التمهيد الثاني - الشهائد والفتاوي

في ابتداء تكوين الاعتراض على الطائفة العلاوية

أقول إنه بعدما كان كالمتقرر لدى الفكر العام ممن بلغته أخبار الطائفة العلاوية أنه لا يسمع عنها وعن مؤسسها إلا أنهم ابعد الناس عن السفاسف وأحرصهم على التكاليف الشرعية بحجة ما تقرر من عملهم المشكور الذي دامت عليه الطائفة نحو اثني عشر سنة وهذا زيادة على ما اشتهر به مؤسسها بالخصوص.

وبتاريخ عام 1339هـ الموافق لـ 1921م قام من يروج في بعض الجرائد ما أوحى له به شيطانه وأغراه عليه قرينه فأخذ الباطل في جولته المعهودة إلى أن كاد يقضي على شرف النسبة عند من لم يتحر الصحة في الأخبار ومما أعان المغرضين على ترويج بضاعتهم تغافل الأكابر من رجال الطائفة عن رد خزعبلاتهم وتزييف ضلالاتهم إلى أن كادت تتمكن من بعض القلوب السليمة. كان ذلك منهم اكتفاء بعلم الله فيهم واعتمادا على مشروعهم في نسبتهم حيث أنها لا تهدأ عن سيرها المتواصل غير أن التغافل قد يكون أحيانا للنفوس اللئيمة شبه الإغراء وإلا ففيهم ومنهم من هو بالمقاومة أحرى من هذا الكاتب وهذا هو الذي أوقف عزيمتي وكاد أن يقضي بعدم كتابتي في هذا الشأن وهكذا يفعل بي وبمن هو على شاكلتي فيكون في نقطة لا يسعه أن يرسل القلم بمحضرهم ولا يتحمل شبه تحملهم فهو بما تَلَبَّسَ به يظهر أنه فاقد القوة صبرا ومعلومات.

أما أنا فقد كنت على خبرة من جهة ما اعتمدوه في ركونهم عن الكتابة في هذا الموضوع وهو علمهم أن المشاجرة الناشئة عن حسد أو ضغينة لا تقاومها الحجج كيفما كانت بما أن الحسود لا ‏يرضيه إلا زوال ما أنعم الله به على محسوده, ولو قرأت عليه التوراة والإنجيل فما يزيد استماعهما إلا تضليلا, وعليه فمعالجة داءه لا يستفيد الحكيم منها إلا ضيعة الأوقات وهذا أقصى ما يرتكبه الكرماء عندما يبتليهم الله باللئام ونعم المرتكب, لكن إذا لم يخش معه ثبوت التهمة عند خالي الذهن وإلا وجب التبيين والشاهد على هذا هو قوله تعالى فيما حكاه عن يوسف عليه السلام حيث قال "هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي" (يوسف:26) عندما قيل للعزير "مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (يوسف:25), وما كان ليريد أن يدافع عن نفسه لو خشي أن تعلق التهمة به فتكون له أبلغ معارض في طريق الإرشاد لدين الله وهو أقوى معتمد في مدافعة البعض من أهل الله على أعراضهم.

ولموجب ما قدمناه لم تسمح نفسي بالمثالب وشبهها من نحو السباب والمعايب أن تتوجه لأي طائفة من المسلمين وإن لم تشملني نسبتهم فكيف إذا كنت ممن تربى في حضانتهم وتغذى بلبابهم, غير أني قبل انشغالي بهذا المشروع جردت نفسي وتصورت كأني من الغير ليتسنى لي العمل على أبلغ تحرير فنكاتب كالمستفسر على التقدير ليجيبني المسئول بحرية ضمير. وهكذا كنت نقدم السؤال على ما يقتضيه حال المسئول ثم نبعثه له ليجيبني عن معتقده فيما يتعلق بالشيخ العلاوي وأتباعه, وما أعتمد في ذاك غالبا إلا على أهل الهيئات الشرعية والمناصب الدينية ممن أتحققه أنه على خبرة مما أسأله فيه ليكون الجواب حجة في بابه, والمنة لله حيث ألهمني لأقطع دابر الخصام بألسنة العلماء الأعلام. فها أنا الآن أتكلم بألسنتهم وأخبر بشهاداتهم طبق ما توفر لدي بإمضاءاتهم والفضل لهم فيما أجابوا به ومسؤولية كل كاتب تتعلق به إلا ما كان من قبيل النقل, فالله يحاسبني إن نقصت منه أو زدت فيه.1

تنبيه: أقول أنه لما كانت الشهائد مختلفة المصادر والمضامن فمنها ما هو خاص بالشيخ ومنها ما هو خاص بأتباعه ومنها ما هو صادر من أكابر العلماء من نحو القضاة والمفاتي وأكابر المدرسين ومنها ما هو من نحو المتطوعين والمترشحين ومنها ما هو من أعضاء المجالس البلدية وأعيان البلدان ومنها ما هو من أعيان الأتباع من نحو الفقهاء والفضلاء, ظهر لي أن نقسم ذلك على أربعة أقسام فنذكر منها ما هو بالصدارة أهم من شهائد أهل الهيئات الشرعية من نحو القضاة والمفاتي والمدرسين والمتطوعين اعتبارا لمنصبهم وتوقيرا لجنابهم ولأنهم شهداء على غيرهم من الأتباع ثم نعقبهم باعترافات رؤساء المدن من نحو أعضاء المجالس البلدية وغيرهم ثم نذكر ما أجاب به رجال الطائفة من فقهاء وغيرهم حسب الأسئلة المتوجهة إليهم ثم نختم بما عثرت عليه من رسائل بعض الأفاضل من علماء ورجال الأمة الذين كانوا يكاتبون بها الشيخ كنت اكتفيت بوجودها على أن نسأل أربابها بما أن كل رسالة ترى حجة في بابها, وليرى القارئ ما كانت عليه مكانة الأستاذ في قلوب أولئك المخاطبين, وعليه فيكون مجيء الكتاب على أقسام أربعة. وبعدما رتبته هذا الترتيب ظهر لي أن نسميه "الشهائد والفتاوي فيما صح لدى العلماء من أمر الشيخ العلاوي". جعلني الله ومن قرأه أو وعاه في دائرة من يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

_________________

  1. إلا ما كان من قبيل الاختصار فقد اختصر (المحرر) بعض الشهادات والرسائل لطولها واقتصر على ما فيه الكفاية والى ذلك يشير بقوله: "إلى أن قال...."


- إنتقل إلى فهرس الشهائد والفتاوي

تعليقات