الطيب المهاجي - الشهائد والفتاوي (1-07)

الشاهد السابع من القسم الأول في سرد طائفة من شهادات ذوي الهيئات الشرعية والمراتب الدينية الرسمية في كتاب الشهائد والفتاوي. (1-07)
الشيخ الطيب بن إبراهيم المهاجي, مفتي وهران, فقيه ولغوي ومؤرخ جزائري.
فيما أجاب به العالم النحرير الكاتب الشهير فضيلة المدرس بمدينه وهران بالقطر الجزائري الشيخ السيد الطيب بني إبراهيم المهاجي 1 عن السؤال الوارد عليه ما نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه وسلم
يوم الأحد 25 ربيع الأنور سنه 1342هـ, 4 نوفمبر 1923م
العالم النحرير المدرس الكبير ذو المكارم فضيلة الشيخ السيد الطيب بن إبراهيم المهاجي,
عليكم من صميم الفؤاد أزكى سلام يشملكم بمزيد الإنعام, أبقاكم الله رحمة للأنام.
هذا أيها الأخ قد طالما تلجلج ضميري أن أسألكم عما يكون عليه المعول إن شاء الله, وذلك أن الشيخ السيد أحمد بن عليوة المستغانمي, قد بلغكم ما تهورت به بعض الجرائد في أمره, وما علق بعض الطلبة على قوله, ولا شك أنكم ممن اجتمع بهذا الشيخ ومارس بعض أحواله وسمع بعض أقواله, فهل وجدتم في ذلك ما ينكره الشرع أو يستثقله الطبع؟ فإنا متوقفون على ما يستفاد من جلالتكم لنفع المسلمين.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
العلامة الأجل, الأديب الأمثل, الفاضل السيد محمد بن عبد الباري الشريف التونسي, أطال الله بقائكم وأدام علوكم وارتقائكم, وسلام لحضرتكم أسنى وتحيات حسنى, أما بعد...
فإنكم التمستم منا أن نطلعكم على بعض أحوال الشيخ السيد أحمد بن عليوة المستغانمي, أعلم, وفقنا الله وإياك بما فيه رضاه, أن السيد المومأ إليه هو فين ذو أخلاق 2 مرضية وأحوال سنية, هي اعظم شاهد وأدل دليل على صدق دعواه, وإخلاصه فيما هو بصدده لمولاه, إذ الظاهر, كما قيل, عنوان الباطن, ولقد عصرناه المدة المديدة, واجتمعنا به بعد الفرقة المرات العديدة, ولم نرى منه ما ينكره الشرع, ولا سمعنا منه ما يستثقله الطبع, وأهل مكة ادرى بشعابها, بل ما رأينا منه إلا الحث على اتباع السنة, والترغيب 3 في أفعال البر, والحرص على إرشاد العامة إلى ما ينفعهم دنيا وأخرى, وقد هدى الله به خلقا كثيرا, وأنقذ من أودية 4 الضلال بسببه جمًّا غفيراً, وفي الحديث " لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا, خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ" أو ما هذا معناه 5, أفلا يكفيه هذا منقبة؟ ولا يقدم في مرتبته ما أذاعته الجرائد وأشاعته بعض الصحف, وعلق عليه أصحاب المقالات ما شاءوا وشاء لهم الهوى, لأن قصارى القول في ذلك أنها ألفاظ وقعت لهذا المرشد في ديوانه, يوهم ظاهرها خلاف المراد منها, وهذا الإيهام لا عبرة به, عملا بقاعدة قولهم "المراد يدفع الإيراد", وإن لم تعتبر هذه القاعدة على فرض 6 عدم تسليمها, فباب التأويل 7 مفتوح عند من ينظر الأمور بعين الإنصاف ويزن الأشياء بميزان العقل. وقد وقع من أكابر العارفين عند غلبة الحال ألفاظ, أوَّلها من عاصرهم أو من جاء بعدهم وحملوها أحسن المحامل لما رأوه من استقامة ظاهرهم واتباعهم السنة ووقوفهم عند حد الشرع مثل هذا السيد العظيم. فليتق الله أرباب المقالات المنشورة بالصحف في أمثال هذا المرشد ويثبتوا حتى لا يتطرق لهم الخطأ 8 أو ينسب إليهم الغلط.
