حول حادثة اعتداء على الشيخ عبد الحميد ابن باديس

بمناسبة الذكرى الثالثة والسبعين لوفاة العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله (8 ربيع الأول 1359هـ / 16 إبريل 1940م), وعملا بالسّنة الحميدة التي دأبت جريدة "الشروق اليومي" على إحيائها, بادرت مشكورة بمبادرة أقل ما يقال عنها أنها خطوة إيجابية في لمّ شمل الجزائريين مهما كانت ميولهم ومشاربهم ونزعاتهم, حيث تلقت الزاوية العلاوية بمستغانم دعوة كريمة من الجريدة للإدلاء بدلوها في حادثة محاولة اغتيال الشيخ عبد الحميد ابن باديس ذات ليلة شتوية وافَقت الرابع عشر من شهر ديسمبر عام 1926 واتهام البعض من العامة الشيخ العلاوي نفسه شيخ الزاوية العلاوية بمحاولة الاغتيال, والله لا يُحبّ المعتدين (وسامح الله من أحيى هذه الفتنة).

ورغم المقالات التي كُتبت عبر السنين سواء بالإيحاء أو بالكلام الصريح والتي تتّهم الزاوية العلاوية بهذا الفعل الشنيع فإنها (أي الزاوية العلاوية) كانت وما تزال ترى أنها ليست معنية لا من قريب ولا من بعيد بهذه الحادثة وأن الخلاف الذي كان بين "المصلحين" و"الطرقية" إنما كان خلافا فرعيا لم يتطور مطلقا إلى خلاف في الأصول, والكتابات التي تصدر من هنا وهناك بين الفينة والأخرى إنما هي دعوة صريحة لتغذية الخلاف من جديد خاصة وأن هذه المواضيع أصبحت من الماضي الذي نرى أنه لا يقدّم جديدا ينفعنا في حاضرنا وغدنا, وكما قال القرآن الكريم: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(1).

غير أن الدعوة الودّية التي تلقيناها من إدارة "الشروق اليومي" وحتى نضع حدّا لهذا اللغط الذي زاد عن حدّه لنتفرغ بعدئذ إلى تمتين وشائج المودة والمحبة بين أبناء الوطن الواحد وتدعيم أواصر الأخوة في الدين والوطن عملا بقول النبي عليه الصلاة والسلام "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا", ارتأت إدارة الزاوية العلاوية بمستغانم أن ترد إيجابيا على هذه الدعوة الطيبة الخاصة بواقعة محاولة الاغتيال وتقدّم التوضيحات التالية للرأي العام:

أولا: وقعت الحادثة والعدد الأول من جريدة "البلاغ الجزائري" يتهيّأ للصدور بتاريخ 24 ديسمبر 1926. والجريدة كما يعلم القاصي والداني هي لسان حال الطريقة العلاوية؛ وبالرغم من أنها كانت تحت الطبع إلا أنها أبت إلا أن تستنكر ذلك الفعل الشنيع وأوردت في صفحتها الثانية الخبر تحت عنوان "اعتداء والله لا يحب المعتدين" فقالت: "بلغنا بمزيد الأسف ما نشرته وصيفتنا النجاح الأغر من السطو الواقع على جناب العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس وقد تأسفنا, وأيم الله لهذا الاعتداء الذي لم يُعلم له سبب إلى الآن, كما سرّنا تحقُّق سلامته أرجو الله دوامها"(2).

ثانيا: في عددها الثاني بتاريخ 30 ديسمبر 1926 عادت جريدة البلاغ لنفس الموضوع وكتبت : "كنا أعربنا في عددنا الفارط عن استيائنا عما لحقنا من الأسف من أجل الشيخ ابن باديس وما كان بودّنا أن يُؤذى مثلُه. أما ما لحق الأستاذ العلاوي من الاستياء وتالله, لكان أبلغَ أن يلحق المؤمن على المؤمن وما كان قولنا هذا عن مداهنة ونفاق". (3).

