العربي ابن الحبيب سي ناصر - الشهائد والفتاوي

من بين شهود المغرب في الشهائد والفتاوي, الشاهد الرابع عشر من القسم الأول في سرد طائفة من شهادات ذوي الهيئات الشرعية والمراتب الدينية الرسمية, فيما أجاب به فضيلة الشريف المعظم القاضي المحترم الشيخ السيد الحاج العربي ابن الحبيب سي ناصر
1 عن السؤال الوارد على علماء مدينة وجدة عموما وهذا نصه:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله

جلالة العلماء الأعلام شموس الهدى ومصابيح الظلام فقهاء مدينة وجدة وصلحائها بالتمام أبقاكم الله رحمة للأنام والسلام عليكم ومزيد الفضل والاحترام.

من خادم العلم والعلماء محمد بن عبد الباري الشريف التونسي

هذا ساداتنا وإني قد كنت عازما على زيارتكم2 والتبرك بأعتابكم فمنعتني موانع والغرض من ذاك استفساركم عما صح لديكم من أمر الشيخ أحمد بن عليوة المستغانمي حيث انبهم أمره عند الكثير من إخواننا المشارقة وبالغ في التشنيع عليه3 ممن يحكم على الأشياء قبل تصورها وكل ذلك لعدم اجتماعهم به وبمناسبة ما بلغني عنكم أنكم اجتمعتم به وعلى الأقل اجتمعتم بالبعض من أتباعه أو تصفحتم من مؤلفاته أو بلغكم من إرشاداته فصح بهذا الاعتماد عليكم فيما تخبروننا به أداء لواجب الشهادة فإننا والله لمتوقفون على ما تسمح به عواطفكم مما صح عندكم من شأن هذا الرجل فإني وقفت4 لديكم لا بصفة منقذ ولا معتقد إنما وقفت بصفة سائل يريد تمحيص الحقيقة والجواب ينتظر مع حامل الكتاب إليكم وأجركم على الله.

حرر في 10 ربيع عام 1342

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله, الأحد الصمد, والصلاة والسلام على سيدنا محمد المرشد المسدد وعلى آله وخدام شريعته إلى الأبد وبعد...

فقد وصلني سؤال سائل ذكر فيه ما حمله عليه من الوسائل صدر من خادم العلم والعلماء السيد محمد بن عبد الباري الشريف التونسي أبدى فيه التحية وشرح النازلة والقضية فعليكم السلام ورحمة الله, وهنيئا لكم بخدمة العلم إذ لا أعلى من ذلك شرفا عند الله.

العلم أفضل ما به نال الفتى *** شرفا ولا كالعلم للإشراف

الجواب, إن الشيخ أحمد بن عليوة المستغانمي قد اجتمعت به نحو المرتين أو الثلاثة لا أقطع بالزيادة وفي وقت الاجتماع لم يصدر ولا رأيت منه5 ولا من أصحابه شيئا يكدر صفو الشريعة المطهرة ولا ادعى لنا مقاما6 ولا تربية ولا سمعت منه أن له طريقا لها قواعد وأصول بنيت عليها إنما كان معه في صحبته7 أناس يظهر منهم أنهم متتلمذون له وأنه شيخهم وكان واجبا علينا وقتئذ توقيره واحترامه مراعاة لحق الضيافة8.

فما سألناه عن معتقده ولا أطَّلعنا على مبلغه في فروع الشريعة, ولا باحثناه عن أهل طريقته إنما كنا معه نتجاذب أطراف الحديث ويروج بيننا ما يدخل السرور من قديم أو حديث مع الأدب في البساط والتوسط في الانبساط9.

