حسن الطرابلسي

الشيخ سيدي الحاج حسن (
أحسن) الطرابلسي منشأ العنابي مسكنا، أحد الطلبة الزيتونيين, فقد شبّ على تعليم كتاب الله، وكان أبواه مؤمنين، أي أنّ أكرمه الله بحفظ القرآن الكريم، وتوجه لطلب العلم لحاضرة تونس الخضراء فنال مراده، وقد تطوع للتدريس بجامع الزيتونة المعمور منذ سنوات عديدة، وبالرغم من غزارة علمه فلم يقتصر على اكتساب العلم الظاهر، دون تحصيله من علم الباطن، المعبّر عنه بلسان الشرع الشريف بالإحسان والسبب الوحيد الذي اهتدى به الشيخ لصحبة الأستاذ العلاوي رضي الله عنه هو إطلاعه على كتاب المنح القدوسيّة عندما جاء من تونس إلى مستغانم، ولمّا اجتمع بمولانا الأستاذ طلب منه السلوك إلى ما سلكت إليه عباد الله العارفون به، فقال له الأستاذ: وهل تستطيع أن تطرح كلّ ما أنت عليه جانبا، وتكون عندنا كتلميذ ما زال يتعلّم في حروف الهجاء؟، فقال له: نعم. ثمّ انفرد في الخلّوة أياما حتى نفعه الله. وبعدها بأيام توجه مأذونا في الطريقة إلى مدينة عنابة فقام بنشر الطريق. 

والشيخ الحاج أحسن الطرابلسي من الأعلام الذين مَنَّ الله عليهم بالاغتراف من مناهل الغوث الرّباني الشيخ أحمد العلوي المستغانمي قدّس الله روحه, وقد لازمه 12 سنة ينهل من علومه الوهبية والكسبية ما أهّله لفتح الزاوية المنسوبة إليه بمدينة عنابة رافعاً مشعل الطريقة العلوية بتفان وإخلاص.

ولد الحاج أحسن الطرابلسي رضي الله عنه سنة 1880 ببلدة الرابطة التي تبعد عن طرابلس عاصمة ليبيا بحوالي 100 كلم وإلى هذه العاصمة ينسب منشأ، مثلما ينسب إلى الطريقة العلوية الغراء مشرباً.
 

نشأ في أحضان أسرة طيبة الأعراق فأحاطته بما هو أهل له من فضل وإحسان بتوفيق من المولى عزّ وجلّ، فشبّ على حبّ القرآن العظيم والعلم وانتسب - منذ نعومة أظافره - إلى الطريقة الروحية السلامية ما جعله يحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب وهو دون العاشرة من عمره !
 

ثم قصد جامع الزيتونة بتونس حيث تتلمذ على أيدي مشايخ أجلاء متلقيا عنهم مختف العلوم كالفقه والتوحيد والقراءات والتفسير إلى جانب علوم اللغة العربية، فتحصل سنة 1911 على شهادة التطويع، واشتهر ذكره بتونس إلى درجة جعلت أعيانها يقترحون عليه تولي عدة مناصب منها منصب مفتي الدّيار التونسية، وقاضي القضاة، لكنه تنازل لهم بأدب عن تلك العروض.

وتوجه من تونس إلى مستغانم قاصدا الشيخ العلوي ليصبح فيما بعد من مقاديم الطريقة العلوية الذائعي الصيت أمثال سيدي المدني القصيبي بتونس، وسيدي الفيتوري في بنغازي، وسيدي البوديلمي وسيدي الهلالي، وسيدي المولود الحافظي، وسيدي العباس الجزايري وغيرهم كثيرون من أولئك الربانيين الذين حملوا لواء الطريقة العلوية وأخلصوا لله تعالى ولها إلى آخر رمق من حياتهم العامرة بجلائل الأعمال ومكارم الأخلاق والخصال.

ومعلوم أنه رضي الله عنه، طوال ما يزيد عن 50 سنة التي قضاها في الزاوية العلوية قدّ كوّن أجيالاً منهم من شاع اسمه بعلمه الوافر.

تعرّض لمضايقات السلطات الاستعمارية واعتقالاتها، حيث نقل إلى معتقل بوسوي ومنه إلى مشرية حيث بقي فيه 3 سنوات.

انتقل الشيخ الحاج أحسن الطرابلسي إلى جوار مولاه جلّ جلاله في السادس والعشرين 26 أفريل عام 1974، حيث خرج محبّوه الكثيرون من سكان عنابة عن بكرة أبيهم لحضور جنازته المهيبة، ومن فرط محبتهم له، وعظيم تقديرهم وتوقيرهم وإجلالهم لشخصه الكريم، فقد أبوا إلاّ أن يكون بجثمانه الطاهر أول من يوارى في مقبرة زغوان العليا، تبركاً به بوصفه من أولياء الله العارفين ومن عباده الصالحين والمصلحين.
ما يتواتر بين فقراء عنابة:

حسن الطرابلسي الذي قال عنه أستاذه ومربيه الشيخ العلاوي رضي الله عنه : الطريق ولدت لنا رجلا واحدا وهو سيدي حسن الطرابلسي..

