جناب المحترم أخينا في الله الشيخ سيدي محمد مناشو1 رفيع السلام، وعلى أهل دائرتكم بالتمام.
هذا
سيدي، فقد بلغنا مكتوبكم، فتصفحناه بعين الإنصاف، فوجدناه كفيلا بالغرض
المومى إليه محضتمونا النصح فيه، لا حرمنا الله وإياكم من الانتفاع به،
غير أنّه قد تجاوزتم الحدّ في بعض الجمل، وكلّ ذلك مقبول، إن قصدتم (إن
يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا / الأنفال آية / 70)، وإنّي وجدت غاية
ما استفسرتمونا من أجله ينحصر في ثلاث جمل.
الجملة
الأولى: تخبرنا فيها أنّنا فتنّا العموم بما أذعناه فيما بينهم من
الحقائق، فكأنّنا ألزمناهم بتعاطي ذلك، وهذا يا سيدي خلاف ما اعتقدتموه،
فإننا ما ألزمنا العامّة إلاّ ببعض الأذكار، وأدعية وعقيدة بسيطة للغاية،
قد طبعت في هذا الحين بعنوان (القول المقبول فيما تتوصل إليه العقول)،
وأمّا أسرار الخصوص فلم تزل ولن تزال حبسا على الخصوص، تؤخذ بشروطها، غير
أنّنا اختلفنا في الخصوص من هم ؟ فقد عبرتم عنهم بأهل العلم الظاهر، ونحن
نعبّر عنهم بالمتقين.
الجملة
الثانية: ذكرتم في مضمونها أنّ في إنشادنا من الألفاظ ما لا يخرج عن القول
بالحلول أو الاتحاد إلاّ بالتأويل البعيد، وهذا أيضا ينظر فيه، لأنّك إمّا
أن تريد بقولك هذا تحقيق المذهب من جهة مصطلح القوم، وما بنيت عليه
قواعدهم، وهذا قد حصل فيه للأمّة المحمديّة ما يقرب من الإجماع، من جهة
تسليمهم للقوم في شطحاتهم، وإنّ القوم أنفسهم لا يكلفون الناس العمل بمقتضى
شطحاتهم، فهي عندهم إلى الرد أقرب منها إلى الأخذ، وعلى هذا فلا يبعد أن
يكون ما صدر منا داخلا فيما قبله، وإن أردت أن تستصغر ممّا سمعته منّا
فلتطبقه على ما قبله من أقوال غيرنا، ثمّ تحكم بمقتضى الإنصاف وهذا إن لم
تكن ترد معارضتنا شخصيّا، حتى لو قلنا لك قصدت ذلك على احتمال، فلا يتسنى
لكم أن تفردوا لنا حكما بالخصوص دون ما يصدق على كلّ من يشاركنا في القول
المحكوم به علينا، وقبل هذا يثبت الحكم، بأن لا يتعجّل بالحكم قبل أن
يتخيّل إفراد المحكوك عليهم من سلف الأمّة وخلفها.
الجملة الثالثة: قلتم بأننّا اقترفنا من الإساءة أعلاها، في تعبيرنا بألفاظ لا تصلح أن نواجه بها إلى جناب الرفيع، وكنت أظنّ أنّ المؤاخذة تكون باعتبار القصد، لا بمقتضى اللفظ (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم / البقرة آية / 225). ثمّ إنّ القصد قد يظهر بالقرينة على ما يعطيه سياق الكلام، فليضم القارىء ما قبله لما بعده، ثمّ ينظر ما يقتضيه المقام، وما هو الحامل، هل هو فرط الشوق، أم هو محض الجفاء ؟ وحتى لو قلنا إنّ البيتين مجردان، بقطع النظر عمّا قدّمناه، وعند من يرتكب أحسن التأويل، يظهر فيهما ما يستثقل، كنت ترشدني إلى حذفهما، ولو بأقلّ إشارة، فلربما تجدني أسرع المدعوين امتثالا، لأنّهما ليسا من قبيل التنزيل يتعذّر حذفهما، أو يصعب الإعراض عنهما، وإلى الآن لم تذهب نصيحتكم أدراج الرياح فيما يتعلّق بالأخير، وفي ظنّي إنّ الحامل لكم على مكاتبتنا بتلك الصفة هي رسالة الشيخ سيدي (عثمان المكّي)، وها أنا أذكر لك الحامل لي على ما كتبناه، وإنّه لا شيء إلاّ عدم محاشاته، ولو واحدا من المنتسبين، زيادة على ما علّقه بقوله: إنّ كلّ من تظاهر بالصلاح، إلاّ وغرضه أكل أموال الناس بالخيانة والتدجيل، وما هو من هذا القبيل، ولا شكّ في انسحاب هذه النظرة على سلف الأمّة ما يؤول بقبح الاعتقاد في خواص أفرادها، إذ لولا التظاهر بالصلاح لما عرفنا مالكا، ولا الأشعري ولا، ولا …..