هذا ما نعلمه من حال الرجل ولا أدري إلى الآن ما وقع  به التشنيع عليه10, هل شيء انفرد به من دون سائر الطرق الوقتية أم شيء ماثل فيه كلها أو جلها أصلا وفرعا, وعليه, فإن كان من أجل شيء انفرد به11 كاختلال العقيدة السنية أو اختلال عزائم الشريعة أو إنكار لمعلوم من الدين بالضرورة وثبت12 ذلك بنص من قوله أو ظاهر من لفظه تعين إرشاده للطريقة المثلى, فان تمادى على غيه توجب الإنكار عليه والتحذير لعامة المؤمنين من الوقوع في شرك حبائله, وإن كان ما وقع به التشنيع عليه ماثل فيه غيره من المدعين للتربية في وقتنا فيتوجب الإنكار فيما خالف الشريعة الغراء على كلهم, ويدخل13 هو في الخطاب بطريق العموم لا بطريق الخصوص, إذ لو توجب الإنكار عليه خاصة في هذه الحالة, للزم أن يكون لتخصيصه مرجح ولا مرجح فيما يظهر إلا الإغراض في تمزيق الأعراض, وكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه... إلخ ما استطرده14... غير أن فضيلة هذا الكاتب يرى لو أن الأستاذ تجنب تعاطي التأليف لكان أحسن له وأسلم.

تعاليق محمد بن البشير الجريدي:

