أحمد بن الحبيب سي ناصر - الشهائد والفتاوي (1-15)

الشاهد الخامس عشر من القسم الأول في سرد طائفة من شهادات ذوي الهيئات الشرعية والمراتب الدينية الرسمية في الشهائد والفتاوي. (1-15) أحمد بن الحبيب بن مصطفى سي ناصر (مدرس بوجدة) المغرب (شقيق الشيخ العربي بن الحبيب سي ناصر). توفي سنة 1942
فيما أجاب به فضيلة الشريف الأصيل العالم الجليل المدرس بمدينة وجدة البركة الشيخ السيد أحمد بن الحبيب بن مصطفى 1 عن السؤال المذكور سابقا وهذا نص الجواب:
الحمد لله رب العالمين الذي شرح صدر من أراد به خيرا يفقهه في الدين والصلاة والسلام على سيدنا محمد قدوة العارفين وآله وأصحابه الهادئين المهتدين
هذا وقد طلب منا الفقيه الفاضل والبحر الهمام من جمع الفواضل, الشيخ السيد محمد بن عبد الباري الشريف التونسي الكامل برسالة مؤرخة بـ 10 ربيع الثاني 1342 هجرية, الثلاثاء 20 نوفمبر 1923م بحثا عما هو بصدده عن الشيخ السيد أحمد بن عليوة المستغانمي مما ادعى به, لأنا كنا قد اجتمعنا معه وقت سفره وجلوسه بمدينة وجدة, وهل اجتمعنا باتباعه أو تصفحنا شيئا من مؤلفاته أو بلغنا شيء من إرشاداته, فأجبنا بحسب الوسع والزمان 2 وإن كنا لسنا ممن وصل إلى هذا الميدان, فأقول والله الموفق لحصول المأمول.
لا ريب عند ذي اللب الكامل والرأي الشامل أن الشيخ المذكور والأستاذ الذي عليه مسؤول, له قدم راسخة في علم القوم 3 وميز كامل لا ينكره إلا مزكوم, ونسب صالح حسبما ذلك مقرر عند ذوي العقول, وعلم غير مشوب في المعقول والمنقول 4, وناهيك بالفتح الذي فتح الله به عليه حيث جعل الإقبال في طريقته 5, له سادات وقادات أتباع 6 يعظمونه ويحترمونه, فحصل لهم بوجوده انتفاع, ولا عبرة 7 بالمنتقد عليه إن قدر فليدع 8 بما ادعى هو به, والمعاصرة تذهب المناصرة 9, والشاعر يقول: "عن المرء لا تسال وأسال عن قرينه", وفي الحكم لا تصب من لا ينهضك حاله ولا يدلك على الله مقاله... 
... إلى آخر 10  ما أطال به فضيلة الكاتب من جلب الدلائل والتسليات إلى أن قال...
... وكان الحسن ابن حمزة 11 يشتم الإمام مالك وينقصه, قال: "فرأيت في النوم الجنة فتحت, قلت: ما هذا؟ قالوا: الجنة, قلت: ما هذه الغرف؟ قالوا: لمالك. قال: فلم انتقصه بعد ذلك وصرت اكتب عنه."
ثم بعد قليل ختم فضيلة الكاتب جوابه بقوله:
انتهى الجواب بالمراد, وعليه الاتكال والاعتماد, وفيه كفاية لمن أنصف, وبالحق رجع واعترف, وإن الائتلاف من مهمات الأمور, والاختلاف شنيعة ازمه الدهور.
بتاريخ 9 جمادى الثاني عام 1342هـ, الخميس 17 يناير 1924م.
عبيده ربه وأقل العبيد أحمد بن الحبيب بن مصطفى, أحد المدرسين بمدينة وجدة, لطف الله به بمنه وكرمه.
 