وقال سيدي حسن الطرابلسي قبل وفاته : هناك شيخ واحد من بعدي شدّو الرحال إليه وهو الشيخ يحي محمد أرزقي وهو الذي قال بدوره على تلميذه سيدي الشيخ يحي كلاما كثيرا يشير فيه بأنه الخليفة بعده ومن بينها : إذهبو عند سيدي يحي من بعدي..... من أراد العسل فليذهب إلى سيدي يحي.

قصيدة لسيدي الحاج حسن الطرابلسي رضي الله عنه :


تلألأ نور الوصل في محكم الذكـــــــر ** ونور المعاني لاح في الفكر كالفجــــــــــرِ

وزال غُبار الغين عن عَينِ من دنـــــــا ** إلينا وسِرُ القومِ في الحمدِ والشكــــــــرِ

ففي حيّهم زَهرُ المعارف يُجْتنَـــــى ** وفي بحِرِهِم من غاص يَظْفَرُ بالـــــــــــدُّرِ

فدع عنك ما يفنى وعوِّل على البقاء ** وسِرْ في صراط لا ذلُول ولا وعــــــــــــــــرِ

وكن بطلا شهما شديدا على السُّرَى ** يُسرمد سيْر العمر مُمْتَثِل الأمـــــــــــــرِ

فَسِرُ كبار السِر في السير يُجتنـــــى ** فجاهد ولا تركن إلى فاتر غِِـــــــــــــــــــرِ

ففي محكم التنزيل قد قام ربنــــــــــا ** بهدي الذي ما انفك يُِجهِِد في السيــــرِ

فكل الذي بالعين يُدرَك ظاهـــــــــــــرا ** أقام زمانا خافيا حيث لا تــــــــــــــــدري

بعالم معنى ليس للحس منفــــــــــذُ ** إليه وتدريه البصيرة بالفكــــــــــــــــــــــــرِِ

ترى صور الأشياء فيه جميعهـــــــــــــا ** ممثلة كالسر تحكيه بالجهــــــــــــــــــــرِ

وذلك فيض من أنابيب عالـــــــــــــــــم ** جليل عظيمِ القدرِ جلّ عن الذكـــــــــــرِ

كماء زلال لونه لون ظرفِـــــــــــــــــــــهِ ** حياة جميع الكون من حوضه تجـــــــري

فكن فطِناً واعلم بأنك رابـــــــــــــــضُُ ** بأبخسِ حظ في الوجود على الجمـــــــرِ

واين الأُلى إن رمت تلحقُ بالأُلــــــى ** وقد جازوا الأكوان والقوْلَ بالغيـــــــــــــــرِ

وفد وَردُوا عين الحياة حقيقـــــــــــــةً ** وساحوُا مع الأرواحِ في عالمِ الأمــــــــــــرِ

فَفَكِرْ وذاكِرْ والْزِمِ الذِكرَ صابِــــــــــراً ** فنعمَ الرفيقُ الناصِحُ الأخذُ بالصبــــــــــــرِ

وجاهدْ جهادَ الفَوْزِ واخدم أحبـــــــــةً ** على السيْرِ قد واسُوك في الجهر والسرِ

وإن أذنبوا فاصفح وواصل إذا جَفَــــــوْا ** ودع عنك ما تُوحيه نفسك من مكـــــــــرِ

أخي إن أردت الوصلَ فاعملْ ولا تقل ** مضى الخير إن الخير يجري مع الدهـــــرِ

عليك بأيات يقودك سرهـــــــــــــــــا ** ويُدريك أنك الكلُ يا منبع الخيـــــــــــــــــــرِ

خِزانُ المعاني فيكَ قلبكَ علمـــــــهُ ** كبحر وفيه الكون في فلك يســـــــــــــــرِي

ولا تلتفت في السير يوماً لِما جرى ** به القدرُ المحتومُ من سالفِ الـــــــــــــوزرِ

فربكَ غفارُُ كريمُُ ومن أتـــــــــــــى ** إليهِ فقيرأً فازَ بالخيرِ والنصـــــــــــــــــــــرِ

نُصلِي على خيرِ البريةِ أحمـــــــــدَا ** محمدُُ المبعوثِ للناسِ بالبِشْـــــــــــــــــــرِ

وآلِهِ والأصحابِ ما ذَرَّ شــــــــــــارِقُُ ** وما قد سرى نُورُ الغزالة في البــــــــــــــدرِ

تعليقات