الطيب بن بوعمامة

ولد الطيب بن بوعمامة البوشيخي (شيخ طريقة البوشيخية), سنة 1867م / 1284هـ بفجيج بعيون سيدي ملوك, وجدة, المغرب الأقصى من أبيه المجاهد الشهير، والبطل الكبير، والمتزعم لمقاومة سنة 1867م / 1284هـ حتى 1908م / 1326هـ بالمغربين الأوسط (الجزائر) والأقصى (المغرب) الشيخ أبو عمامة بن العربي البوشيخي الصديقي، ومن أمه الولية الصالحة، المجاهدة التقية، ممرضة المجاهدين، للا ربيعة بنت المنور بن الشيخ.

فوالد صاحب الترجمة كان له الفضل الكبير في تهيئ إبنه الشيخ الطيب وتكوينه منذ ولادته رغم مضايقات العدو المتزايدة، بحيث أنه حينما ولد بفجيج لم يرد إثارة الخبر تحسبا لمخططات المستعمر وملاحقاته للمقاومين وذويهم.

ومنذ طفولته وهو متطلع للعلم متحمس له، ذو رغبة ملحة للتقرب إلى الله تعالى، خادما مطيعا لوالديه وللزاوية الشيخية البوعمامية التي أسسها والده بأم جرار التحتاني، المعروفة اليوم بإسم قلعة الشيخ أبو عمامة.

كان الشيخ الطيب وهو شاب متلهف إلى مقاومة العدو الفرنسي، وإلى الإستشهاد في سبيل الله إلى جانب والده في جهاده المتواصل.

ألقي القبض عليه في سنة 1905م / 1323هـ من قبل المخزن المغربي وبقي شهورا قلائل في وجدة ثم نقل إلى سجن الدكاكين بفاس ثم المخرق (الأغواط بالجزائر) لقد عانى كثيرا من السجن في عدة مناطق، ثم الإقامة الجبرية، وكل المعانات التي كان يعانيها كان دائما يجعلها ويحسبها في مرضات الله عز و جل، وهذا ما زاده إيمانا أكثر بالله تعالى وتقربا له بالعبادات بعيدا عن مشاغل السياسة.

في سنة 1906م / 1324هـ أخرج من السجن حيث وضع تحت الإقامة الجبرية، فأصبح محط مراقبة فرنسا وأعوانها العاملين معها ثم أطلق صراحه سنة 1907م / 1325هـ ليلتحق بوالده بمدينة العيون الشرقية ناحية وجدة بالمغرب.

ساهم في نشاط الزاوية دينيا واجتماعيا باعتبار تكوينه الصوفي وهذا ما جعل والده يؤهله ويوصي أتباع الطريقة الشيخية بإتباع إبنه الشيخ الطيب في وصية كتبها قبل أن يتوفى بأيام إذ كانت وفاته في العاشر من رمضان عام 1908م / 1326هـ في واد بورديم على مشارف قصبة العيون.

خلف الشيخ الطيب والده على الطريقة البوعمامية الشيخية، متفرغا للعبادة محافظا على دور الزاوية الإجتماعي باعتبارها ملجأ لعابري السبيل ومقصدا للمحتاج والفقير ومقرا لتسوية الخلافات سواء بين القبائل أو الأفراد مراعيا لمضامين وصية أبيه متبعا طريقة جده الأكبر عبد القادر بن محمد الشيخ.

لقد أخذ الشيخ الطيب العلم عن فقهاء الزاوية، وعلماء فجيج من حفظ للقرآن الكريم، وللحديث الشريف، والفقه المالكي.

أما علم التصوف فتم تكوينه من قبل والده الذي كانت تأتيه الوفود للأخذ عنه والتبرك به، قطب العارفين، شيخ الطريقة الشيخ أبو عمامة قدس الله روحه، فلقنه العلم والحلم، وعلمه مجاهدة النفس وحثه على الجهاد في سبيل الله تعالى.

 ثم كانت له محبة وعلاقة وطيدة ورسائل متبادلة مع الشيخ أحمد بن عليوة المستغانمي الشهير بالعلاوي. حصلنا على دليل هذه العلاقة برسالة أرسلها الشيخ الطيب إلى شيخه أحمد العلاوي. ثم إن للزاوية الشيخية بالمغرب رسائل الشيخ العلاوي إلى الشيخ الطيب, أكد لنا ذلك أحد منتسبي الطريقة الشيخية. ولكن...سأل شيخ الطريقة البوعمامية الشيخية الحالي سيدي الحاج حمزة بن عبد الحاكم بن الطيب، هل جده كان قد أخد عن سيدي أحمد العلوي رحمه الله، أجاب بالحرف الواحد قائلا: "أبدا ، نعم كانت بينهما محبة عظيمة، ورسائل متبادلة، يوجد العديد منها في الزاوية البوعمامية لكنه لم يلتقي به", والله تعالى وحده أعلم.

