رسالة من الشيخ العلاوي الى عبد الكريم جوصو - 1924

الحمد لله الذي وفق من شاء إلى صراط مستقيم  والصلاة والسلام على النبي الكريم وآله ومحبه وسلم.

‏أما بعد

فنرفع جميل التحية وعظيم التهنئة لجناب المحترم فضيلة الأخ في الله السيد عبد الكريم جوصو.

لكم الفضل سيدي حيث فاجأتمونا بالمواصلة وقبل هذا كنت عثرت على كتاب جميل بقلمكم تذكرون فيه أسباب اعتناقكم للإسلام تمم الله نعمه عليكم ... 

وبعد ما تفرست في مخبآته وتتبعت ملحوظاته أسفرت النتيجة على ما ينبئ بمكانتكم وسلامة ذوقكم ولا شك أنه سائق السعادة كانت ركبته في فطرتكم يد العناية الإلهية في الأزل و إلا لما تسنى لكم التزحزح ولو قدر شبر عن المعتقدات القلبية والمعتادات النفسية ولكن الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ‏ولهذا فإني أحمد الله لكم بكل لسان ونعتبر مكانتكم عند الله بكل جنان ونتمنى الاجتماع بكم في أقرب زمان ونعتقد أن وجود أمثالكم مما يتقوى به الإيمان ولا يبعد في نظري أن تكون سيادتكم من الأفراد الموعود بإتيانهم في قوله تعالى حيث قال (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) وهكذا لأني رأيت يد العناية الإلهية تحشر من شاءت إلى دار السعادة زرافات ووحدانا إلا من شاء أن يصرفه تعالى عن طريق الهدى فلن تجد له وليا مرشدا.

وأما ما حكمت به الظروف حسبما ذكرتم في كتابكم على أبناء الإسلام في عصرنا هذا وما هم عليه في هذا الأخير فإني تالله لنتوقعه أن يكون ذلك الحكم من جنس ما حكم الله به على أبناء بقية الأديان لا قدر الله حيث يقول (فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم) كل ذلك بما تحكم في قلوبهم من محبة تقليد الغربيين حتى في بعض معتقداتهم على ما يظهر وما رأيت لتياره من دافع وهذا بعد ما جالت الفكرة في طريق الإصلاح فظهر لي أن ذلك كالمعتذر إلا باعتناق إحدى الدول الأوروبية الإسلام فتقلده على بكرتها وتعمل على نصرته فتكون هي برفع الغشاوة عن الأبصار أحرى وباستنقاذ أبناء الإسلام أدرى ويجدر بهم أن يكونوا لها أعوانا ومع أفرادها إخوانا (إنما المؤمنون إخوة) وذلك ليس بمستبعد بعد تيسير الله عز وجل مهما سالت الأقلام وانقشعت الأوهام وكل ما ذكرناه فهو من حيث الإجمال.

أما ما يرجع للإنسان في خاصة نفسه فأعز شيء ينبغي له أن يتعطش إليه ويروض أمياله عليه هو الاعتقاد بوحدانية الله عز وجل واحترام عموم الأنبياء من غير استثناء وهاته الخصلة الشريفة هي أول حجرة أسست عليها دعائم الديانة الإسلامية وقد منحتموها بكل سهولة والمنة لله ‏ثم بعد هذه الخصلة فرائض كما لا يخفاكم ليست بعسيرة إلا على من تأبى نفسه الخضوع بين يدي الله عز وجل.

أما أنتم فقد تمهدت لكم حيث كانت أميالكم هي التي تطلبكم بنحوها ومثل هذا جدير بأن يعد من ‏السعادة مهما ظهرت شواهده على ‏ظاهر الإنسان ولو مع ضرب من التكليف إذ ثقل الطاعة على النفس أحيانا لا يشوب خالص الاعتقاد بما أن النفس محتاجة للترويض على الطاعة شبه البدن وهكذا القلب يحتاج الإنسان لترويضه على خالص التوحيد ومشاهدة الأفعال الإلهية وآثار الصفات الأزلية في هذا الوجود المرئي لنا حتى يتأتى للإنسان أن يلاحظ قيومية الله بهذا العالم وإذن فلا يثبت بعد ذلك في نظره القلبي إلا الله وعلى هذا تأسس مذهب القوم وهو زبدة الدين الإسلامي المعبر عنه في لسان الشرع بمقام الإحسان والدين ذو الثلاث إسلام إيمان وإحسان.

أما ما يخصكم في حد ذاتكم فهو موكل لأميالكم فلكم أن تقتصروا على المنصوص من ظاهر الشرع أعني الإسلام والإيمان وبذلك تبرأ ذمة المؤمن إن شاء الله لكن مع التشوف دائما لما يكون الإنسان به محسنا وهو ما ذكرناه من مطلوبية ‏ترويض النفس والقلب على خالص التوحيد بالطريق الخاصة غير أن ذلك يحتاج فيه إلى مرشد عارف بالمسالك تطمئن إليه نفوسكم وتجنح إليه عواطفكم بضرب من الرغبة وشيء من الاختيار أما إن ظهر لكم فى صحبتنا فنحن على عهد الله وما علينا إلا أن نحقق الوصل بأميال قلبية وعواطف روحية ويحسن بنا أن لو يكون ذلك بموثق بواسطة أحد المتصدرين من أبناء الطريق كصديقكم سيدي (محمد العيد) أو رفيقه وهكذا لتتلقى عليه بعض الارشادات أرجو الله أن تكون لكم نافعة ولقلوبنا وقلوبكم جامعة آمين.

وفي الأخير أرجو من سماحتكم أن ترفعوا بالنيابة عنا جلائل التحية لتلك الجماعة التي كنتم ذكرتموها أعني بذلك السيد جعفر والسيدة ‏مريم كما أرجو من مكارم أخلاقكم أن لا تقطعوا مكاتبتكم وإن بقي تحت يديكم شيء من كتابكم في اعتناق الإسلام بالقلم الفرنساوي فابعثوا لنا نسخة أو نسختين وإن كان يباع بمحل فأرشدونا إليه بارك الله لنا فيكم والسلام

أحمد بن عليوة

حرر (احتمالا) عام 1343 هـجري 1924م.

تعليقات