
- أقول قد يكون ذلك مع تعميرها ببعض الأذكار والمذكرات, وأكثر الزوايا العلاوية لها دروس ليلية لتعليم الأتباع ما يحتاجونه من أحكام دينهم, ولهذا تجد المريد في أغلب المدن يحقق ما يجب عليه من ضروريات الدين, ولربما يجيبك عما يعجز عنه غير الأمي (كما وقع ذلك فعلا) وكل ذلك بما يمارسونه من الأحكام بالمذاكرة زيادة على الدروس.
- وهذا خلاف ما يشاع عند من لا خبرة له من أن الكثير من أفراد الطائفة العلاوية يضيعون أمور معاشهم, أما في الواقع فلا نراهم إلا أضبط الناس لشؤونهم, بل ويصرحون بأنهم استفادوا من بركة النسبة ما زاد في شؤونهم المادية فضلا عن استقامتهم الدينية, ولا واحد منهم إلا ويقول: "ما توفرت ماليتي وحسنت معاملتي إلا بعد تعلقي بذيل هذه النسبة" مع أن ذلك لم يكن في نيتهم ولا هو من مقاصد عامتهم فضلا عن خاصتهم, نعم لا يبعد أن يكون هناك من أحدثت فيه الأذكار بعض التأثيرات حتى أخرجته عن مألوفه غير أنه لا يلبث طويلا حتى تعود به العناية لمركز الاعتدال والحفظ المعتمد عليه في طريق القوم.
- إن صح عند فضيلة الكاتب صدور جريدة "لسان الدين" يمثل المبدأ العلوي فيكون ذلك المبدأ اذا جديرا بالاحترام عند كل مؤمن قوي الإيمان وبالخصوص عند من أمعن النظر في مرمى الجريدة وتتبع فصولها الافتتاحية, فلا جرم تكون عنده آية في بابها شاهدة بالفضل لكاتبها كما اعترف بذلك أكثر البلغاء بمن وقعت في يده الجريدة, وما كان ليعلم أرباب الصحف أن جريدة "لسان الدين" هي من آثار العلاويين وإلا لقدروا الطائفة حق قدرها بموجب مدحهم للجريدة وتحبيذهم لسلوكها حسبما جاء في جريدة "مرشد الأمة" الغراء وما انتقدت من سلوك جريدة "لسان الدين" إلا انتصارا للشيخ العلاوي, قالت في بعض أعدادها بعد كلام تحت عنوان "لسان الدين": "والذي ضاعف سرورنا بتلك الرصيفة عند قراءتنا لأعداد منها بإمعان وتدبر, ما وجدناه فيها من الفصول النافعة المحررة بقلم رفيع بأسلوب بديع مما دل على أن في الزوايا خبايا, ثم انتهاجها في الضرب على الوتر الحساس شأن الناقد البصير, وأجمل من ذلك كله صبغتها الدينية ووجهتها الإرشادية ومناداتها في الناس بأن الخير والفوز في التمسك بالدين والأخلاق السلفية لقاعدة (ما من أمة عبثت بأخلاقها إلا وإلتقمها الفناء والزوال) غير أن الذي أغربنا بنوع خاص من فصول جريدة "لسان الدين" فصل متتابع تحت عنوان "مسالة الشيخ العلاوي المستغانمي" منسوب لفقيه إلى أخره..." اهـ. قلت لا شك لو اتضح لدى فضيلة هذا الكاتب أن الذي ضاعف سروره هو أثر من آثار العلاويين وإن القلم الذي زاد في ابتهاجه هو أحد أقلامهم المستمدة من تعاليم أستاذهم لكان هو أول مدافع عن هاته النسبة, ويستفاد ذلك من اعترافه وتحبيذه لسلوك الجريدة ولاستحالة الجمع بين المدح ونقيضه, ولكانت عنده جريدة "لسان الدين" حجة كافية في اعتبار شأن العلاويين وحسن مباديهم على ما يقتضيه الإنصاف.
- وفي ظني أن لو ثبت هذا الوصف المشار إليه لأي مؤمن كان, بل لو ثبت عشر معاشره لكان كافيا في الدلالة على جلالة المتصف به, وإن مازجته بعض الشوائب على تقدير فكيف والحال أنه قد ظهر ذلك الوصف بجميع معناه خاليا عن الشوائب زيادة على ما تحف به من الخصال, ومن الغريب ألا تكون هداية مئات الألوف دالة على صدق مهديها, والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس".
- أقول وان كان الإنصاف عزيزا فهو في أرباب الجرائد أعز, وقد انتصفت هذه الجريدة الغراء وغسلت بعددها هذا ما لوثها به المغرضون من قبل, وقد هنأها بعض الجرائد, ومن ذلك ما وقفت عليه في جريدة "التقدم الجزائري" في أحد أعدادها.
- أقول إن من أسلم على يده ليس المشار إليه بانفراده وإنما خصص بالذكر بمكانته بين أفراد جنسه, وقد أسلم أيضا على يد البعض من أتباعه الكثير, وقد كنت وقفت على رسالة جاءت من فرنسا يقول فيها مريد له أنه أسلم على يدنا 22 نفسا بين ذكور وإناث.