عندما شعر الشيخ الطيب بإقتراب أجله المحتوم، أمر بإجتماع كل أولاده ليوصيهم بما جاء به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأشار لهم بكفه وجمع أصابعه على أن يجتمعوا بعده ولا يتفرقوا.

إنتقل إلى رحمة الله بعد خمسة عشر يوما بعد عودته من الحج، لتقبض بعدها روحه الطاهرة على الساعة الرابعة، التي كان تلك الليلة يسأل هل وصلت الساعة الرابعة ؟ سأل أولاده عدة مرات.

وتذكر إبنته للا رقية و إمرأة كانت معها أنه قال لهن هل ترون الأرض قد فرشت ببساط أخضر من شرقها إلى غربها، ثم قبض جالسا مستقبلا القبلة في يوم الثلاثاء 3 من شهر صفر الخير سنة 1354هـ الموافق لـ 7 من شهر ماي, أيار 1935م و دفن بالمسجد الذي بناه بالزاوية رحمه الله.

لقد ترك عدة قصائد تربوية تذكيرية بالله عز و جل، وبعض التائيات الخاصة برجال التصوف وكيفية مصاحبتهم الإستفادة منهم.


رسالة الطيب بن أبي عمامة إلى الشيخ العلاوي

الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله.

شيخنا الأستاذ المحبوب بالسعادة وتيجان المجد والرياسة الشيخ سيدي (أحمد بن) مصطفى العلوي بمستغانم عليك السلام التام عدد ما تكون بالكون ورحمة الله وبركاته مثل ذلك. وعليه سيدي نقبل حاشية بساط موطأ نعلك وتجديد العهد والصحبة بكل صدق ومحبة ونية خالصة لوجه الله الكريم دون غرض يحول بيني وبين ذلك بحوله وقوته لا بحولي ولا قوتي سائلين منه تعالى و بركاتك أن يأخذ بأيدينا إلى ما يحبه ويرضاه والمسامحة منك على ما صدر منا من عدم الكتابة فكان أسباب لذلك الاشتغال الكثير بما نحن فيه من أمور المعيشة بكل تحد و جهد في هذه السنة الشهباء بأمره وتصريفاته في ملكه بإصابتنا وإصابة كثير من خلقه بأمر مهم من الديون الفادحة حتى كادت أن تأخذ بما في يدينا جميع و لازلنا على تلك الحالة الرهينة فرضينا بقضائه طالبين منك الدعاء بصلاح الدين والدنيا التي هي مطية المؤمن حيث لا بد لكل من فيها يرعى منها قدر حاجته.
وبما أطلبه منك هو أن طريق التيجانية وجدنا فيها أمور أولها نهيهم عن زيارة أولياء الله جميع.ثانيها قولهم أن شيخهم التيجاني رضى الله عنه هو آخر أولياء الله وخاتمهم. و ثالثهاً أنهم يجعل إزار بين يديهم ليجلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والشيخ. وبعد هذا أمور صغيرة في اعتقادهم يطول ذكرها و إنما قصدي تشبعا القليل في هذا الأمر هل هو على الصواب كله أم فيه ما يصح وما لا يصح وكيف حالهم فإن ديننا المحمدي أمرنا بالجمع ولم ينه عن الزيارة بل أمرنا بها.

وأننا حاملين لواء الحمد والشكر للباري تعالى حيث أكرمنا بك في فساد الزمان وجعل لنا ركن ديننا وحصن في ملتنا له الحمد يدوم بدوام الله والشكر مثل ذلك كما أني رأيت جرنال جزيري (جريدة جزائرية) من بعض الإخوان في رد صدر (منهم) على من تعد و أهان بأمر أولياء الله و رماهم بشتم فزدت فرح و سرور بإخواني لله الحي زادهم الله علم و تقوى و هداية و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت فلا تنساني بدعاء ولو كنت مقصر عاجز كما نطلب منك الدعاء بالتيسير في تسريح إلى بيت الله الحرام فقد قيدتني ذنوبي بعدم الموجود الكافي هنا و هناك فبذنوب تتعسر الأمور و بدعائك بفتح الأبواب كما أعيد سلامي على جميع أهل القرية و ترابها و ما احتوت عليه من مليح و قبيح و حجر و غيره فإن لي اشتياق بكم كثير و على حياة محبتكم و تمامها الألف و ألف سلام

الشيخ الطيب بن أبي عمامة
لطف (
الله به)
في 17 رجب سنة 1345 (الجمعة 21 يناير, كانون الثاني 1927).

تعليقات