فيما يخص الشيخ محمد البوزيدي

الأكثر شهرة في التعريف بتاريخ ازدياد الشيخ محمد البوزيدي هو أنه ولد عام 1824 حسب ما ورد في كتاب "الأنوار القدسية الساطعة على الحضرة البوزيدية" للشيخ عبد القادر بن طه, المعروف بدحاح البوزيدي.

لكن تقدير آخر تقدم به نكروف الشارف, وهو عام 1814, في مقالته الأخيرة باللغة الفرنسية بتاريخ 30 أغسطس 2015 "مستغانم: الندوة الوطنية للزاوية البوزيدية: " التصوف: طريق الحب ومدرسة الأخوة". من المحتمل جدًا أن هذا العام 1814 صحيح لأنه يزيل التناقضات الزمنية التي تمكنت من ملاحظتها في سيرة الشيخ محمد البوزيدي.

فيما يخص اعتقال الشيخ البوزيدي في عام 1844 والذي لم يكن قد بلغ العشرين من عمره بعد, من قبل السلطات الاستعمارية الفرنسية التي اتهمته بأنه مخبر للأمير عبد القادر الجزائري الذي قاد حربه ضد المستعمر من 1832 إلى 1847. من ناحية سيطر الأمير في عام 1834 على إقليم وهران الشاسع من الشلف إلى حدود المملكة المغربية, لذلك كانت مستغانم مع جارتها وهران مراكز استخباراتية. ومن ناحية أخرى, في عام 1844, العام المفترض لاعتقال الشيخ البوزيدي, كان الأمير خارج الحدود الجزائرية وهُزم في معركة إيزلي بالقرب من وجدة, في 14 أغسطس 1844. إذا من الأرجح أن عام 1834 هو العام الأصح لاعتقاله تعسفاً.

يقول نكروف الشارف في مقالته أن الشيخ البوزيدي بقي ست سنوات كشيخ تربية في زاوية كركر بالمغرب, وقد تأكدت من هذا التقدير من أحد مصادري.

السنوات الأربعون التي خدم فيها الشيخ البوزيدي شيخه محمد ابن قدور الوكيلي تبدو لي مبالغ فيها قليلاً, هذه قناعتي الشخصية, فالشيخ العلاوي يقول في سيرته الذاتية حين تكلم عن شيخه الشيخ البوزيدي والذي استحضر مدة خدمة هذا الأخير لشيخه حوالي ثلاثة وثلاثون عاما. والأكثر منطقي, ووفقا لحساباتي, هو أن أربع وأربعين عام هي المدة الكاملة الذي أمضاها الشيخ البوزيدي بالمغرب (1834-1878), منها ثلاث وثلاثين عاما (1834-1867) على أكثر تقدير مكرسة لخدمة الشيخ ابن قدور, وست أعوام كشيخ تربية على رأس الزاوية الكركرية من 1867 إلى 1873 ومع ذلك, فإن الوقت الذي قضاه في قرية وردانة لا يزال مجهولاً, ولا شك في أنه سيكون من الصعب تقدير مدته, وسأشرح ذلك بالتفصيل.

أما عام وفاة الشيخ ابن قدور الوكيلي فلا يزال غير متأكد منه, فقد أدرج أحمد عبد السلام بلقايد عام 1869 في كتابه "شموس العارفين", ولكن حسب حساب عمر ابنه الشيخ الطيب الوكيلي الذي توفي عام 1914, والذي شغل مكان والده على رأس الزاوية لمدة أربعين عاما, وعاش إحدى وستين عاما. ما يعني أنه كان في الرابعة عشرة من عمره عندما توفي والده الشيخ ابن قدور عام 1867. والسبب في طلب الشيخ ابن قدور من الشيخ البوزيدي في أن يبقى حتى يصل ابنه الطيب إلى سن الرشد, هو أنه تم اختياره من بين إخوته, الأكبر منه, ليكون خليفته ووارث سره.

وفي الختام, ترك الشيخ البوزيدي زاويه شيخه عام 1873 بعد الإذن الذي أتاه والذي أبلغه به شيخه قبل وفاته وهو حين يعاديه أهل كركر.

وأخيرًا, يقول الشيخ أحمد العلاوي المولود عام 1874, في الجزء الأول من حياته: "أما أنا فما كنت أعرفه سوى يوم سمعت باسمه في حال الصغر بمناسبة مرض كان أصابني فجيء إلي برُقية, فقيل لي هذا من عند سيدي "حمو الشيخ البوزيدي", فاستعملتها فعوفيت من ذلك".

إن عام 1889, العام المفترض لعودة الشيخ البوزيدي إلى الجزائر غير مؤكد منه لأن أحمد بن عليوة كان في الخامسة عشرة ولم يعد صغيراً. إذا استندنا على النص السابق يمكننا فقط أن نفترض أنه كان بين سن السادسة والعاشرة على أكثر تقدير أي ما بين 1880 إلى 1884, ومن المعروف أن أمر المرقي الماهر يستغرق بعض الوقت ويتطلب ثقة معينة من طرف السكان حين تجلت سمعة الشيخ البوزيدي في شهرته والفعالية الممتازة لرقياته العلاجية.

نستنتج إذا أن مشروع عودة الشيخ البوزيدي إلى الجزائر كان ابتدءاً من عام 1873, أما الوقت الذي قضاه في وردانة, أقدره بنحو خمس سنوات, أي من 1873 إلى 1878 لأنه وفقاً لكتاب الشيخ دحاح, الشيخ البوزيدي لم يغادر هذه القرية حتى رأى أن مجهوده قد أثمر وذلك يتطلب بضع سنين, فمن الصعب للغاية تجاوز هذه الفترة لأن الرُقية التي جاءت من سيدي حمو الشيخ إلى أحمد بن عليوة عندما كان صغيراً كانت ما بين 1880 و 1884. لذا فإن عودته إلى مستغانم كانت في رأيي ومنطقيًا عام 1878.

علاوة على ذلك, تجدر الإشارة إلى أن الستة عشر عامًا (1894/1878) التي قضاها الشيخ البوزيدي في مستغانم قبل لقائه مع أحمد بن عليوة المعروف بالعلاوي في وقت لاحق, هي فترة كبيرة, الطريقة الصوفية الدرقاوية للشيخ البوزيدي لم يكن لها صدى في الصحف آنذاك. (يتبع)

تعليقات