خديم العلم والعلماء, الطيب بن إبراهيم, المدرس بمدينة وهران.
حرر (لخمس خلون) 5 من ربيع الثاني في عام 1342م, الأربعاء 14 نوفمبر 1923م.
____________
  1. أقول إن فضيلة السيد المشار إليه بمدينه وهران, فهو غير خفي من جهة ما قام به من إحياء العلوم ونشر الدروس بذلك القطر المتعطش لوجود أمثاله, فقد كان, جزاه الله خيرا, يستغرق اليوم بتمامه وشطرا من الليل بين الطلبة في ذلك السبيل إلى أن تخرجت على يده جماعة أحيا الله بأمثاله العباد والبلاد, وهذا زيادة على ما خُصِّصَ به من حدة الفهم وسعة العلم وجودة القلم, قال الأستاذ رضي الله عنه مرة في شأنه: "أنا سيدي الطيب هذا, يعجبني قلمه".  وقد كنت أنا وقفت على بعض تحقيقاته في بعض الجرائد فوجدتها محكمة في بابها, وبالجملة إن الرجل حقيق أن يشار إليه بالعلم.
  2. لا يخفى أن أخلاق الإنسان أشعه عقله, ولا أحد أعرف بالرجل من أهله, ولهذا قال فضيلة الشيخ "أهل مكة أدرى بشعابها", وعليه فلا يسوغ للعاقل أن يترك تحقيقات من يعرف الرجل إلى تخيلات من لم يعرفه, وبالأخص إذا كان العارف به من الخاصة العليا كما دلت عليه هذه النقول التي هي أبعد من أن تطرقها التهمة بحال بالنظر لمكانة أهلها فيبعد أن يتواطأ على ما يتحققون بطلانه.
  3. ويشهد لهذا ما ذكره فضيلة مفتي مستغانم حيث قال: "إنه يرغب في الخير ويحب أن يعمل به", وقد قال فضيلة العارف بالله الشيخ سيدي محمد المدني في نظم له في هذا الباب: "وقد صحبنا هذا الإمام أزمنة * فما رأينا إلا التذكير بالعمل, قاد البرايا وشرع الله مقصده * وتلك ملة خير الخلق والرسل". وعليه, فمن كان معترفا له بالفضل من الأفاضل فهو حقيق بالأفضلية.
  4. وما كانت اعترافات الأجلة بهذا إلا عن يقين يشهد به ما نشرته جريدة النجاح في عددها 133 من قولها على أن الشيخ له فضيلة أخرى وهي إنقاذه لمئات الألاف من القبائل الذين استحوذت عليهم جمعيه الآباء البيض ببلاد أزواوة والحمامات وغيرهما, إلى أخره... وعليه|, فأي شيء يراه المنصف ويعتقده في هذا الرجل مهما صحَّ عنده هذا الخبر, وهل يصِّح صدور الهداية على يد غير المهتدي؟ نعم, إن العقل لا يمنعه, ولكن على غير ما جرت به سنة الله في خلقه, وإلا انقلبت الحقائق, وبالجملة, إن مرتكب القبح في جانب هذا الأستاذ, رضوان الله عليه, قد ارتكب شططا بما تعجَّله من الحكم فيه قبل تحقيق ما يُعْتَمَدُ عليه.