وبهذه المناسبة كان لا شيء أولى بالتنبيه عليه من هذا المضمون، وبعد الفحص عن أحوال الشيخ، والتنقيب عن سيرته، ظهر لي أنّه ربّما تكلّم بخلاف ما اعتقد، لأنّ تعفف المرء حسبما بلغنا عنه يمنعه من سوء الظنّ في أهل النسبة عموما، ولعلّ الداعي له هو ما رآه من سوء أفعال المتداخلين بين أهل النسبة، وما أحدث فيها المحدثون، ولا شكّ أنّنا ممن يشاركه في ذلك، على أن نسير في خط مستقيم تجاه المومى إليهم، ونحترز من كلّ لفظ يوهم التعميم. والحقّ أنّ الكاتب مهما حاول التخلّص من عثرات القلم، لا يتمكّن له ذلك، حتّى مع التثبت والعلم، وأحرى إذا كان ممن يخامره ما لا يتحقق معه السلامة غالبا، كأرباب الأحوال، فإيّاك يا أخي أن تظنّ ما يصدر منهم ممّا يوهم تنقيص بعض المراتب مقصودا لهم، فحاشا لله، إنمّا المقام يدعوهم أحيانا إلى كلام يفهم منه عكس المرمى، إمّا لضيق العبارة، وإمّا لفرط المحبّة، وهل تظنّ أنّ المؤمن يقصد أذى من الإيمان يتوقف على مودة أهل بيته، زيادة على عدم احترام ذلك المنصب الشريف، كلا إنمّا تجري رياح المحبّة بما لا تهوى سفن المودّة، وحتى لو قلنا إنّ ما صدر منهم قد يكون فيه ما يتضمّن الإساءة، فمن المحتمل أن يجرى على حدّ ما قيل: (إنّ من البرّ عقوقا)، ولم ندر هل العبد يجازى بعقيدته أم بما يضمنه اللفظ. وهل ترى أنّكم قصدتم في رسالتكم المبعوثة إلينا ما يؤذي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أم ما يرضيه؟ ولا شكّ أنّكم تريدون المحافظة على احترامه بكل وسع، وإذن فما بالكم جئتم بألفاظ هي بالإساءة أشبه منها بالإحسان إليه، وإليك وجه المؤاخذة:
الجملة الثالثة: قلتم بأننّا اقترفنا من الإساءة أعلاها، في تعبيرنا بألفاظ لا تصلح أن نواجه بها إلى جناب الرفيع، وكنت أظنّ أنّ المؤاخذة تكون باعتبار القصد، لا بمقتضى اللفظ (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم / البقرة آية / 225). ثمّ إنّ القصد قد يظهر بالقرينة على ما يعطيه سياق الكلام، فليضم القارىء ما قبله لما بعده، ثمّ ينظر ما يقتضيه المقام، وما هو الحامل، هل هو فرط الشوق، أم هو محض الجفاء ؟ وحتى لو قلنا إنّ البيتين مجردان، بقطع النظر عمّا قدّمناه، وعند من يرتكب أحسن التأويل، يظهر فيهما ما يستثقل، كنت ترشدني إلى حذفهما، ولو بأقلّ إشارة، فلربما تجدني أسرع المدعوين امتثالا، لأنّهما ليسا من قبيل التنزيل يتعذّر حذفهما، أو يصعب الإعراض عنهما، وإلى الآن لم تذهب نصيحتكم أدراج الرياح فيما يتعلّق بالأخير، وفي ظنّي إنّ الحامل لكم على مكاتبتنا بتلك الصفة هي رسالة الشيخ سيدي (عثمان المكّي)، وها أنا أذكر لك الحامل لي على ما كتبناه، وإنّه لا شيء إلاّ عدم محاشاته، ولو واحدا من المنتسبين، زيادة على ما علّقه بقوله: إنّ كلّ من تظاهر بالصلاح، إلاّ وغرضه أكل أموال الناس بالخيانة والتدجيل، وما هو من هذا القبيل، ولا شكّ في انسحاب هذه النظرة على سلف الأمّة ما يؤول بقبح الاعتقاد في خواص أفرادها، إذ لولا التظاهر بالصلاح لما عرفنا مالكا، ولا الأشعري ولا، ولا …..
