الشاهد الثاني عشر من القسم الأول في سرد طائفة من شهادات ذوي الهيئات الشرعية والمراتب الدينية الرسمية في كتاب الشهائد والفتاوي (1-12) الشيخ محمد بن أحمد بن الهواري (مدرس بغليزان) بالجزائر ومقدم في الطريقة التيجانية.
فيما أجاب به حضرة العالم المتطوع في التدريس بمدينه غليزان, الشيخ السيد محمد بن أحمد بن الهواري 1 عن السؤال الوارد عليه الذي نصه:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
جناب الفقيه المعظم حضرة الشيخ المدرس السيد محمد بن أحمد الهواري
عليكم وعلى من اجتمع بكم من الطلبة ازكى السلام, أما بعد...
فبمناسبة ما عرفته من أنكم اجتمعتم مرارا بحضرة الشيخ السيد أحمد بن عليوة المستغانمي, فلا شك أنه قد اتضح عندكم من أخلاقه ومكانته في العلم والدين, وإن كان كذلك, فهلا يكون عندكم من المستحسن أن تطلعونا عما تحققتم من أمره, وكان الداعي لسؤالي هذا هو ما شاع على ألسنة بعد الجرائد وغيرها من قلب الحقائق ونقل الأخبار على غير وجهها, فألزمت نفسي بهذا الموجب لأعتمد على ما صحَّ عند أمثالكم من أحوال الشيخ المشار إليه. فأخبرونا مأجورين بارك الله فيكم.
والسلام من خادم العلم والحقيقة, محبكم محمد بن عبد الباري الشريف التونسي.
بتاريخ يوم الأحد 15 من ربيع الثاني سنة 1342هـ, 25 نوفمبر 1923م
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد الفاتح الخاتم وآله وصحبه
المحب الأجل الأرضى, العالم العلامة الأفضل الأحضى, الشريف السيد محمد ابن عبد الباري التونسي,
سلام عليك ورحمة الله وبركاته وبعد...
فقد ورد علينا كتابكم الأعز, وقرأناه وفهمنا مضمونه سائلا عمَّا عرفناه من جهة أحوال الولي الصالح, المربي الناصح لخلق الله, الذي لا تأخذه في الله لومة لائم, الشيخ السيدي أحمد بن عليوة المستغانمي.
أما ما عرفناه منه فإن دارهم 2 من قديم الزمان دار وعلم وولاية, وصدق وديانة, من هذا إلى هذا, إلى أن ختم الله به على ما هو عليه من العلم والعمل, والولاية والصدق, لا يترك جمعة ولا جماعة, ومجالسته من صغره العلماء والأولياء, إلى أن حباه الله واصطفاه لحضرته, ثم رجع به للخلق ليبرئهم على يده 3, وهذا معلوم كالشمس في الضحى.
أما المنكر عليه أو (الذي) يقول: "أجد فيه بما ليس فيه" فإنه يحارب الله ورسوله, ففي الحديث: "مَن عادى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب", لأن الولي خرج عن تدبيره إلى تدبير الله, وعن انتصاره لنفسه لانتصار الله له عن حوله وقوته, بصدق التوكل على الله عز وجل, وقد قال سبحانه وتعالى: "وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" الطلاق:3, وقال: "وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ" الروم:47, وإنما كان ذلك لهم لأنهم جعلوا الله تعالى مكان همومهم, فدفع عنهم الأغيار وقام لهم بوجود الانتصار. وعن المرسي رضي الله عنه يقول: "ولي الله مع الله كولد اللبوة في حجرها, آ تراها تاركة ولدها لمن أراد اغتياله؟".
إياك أيها الأخ أن تصغى إلى الواقعين في هاته الطائفة والمستهزئين لئلا تسقط من عين الله وتستوجب المقت من الله, فإن هؤلاء القوم جلسوا مع الله 4 على حقيقة صدق, وإخلاص ووفاء, ومراقبة الأنفاس مع الله, قد سلموا قيادها إليه, وألقوا أنفسهم سلما بين يديه, تركوا الانتصار لأنفسهم حياء من ربوبيته لهم, واكتفوا بقيوميته فقام لهم بأوفر مما يقومون به لأنفسهم, وكان هو المحارب لمن حاربهم والغالب لمن غلبهم 5, ولقد ابتلى الله سبحانه هذه الطائفة بالخلق خصوصا أهل العلم الظاهر, فقلَّ أن تجد منهم من شرح الله صدره للتصديق لولي معين, بل يقول لك: "نعلم أن الأولياء موجودون ولكن أين هم؟", فلا تذكر له أحدا إلا وأخذ يدفع عنه خصوصية الله فيه, وأطلق اللسان بالاحتجاج عاريا من وجود نور التصديق, فاحذر ممن هذا وصفه وفِرّْ منه فرارك من الأسد, جعلني الله وإياك من المصدقين.
