الشيخ أحمد العلاوي, زهده, خلقه وأخلاقه

خلقه: كان رضي الله عنه طويل القامة، أخمص البطن، نحيف الجسم، أسمر تعلو وجهه الحمرة، أبيض اللحيّة سبطها، كأنّها خيوط من فضّة، سهل الخدين أسيلهما، طويل الأنف شامخه، ضلع الفم، حسن الشارب، لطيف الإطار، مستوي الجبين، فيه أسارير، بارز الحاجبين موفورهما، هذب الأشفار، قويّ العينين أنجلهما، ترى في آماقه صفرة، ضخم الرأس، تبدو عليه مهابة وجلال، حسن البشرة، إذا تحدّث كان خافض الصوت وعاليه إذا أفاض في التذكير نعوم البشرة، شنن الكفين، طويل الأصابع كأنّها عقاص مفتل، حسن الثياب معطرا

أخلاقه: لقد كان رضي الله عنه على جانب عظيم من اليقظة، زيادة على مكانته العلميّة، الأمر الذي كان يدركه منه حتى من لم يجتمع به، إلاّ مجرد وقوفه على بعض كتاباته، أو ما يبلغه من أنبائه، ومن هؤلاء حضرة الأستاذ الشيخ محب الدين الخطيب محرر مجلة الفتح الغراء الّتي نقتبس منها وفي الجزائر شيخ من مشايخ الطرق، على جانب عظيم من الذكاء والنشاط، وهو منها الأستاذ الشيخ أحمد بن مصطفى العلوي المستغانمي الّذي يعدّ التابعون له بالألوف، وقد أقام العلو يون احتفالهم السنوي، فخطب فيهم الشيخ خطبة نسجلها له على صفحات الفتح لما امتازت به من المزايا

كما ونشرت الشهاب عن هذا الاحتفال، وقد ذكر الأستاذ رضوان الله عليه في خطبته في الاحتفال بعبارات أعربت عن اعترافه بالفضل للطائفة، وما كان من مزاياها الجليلة، في بثّ الأخلاق والنصائح والإرشاد بين أفراد الأمّة على اختلاف طبقاتها

كان رضي الله عنه، ممّن يكظم غيظه، ويعفو عن الناس، ويحسن إليهم، خصوصا إذا جمعته بهم المجامع، لا لضعف منه، ولكن لتمام فضله، وتوافر حلمه، ويوجد أمثلة لذلك الشيء الكثـير

ومن أخلاقه رضي الله عنه، أنّه كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، حريصا على جمع كلمة المسلمين، وعلى ما ينهض بهم إلى الله، ويجمع قلوبهم عليه

ومن أخلاقه رضي الله عنه، أنّه كان شجاعا ذا لهجة صادقة وعزيمة قويّة، متوكلا على الله في كلّ أموره، ومن هذه الأمور المقرونة بالثبات الشيء الكثير الكثير والذي كان ينشر في الصحف خاصّة صحيفة لسان الدين وذلك منافحا عن الدين ودعوته إليه والتمسك بالسنّة النبويّة المطهّرة ويعتبر كلّ ذلك غاية في التضحيّة، وبذل الجهد، ليبعث في قلوب العباد روح الطاعة، والتحلّي بالأخلاق الحميدة، والتمتّع بالمروءة حتى يكتب لهم الفوز في الدارين، لا يرجع العبد بخفيّ حنين، أو نقول صفر اليدين خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين وإنّ أقواله المنشورة تنبىء القارىء بصريح لفظه على قوة إيمانه الذي قلت أفراده، وهو ممّن يقلّ وجوده عادة بين جموع الأنام، سنّة الله في خلقه، ولقد كان حليما حكيما منصفا، لا يستنكف أن يرجع إلى حقّ ولو ممن تجاهر بما ينتهي، وتهوّر في مراجعته بما يتضمن الإساءة، من نحو المعاتبة والتهديد، وما هو من ذلك القبيل

ومن أخلاقه رضي الله عنه أنّه كان يصل الرحم، ويطعم الطعام على حبّه مسكينا ويتيما، وذلك ابتغاء مرضاة الله ورسوله، علما بأنّ زاويته الكبرى بمستغانم كانت مفتحة الأبواب على مدار أيام السنة لكلّ وارد من الناس، وفي نهاية الأمر جعل جميع ما يملكه من دور وعقار وأثاث حبسا في سبيل الله على عائلته والمنقطعين بزاويته لقراءة القرآن والعلم الشريف، والفقراء والمساكين، ومن الأولى أن يخلد ثواب هذا العمل عند الله، حيث قال عليه الصلاة والسلام إذا مات الإنسان انقطع عمله إلاّ من ثلاث صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له رواه الترمذي في سننه، ولقد ترك الأستاذ رحمه الله من الصدقة الجارية، ومن العلم النافع، ومن الأولاد الروحيّين الصالحين، ما يصير الرحمة إن شاء الله تتنزّل على روحه وضريحه الأنور، أشبه شيء بالمطر الغزير جزاء وفاقا والله يرزق مــــن يشاء بغير حساب، والله ذو الفضل العظيم

ومن أخلاقه رضي الله عنه أنّه كان صادق اللهجة، لا يقول إلاّ صدقا، ولا ينصر إلاّ حقّا معتصما بالله قولا وفعلا، حيث إنّه كان يقول لا شيء عندي أحبّ من المنتسب إلى الله، وإنّي أحترمه وأبجّله، ولكن ما دام يحافظ على حدود الله، أمّا إذا ظهر منه ما يخالف صريح الشرع الشريف، فلا صلة بيني وبينه كائنا ما كان

بساطته وزهده وتواضعه : يقول الدكتور و طبيب الشيخ العلوي الخاص مارسيل كاري: "ومنذ أول لقاء لي معه داخلني شعور بأنّي في حضرة شخصيّة غير عاديّة، كانت الحجرة التي اقتدت إليها مثل غيرها من الحجرات في بيوت المسلمين عارية من الأثاث، ولم يكن بها سوى صندوقين عرفت فيما بعد أنّهما كانا مليئين بالكتب والمخطوطات، وكانت الأرضيّة مغطّاة من أولها لأخرها بالأبسطة والحصر التي يسهل طيّها، وهنالك في ركن من الحجرة جلس الشيخ على مرتبة تغطيها بطانيّة مستندا بظهره إلى بعض المساند معتدلا في جلسته متربّعا وقد أراح يديه على ركبتيه، كان في جلسته ساكنا سكون القديسين طبيعيّا لأبعد الحدود..."


المصادر

- برهان الذاكرين للشيخ سيدي محمد المدني
- صفحات مطويّة في التصوّف الإسلاميّ للشيخ أحمد حسن ردايده
- ذكريات الدكتور مارسيل كاريه كاملة مع الشيخ أحمد العلاوي

تعليقات