الشيخ العلاوي - كيف السبيل؟ هل نستطيع الوصول الى القيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

إنه طالما أسهرتنا الحوادث وآلمتنا الكوارث وافتكرنا وافتكر غيرنا في كيفية الحصول على القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ولكن ماذا يغني السهر والافتكار ونحن في وسط لا يشعر الكثير من أهله بخير فاتهم ولا بضير لحقهم إلا ما يخص الانسان في خاصة نفسه بدون ما يلتفت لمن حوله ولو ربطته به أي رابطة.


هكذا تجده لا يلتفت لما وراء ذلك كيفما تنوعت المصائب, وتعددت النوائب, ما دام لم يمسه ذلك في شخصه العزيز عليه. أما دينيات قومه وأدبياتهم فهو عنها بمعزل, فكأن الحواس منه راكدة والأفكار جامدة, فلهذا تجده لا يبدي ولا يعيد.

نعم إن في الناس أناسا لولا أن فاتتهم كيفية الحصول على ذلك المنصب الأهم الذي ليس فيما بعده مرمى حسبما تطلبه الحالة الراهنة منا إذ لو تمكنت الأمة من توطيد دعائم إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, لما فاتتها سعادة الدارين, ولكن كيف السبيل؟

فالحصول على نظير ذلك يظهر متعذرا مع أنه لا شيء من الممكن متعذر الحصول, خصوصا معقول المعنى, وعلى الأخص إذا كان أحد الضروريات لقوامنا الديني.

أجل, إنه يقال أن ما رمتم تنفيذه هو من خصائص الحكومة ذات النفوذ المتسع, وأين أنتم من ذلك؟

ونحن نقول أن ما كنا نريد الحصول عليه, لا نتصوره إلا من طريق الحكومة وإلا كنا ممن يحاول محالا. وخلاصة البحث تنحصر في الحصول على ذلك من بابه, ولهذا نراه ليس هو من قبيل المتعذر في شيء ما دامت الحكومة تعتقد في المنكر أنه منكر وما دامت تحافظ على كرامة رعاياها من السقوط, ومن هاته الحيثية, نرى المحصول على ما نتمناه من القيام بوظيف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ليس بمتعذر مهما كان بصفته الشرعية والقانونية أيضا.

وبعبارة أخرى, نرى أن الحكومة تقرر الكثير من مبادئ الجمعيات المتنوعة وتريد على ذلك أن تمنحهم يد المساعدة. وإذاً فما يمنع قومنا من تأسيس جمعية بعنوان "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"؟ أو بإسم "الحسبة في الاسلام" أو ما يشاكل ذلك من الألقاب الملائمة لعملها, بعد تركيبها من أعضاء عاملين مخلصين لدينهم وقوميتهم بعد تعضيد أرباب المجالس النيابية مشروعها الجليل وإعطاء نظرياتهم للحكومة وإقناعها بكون المشروع جليلا, تدعو إليه الحالة الراهنة وضرورة التطور.

ومهما نالت الجمعية من الحكومة حظوة الثقة بها, واكتسبت مهابة المنصب في نظرها, ساغ لها إذ ذاك تنفيذ مبادئها فيما يرجع لصيانة الأخلاق بواسطة رجال الحكومة ونواب الأمة.

حقيقة إننا لا نستطع أن نسير في ذلك السبيل سيرة عمرية ولا شهورية أيضا, ولكن نستطيع أن نسير في طريق الإصلاح الفعلي شيئا في الجملة على قاعدة قولهم : (ما لا يُدْرَكُ كلَّه, لا يُتْرَكُ بعضه أو جُلَّهُ).

أما الاقتصار من علمائنا ومصلحي الأمة على مجرد القول, فيعتبر غير كاف, وهذا على فرض وجود القول : أما إذا سبرنا الحقيقة فنجد القول نفسه ينقصنا, أما الفعل فمن طريق أحرى, وهو الأمر الذي كاد يقضي بالإيَّاس من محاولة إصلاح أخلاق هاته الأمة, وإن مع قوله تعالى : (وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ), يوسف 87.

نعم نحن لا نيأس, ولكن إلى متى يتسع بنا الأمل, وإلى أين تنتهي بنا الأمنية الفارغة, ونحن لا نثق بأنفسنا في التصدر للعمل, فكل فرد منا يعتقد نفسه أنه ليس بأهل أن تظهر منه نتائج الأعمال الصالحة, ولورأى نفسه أهلا لكان أهلا.

هذا شأن الخاصة منا, وهي غاية عقيدتنا في أنفسنا, سواء منا الكبير والصغير والغني والفقير.

قبيح والله بالإنسان أن يرى نفسه ليس بأهل لفعل الخير, لأنه متى تمكن منه ذلك, رأى نفسه بعكسه, وهو شيء لا يرضاه العاقل لأبناء جنسه فضلا عن أن يرضاه لنفسه. ولكن ما الحيلة إذا أصبحت تلك الخِلَّة صفة ثابتة وعقيدة راسخة في عموم أفرادنا, سواء علينا النائب والمنوب : (ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ), الحج, 73.

نعم إننا استقصينا من الضعف غايته, ففاتنا أن نسير في طريق استجلاب الخير لقومنا ولو شبراً, ولكن حق الحر أن لا تسكن نفسه لما يسلب منها حتى دفع الضر ولو شيئا في الجملة والله يقول : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا), التحريم, 6.

وأي نار أشد حرا من العار الذي جاس خلال الديار, سواء فيه العاكف والبادي ضروب مختلفة, وأجناس متنوعة, إلى أن كاد يتعلق بأهداب الخاصة منا فضلا عن العموم.

كل ذلك وخاصة الأمة ونوابها ونحن معهم لا يتفكر الفرد منا إلا فيما يهمه شخصيا, ويخصه ذاتيا, نجده يعمل بانفراده كأنه لا رابطة تربطه بغيره, ومسؤولية تتوجه عليه. هكذا خلقنا لنعمل أفذاذا ونعيش أفرادا, (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ), المؤمنون, 14.

منظر والله عجيب... يَسُرُّ قوما ويحزن آخرين, ونحن لا من هؤلاء ولا من هؤلاء, ولربما يكون وصفنا بالفريق الأول أقرب منه الى الثاني!

على أن الحزن من نتائج الاهتمام بالشيء المتخلف الحصول عليه, أما وقد فاتنا الحزن وفاتنا حتى إدراك ما يستوجبه الحزن, وما لا يستوجبه, فلا نطمع في استدراك ما فاتنا من مجد الحياة, وسعادة الآخرة, مادام ذلك الوصف مستحكم العرى في خاصتنا وعامتنا, الأمر الذي أصبح معه المنكر مما يستأنس به عادة, ومن أراد تغيير العادة يعادى, ولولا ذلك لما استحكم منا الاستسلام والرسوخ أمام كل شيء ينافي الفضيلة ولو تعلقت مخازيه بأهدابنا, كأننا مسخرون إلى ذلك بحكم الطبيعة, أوكأننا نفعل ذلك لتَحِقَّ علينا كلمة العذاب والعياذ بالله كما حقت على الذين من قبلنا (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ), المائدة, 79.

أخرج الإمام أحمد عن عدي بن عميرة الكندي (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة , حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم , وهم قادرون على أن ينكروه , فلا ينكروه , فإذا فعلوا ذلك , عذب الله الخاصة والعامة" !


المصدر: جريدة البلاغ الجزائري - كيف السبيل؟ هل نستطيع الوصول الى القيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ العدد 135 بتاريخ 13-09-1929

تعليقات