ثالثا: أوردت جريدة "الشهاب" في أحد أعدادها في تلك الفترة تلميحا يشير إلى ضلوع العلويين في الحادثة فأجابت البلاغ: "...أما أنا فأقول هونا عليكِ أيتها الصحيفة النزيهة. فلا ترتكبين من التهوّر ما لا يتفق مع النزاهة... أتظن أيها الكاتب أن الأستاذ العلاوي يبلغ به السقوط إلى هذا الحدّ حتى يبعث من طرفه من يؤذي الشيخ عبد الحميد؟ وأي داع يدعيه إلى ذلك وأي منقصة بَلغتْه منه في خاصة نفسه, وأي عبارة صدرت منه تحطّ بقدره وكرامته حتى يكون عنده مستوجبا لمثل ذلك الفعل؟ حتى لو صوّرنا أنه كان ما يستوجب الانتقام لم يكن الأستاذ لينتقم بشيء تشاركه فيه الأراذل؟

وبالجملة, فإن الأستاذ أبعد من أن ينسب إليه ما هو من هذا القبيل عند كل من عرفه ومارس أخلاقه وليسوا بالأقلين عددا. أما كون الجاني علوي أو غير علوي فهو شيء لا يُجزم به الآن إلا بعد معرفة شخصه بعينه عند من يعرفه من العلويين وعلى أنه هو صاحب الفعل وما هو السبب الداعي له لاحتمالات هناك.

أولا ما يدرينا أن يكون المحكوم هو نفس الجاني لأنهم يقولون أنه وقع القبض عليه بعد أن أفلت من يد المجني عليه وعلى فرض يكون هو بعينه فما يدرينا أن يكون أراد بفعله ذلك مجرد النهب والسلب.

وعلى فرض أن لا يكون ذلك فما يدرينا أن يكون علوي فإن اللحية المستدَلّ بها ليست هي من خصائص العلويين وكان في ظننا أنها سنّة للمسلمين أجمع.

وعلى فرض أن يكون اعترف على نفسه أنه علوي فما يدرينا أن تكون كلمة دُسّت إليه ليقول أنه علوي لحاجة في نفس من دسّها.

وعلى فرض أن يكون هو حقيقة فهل يلزم أن يكون فعله ذلك باتفاق بعض العلويين؟

وعلى فرض أن يكون ذلك لازما فلم لا يخصص فعلهم هذا بمن هو أحق به من الشيخ عبد الحميد الذي إلى الآن لم يباشرهم بمكروه حسبما في علمنا "(4).

رابعا: في عددها الثالث بتاريخ 05 يناير من عام 1927 كتب الشيخ عدة بن تونس, خليفة الشيخ العلاوي ردا على مقال لأحد الكتّاب ما نصّه :"...أما الشيخ عبد الحميد ذلك الأستاذ الموقر فلم يواجه العلاويين إلى الآن بمثل ما واجهتَهُم به وأنّ الجاني إلى الآن لم تتحقق نسبته للعلاويين ..."(5).

خامسا: لم يتهم الشيخ عبد الحميد بن باديس إطلاقا الشيخ أحمد بن عليوة بأنه كان وراء الحادثة, وهو القادر على فعل ذلك, ولم يذكر الشيخ بن عليوة بكلمة سوء لا أثناء التحقيق ولا أثناء المحاكمة في محكمة الجنايات, إذ لو كان هناك أدنى شك أو شبهة تطال الشيخ بن عليوة لما توقف التحقيق عند الجاني خاصة وأنّ شقيق الشيخ الذي يُدعى الزبير بن باديس المختص بالقانون, حسب وصف جريدة الشروق اليومي, والذي تولى متابعة القضية لدى المحكمة برفقة محامي لا يمكن أن يترك مسألة كهذه تمرّ مرّ الكرام, ويمكن التأكّد من ذلك بالرجوع إلى أوراق التحقيقات والمحاكمة .