  1. (1) قال فضيلة السائل (محمد بن عبد الباري الحسني) قد كنت سألت عن فضلاء مدينة وجدة وعلمائها فأخبرت بجماعة من الطبقة العليا وكان فضيلة المشار إليه من جملتهم وأنه من ذوى المكانة بتلك الديار علما ومجدا وقد كان فضيلته تقلد القضاء زمانا فيما سلف وبعد تقاعده كان يشتغل بالتدريس وبث العلم بتلك الديار وهذا ما أمكنني من التطلع عل ترجمته ولسوء الحظ لم أجتمع به... (أنظر ترجمته في آخر الشهادة). 
  2. (2) قد أخبر فضيلة السائل (محمد بن عبد الباري الحسني) بأنه كان له أمل في الوصول إلى ناحية وجدة ومن هناك إلى مدينة فاس ليجتمع بعلماء ذلك القطر وفضلائه وحيث لم يتيسر اكتفى بمكاتبة البعض ممن انتهت له أسباب المواصلة. 
  3. (3) يعني بذلك بعض الكتاب ممن بسط قلمه في نازلة الأستاذ قبل التحري والسؤال ومراجعة القائل فيما قال وما قصده يا ترى بذلك المقال وما هو من هذا القبيل بما أنه كان يرى كل من كتب في هاته النازلة ما للقب إلا وهو على شك من أمره وكيف لا والحالة أنهم لم تكن لهم مع الأستاذ أدنى مواصلة ولو بطريق المكاتبة. 
  4. (4) وكيفما استحسن من فضيلة السائل ما ارتكبه من التفويض مع المسئول من جهة ما ينبني عليه الجواب إلا ويتطرقه ما يخشى معه ورود ما يقضي بالتنافي لما هو راجيه بما يرخيه من العنان للمجيب فيما يجيب به ومن الغريب أنه لم يتلق من عموم المسئولين إلا ما كان في أمله أن يتلقاه من أمثالهم اعتمادا على ما كان يتحسسه من الإنصاف في علماء ذاك القطر وصلحائه فحقق أهلم رجاءه. 
  5. (5) ولا ينبغي أن يرى منه إن شاء الله ولا من مجالسه ما يكدر صفو الشريعة إلى الأبد. ويا الله العجب كيف يتصور صدور ذلك ممن جعلهم الله حماة الشرع في كل زمان وعصر, هكذا تجدهم يقاتلون بألسنتهم وبأسوتهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. 
  6. (6) قد يفهم ممن وقع بيده شيء من أنظام الأستاذ رضي الله عنه إنه يظن في مجالس الأستاذ أنها مكتظة بالدعاوي وما هو من ذلك القبيل ولم يعلم أن ما جرى على لسانه في تلك الأنظام أنما هو مجرد تعبير عن المقام يحصل له ولأمثاله كلما وقع المرور به فيكون يتكلم بلسان المقام لا بلسانه ويعبر عن حقيقة المشهد لا عن حقيقته ولكن هذا لا يعرفه إلا من مارس الفن وأهله ولهذا لا تجد أحدا من أهل الفن عارض الأستاذ فيما جاء به بل تسمع من أكثرهم إلا الثناء الجميل عليه والاعتراف له بالمكانة والتخصيص بين أهل زمانه . 
  7. (7) قد بلغني أن من كان مع الأستاذ رضي الله عنه في تلك الزيارة جماعة تفوق حد العشرين من المنتسبين أكثرهم من أكابر الطريق وكانت أوقاتهم بتلك المدينة معمورة بأنواع المعارف وقد كان ختم الأستاذ كتابه المسمى نور الأثمد في سنة وضع اليد على اليد هناك حسبما هو مقرر بمحله (يعني 1924 وطبع بعد ذلك سنة 1926). 
  8. (8) قد كان ممن اعتنى بضيافتهم فضيلة المسئول و قد بلغني أنه أغدق لهم المائدة جزاه الله خيرا بما هو أهله وجزا من شاركه في ذلك العمل من زملائه الأجلاء (إقرأ الشيخ العلاوي: الحق لا يرضانا إذا لم نرق إلى الإحسان). 
  9. (9) يظهر من الأستاذ أنه تنازل في ذلك المجلس على ما يعهد منه, مراعاة لحق الضيافة ووفاء بأدب المقام حيث كان غاصا بالوجهاء وإلا فلم يكن عادته في اجتماعاته الخصوصية إلا أنها إلى الهيبة والجد أقرب منها إلى الانبساط, وهذا ما اعتاده أتباعه وزواره في مجالسه غالبا. 
  10. (10) يستفاد مما ذكره فضيلة الشيخ أنه كان مستبعدا لوقوع التشنيع من أصله بما أنه على علم مما ارتكبه أرباب التصوف في اصطلاحاتهم, فكان يراه بالقيد العام, والعموم ينافي فى التخصيص من جهة القدر المشترك مهما تحقق الاشتراك وهذا يستفاد مما بني عليه قوله حيث قال: فإن كان من أجل شيء انفرد به الخ... ما استطرده من التقديرات, إلى أن استنتج زبدة ما وقع به التشنيع وهي قوله: إذ لو توجب الإنكار عليه خاصة, في هذه الحالة للزم أن يكون لتخصيصه مرجح ولا مرجح فيما يظهر إلا الأغراض في تمزيق الأعراض. 
  11. (11) وهذا على فرض وجوده والحالة أنه لم ينفرد بمذهب على الخصوص حتى ينظر في أصوله, إنما جاء بما جاءت به الألوف من الهداة, ومن ينظر مسالك القوم فيما ارتكبوه من أساليب التذكير يرتفع عنه ما توهمه في الأستاذ بأنه جاء بما لم يسبق به. 
  12. (12) الإشارة في ذلك لما سبق من المسائل التي يحتمل مؤاخذة الشخص بها ومع ذاك لم تطلق الألفاظ على ظواهرها, إنما يشترط مع ذلك القصد والتصميم من القائل حسبما قيد ذلك فيما سبق في أجوبة أكثر الفتاوى, ولفضيلة مفتي مستغانم (مصطفى بن قارة) ما نصه: وإن أظهر معنى سقيما لا يحتمله الشرع بحال وصمم عليه ولم يرجع عنه له فساد اللفظ والمعنى المراد به فهذا يقام عليه حكم الله... إلخ... 
  13. (13) مع التقييد حسبما سبق والحالة أنه لا خروج حتى نشترط إن من جهة ما يلتبس على البعض ممن لم تبرأ ذمة القوم عنده فهو محارب للمذهب من أصله وهذا لا يتأتى له أن يوجه سهم الإنكار على الأستاذ بالخصوص حسبما أشار لذلك فضيلة الكاتب بقوله: فيتوجب الإنكار فيما خالف الشريعة الغراء على كلهم ويدخل هو في الخطاب بطريق العموم لا بطريق الخصوص الخ... 
  14. (14) أخذ فضيلة صاحب الأصل يقتصر من الأجوبة على القدر المحتاج إليه قصد الاختصار وعلى كل حال لم تفتنا فائدة الجمل المحذوفة حيث نوه بها فى الجواب السابق ونوه بها الآن حيث قال: في بيان الجملة المحذوفة هنا غير أن فضيلة الكاتب كان يرى الخ... قلت وهذا مما لا نزاع فيه من أن المتحاشي عن التأليف يكون أسلم من أن ينتقد عليه وقلَّ من سلمت أقواله وإن جاء بالمألوف والحق الأبلج وكيف بمن جاء بما لم يحيطوا بعلمه فيكون انتقاد أقواله من طريق الأحرى, ولهذا ورد عن الإمام علي كرم الله وجهه: "حدِّثوا النَّاسَ بِما يَعرِفونَ أَتريدونَ أن يُكذَّبَ اللَّهُ ورسولُهُ؟" وفي رواية عنه عليه الصلاة والسلام: "خَاطِبُوا النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ". وقد قال أحد الصحابة: "آأحدث بكلّ ما أسمع منك يا رسول الله ؟ فقال له صلى الله عليه وسلم : إلاّ بحديث لم يبلغ عقول القوم, فيكون على بعضهم فتنة" أو كما قال عليه السلام, وهذا ونحوه يجرى فيمن كان مختارا, أما المغلوب على أمره والمأذون له فيما يتفوه به فله حكم أخر والمسألة تستفاد من قصة موسى مع الخضر عليهما السلام حيث قال له: وما فعلته عن أمري. ووجه الاستفادة تسليم موسى له فيما ادعاه واكتفاؤه منه بأقل وجهة من التأويل مع أن التأويل لم يكن صالحا ليعتمد عليه فيما يظهر في شرع موسى بسقوط التبعة عمن يقتل نفسا متعمدا على ما ربما يحدث فساد في عقيدة البعض بسببها على أن القوم لم يرتكبوا محذورا من الشرع الأحمدي مثل ما ارتكبه الخضر مع شرع موسى على جميعهم السلام, وغاية الأمر تجري على ألسنتهم ألفاظ من قبيل المتشابه يحملهم على التفوه بها غلبة الحال وهي إلى التأويل أقرب, وقد استطرد الأستاذ رضي الله عنه كلاما في بيان ما حمله على شرح المرشد المعين بطريق الإشارة في تاريخ حياته بعد تحصيله على مشرب القوم قال بعد كلام في سيره: وهكذا بدأت تتوسع عندي دائرة الفهم حتى كنت إذا قرأ القارئ شيئا من كتاب الله تسبق مشاعري إلى حل معانيه بأغرب كيفية في زمن التلاوة ولما تمكن ذلك مني وتحكم تحكم الضروريات خشيت أن ادخل تحت تصرف ذلك الوارد الملازم فأخذت أكتب ما يمليه الضمير في كتاب الله فأخرجه في صبغة ليست مألوفة بما أني كنت تحت تصرف الوارد وهذا الذي حملني في البدء على شرح المرشد المعين بطريق الإشارة تحاشيا مني أن أقع فيما هو أشد تبعة فكان ذلك والحمد لله سببا في رد هجمات ذلك التيار الذي حاولت إيقافه بكل معنى وما استطعت وعند ذلك وقف الفهم مني فيما يقرب من الاعتدال... اه... من تاريخ حياته. وقلت ومن هنا تتخرج للمنصف معاذير القوم فيما ارتكبوه في مؤلفاتهم على طريق الإشارة وما هو من قبيلها.
انتهى نص الشهادة المنقول من كتاب الشهائد والفتاوى فيما صح لدى العلماء من أمر الشيخ العلاوي.