- وقد كانت جريدة "التقدم الجزائري" بسطت القول فيما يتعلق بهذا المشهد في عددها العاشر (10) تحت عنوان "صحافي فرنساوي مات مسلما" قالت ما نصه: جاءتنا من مدينة وهران الرسالة التي تلي: كان هذا الرجل المسمى في أصله الفرنساوي السيد "طبي" وتسمى بعد إسلامه بالسيد "عبد الرحمن" فهو أعظم فيلسوف يعتبر ببلد وهران, ومما عرف به حب الخير لعموم البشر, وقد زادت رقته على الضعفاء وملاطفته لهم وبالأخص على المسلمين, فقد كان يقتحم الصعوبات من أجلهم لما يراهم فيه من النكبات, لا لغرض دنيوي, وقد أداه اجتهاده في الأيام الأخيرة إلى أن يترك الأفكار السياسية ويشتغل بما يعود عليه بالصلاح في نفسه, وبعدما جال في العلوم الرياضية وكذا الأخلاقية لم يوفق إلى ضالته المنشودة إلى أن اجتمع بالأستاذ العارف بربه الشيخ السيد أحمد العلاوي المستغانمي, فقضى معه أوقاتا في نكت هي أحرى بالبحث عنها, فاستفاد من ذلك بغيته, وهكذا كان يلهج بذكر هذا الرجل ويقول "لو كان في الوجود من مثله جماعة لارتفع الخلاف من جهة المعتقدات الدينية" ولا دليل أقوى على ميله واعترافه من اعتناقه الإسلام على يد الشيخ المذكور وباختصار أنه دام على صحبته والعمل بإشارته إلى أن انقضى أجله وختمت أنفاسه على كلمة التوحيد, فشيعت جنازته في محفل يهتف أهله بالأذكار تتقدمهم الطائفة العلاوية على هيئة نظامية تروق للناظرين, ولا عجبا إن قلنا هي الجنازة الوحيدة التي مرت بتلك الصفة في مدينة وهران هيبة واحتراما, وقد اعتنى بذلك البعض من أعضاء المجلس البلدي إلى أن وضعت الجنازة في مقبرة المسلمين حسب وصيته, ثم تقدم للصلاة عليه السيد أحمد العلاوي المستغانمي ومن ورائه صفوف المصلين الذين غصت بهم قاعه المقبرة, وبعد الدعاء والتأمين ألقى حضرة الأديب السيد عدة بن تونس خطابا بليغا, وقد ضاق نطاق الجريدة عن نشره, ثم وري الفقيد التراب, رحمه الله رحمة واسعة, وهران في 5 ربيع الأنور سنة 1342هـ, الثلاثاء 16 أكتوبر 1923م.
- أقول إن فضيلة المشار إليه (عدة بن تونس) هو أحد أعيان الطائفة العلاوية وأخص رجالها, وهو المقدم المقيم الآن بالزاوية العلاوية بمستغانم, وهذا نص الخطاب الذي ألقاه ونقلته جريدة "التقدم الجزائري" فيما بعد وأدرجته في عددها الحادي عشر (11) تحت عنوان "خطبة السيد عدة بن تونس على جثة المرحوم عبد الرحمن طبي", الحمد لله الذي أنزل في كتابه المصان ذلك الكتاب المسمى بالقرآن, "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ" آل عمران:64, والصلاة والسلام على من جاء بالتوحيد الحق والتسوية بين أفراد الخلق, القائل "لا فضلا لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي إلا بتقوى الله" وعلى آله وأصحابه ومن سار على سيره وحذا حذوه, أما بعد... فيا أيها الحاضرون لهذا المحفل الجليل نستسمحكم بإلقاء كلمة وجيزة في شأن هذا الرجل الملقى على نعشه من بينكم المدعو سيدي عبد الرحمن طبي غفر الله له وللمؤمنين, كان والله صادق العزائم, محب للخير وأهله, عاش حينا من الدهر يسعى فيما كان يظهر له أنه الحق, وكل يؤجر حسب نيته, وفي الأخير توفق لأن يبحث عن النكت الهامة من القرآن عسى أن يطبقها على ما كان يعرفه من الإنجيل المعظم إنجيل عيسى عليه السلام لكي يطرق الحق من بابه, فاجتمع بأناس كثيرين في هذا الغرض وراجع مؤلفات متفرقة, فلم يتوفق حسب ما أخبر به حتى اجتمع بالأستاذ العارف الشيخ أحمد العلاوي المستغانمي أطال الله بقائه منذ عشر سنين, فألقى عليه ما أهمه وما كان يختلج بضميره من وجوب تطبيق الكتب على بعضها مهما كانت من عند الله, فحصل له ببركة ذلك الأستاذ ما كان يأمله, وتمكن منه أن يقول إن القرآن حق وأنه جاء ليعضد بقية الكتب السماوية وإنه صالح لأن يعمل به العالم أجمع, ثم أوجب على نفسه العمل به بعدما طلب من الأستاذ أن يديم الصحبة معه, فقبل ذلك منه غير أنه اشترط عليه أن لا يتداخل في السياسة لأن الرجل كان مستغرقا فيما ذكر, وكفى أنه كان صحافيا بما أن مذهب الشيخ العلاوي ينافي الأغراض السياسية, فتقبل منه ذلك بقبول حسن واشتغل بعد ذلك بتصفية باطنه على مصطلح الحكماء, وكل ذلك لم يمنعه عن السعي في جلب النفع لأمته, أعني الفرنساوية, فألقى أسئلة عشرة على الأستاذ المذكور, أعني الشيخ سيدي أحمد العلاوي, كتابة وطلب منه أن يجيبه كتابة ليترجمها إلى اللسان الفرنساوي, ومن سوء الحظ لم يتم ذلك ولا طالت حياة السائل, هذا ما عرفناه من سيرته على سبيل الاختصار, فلندعو الله له بالمغفرة والقبول وأشكر كل من حضر جنازته وشيع نعشه وبالأخص من حضر من الخارج..." إلى أخره ما ذكره من أسماء بعض الأعيان وختم بقوله "وفي الخاتمة أسأل الله أن يرشدنا والحاضرين وأن يوفقنا لما فيه صلاح الدارين" اهـ.