وكان أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه يقول: "لما علم الله عز وجل ما سيقال في هاته الطائفة على حسب ما سبق به القلم, بدأ سبحانه وتعالى بنفسه, فقضى على قوم أعرض عنهم بالشقاء, فنسبوا إليه زوجة وولدا وفقرا وجعلوه مغلول اليدين, فإذا ضاق ضرع الولي والصدِّيق لأجل كلام قيل فيه من كفر وزندقة وسحر وجنون وغير ذلك, نادته هواتف الحق في سره: "الذي قيل فيك هو وصفك الأصلي, لولا فضل الله عليك, أما ترى إخوانك من بني آدم كيف وقعوا في جانبي ونسبوا إلي ما لا ينبغي؟", فإن لم ينشرح لما قيل فيه بل انقبض, نادته هواتف الحق أيضا: "لك بي أسوة فقد قيل فيَّ ما لا يليق بجلالي, وقيل في حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم, وقيل في إخوانه من الأنبياء والرسل ما لا يليق برتبتهم من اسم الجنون, وأنهم لا يريدون إلا الرئاسة والتفضيل على الغير".
وعن الشعراني في تنبيه المغترين: "وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: يؤتى بالعيد يوم القيامة فيوقف بين يدي الله عز وجل, فيقول الله عز وجل: "هل أحببت لي وليا حتى أحبك له؟", فأحبوا يا إخواني الأولياء والصالحين واتخذوا عندهم يدا, فان لهم دولة يوم القيامة".
وبه عبيد ربه محمد بن أحمد الهواري الحسني التيجاني, المدرس بمدينة غليزان, كان الله له ولجميع المؤمنين, آمين, آمين.
بتاريخ يوم الأحد 15 من ربيع الثاني سنة 1342هـ, 25 نوفمبر 1923م
فيما أجاب به حضرة العالم المتطوع في التدريس بمدينه غليزان, الشيخ السيد محمد بن أحمد بن الهواري 1 عن السؤال الوارد عليه الذي نصه:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
جناب الفقيه المعظم حضرة الشيخ المدرس السيد محمد بن أحمد الهواري
عليكم وعلى من اجتمع بكم من الطلبة ازكى السلام, أما بعد...
فبمناسبة ما عرفته من أنكم اجتمعتم مرارا بحضرة الشيخ السيد أحمد بن عليوة المستغانمي, فلا شك أنه قد اتضح عندكم من أخلاقه ومكانته في العلم والدين, وإن كان كذلك, فهلا يكون عندكم من المستحسن أن تطلعونا عما تحققتم من أمره, وكان الداعي لسؤالي هذا هو ما شاع على ألسنة بعد الجرائد وغيرها من قلب الحقائق ونقل الأخبار على غير وجهها, فألزمت نفسي بهذا الموجب لأعتمد على ما صحَّ عند أمثالكم من أحوال الشيخ المشار إليه. فأخبرونا مأجورين بارك الله فيكم.
والسلام من خادم العلم والحقيقة, محبكم محمد بن عبد الباري الشريف التونسي.
بتاريخ يوم الأحد 15 من ربيع الثاني سنة 1342هـ, 25 نوفمبر 1923م
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد الفاتح الخاتم وآله وصحبه
المحب الأجل الأرضى, العالم العلامة الأفضل الأحضى, الشريف السيد محمد ابن عبد الباري التونسي,
سلام عليك ورحمة الله وبركاته وبعد...
فقد ورد علينا كتابكم الأعز, وقرأناه وفهمنا مضمونه سائلا عمَّا عرفناه من جهة أحوال الولي الصالح, المربي الناصح لخلق الله, الذي لا تأخذه في الله لومة لائم, الشيخ السيدي أحمد بن عليوة المستغانمي.
أما ما عرفناه منه فإن دارهم 2 من قديم الزمان دار وعلم وولاية, وصدق وديانة, من هذا إلى هذا, إلى أن ختم الله به على ما هو عليه من العلم والعمل, والولاية والصدق, لا يترك جمعة ولا جماعة, ومجالسته من صغره العلماء والأولياء, إلى أن حباه الله واصطفاه لحضرته, ثم رجع به للخلق ليبرئهم على يده 3, وهذا معلوم كالشمس في الضحى.
أما المنكر عليه أو (الذي) يقول: "أجد فيه بما ليس فيه" فإنه يحارب الله ورسوله, ففي الحديث: "مَن عادى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب", لأن الولي خرج عن تدبيره إلى تدبير الله, وعن انتصاره لنفسه لانتصار الله له عن حوله وقوته, بصدق التوكل على الله عز وجل, وقد قال سبحانه وتعالى: "وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" الطلاق:3, وقال: "وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ" الروم:47, وإنما كان ذلك لهم لأنهم جعلوا الله تعالى مكان همومهم, فدفع عنهم الأغيار وقام لهم بوجود الانتصار. وعن المرسي رضي الله عنه يقول: "ولي الله مع الله كولد اللبوة في حجرها, آ تراها تاركة ولدها لمن أراد اغتياله؟".