ترجمة الحاج العربي بن الحبيب بن المصطفى سي ناصر (إعداد: د.جمال القديم)

هو الفقيه العلامة الأمثل المدرس الأحفل العالم الأفضل سيدي الحاج العربي بن الحبيب بن المصطفى, من أكابر العلماء, وأماجد الفضلاء, سليل أسرة "آل سيناصر الحسيني", وهي من الأسر العلمية العريقة التي أنارت سماء العلم بمدينة وجدة, وأصلهم من بلاد غَرِيس بالمغرب الأوسط (الجزائر حاليا), حيث هاجر بعض أفراد هذه الأسرة, وهو سيدي المصطفى بن عبد الله منها إلى المغرب الأقصى, واتخذ قرية تغاسروت الواقعة قرب تافوغالت بجبال بني يَزْنَاسن مستقرا له, فصلح أمره وبعد صيته, واشتهر بالعلم والصلاح, ونزل بعض أبنائه مدينة وجدة, وبها ولد المترجم حوالي (1281ﻫ), ونشأ في حضن والده العلامة سيدي الحبيب في كنف العلم والدين والصيانة, وتلقّى على يديه جملة من العلوم, وعلى علماء وجدة, ثم انتقل إلى مدينة فاس, فدرس بها على عدد من علماء القرويين, إلى أن علا كعبه في العلم, وفاق أقرانه في الاجتهاد والتحصيل لما كان يتحلى به من قوة الذكاء والحافظة, ثم رجع إلى بلده وانتُدب لتولي خِطَّة القضاء, فحُمدت فيه سيرته, وتعرّض نتيجة ذلك لمحنة من عامل الحضرة الوجدية بغية عزله عن منصبه, وأظهرت مكيدته هاته مكرَ وحسدَ بعض علماء وجدة وأعيانها الذين ساروا معه في الركب نفسه, فرفع المترجم أمره إلى السلطان بفاس الذي أكد أحقية الحاج العربي في القضاء, بل تجاوز الأمر بهؤلاء إلى تهديده بالقتل, وكان ذلك يوم 30 من ذي قعدة عام (1323ﻫ), بعد استباحة حرم المحكمة الشرعية بوجدة, فأدى ذلك إلى عزل الحاج العربي عن خِطَّة القضاء وعُين مكانه الفقيه الهاشمي بن رُوكش, إلا أنه ما لبث أن عزل وأعيد الحاج العربي من جديد.

