روايات-29- المريد الذي رآى الشيخ العلاوي يموت في المنام

دخل مريد إلى مجلس الشيخ العلاوي (قدس الله روحه) وهو في حالة من الحزن الشديد، ودموعه تنهمر على خديه. حين رآه الشيخ بهذا الحال، سأله بلهجة هادئة لكن مليئة بالاهتمام:
"ما الذي يبكيك يا ولدي؟"

أجاب المريد متأثرًا، وهو يكبح دموعه:
"سيدي، رأيتك في المنام تموت."

أصابت هذه الكلمات الشيخ العلاوي، لكنه لم يظهر عليها أي انزعاج أو تأثر. بدلاً من ذلك، نظر إلى المريد بهدوء، ثم أجابه سؤالًا غريبًا عما كان يتوقعه:
"الشيخ الذي يموت، لماذا تتخذه شيخًا إذًا؟"

الدرس الأخلاقي:

عدم التعلق بالمظاهر:
الشيخ العلاوي هنا يوجه رسالة عميقة للمريد مفادها أن الشخص الذي يظن أن موته هو نهاية تلاميذه أو أثره في الدنيا، يكون قد فهم معنى الحياة الروحية بشكل غير صحيح. الحياة الروحية لا تتعلق بالوجود الجسدي، بل بحضور الروح والمعرفة التي ينقلها الشيخ إلى مريديه. إذا كانت العلاقة مع الشيخ هي علاقة تقليدية قائمة على التعلق بالجانب الجسدي أو المادي فقط، فسيظل المريد في حيرة إذا ما فقد الشيخ.

الحقيقة الروحية:
الشيخ العلاوي يعلمنا من خلال هذه الكلمات أن العلم الروحي والمُرشد لا يتوقف عند حدود الجسد. عندما يتخذ المريد شيخًا، فإنه يلتزم بتعاليمه وبطريقة العيش الروحي التي نقلها له الشيخ. فالمعلم الروحي، الحقيقي في جوهره، هو ذلك الذي يزرع في قلب مريديه إشراقًا دائمًا من الحكمة والنور، حتى وإن كان الجسد قد غادر هذا العالم. ولذلك أخبر الشيخ العلاوي مريديه أنه سينفعهم بعد موته اكثر من حياته، أي بعد موته ستظهر عليهم ثمرات التربية ونتائجها بتواصل و تجدد دائم ... كشجرة طيبة اعتنى بها صاحبها منذ أن كانت بذرة صغيرة تحت الأرض إلى أن صارت شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

التقدير العميق للعلاقة الروحية:
العلاقة بين المريد والشيخ في الطريق الروحي هي علاقة قلبية وروحية لا تقتصر على الجسد. الشيخ العلاوي يبين للمريد أن رؤية الشيخ يموت في المنام لا تعني أن العلاقة قد انتهت، بل تفتح أمامه فرصة لفهم أعمق لوجوده الروحي وللتواصل مع المعنى الروحي الأسمى.

التأكيد على البقاء الروحي:
الشيخ العلاوي لم يرَ في وفاة الجسد نهاية، بل أكد على فكرة أن من يتبع الطريق الروحي لا ينبغي أن ينشغل بالموت الجسدي، بل بالاستمرار في السير على طريق النور الذي علمه الشيخ. حتى بعد غياب الجسد، تظل دروس الشيخ حية في القلوب، ويظل أثره الروحي مستمرًا.

العبرة النهائية:
ما يود الشيخ العلاوي أن ينقله للمريد هو أن الشيخ الحقيقي لا يموت في قلوب مريديه. بل يبقى أثره حيًا فيهم من خلال تعاليمه وأخلاقه، وتظل قيمته الروحية تتنقل عبر الأجيال. إن الطريق الروحي لا يعتمد على الجسد، بل على الفهم العميق والتواصل الروحي الذي لا يتأثر بموت الجسد، بل يظل مستمرًا في الأثر الذي يتركه في القلوب.
 

تعليقات