سادسا: إن عائلة الشيخ عبد الحميد بن باديس إلى اليوم, لم تتهم الشيخ بن عليوة ولا أحدا من أتباعه بهذا الفعل الشنيع, ويمكن التأكد من ذلك بالرجوع إلى أخيه السيد عبد الحق بن باديس, الذي ما يزال على قيد الحياة, أطال الله في عمره, حيث يذكر أن الطريقة العلاوية وشيخها بن عليوة وأتباعه بُرآء من هذه الواقعة براءة الذئب من دم ابن يعقوب عليهما السلام.

سابعا: ما الحُجّة وما الدليل الدّامغ الذي لا يحتمل الشك والتأويل الذي يقدّمه من يقول بأنّ الشيخ ابن عليوة متورّط في هذا الأمر, لأنّ إثبات التهمة يقتضي تقديم دلائل وقرائن لا تترك للمتّهَم (بفتح الهاء) أي سبيل للنجاة ولا تترك عند المتّهِم (بكسر الهاء) أي ذرّة شك؟ إنّ الرّجلين كلاهما ليسا شخصين عاديين فكما أنّ التهمة مضِرّة بالشيخ ابن عليوة فإنّها مضِرّة أيضا بالشيخ ابن باديس إن لم تكن قائمة على الدليل والبرهان. ونحن لا يرضينا أن تطال أي واحد منهما شبهة مهما كانت صغيرة.

ثامنا: إن الحادثة وقعت إبّان الحكم الاستعماري الغاشم؛ ونحن نعلم جميعا أنّ من قاد الثورات الشعبية من 1830 إلى 1906 هم شيوخ الزوايا وأتباعها والأمثلة كثيرة لا تحصى ولا تعدّ, لهذا عمل المستعمر بكل ما أوتي من فكر شيطاني, بعد هذا التاريخ وقبله على شراء ذمم البعض ومهادنة البعض, ومن بقي منهم عمل على إثارة الفتنة بينهم من جهة, وبينهم وبين طوائف المجتمع من جهة أخرى. وهي سياسة أتقنها المستعمر جيدا ورتّب خيوطها بعناية. ألم يكن لديه في ذلك الوقت "جهاز مخابرات" يراقب الشاردة والواردة ويتحرك كخفافيش الظلام لتأليب هذا على هذا, وذاك على الآخر من بني جنسنا, عازفا على وتر الجهوية حينا وعلى وتر المذهبية الإسلامية حينا آخر؟ إنّ سياسة "فرّق تسُد" التي طبّقها المستعمر بامتياز بين أبناء البلد الواحد نجحت أيّما نجاح والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة كحادثة اغتيال الشيخ كحول مفتي الجزائر العاصمة عام 1936 واتهام الشيخ العقبي عضو جمعية العلماء بقتله.

إنّ هذه الحادثة ما هي إلا واحدة من ألاعيبه المشئومة التي لا تنطلي على ذي بصيرة؛ غير أن السُّذج من الطرفين وقع في المصيدة فبدئوا في نهش لحم الآخر دون تحقيق أو تمحيص أو بُعد نظر. أمّا النّيّرون من أبناء الجزائر البررة كالشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله فقد كان في قمة الذكاء والفطنة ولم يتّهم الزاوية العلاوية ولا غيرها من الزوايا لأنه كان يعلم علم اليقين أن الفاعل الحقيقي موجود خلف الستار, يحرّك من يشاء وكيف يشاء وقتما يشاء من أجل إثارة الفتنة التي ما تكاد تهدأ حتى يشتعل أوارها من جديد.

إنّ هذه السياسة مازالت تؤتي أكلها إلى اليوم؛ فعِوض التوحّد وجمْع الكلمة وغلْق أبواق الفتنة نرى العكس من ذلك تماما هو السائد والغالب حيث مزامير إبليس تعمل دون هوادة على التفرقة بين أبناء الوطن الواحد وإشاعة الكراهية لبعضهم البعض تحت مسمّيات متعددة ليسهل بعدئذ المرور إلى الخطوة الموالية خاصة ونحن في أيام حساسة جدا يتربّص بنا القريب والبعيد, مستغلين كل هفوة تصدر منّا عن قصد أو عن غير قصد.

