وإني أقول إن وضوح النص من جهة إضافة الروح لله عز وجل لم يكن محمولا في لسان الشرع قديما ولا حديثا على ما تحمله عليه النصارى الآن, والشاهد على ذلك هو اعتراض القرآن نفسه على من يقول بثبوت الجزء الإلهي في المسيح.
فبعد تشديد النكير على أرباب ذلك المعتقد قال: "إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ ۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٍۢ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن" آل عمران, الآية 59, دفعا لما يتوهمه, ولما كان في المبشرين من يحافظ على تلك الآية المخصصة للمسيح بإضافة روحه لله عز وجل, محافظة الشحيح على درهمه لا يقبل في ذلك, إلا أنها جاءت تثبت ما تعتقد النصارى فيه.
كنا دفعنا زعمه هذا بما ورد في حق آدم فأصبح إذ ذاك الأمر مشاعا بينهما, وعلى فرض أن تسمح نفس الخصم بأن يعطي لآدم نظير ما أعطاه لعيسى, وهو بعيد أن يجعل لعيسى مشاركا, ففي القرآن أيضا ما يدحض حجته وهو قوله عز وجل من قائل : "وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ" سورة الجاثية, الآية 13, وإذاً فما يرى في حرف الجر هذا؟ وبالجملة فان حرف الجر هذا لم يكن مقصورا عند العرب على معنى التبعيض حتى نجعله نصا صريحا على ما تعتقده النصارى, إنما جعلوا له معاني كثيرة, فليأخذ المنصف منها ما يناسب المقام, والسلام.
المصدر: جريدة البلاغ الجزائري - من أجوبة الأستاذ في مسألة المسيح. العدد 130 بتاريخ 3 ربيع الأول 1348 (09-08-1929).
تعليقات
إرسال تعليق