  5. نعم ما استجلبه فضيلة الكاتب في سياق الاستشهاد على أن يكون من صدرت على يده الهداية هو المهتدى, ولما ذكره نظائر وطرق متعددة جميعها تحقق الفضل البيِّن لمن تصدر على يده الهداية, ومن ذلك ما ذكره في الجامع الصغير عنه عليه الصلاة والسلام انه قال: "لَأَنْ يَهْدِيَ اللّهُ عَلى يَدَيْكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ", قال العزيزي شارحه, أي فتصدقت به, قال المناوي: لأن الهدى على يده شعبة من الرسالة, فله حظ من ثواب الرسل", قلت, وهذا في هداية رجل واحد, فما ظنك بمن اهتدى على يده مئات الألاف حسب ما سبق, فما هي إلا منزلة عند الله رفيعة لولا ما يكابده صاحبها من المشاق ويتحملها من المتاعب التي من بعضها ما ارتكبه بعض الكتَّاب في شأنه, وفي هذا الأخير فقد صوَّروا ما شاء لهم الهوى حسب ما أشار ذلك فضيله الكاتب.
  6. وما افترضه فضيلة الكاتب في هذه القاعدة هو من طريق التنازل وإلا فالحق ألا نتصور عدم تسليمها لأنها جاءت تترجم عن أصل بنيت عليه سائر الأصول الدينية وهو قوله عليه الصلاة والسلام "إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى" إلى أخر الحديث... وعليه فتكون نظيرة ما اعتمدوه من قولهم "العبرة بالمقاصد" ومع عدم تسليمها يخشى ما يتطرق الأصل السابق.
  7. وان جاء في بعض الأقاويل ألا يلتمس التأويل إلا في كلام المعصوم, لكن ردَّ هذا القول بما أن غير المعصوم أولى بالتماس المخارج لكلامه وردِّه لما ثبت في الأصل, وعلى هذا جرى أغلب المحققين, ومن ذلك ما أشار له الإمام المقري وموهم المحذور من كلام قوم من الصوفية الأعلام جريا على عرفهم المخصوص يرجع بالتأويل للمنصوص.
  8. وقد يتطرق الخطأ صاحبه في الغالب قبل أن يبلغ به قلمه بما هو كالشتم والسباب, أما المشار لهم فقد انتهت بهم أقلامهم إلى أن كاد أن يكون مدادها مما يستهجن ذكره. "لهم كلام هنا إن شئت تعرفه * فاعرفه منهم ولا تعرفه من قِبَلي". انتهى ما علقناه على ما استجلبه فضيلة هذا الكاتب, ولنعم ما كتب.
____________
ترجمة الشيخ الطيب المهاجي
الشيخ زدور محمد بن إبراهيم المعروف بالطيب المهاجي بن مولود بن مصطفى بن محمد بن مصطفى ابن فريح بن محمد بن إبراهيم بن مفلح بن الكندوز بن أحمد بن أيوب بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن ميمون بن محمد بن عبد الله بن موسى بن عيسى بن يحيى بن عمران بن إبراهيم بن علي بن حسين بن أحمد بن محمد بن إدريس بن إدريس بن عبد الله الكامل بن حسن المثنى بن الحسن السبط بن علي وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولد عام 1300هـ/1882م بقرية اولاد سيدي الفريح المهاجي أو "مهاجة" بمرتفعات القعدة من ضواحي ولاية وهران, وقبيلة مهاجة هي التي أنشأت الزاوية الدرقاوية بجهود الشيخ أبي يعزى المهاجي تلميذ الشيخ مولاي العربي الدرقاوي بفاس. وكان الشيخ الطيب أصغر أنجال والده الخمسة ، فحرص والده على تعليمهم وتحفيظهم القرآن وعلوم الدين. وكان من شيوخه بمسقط رأسه الشيخ محمد بن قدور والشيخ محمد الميلود بن إبراهيم والشيخ عبد السلام بن صالح ثم انتقل إلى ندرومة حيث درس على الشيخ الميلود بوشعيب خريج الأزهر وتلميذ الشيخ عليش وأجازه.
