عمار البوعبدلي - الشهائد والفتاوي (1-13)

الشاهد الثالث عشر من القسم الأول في سرد طائفة من شهادات ذوي الهيئات الشرعية والمراتب الدينية الرسمية في كتاب الشهائد والفتاوي. (1-13) الشريف النسيب الشيخ عمار بن بايزيد البوعبدلي (مدرس بغيليزان), الجزائر.
فيما أجاب به الفقيه البركة أحد المتطوعين بالتدريس بمدينة غليزان, إيالة وهران, الشيخ السيد عمَّار بن بايزيد البوعبدلي 1 عن السؤال الوارد عليه الذي نصه:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وعبده
الشريف الأصيل والفقيه النبيل حضرة الشيخ السيد عمَّار بن بايزيد البوعبدلي, عليكم جزيل السلام وأوفر التحية وأزكى الاحترام.
هذا أيها المحب, إنه قد بلغني عنكم أنها حصلت عدة اجتماعات بينكم وبين الشيخ السيد أحمد بن عليوة المستغانمي, ولا يخلو من أنكم في تلك الاجتماعات استشعرتم من حاله وتفرزتم من أخلاقه من جهة ما هو عليه من المكانة العلمية والنسبة الدينية, ولهذا أردنا أن نعتمدكم فيما تخبروننا به في ذلك الشأن, وإنه حملني على هذا ما شاع ذكره في بعض الجرائد حسبما هو في علمكم, فأردت أن أدرك الواقع بواسطه أمثالكم, أخبرونا مأجورين.
خادم العلم, محبكم محمد بن عبد الباري الشريف التونسي.
في يوم السبت 14 ربيع الثاني عام 1342هـ, 24 نوفمبر 1923م
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم,
الحمد لله المنفرد بالعظمة والجلال, المتوحد باستحقاق نعوت الكمال, المنزه عن الشركاء والنظراء والأمثال, المقدس عن سمات الحدوث والانتقال والاتصال والانفصال, عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الهادي من الضلال, وعلى آله وأصحابه الذين خلصت لهم الأعمال وصفت منهم الأحوال, وعلى جميع من تبعهم فيما لهم من محامد الصفات ومحاسن الخلال, أما بعد...
فيا أيها البحر الرائق والنور الفائق, الشريف النسيب سيدي محمد بن عبد الباري التونسي, أعزنا الله بسلامك.
أما سؤالك الكريم عن أحوال الشيخ سيدي أحمد بن عليوة المستغانمي, فالجواب:
أما أحواله فهي مغروزة ومركوزة بأحوال ربانية, وهي معلومة بالشواهد الظاهرة من تَجَلُّدِهِ وحرصه على الشريعة النبوية, ولم ينحرف عنها بزمان ولا مكان 2, وكذلك من تبعه على ما جاء به كتاب الله من أمر ونهي, لأننا جالسناه وزاحمناه وبقينا معه على وجه الإنكار 3, وهو في جميع ذلك لم نجده خرج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا عمَّا في كتاب الله عز وجل من أمر ونهي, ولا أتباعه أيضا.
أما أخلاقه فهي حسنة طيبة, نعم, يتأدب حتى مع الحيوان الذي لا يعقل, وإن سألته يجاوبك 4 عمَّا أنت عليه من علم ظاهر وباطن بليِّن ورفق معك, وإن كنت مع توغل في العلم, وينصت إليك على قدر معرفتك ولا يلاججنك 5 ولا يفتتن منك. هذا حال أخلاقه.
وأما نسبه فمعروف مشهور بالشرف, وأما سيرته فسيرة كمال وولاية, لأن حقيقة الولي أن يجتنب النواهي ويمتثل الأوامر, كثير الحياء, عديم اللوم لمن عابه...
وقد أطال الكلام فضيلة الكاتب في هذا الموضوع, إلى أن قال... 6
... فوالله يا أخي ما تنكر عليه أنت (أكثر) مما أنكرنا عليه نحن, ثم سلَّمنا له بعد ذلك تسليما تاما لا رجوع فيه إن شاء الله, ولكن يا أخي ما سلمنا حتى بعد المحاكاة والمزاحمة وكثرة السؤال, فوجدنا الأمر على حق ويقين, فرددنا النفس عن محلها الهوائي, ومن هنا حملنا الكلام القاصر على وجه ظاهر لما قالوا أن "سيد الأكياس من صوَّب خطأ الناس" 7, و "من اتسع علمه قلَّ إنكاره", فربَّ مُنْكِرٍ لا تُقَالُ عِثَارُهُ, والكريم حليته الغض, واللئيم مذبته العض, جعلنا الله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأتمَّ علينا بالحسنى فضلا منه.
