في يوم من الأيام، كان الشيخ أحمد العلاوي (قدس الله روحه) يمشي في شوارع الجزائر العاصمة متجهًا نحو الجامع الكبير.
وبينما كان يسير في الطريق، تبعه نحو المائة شخص، لا يظهر عليهم من الإسلام سوى الاسم. كانت حياتهم اليومية بعيدة عن الالتزام الديني، ولم يكن لديهم من ملامح التقى والتدين ما يدل على أنهم يسيرون على الطريق الصحيح.
وعندما وصلوا إلى عتبة الجامع الكبير، اقترح الشيخ عليهم دخول المسجد معه. لم يتردد أحد منهم، بل تبعوه في هدوء وحب، وهم يتساءلون عن ما الذي سيحدث بعد ذلك. دخلو جميعًا مع الشيخ إلى المسجد، فدعاهم للجلوس، وجلس هو وسطهم، ثم بدأ يعظهم ويعلمهم ما ينبغي أن يعرفوه من أصول الإسلام وأخلاقه.
لم يكن الشيخ العلاوي يعظهم عن مجرد عبادات، بل عن الروح الحقيقية للإسلام: التوبة، الطهارة النفسية، والإخلاص في الطاعة لله. كانت كلمات الشيخ تحمل في طياتها نورًا يهدي القلوب المظلمة ويشعل في النفوس روحًا جديدة. وقد أظهر لهؤلاء الأشخاص، الذين كانوا بعيدين عن الطريق الصحيح، أن الإسلام ليس مجرد اسم أو تقاليد، بل هو طريق حياة يجسد الإيمان في القلب والعمل.
وعند انتهاء الدرس، دعاهم الشيخ للانصراف إلى القبلة، وقال لهم: "توبوا إلى الله، وارجعوا إليه بكل صدق." فاستجابوا له جميعًا، وتوجهوا نحو القبلة معلنِين توبتهم بصدق، وكانوا يعلمون في أعماق قلوبهم أنهم على أعتاب بداية جديدة.
ثم، وفي لحظة من الخشوع، تقدموا جميعًا إلى الشيخ ليقدموا له أيمانهم، مؤكدين على أنهم سيظلّون مخلصين لله ولن يخالفوا شرع الله أبدًا. كانوا جميعًا قد قرروا أن يغيروا مسار حياتهم، فكانت تلك اللحظة بمثابة بداية جديدة لهم في رحلتهم الروحية.
الدرس الأخلاقي:
أهمية التوبة والرجوع إلى الله:
الشيخ العلاوي في هذه القصة يبيّن لنا أن التوبة ليست مجرد كلمات، بل هي شعور صادق في القلب وتحول حقيقي في السلوك. مهما كانت المعاصي والذنوب التي يحملها الإنسان، يمكنه دائماً العودة إلى الله طالما كان القلب مخلصًا ونيته صافية. لا يوجد إنسان ضائع بشكل نهائي ما دام هناك أمل في التوبة.
القدرة على التأثير الإيجابي:
رغم أن هؤلاء الأشخاص كانوا بعيدين عن الطريق الصحيح، إلا أن وجودهم مع الشيخ وتوجيهاته البسيطة جعلتهم يلتقطون الفكرة ويفهمون المعنى الحقيقي للإسلام. هذه القصة تعلمنا أن الشخص الذي يمتلك نور الإيمان في قلبه، يستطيع أن يؤثر في الآخرين ويدعوهم إلى التغيير للأفضل.
المسؤولية الجماعية في الهداية:
الشيخ العلاوي لم يقتصر على تذكير فرد واحد أو تعليم شخص واحد، بل عمد إلى تعليم جماعة من الناس في آن واحد. هذا يعكس أهمية نشر العلم بين الناس، وتوجيههم إلى الخير دون التفريق بينهم. العمل الجماعي في الدعوة إلى الله له تأثير كبير ويمكن أن يؤدي إلى تغييرات جذرية في المجتمع.
إعادة الفهم الصحيح للإسلام:
ليس الإسلام مجرد طقوس أو شكل من أشكال العبادة السطحية، بل هو دعوة للهداية والعيش وفقًا لشرعه بكل تفاصيل الحياة. الشيخ العلاوي كان يعلم هؤلاء الناس أن الدين ليس مجرد عبادة شكلية، بل هو سلوك وتقوى يجب أن يُجسد في كل جوانب الحياة اليومية.
العبرة النهائية:
القصّة تبرز أن التوبة الحقيقية لا ترتبط بالزمان أو المكان، بل هي حالة قلبية تأتي عندما يعزم الإنسان على التغيير ويعود إلى الله بصدق. كما أن العمل الدؤوب والدعوة إلى الهداية لا تعرف حدودًا، ومهما كان الشخص بعيدًا عن الطريق، فإن هناك دائمًا فرصة للتوبة والرجوع إلى الله.

تعليقات
إرسال تعليق