روايات-21- الشيخ العلاوي والسكِّير التائب

في يومٍ من الأيام، كان الشيخ العلاوي موجودًا في زاوية الجزائر، محاطًا بمريديه. وبينما كان الهدوء يسود المكان، دخل رجلٌ إلى القاعة، رجلٌ سكِّير. كان ثَمِلًا، في حالةٍ من الاضطراب الشديد وفقدانٍ تام للاتزان. اقترب الرجل مترنّحًا، مُصرًّا على مقابلة الشيخ. فحاول المريدون، وقد انتابهم القلق، منعه من المرور، خوفًا من أن يُزعج شيخهم أو يسيء إليه. 

لكن الشيخ العلاوي، بإشارةٍ هادئة، أمر قائلًا:
- "هَيّا، هَيّا، دعوه يمرّ!"

قدّم الرجل نحو الشيخ، وكاد يلقي بنفسه عند قدميه، متوسّلًا بحرارة:
- "سيدي، اطلب من الله أن يغفر لي." 

فأجابه الشيخ العلاوي، بكل لطفٍ ورحمة: 
- "سأفعل، ولماذا لا تصبح واحدًا من أتباع طريقتنا؟"

تفاجأ الرجل من هذا الجواب، وسأل بنبرةٍ مترددة: 
- "كيف؟ أتقبل سكيرًا مثلي تلميذًا لك؟" 

ابتسم الشيخ بهدوء، ومدّ يده إليه دون أي حكمٍ أو إدانة، بقلبٍ مفعمٍ بالرحمة، وقال: 
- "نعم، أقبلك ومن كل قلبي. فهل تقبلني أنت أيضًا؟"

ثم، وكأنه أراد أن يختم هذا الموقف بالقبول والتطهير، طلب الشيخ أن يُملأ إناءٌ بالماء. والتفت إلى الرجل قائلًا:
- "اذهب فاغتسل وتطهّر بهذا الماء. نظّف جسدك وقلبك".

ثم أضاف: 
- "فإن الطهارة ليست ظاهرية فقط، بل يجب أن تبدأ من الداخل".

أخذ الرجل الإناء، وما زال مترددًا لكنه متأثرٌ بعمق، وابتعد ليغتسل. ثم عاد بعد حين، أكثر هدوءًا، وأكثر صفاءً، وبنظرةٍ مختلفة، كأنه قد خضع لتحوّلٍ داخلي. وكان الشيخ، بحكمته، يعلم أن الطهارة الخارجية يمكن أن تكون بداية لطهارةٍ داخلية حقيقية. 

يُبيّن لنا الشيخ العلاوي أن الاستقبال والقبول لا ينبغي أن يكونا مشروطين بالأخطاء الماضية أو بالحالة الراهنة للفرد. فالرجل، رغم كونه سكيرًا، استُقبل بالرحمة والمحبة. إن رحمة الله تتجاوز كل حكمٍ بشري. 

أهمية الطهارة الداخلية:
حين طلب الشيخ من الرجل أن يغتسل، كان يُجسّد رمز الطهارة، ليس الجسدية فحسب، بل الروحية أيضًا. فكما ينظف الماء الجسد، يمكنه كذلك أن يطهّر القلب والروح. إن التحوّل يبدأ بفعلٍ بسيط لكنه عميق: فعل الغُسل والتطهير. 

فالشيخ، بعيدًا عن الإدانة أو الإعراض، يمدّ يده لمن هو في حاجة، مهما كانت حالته. ويُظهر أن الحكمة الروحية الحقيقية تكمن في القدرة على فتح طريق الخلاص، دون الالتفات إلى المظاهر الخارجية للفرد. 

والماء، في العديد من التقاليد الروحية، رمزٌ قويّ للتطهير. وعندما طلب الشيخ العلاوي من الرجل أن يغتسل، منحه فرصة للتطهر من ذنوبه وبدء حياةٍ جديدة، مليئة بالتوبة والإخلاص. إنه نداء للتجدد الروحي، ودعوة إلى الانبعاث الذاتي.

وهكذا، تعلّمنا هذه القصة أن الروحانية الحقة لا تقوم على رفض من أخطأوا، بل على استقبالهم بالمحبة، وإرشادهم نحو الطهارة الداخلية، ومنحهم طريقًا للخلاص. فالرحمة هي مفتاح الطريق الروحي الحق. 

مستوحى من مجلة المرشد، فبراير 1951، العدد 46، الصفحة 9. ترجمه إلى العربية درويش العلاوي

تعليقات