ولم تُثْن هذه الفتن والمحن الحاج العربي عن نشر العلم, ولم تَحُدّ من عزيمته القوية في ذلك حيث كان رحمه الله قد اتخذ حجرة خاصة يطالع فيها ويتفرغ فيها للتأليف, وكان على اطلاع واسع بالأدب والشعر بالإضافة إلى تمكنه من الفقه والخبرة بالنوازل الفقهية, حتى وصفه علماء وجدة في تقاييدهم ب: »النّحرير النَّفَّاع الدَّرَّاكة الهمام اللوذعي الفهامة », ونوَّه به العلامة محمد بن عبد الباري الحسني التونسي في كتابه « الشهائد والفتاوى » فقال: »الشريف المعظم القاضي المحترم ».

ومن جهوده في خدمة العلم: تأسيسه المعهد الإسلامي الملحق بالجامع الأعظم الذي كان قِبلة طلاب العلم والمعرفة من بني يَزْنَاسن وتلمسان, وكان يدرس علوم الحديث والفقه وألفية ابن مالك بشرح المكودي إلى عام (1350ﻫ), وكان أخذ على عاتقه حمل لواء التعليم بالمعهد بمساعدة أربعة علماء, وتخرج على يديه ثُلَّة من علماء وجدة من أشهرهم العلامة الأديب المؤرخ الفقيه قَدُّور بن علي الوَرْطَاسي (ت1994م), ولعل دأبه على التدريس والقراءة لم يساعده على التأليف إذ لم يُعرف من مؤلفاته سوى رسالة وسماها "التوصل إلى حكم التوسل" و"جواب في شأن الشيخ أحمد بن عْلِيوة المُسْتَغَانْمِي", كما كانت له مواقف وطنية مشهودة ضد الحماية الفرنسية وكشف مخططاتها الاستعمارية والدفاع عن السلطة الشرعية للبلاد, وفي هذا الصدد اشتهر بموقفه من فتنة الثائر "بُو حْمَارة" والقيام على إظهار مكتومها الخياني, مما دفع بهذا الأخير إلى إرادة قتله غيلة.

وبعد حياة حافلة بالعطاء في مجال العلم والتدريس والقضاء, والكفاح الوطني خفت نجم الحاج العربي وأسلم الروح لباريها يوم الخميس 18 صفر 1351ﻫ/23 يونيو 1932م, وكانت جنازته من أيام الله المشهودة, وخلف مكتبة عامرة تزخر بنوادر الكتب والمؤلفات, وهي الآن متاحة ببيته بمدينة وجدة الذي يعتبر تحفة معمارية تَمَّ ترميمها مؤخرا وتحويلها إلى مؤسسة علمية تحمل اسم "مؤسسة مولاي سليمان لإنعاش المدن العتيقة بوجدة وبالجهة الشرقية". رحمه الله وجعل الجنة مثواه, آمين.

مصادر الترجمة:
- الشهائد والفتاوى فيما صح لدى العلماء من أمر الشيخ العلاوي, لمحمد بن محمد بن عبد الباري الحسني التونسي (ص47)
- خطط المغرب الشرقي, للدكتور بدر المقري(ص34).

إنتقل إلى الفهرس

تعليقات