الشيخ أحمد العلاوي بقلم الشيخ محمد المدني

هو  القطب الأغر والغوث المشتهر كهفنا الرفيع وحصننا المنيع منبع الأسرار الربانية ومصدر طريقتنا المدنية العلوية سيدنا وأستاذنا و عمدتنا وملاذنا مولانا أحمد ابن عليوة المشهور باالعلاوي الحسني الشريف ابن سيدي  مصطفى ابن سيدي محمد ابن سيدي أحمد المعروف بأبي شنتوف القائل فيه صاحب  سبيكة العقيان مع من بمستغانم من الأعيان...

والحنفي اللازم التعبد *** نجل عليوة الفقيه المهتدى

ابن  الولي الصالح الملقب بمدبوغ الجبهة ابن الحاج علي المعروف عند العامة  بعليوة ابن غانم وهو القادم من الجزائر العاصمة إلى مستغانم.

ولد رضي الله عنه عام 1869 الموافق لـ 1285 من هجرة نبينا عليه الصلاة والسلام فنشأ الشيخ الأستاذ رضي الله عنه في طاعة الله عز وجل منذ كان طفلا صغيرا مشتغلا بالعبادة, حسن السيرة, طاهر السريرة, تجنح به همته إلى المرامي العالية و المقاصد السامية باحثا عن علم الأذواق, طابا الوصول إلى الله قاصدا القرب لله والتلاق, حتى اجتمع بشيخه الولي المشهور والعارف المبرور ذي القدر المنيف سيدي محمد بن الحبيب البوزيدي الشريف الحسني, فخصه من بين أقرانه وأفاض عليه من فيض فضله و إحسانه حتى صدره في حياته ثم خلفه بعد وفاته, فهو وارث سره حقيقة والله يمن بفضله على من يشاء من عباده فنهل من فيضه ينابيع الحكم ومن علومه جداول المعارف وأنهار الكلم ووجه كليته لعلم القوم حيث كان أشرف العلوم وأزكى المعاني والفهوم فأظهر فيه الباع الطويل وأخذ منه الحظ الجزيل حتى ركب ذروة سنامه إن لم نقل حمل رايته وأعلامه وصار فريد عصره وأيامه ولسان حاله ينشد بفصيح كلامه

هذا فريد العصر في هذا المقام *** هذا وحيد الدهر قد نال المرام
وهذا قطب هذا غوث ارثــه *** حقيــقة من كنز سيد الأنام

وحصل على يده فتح عظيم للفقراء ولقد كثر السالكون على يديه وانتسبت الطريقة إليه وقد شاهدنا كثيرا من الفقراء فتح الله عليهم بمجرد دخولهم للخلوة ورأينا كثيرا من الفقراء فتح الله عليهم بمجرد مذاكرته لهم رضي الله عنه كذا بالأصل وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء, سبحانه يهب ما يشاء لمن يشاء من كرامته رضي الله عنه أن فتح على يديه على أربعين فقيرا في سياحة واحدة ساحها إلى البادية, أما اللذين فتح الله عليهم فلا يحصون كثرة, فالفتح عنده قريب وإن كان عند غيره صعبا وإني قد فتح الله عليَّ ببركاته, الحمد لله جازاه الله بما هو أهله فأزال عني كل حجاب حتى أوصلني إلى رب الأرباب ونفى عن قلبي الغين حتى ثبتت فيه العين والحمد لله رب العالمين.

ثم إنهل عليه سحاب الفيض الرحماني والمدد الرباني فأخذ في تأليف قواعد الدين وأذواق أهل الكاملين ولقد ظهر على يده كثير من الكرامات وقد أخذ عنه الطريق كثير من العلماء وممن ينتسب إلى العلم واعترف له الجميع بالفضل وعلو المقام وهكذا شأنه رضي الله عنه يجتمع عليه العلماء الأعلام ويعاملونه بمزيد التبجيل والإحترام.

و قد سافرت معه للمغرب الأقصى فتلقاه علماء مدينة وجدة بأعظم اكرام وذاكرهم الشيخ بكثير من المسائل العلمية والحقائق التوحيدية الصوفية, منها أنا كنا في ضيافة أحد أهل البلد وصحبتنا جميع علمائها وكنا لا نعرف رب الدار المتكرم علينا, وبعد أن بسطت النعم ووضعت موائد الفضل والكرم قال الشيخ رضي الله عنه:
"إن النعم مبسوطة علينا من كل نوع وإنا وإن كنا نتحقق أنها من عند المنعم لأننا في داره ولكن هل يحسن بنا أن نخرج من الدار دون أن نعرف رب الدار وهل يرضى رب الدار إذا لم نسأل عنه ونعرفه حقيقة ؟"
فأجاب الجماعة كلهم: "لا" 
فقال " كذلك ولله المثل الأعلى إننا الآن في هاته الدار الدنيا ونعم الله علينا لا تحصى ونتحقق أنها من عند المنعم جل وعلا ونستدل بها عليه ولكن ذلك معرفة مجرد اليمان أو نقول معرفة الدليل والبرهان و لكن القلوب لا ترتاح ولا تهنأ العقول والأرواح حتى نعرف الحق معرفة إيقان أو نقول معرفة شهود وعيان والحق تعالى لا يرضانا إذا لم نرق إلى أعلى درجات الإحسان".

فأخذ الجماعة الحاضرين وجد عظيم وتمكن من قلوبهم هذا المثال المنطبق على معرفة الكبير المتعال

والحاصل أن ما ظهر به الأستاذ رضوان الله عليه من الفتح الكبير والفهم الغزير والتئاليف الكثيرة والمعاني الدقيقة العالية المستنيرة أدهش العقول وحيَّر الفحول لأنه لم يكن عن كثرة رواية و مزاولة دروس, إنما هو من منح الملك القدوس, وقد سأله بعضهم بقوله إني لم أر تلك كثرة قراءة في العلوم أو حضور في الكتب والدروس فمن أين كانت لك هاته التئاليف وهاته الأفهام والأذواق؟ فقال له الشيخ: و تلك حجتنا, -أي عدم كثرة القراءة حجتنا- على أن هذا الأمر الذي حصل لنا إنما هو محض فتح من الله تعالى",  وكأنه يشير بذلك إلى آخر الآية وهو قوله تعالى "نرفع درجات من نشاء". فسبحانه يهب ما يشاء لمن يشاء ومن ذلك قوله لنبيه عليه الصلاة والسلام: "ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان و لكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء" إهـ

بحر المعارف و العلــوم لكنه *** كنز المعاني بين الأعلام منفرد
باهي السجايا كريم الفعل خصاله *** بين البرايا تضئ كأنها الفرقد
لا عيب فــيه إلا أن مجلسه *** روض أنيــق بالأزهار مورَّد

تعليقات