وبهذه المناسبة كان لا شيء أولى بالتنبيه عليه من هذا المضمون، وبعد الفحص عن أحوال الشيخ، والتنقيب عن سيرته، ظهر لي أنّه ربّما تكلّم بخلاف ما اعتقد، لأنّ تعفف المرء حسبما بلغنا عنه يمنعه من سوء الظنّ في أهل النسبة عموما، ولعلّ الداعي له هو ما رآه من سوء أفعال المتداخلين بين أهل النسبة، وما أحدث فيها المحدثون، ولا شكّ أنّنا ممن يشاركه في ذلك، على أن نسير في خط مستقيم تجاه المومى إليهم، ونحترز من كلّ لفظ يوهم التعميم. والحقّ أنّ الكاتب مهما حاول التخلّص من عثرات القلم، لا يتمكّن له ذلك، حتّى مع التثبت والعلم، وأحرى إذا كان ممن يخامره ما لا يتحقق معه السلامة غالبا، كأرباب الأحوال، فإيّاك يا أخي أن تظنّ ما يصدر منهم ممّا يوهم تنقيص بعض المراتب مقصودا لهم، فحاشا لله، إنمّا المقام يدعوهم أحيانا إلى كلام يفهم منه عكس المرمى، إمّا لضيق العبارة، وإمّا لفرط المحبّة، وهل تظنّ أنّ المؤمن يقصد أذى من الإيمان يتوقف على مودة أهل بيته، زيادة على عدم احترام ذلك المنصب الشريف، كلا إنمّا تجري رياح المحبّة بما لا تهوى سفن المودّة، وحتى لو قلنا إنّ ما صدر منهم قد يكون فيه ما يتضمّن الإساءة، فمن المحتمل أن يجرى على حدّ ما قيل: (إنّ من البرّ عقوقا)، ولم ندر هل العبد يجازى بعقيدته أم بما يضمنه اللفظ. وهل ترى أنّكم قصدتم في رسالتكم المبعوثة إلينا ما يؤذي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أم ما يرضيه؟ ولا شكّ أنّكم تريدون المحافظة على احترامه بكل وسع، وإذن فما بالكم جئتم بألفاظ هي بالإساءة أشبه منها بالإحسان إليه، وإليك وجه المؤاخذة:
أليس
أنّكم بعد ما ذكرتم الخصوص من الأمّة المحمديّة بكل اعتبار قلتم ولا نعني
بالخصوص إلاّ أهل العلم الظاهر، ولا نعني بالعموم إلاّ الأميّين، فليظهر من
قولكم صريحا، إنّ الأميّة عندكم أحقر صفة محيطة بجميع أفرادها، والحقّ
يقول: (هو الذي بعث في الأميّين رسولا منهم / الجمعة آية / 2)، الله، الله
إذ لا يتأتى الإخراج بعد الإدخال إلاّ من قبيل قوله تعالى: (لا يؤاخذكم
الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم / البقرة آية / 225)،
ثمّ إنّكم قلتم بكل جراءة بعد كلام فيه من التهديد أقصاه، وما يغني عنك
نسبك دون ما تجعل للوصلة ولو أدنى اهتمام كيفما كانت، ويشهدك الله أهذه
المقولة هي أشبه بالجفاء، أم الملاطفة ؟ وأي أذى أبلغ من قولك (وصلة لا
تغني من الله شيئا) وفي ظنّي أنّها لو لم تغن مع الإيمان والتقوى بقدر
الإمكان، لما أمرت بالصلاة عليهم، وبالمودة إليهم: (ولو يؤاخذ الله الناس
بظلمهم ما ترك عليها من دابّة / النحل آية / 61)، وما ذكرنا هذا إلاّ لنعلم
أنّ المنتقد يرى خلاف ما يرى المعتقد، فله أن يستخرج الشيء من ضدّه،
والباطل من عكسه، ومن ذلك قول الإمام (علي) كرّم الله وجهه: (فلأنقبّن
الباطل حتى يظهر الحقّ من جنبه).
أسأل
الله أن يعرّفنا الحقّ وأهله، وأن يحفظنا وإيّاكم من الزلل، وأن يوفقنا
وصالح المسلمين للقول والعمل: (وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلت وإليه
أنيب / هود آية / 88).
1. أحد الأساتذة المدرسين بحاضرة تونس جامع الزيتونة
1. أحد الأساتذة المدرسين بحاضرة تونس جامع الزيتونة
تعليقات
إرسال تعليق