________________
  1. قال فضيلة السائل (بن عبد الباري) أنه بلغني ممن يوثق به أن سيادة المشار إليه من أفراد الهيئة العلمية وأعيان الشرفاء بمدينة وجدة, وإنهم يذكرون عليه من حسن السيرة وصفاء السريرة ما يجدر بالاعتبار, وقد تقدم ما يتعلق بفضيلة أخيه الشقيق الشيخ السيد العربي بن الحبيب, وإذن فهو صنوه, أحيا الله بأمثالهما البلاد والعباد.
  2. يظهر من عبارة فضيلة الكاتب أن لو اتسع الزمان ولم يكن الجواب مقيدا بالفور, لأسهب الحديث في هذا الموضوع, وهكذا كان يشير أكثر الفقهاء المسؤولين لذلك.
  3.   يشعر بذلك من له إيمان بمعارف القوم حسبما أخبر به غير واحد من تلك الطبقة, وهكذا تجدهم إذا حضروا مجالسه لا يكون الاعتماد غالبا إلا على يومئ إليه مذاق الأستاذ في النازلة.
  4. يفهم من فضيلة الكاذب أنه مارس شيئا من أحوال الأستاذ وأمعن النظر في مؤلفاته, ولهذا كان غير متردد فيما يخبر به.
  5. يرى فضيلة الكاتب ذلك من أبلغ دليل على صحة ما ادعاه الأستاذ والا لما تخللت طريقته أكثر الأقطار وتمكنت في غالب الأمصار, فكفى بذلك آية, والتي هي أكبر منها هي تأسيسه في هذا الأخير زاوية في مدينة باريس وما أدراك ما باريس (مدينة الكفر والإلحاد) , فهل ترى هل يكون هذا لغير مادة ربانية وقوة روحانية؟ فما أظن ذلك! كما لا أظن أيضا أن الناس يبالغون في تعزيز هذه النسبة على غير جدوى, فهم أبعد من أن ينطبقوا على مدح رجل فضلا عن خدمته وترويج مقاصده لا لحجة يعتمدونها, "والناس أكياس من أن يمدحوا رجلا * إن لم يروا عنده أثار إحسان".
  6. يشير بذلك إلى ما عرفه من شيم أتباعه وما هم عليه من حسن السيرة وصفاء السريرة, إلى أن ارتفعت رتبتهم واتضحت خصوصيتهم, فمنهم الآن سادات وقادات قد أحيا الله بهم قلوبا وفتح عيونا, ولو شئت لذكرتهم بأسمائهم ومواطنهم, ولا ربما أذكر شيئا من ذلك إن دعت إليه المناسبة فيما سيأتي (أنظر القسم الخامس من هذا الكتاب).
  7. بما أن الانتقاد عادة في العباد, وعليه, فلا يعتد انتقاد المنتقد, ولو اعتدينا به لما برأنا أحد من الداعين إلى الله على اختلاف طبقاتهم من لدن آدم إلى يومنا هذا, ونص ما يعتمد عليه في هذه النازلة قوله تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ" الفرقان:31, فإذا لم تسلم رتبة النبوة من الأعادي مع وضوح الحجة فكيف تسلم رتبة الولاية مع خفائها؟
  8. فكأنه يقول: إذا كان المنتقد يرى ما ظهر على يد هذا الأستاذ من الهداية والإرشاد وانقياد العباد سهلا فليفعل مثله بأن يجمع إليه ما استطاع من الخلق ثم يرشدهم إلى الطريقة المثلى إذا كان يرى إرشادات الأستاذ منحرفة عن طريق الرشاد, وهذا ما ينبغي أن يقال لمثل من يرى الآية غير آية في بابها جريا على ما جاء به التنزيل في هذا الباب, "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ, قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" هود:13.
  9. يعني فضيلته بذلك ما استفاد من أخلاق اتباعه, فكان ذلك عنده صالحا في كون ما اتصفوا به مستمدا من أخلاق متبوعهم ومرشدهم, وقد كانت له مخالطة مع خاصة الأستاذ وأهل بطانته.
  10. يظهر من هذا أن هناك جملة حذفت للاختصار تتضمن عدة دلائل وتسليات حسب ما يذهب به خاتمة الجواب.
  11. هذا ونحوه مما يفيدنا أن سلامة الداعين إلى الله من معاصريهم تكاد أن تعد من قبيل المحال, وعليه فإن كان لم يسلم الإمام المالك وأضرابه فمن البعيد أن يحاول السلامة غيره مهما كان من الزعماء والله أعلم.

 







تعليقات