- أقول بئس المفتخر وبئس مثوى الظالمين, والعاقبة كل العاقبة للمتقين, وإني والله قد رأيت الأستاذ يتحسر بما وصل إليه المسلمون من التساهل وارتكاب ما لا تسمح به المروءة فضلا عن الدين وبالأخص في بلاد الأجانب, فلا تجد المسلم يتظاهر فيها إلا بكونه غير مسلم, فيسقط بذلك شرفه وشرف قومه زيادة على ما يستفاد منه من إهانة دينه, وإني قد رأيته يكاتب اتباعه بأرض الأجانب ويبعث من يذكرهم بالمحافظة على حدود الله, فنتج ببركة ذلك ما يستحق الذكر ومن جملته ما بلغنا في هذا (الشهر) الأخير من أن أفراد الطائفة العلاوية فتحوا زاوية بمدينة باريس حسبما قرأناه بجريدة "النجاح" الغراء تحت عنوان "إعلان معتبر" وقد ذكرت جريدة "التقدم" أيضا ذلك تحت عنوان "عمل جليل, زاوية للطائفة العلاوية بباريس", جاءتنا من باريس الرسالة الآتية فبادرنا إلى إدراجها وهي: "سيدي مدير جريدة "التقدم" عليكم جزيل السلام وبعد...المأمول من مكارم أخلاقكم أن تدرجوا لنا في جريدتكم الغراء ما يأتي خدمة للنفع العام, نحن أفراد الطائفة العلاوية الموجودون الآن بمدينة باريس نعلن لإخواننا المسلمين بالقطر الجزائري بأننا فتحنا زاوية بالقسم الخامس بمدينة باريس بالقرب من نهج سان جيرمان, فمن زار العاصمة الفرنسية الكبرى وقصد المحل المومأ إليه, فإنه يجد إن شاء الله ما يستعين به على نحو أداء فريضة الصلاة وما هو من ذلك القبيل, وهكذا يكون المؤمن بأخيه حيثما كان. الإمضاء.. العلاويون بباريس, اهـ. فمن لم يرى أن هذه الأعمال مما يستحسن في نظر الشرع فلا يبعد أن يكون هو ممن يستحسن في نظره نقيضها.
جاء في كتاب "رياض السلوان فيمن اجتمعت بهم من الأعيان للعلامة أحمد سكيرج" وكذلك في كتاب "القلائد العنبرية على المنظومة البيقونية لعثمان بن المكي التوزري الزبيدي" ص29:
إسماعيل مامي بن علاوة ابن عبدي بن الولي الصالح سيدي شبلي دفين قسنطينة الكرغلي التركي أصلا. محرر جريدة النجاح، كاتب مقتدر وهو رجل صحافة وسياسة، من مواليد مدينة قسنطينة في 18 أكتوبر سنة 1899م - 13 جماد الثانية 1317هـ. تلقى تعليمه بجامع الزيتونة بتونس فأخذ بها على نخبة من كبار علماء ذلك الحين كالعلامة عثمان بن المكي شارح التحفة والشيخ صادق النيفر. والعلامة حسونة النيفر، والشيخ عبد الرحمن القيرواني، والعلامة الشهير سيدي معاوية التميمي. اهـ. توفي إسماعيل مامي سنة 1958م رحمه الله وجعل الجنة منزله, آمين.
وجاء في كتاب معجم أعلام الجزائر, ص283:
مامي إسماعيل: متأدب, له اشتغال بالصحافة من أهل قسنطينة, درس بها وبتونس, ولكنه لم يتم تعلمه وانصرف إلى الصحافة مساعدا لمدير جريدة "النجاح" عبد الحفيظ بن الهاشمي. قال الدكتور محمد ناصر: وأظهر نجاحا باهرا لما يتحلى به من مرونة ودهاء, لم يكن له اتجاه معين غير النزعة الانتفاعية المادية, مات بداء الصرع".
تعليقات
إرسال تعليق