انتشرت الأخبار كالنار في الهشيم عن قدوم شيخ كبير إلى منطقة القبائل, لم يكن موعد قدومه معروفا بالضبط, لذلك كان المؤمنون وغيرهم ينتظرون قدومه بفارغ الصبر.
في تلك البقاع الأمازيغية المنيعة, منطقة القبائل, كان على الشيخ العلاوي أن يستقر لعدة شهور ليتمكن من زيارة جميع القرى, محاطًا بأتباعه, للتذكير والإرشاد والتعليم في عالم انغلق على نفسه. وكانت أقبو أول قرية استقبلته, ثم تمقرة, مسقط رأس سيدي يحيى العيدلي الشهير. بعد الترحيب الحار والأخوي الذي حظي به من قبل السكان, واصل الشيخ رحلته في عدة مناطق: بني أورتيلان, بني شبانة, الماين أو الماعن, أدرار نسيدي يدير, الجعافرة... إلى أن انتهى به المطاف في برج بوعريريج. عندما نعلم أنه لم يكن يتحدث اللهجة الأمازيغية, يمكننا أن نقدر كيف تمكن بسرعة كبيرة من حشد نخبة العلماء والشعب رغم وجود مشايخ زوايا صوفية أخرى.
نقل لنا سيدي أحمد أوحمودة إحدى مذاكرات الشيخ العلاوي:
- "إخواني! الرجل الكامل, هو ذاك الرجل الذي تجاوز الصفات الحيوانية. أنظروا إلى هذه الجبال الشامخة, أي منا يستطيع أن يدعي منافستها في الارتفاع؟ مهما نظرنا إلى إخواننا باستعلاء وكبرياء ,عبثا, لن تبلغ رؤوسنا مستوى هذه الذروة من الجبل. وانظروا إلى ما يحيط بكم, هذه الغابات, هذا الكم الهائل من القرى في قاع السهول أو بجانب الوديان أو جاثمة على جوانب الجبال, وحتى هذه الجبال, كل ذلك مصيره الاضمحلال والفناء. إن القوة التي أنعم بها الله العلي القدير البعض منا, لن تبقى إلى الأبد, ومحتوم عليها الزوال والفناء هي الأخرى... ".
وخلال زيارته, تعلق به عدد كبير من أبناء تلك المنطقة, أكثر من 6000 شخص, ناهيك عن الذين اقتصروا على أخد العهد للبركة دون طلب المزيد من معرفة الله. كما أنه ذهب إلى منطقة الأوراس بعدها, وتشير الإحصائيات الاستعمارية إلى أنه خلال إحدى هذه الرحلات إلى شرق الجزائر, تعلق به أكثر من 14000 شخص في غضون أسابيع قليلة. وظل سكان هذه المنطقة يدخلون هذه الطريقة أفواجا, ولا يمكن معرفة عدد القائمين على التربية والإرشاد منهم, ومن النادر ألا يوجد في أي قرية أفرادا من هذه الطائفة العلاوية, ونقصد المرشدين الذين نجحوا في توعية الناس من منطقة القبائل الكبرى, ومن البيبان, والبابور, الذين نجحوا في توعية ووعظ الكثير من لصوص المواشي وغيرهم من الفئات الإجرامية الخطيرة, حتى صارت تلك المناطق لا يكاد يوجد بها من الجانحين إلا القليل مما كان عليه في الماضي.
درويش العلاوي
تعليقات
إرسال تعليق