تصدر للتدريس بجامع الزاوية السنوسية سنة 1902م ثم أقام نهائيا بوهران منذ سنة 1912م أين أسس أول مدرسة حرة فيها (طريق هادي حسان -المدينة الجديدة، طحطاحة) لتسمى فيما بعد مسجد الشريفية ودرس فيها مدة تقارب السبعين سنة. ومنذ سنة 1923م التقى عدة مرات بالشيخ أبي شعيب الدكالي المغربي.

سافر المهاجي إلى فاس بالمغرب الأقصى سنة 1927م كما ارتحل إلى تونس في السنة التي تلتها, ثم انتقل سنة 1932م إلى الحجاز لأداء فريضة الحج وهناك تعرف على الشيخ أحمد الشريف السنوسي الزعيم الليبي وقائد المقاومة الليبية حيث كان لاجئا في المملكة العربية السعودية كما التقى العديد من العلماء وأحرز عددا من الإجازات.
الشيخ الطيب المهاجي من المؤسسين لجمعية العلماء سنة 1931م حيث كان عضوا في مجلسها الاستشاري, وكتب الشيخ عبد الحميد بن باديس عن رحلته إلى وهران:
لما وصلنا وجدنا في انتظارنا جما من أعيانها منهم فضيلة الشيخ الحبيب بوخالفة وفضيلة الشيخ الطيب المهاجي وغيرهما. وكانت حفلة الفطور في بيت آل المهاجي الكريم، وكانت حفلة العشاء عند الجمعية الخيرية الإسلامية بمحلها، وكانت حفلة حفلى دعيت إليها طبقات الناس وكنا يومنا الثاني في ضيافة الشيخ المفتي وكنا في كل حفلة من هذه الحفلات نلقي ما يسر الله من الوعظ والتذكير وخصوصا في حفلة الجمعية الخيرية وكان الذي افتتح الحفلة مرحبا بالضيوف بلسان الجمعية العالم الالمعي السلفي الشيخ الطيب المهاجي، وقد رأيت من اهل هذه العاصمة الغربية لقطرنا الجزائري تعطشا للعلم وإقبالا على سماعه ، ولقيت فيها نخبة الفضلاء ذوي المعارف المتعلمين بالفرنسية على جانب من الدين والقومية.    
بانفجار ثورة الفاتح من نوفمبر سنة 1954م وفي اليوم الذي تلاه اعتقل نجل الشيخ الطيب المهاجي وهو قاسم زدور محمد ابراهيم ليتسشهد على طاولة التعذيب بعد ذلك بثلاثة أيام أي 4 نوفمبر وهو أول طالب شهيد في الثورة.
عشية استقلال الجزائر 5 جويلية 1962م جرت عدة عمليات قتل ضد "الأقدام السوداء" وسقط منهم عشرة يهود في مدينة وهران. كان الشيخ الطيب ممن نددوا واستنكروا هذه الأعمال ، ليصدر فيما بعد الرئيس بن بلة حكما بتوقيف المفتعلين.
توفي الشيخ الطيب المهاجي يوم الجمعة 05 شعبان 1389هـ الموافق لـ 17 أكتوبر 1969م ودفن بمقبرة بن مول الدومة بحي البلانتور (les planteurs) بوهران
. رحمه الله وجعل الجنة مثواه, آمين.
مؤلفاته :
- أنفس الذخائر وأطيب المآثر في أهم ما اتفق لي في الماضي والحاضر

- مبادئ الصرف
المراجع
- أنفس الذخائر وأطيب المآثر في أهم ما اتفق لي في الماضي والحاضر, الطيب المهاجي, الشركة الجزائرية للطبع والأوراق, وهران, ص112-113.
- آثار بن باديس، إعداد وتصنيف: عمار طالبي ، الشركة الجزائرية ، ط3 ، 1997 ، ج4 ص315.

تعليقات