الشيخ العلاوي - الإسلام يطلبنا

ليس منا من لم يرض أن يكون مسلما بكل معنى الكلمة, ولكن الإسلام يطلبنا بوجوب العمل على مقتضى الظروف الزمانية والمكانية, ونحن في زمان لا يكفينا فيه من العمل ما كان يكفينا بالأمس وقبل الأمس عندما كانت الظروف غير معاكسة والأفكار غير متشاكسة ومن كان يرى أن موقف المسلم الآن هو موقفه فيما قبل من جهة ما يحتاج إليه من الانتباهات والاحتياطات وغير ذلك من الاستعدادات فقد ضل سواء السبيل, وسلم جوهر اعتقاده لعوامل التحليل, فلا يبعد أن يفجأه الزمان وهو على غير ما يعهده من نفسه مسلما في اللفظ لا في المعنى وفي الصورة لا في الحقيقة, كل ذلك نتيجة إغفاله وثمرة إهماله لواجبه الذي يقضي عليه أن يكون على غير الصفة الراهنة.

كان عهدي بالمسلم وهو ذلك الإنسان الحساس, لين العواطف رقيق الشعور يتأثر لنسمات الصبا, فذلك عهدي بشعوره قبل أن يتغير بغثاء العصر الحاضر فأصبح صلدا لا يتأثر من شيء أصابه لكثافة شعوره فهو الآن لا يعمل ويا للأسف إلا على ما لا يتفق مع إسلامه, مع علمه بأن الإسلام يطلبا أن نرتديي بأرديته ونعمل بواجباته وندافع عن حوزته ونكدح لرفعته ونموت في مرضاته, "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّة"  سورة التوبة - الآية 111.

فهذا هو بعضه ما يطلبنا به الإسلام فهل نحن على ذلك عاملون أم على السبيل ناكهون, أما الذي يظهر من عملنا فهو جريا على غير ما طلب منا, فالمسلم الآن لا يعمل إلا بشهوة غيره ولا ينطق إلا بلسان ضده, وهكذا سائر أعماله إذا تدبرها تجدها على نقيض قصده ومبدئه.

لو كان هو ذلك المسلم الذي كان بالأمس شامخ الأنف, عالي الهمة بعيد المرمى يرى الإسلام هو منتهى ما ترمي إليه الآمال وينتهي فيه الكمال, فعاش على ذلك أمدا من الدهر انموذجا للاقتداء ونجما للاهتداء, يعتبر أستاذا للعالم على الإطلاق لا بقيد, غير أنه مسلم بكل معنى الكلمة, أما الآن فأراه لا يريد أن يكون مسلما إلا بالبعض من ذلك وهو الشيء الذي يريد أن يتظاهر به الآن العالم الإسلامي المتمدن أو تقول المتفرنج بدعوى كون الإسلام أوسع دائرة من أن يضيق محيطه بالمدنية العصرية ويعنون بالمدنية خرق سياج الحشمة ورفع جلباب العفة يقولون ذلك "وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ" وعن الصراط السوي ناكبون" "فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ" ولكن, "أَكثَرُهُمُ فَاسِقُونَ". غلبت غليهم شقوتهم فوجبت محاربتهم على المسلم بقدر استطاعته ومن تساهل في شيء من ذلك مع القدرة على سد الذريعة في وجه من يراه يرمى الى تحليل المركبات من الدين فحسابه على ربه "وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ" "يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ", فلا ينس المكلف أن السكوت مظنة الاستحسان والتهاون مصيدة الشيطان, فمن لم يأخذ حذره, نقض عهده, وعهد المؤمن مع ربه هو المحافظة على أمره ونهيه وهو أقل ما يجب على المكلف لنفسه.

ثم النصيحة لله ولرسوله ولعامة المؤمنين لما جاء في الحديث "إن الدين النصيحة", وإذا فيكون من فاته النصح فاته الدين, فليتفطن لذاك علماؤنا ويسلكوا بأمتهم مسلك النصح والإرشاد, ويجعلوا ذلك هو الغاية القصوى من حياتهم وليطلعوا العامة على أن الحياة بلا دين شبه الدين بلا حياة, ولا عليهم أن يقدروا الدنيا قدرها بدون ما يشترونها بالآخرة, فإن الدنيا مجرد متاع "وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ" ويعتبروا انفسهم باعتبار الله ورسوله لهم فإنهم ورثة الأنبياء ونواب الأصفياء فلا يبخسوا المقام حقه فإنهم مسئولون عن ضلال قومهم ومحاسبون عن تفريطهم وتقصيرهم فإنهم بجميع ذلك مكلفون.

اللهم ارشدنا للقيام بواجباتنا فإن التقصير أخذ منا مأخذه, فأنت ولينا فيما تتولاه "وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ".


البلاغ الجزائري - الإسلام يطلبنا العدد 29 بتاريخ 20-07-1927.

تعليقات