من خادم أهل الله عبيد ربه سبحانه, عمَّار بن بايزيد البوعبدلي الساكن والمدرس بمدينة غليزان
في يوم الإثنين 16 ربيع الثاني عام 1342هـ, 26 نوفمبر 1923م
_____________
  1. قال فضيلة السائل: "قد كنت اجتمعت بحضرة المشار إليه في وقت غير متسع, وقد كنت سألت عنه من يعرفه فقيل لي "أنه شريف النسب, خامل متواضع, قليل المخالطة", فقدَّمت إليه السؤال وذكرت له بأني مستفسر عمَّا عرفه من أحوال الشيخ لا غير, ثم طلبت منه أن يجيبني كيفما بدا له بدون ما يعتبرني معتقدا ولا منتقدا, غير أني لما تصفحت جوابه وجدت فيه ما يشعرني بأنه اعتبرني منتقدا", انتهى. قلت وهذا فيه زيادة إيضاح لما قدمناه من إن فضيلة السائل كان يتظاهر للمسؤول بصفة سائل مستفهم لا غير كل ذلك منه, جزاه الله خيرا على أنه حرص على تمحيص الواقع.
  2. يظهر من هذا أن فضيلة الكاتب كان يراقب أفعال الأستاذ وأتباعه لما عسى أن يرى منه من انحراف حسبما سيظهر ذلك من كلامه, وقد اتضح عنده في الأخير أنهم أشد الناس محافظة وأقواهم مراعه لأداء واجبات الدين.
  3. وكم من واحد لا يجالس الأستاذ أو أتباعه إلا بتلك الصفة ويدوم على ذلك حتى يتبين له الحق ,فيخبر عن نفسه أنه ما كان يجالسه إلا بصفة منتقد حسبما أخبر به فضيلة الكاتب, وهذا مما يفيدنا أن هذه النسبة لم تكن مؤسسة على ريبة وإلا افتضحت, وحاشا لله أن يشوب صفوهم كدر. جاء في ترجمة الغوث الشيخ أبو مدين شعيب رضي الله عنه, أن رجلا دخل إلى مجلسه ليعترض عليه, فجلس في الحلقة فأخذ صاحب الدويلة في القراءة فقال له الشيخ: "أمهل قليلا", ثم التفت إلى الرجل وقال له: "لم جئت؟" فقال له: "لأقتبس من نورك" فقال له الشيخ: "وما الذي في كمك" قال له: "مصحف قرآن" فقال له: "افتحه واقرأ في أول سطر يخرج لك ما تحتاج", فلما فتحه ونظر أول السطر فإذا فيه "الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا, الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ", سورة الأعراف - الآية 92. فقال له الشيخ: "أما يكفيك هذا؟" فاعترف الرجل بذنبه وتاب وصلح حاله ولم يفارقه بعد ذلك.
  4. قد أخبر فضيلة الكاتب هنا على ما كان يلقاه من الأستاذ, وإلا فقد كان الأستاذ لا يجيب أحيانا إذا كان المقام غير قابل للكلام أو يجيب على غير ما يتضمنه السؤال, بمعنى أنه يستلفت السائل إلى معنى أهم له من ذلك.
  5. وقد كان لا شيء أبغض إليه من اللجاج, وهكذا تجده يتملص منه بقدر الإمكان.
  6. يشير بذلك إلى جملة حذفت للاختصار, وقد يجري فيما سيأتي شبه هذا في كثير من الأجوبة.
  7. قال الأستاذ رضي الله عنه: "قد كان هذا فيمن سبق أو فيمن كانت ضالته تحقيق الحق, أما الآن فقد يرى عندهم سيد الأكياس من يبالغ في تخطئة الناس حتى تكاد لا تجد له مصوَّبا, صوَّب الله خطأنا وخطأ المسلمين, آمين". انتهى كلام ما كتبه فضيلة الكاتب, ولنعم ما بذله من النصائح, فجزاه الله عن ذلك خيرا.


تعليقات