إياك أيها الأخ أن تصغى إلى الواقعين في هاته الطائفة والمستهزئين لئلا تسقط من عين الله وتستوجب المقت من الله, فإن هؤلاء القوم جلسوا مع الله 4 على حقيقة صدق, وإخلاص ووفاء, ومراقبة الأنفاس مع الله, قد سلموا قيادها إليه, وألقوا أنفسهم سلما بين يديه, تركوا الانتصار لأنفسهم حياء من ربوبيته لهم, واكتفوا بقيوميته فقام لهم بأوفر مما يقومون به لأنفسهم, وكان هو المحارب لمن حاربهم والغالب لمن غلبهم 5, ولقد ابتلى الله سبحانه هذه الطائفة بالخلق خصوصا أهل العلم الظاهر, فقلَّ أن تجد منهم من شرح الله صدره للتصديق لولي معين, بل يقول لك: "نعلم أن الأولياء موجودون ولكن أين هم؟", فلا تذكر له أحدا إلا وأخذ يدفع عنه خصوصية الله فيه, وأطلق اللسان بالاحتجاج عاريا من وجود نور التصديق, فاحذر ممن هذا وصفه وفِرّْ منه فرارك من الأسد, جعلني الله وإياك من المصدقين.
وكان أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه يقول: "لما علم الله عز وجل ما سيقال في هاته الطائفة على حسب ما سبق به القلم, بدأ سبحانه وتعالى بنفسه, فقضى على قوم أعرض عنهم بالشقاء, فنسبوا إليه زوجة وولدا وفقرا وجعلوه مغلول اليدين, فإذا ضاق ضرع الولي والصدِّيق لأجل كلام قيل فيه من كفر وزندقة وسحر وجنون وغير ذلك, نادته هواتف الحق في سره: "الذي قيل فيك هو وصفك الأصلي, لولا فضل الله عليك, أما ترى إخوانك من بني آدم كيف وقعوا في جانبي ونسبوا إلي ما لا ينبغي؟", فإن لم ينشرح لما قيل فيه بل انقبض, نادته هواتف الحق أيضا: "لك بي أسوة فقد قيل فيَّ ما لا يليق بجلالي, وقيل في حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم, وقيل في إخوانه من الأنبياء والرسل ما لا يليق برتبتهم من اسم الجنون, وأنهم لا يريدون إلا الرئاسة والتفضيل على الغير".
وعن الشعراني في تنبيه المغترين: "وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: يؤتى بالعيد يوم القيامة فيوقف بين يدي الله عز وجل, فيقول الله عز وجل: "هل أحببت لي وليا حتى أحبك له؟", فأحبوا يا إخواني الأولياء والصالحين واتخذوا عندهم يدا, فان لهم دولة يوم القيامة".
وبه عبيد ربه محمد بن أحمد الهواري الحسني التيجاني, المدرس بمدينة غليزان, كان الله له ولجميع المؤمنين, آمين, آمين.
بتاريخ يوم الأحد 15 من ربيع الثاني سنة 1342هـ, 25 نوفمبر 1923م
________________
- قال السائل: عندما اجتمعت بفضيلة المسؤول وقدمت إليه السؤال, لم يتردد أن يجيبني في ذلك الحين, وإني لم اجتمع مع أهل دائرته لأحقق ترجمته إلا ما رأيت من حسن أخلاقه في ذلك الحين وتمام تواضعه, وقيل إنه رتب دروسا بإحدى الزوايا التيجانية, كما أُخبرتُ أن له إجازة للتقديم في تلك النسبة أيضا.
- ذكر فضيلة السائل (ابن عبد الباري) أنه سمع من الكاتب (الشيخ محمد بن أحمد بن الهواري) يقول إنه وقع بيده كتاب يستوعب صاحبه أكثر ما يتعلق بمجد هاته العائلة (بن عليوة) ولكن لم يذكر لي عند من وجده.
- أقول لا شك أنه قد اعتمد على ما عرفه من أخلاق المنتسبين للأستاذ, حيث تهذبت أخلاقهم واستقام سيرهم, بالإضافة لما كانوا عليه, وهذا كان عنده كالمعلوم بالضرورة حسبما يفهم من عبارته حيث قال: "وهذا معلوم كالشمس في الضحى".
- كل ذاكر لله يدعى جليسا لله, إن فقه لقوله تعالى في بعض الأحاديث القدسية: "أنا جليس من ذكرني, وانا معه حيث يذكرني".
- على ما يظهر أنه مما يعد أشد بلاء على أهل الإرشاد من عهد آدم عليه السلام إلى يومنا هذا تسلط الخلق عليهم, وهكذا تجد لا بد من طبقة تكون دائما عرضة في طريق الخير, والتاريخ أعدل شاهد, ولنعم ما استشهد به فضيلة هذا الكاتب من كلام الأئمة في جوابه.
تعليقات
إرسال تعليق