تاسعا: أوردت جريدة الشهاب في عام 1931 تفاصيل الرحلة التي قام بها الشيخ عبد الحميد بن باديس إلى الغرب الجزائري وخصوصا مدينة مستغانم والتي كتبها الشيخ عبد الحميد بن باديس بيده فقال: "قصدنا من المحطة إلى الأخ الشيخ بالقاسم بن حلوش... ومن غدِه دعا للعشاء معنا أعيانَ البلد, منهم فضيلة المفتي سيدي عبد القادر بن قارة مصطفى وسماحة الشيخ سيدي أحمد بن عليوة شيخ الطريقة المشهورة, وكان هذا أول تعرّفنا بحضرتهما فكان اجتماعا حافلا بعدد كثير من الناس..."(6).br /></span></span>

انظروا كيف يصف الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله الشيخ بن عليوة, وكيف نعتَه في جريدة الشهاب؛ فلو كان الشيخ يكنّ ذرة من الشك للشيخ العلاوي بأنه هو من كان وراء حادثة الاغتيال لما وصفه بما وصفه.

ونواصل قراءة ما كتبه الشيخ ابن باديس في نفس العدد: "... وما افترق المجلس حتى دعانا الشيخ بن عليوة إلى العشاء عنده, والشيخ الأعرج بن الأحول شيخ الطريقة القادرية إلى الغداء, فلبينا دعوتهما شاكرين, فكانت دعوة الغذاء في دار الشيخ سيدي الحاج الأعرج, ثم كانت حفلة العشاء عند الشيخ سيدي أحمد بن عليوة. حضرها من أعيان البلد ومن تلامذة الشيخ ما يناهز المائة, وبالغ الشيخ في الحفاوة والإكرام, وقام على خدمة ضيوفه بنفسه, فملأ القلوب والعيون وأطلق الألسنة بالشكر, وبعد العشاء قرأ قارئ آيات, ثم أخذ تلامذة الشيخ في إنشاد قصائد من كلام الشيخ ابن الفارض بأصوات حسنة ترنّحت لها الأجساد, ودارت في أثناء ذلك مذاكرات أدبية في معاني بعض الأبيات زادت المجلس رونقا, ومما شهدتُه من أدب الشيخ مضيفنا وأعجبتُ به أنه لم يتعرض أصلا لمسألة من محلّ الخلاف يوجب التعرض لها عليّ أن أبدي رأيي وأدافع عنه, فكانت محادثاتنا كلها في الكثير مما هو محلّ اتفاق دون القليل الذي هو محل خلاف".

انظروا كيف هي معاملات العلماء لبعضهم البعض. هل في هذا الكلام الصادر عن الشيخ عبد الحميد بن باديس ما يشير إلى وجود خلافات شخصية مع الشيخ بن عليوة, حتّى الخلافات العلمية في الفروع عبّر عنها بقوله: "القليل الذي هو محل خلاف".

هل يوجد في هذا الكلام ولو بالتلميح ما يشير إلى حادثة الاغتيال؟ وعلى فرض أنّ ذلك وقع فعلا, هل يعقل أن يسافر "المظلوم" أو "المجني عليه" مئات الكيلومترات من قسنطينة إلى مستغانم لملاقاة "الظالم" أو "الجاني" الذي هو الشيخ العلاوي لأول مرة في حياتهما ويلبي دعوته للعشاء بكل سرور ولا يخشى على نفسه, ولا تتدخل شخصية عامة أو جماعة من أجل الصلح بين الطرفين, خاصة وأنّ هذا السلوك كان شائعا بين الجزائريين وما يزال إلى اليوم؟

إن من يعتقد أن هذه الزيارة هي زيارة من أجل الصّلح تحطّ من قيمة الرّجُلين معا لأن ما بينهما من مودة ومحبة وتقدير تتجاوز حدود الخلافات الفرعية التي تدخل في إطار اجتهاد العلماء.

ولو كان هناك صلح بين الطرفين بسبب الحادثة المشئومة لاقتضى المقام ذهاب الشيخ بن عليوة إلى قسنطينة بحكم أنّه المتسبّب في المشكلة أو على أقل تقدير كان يجب أن يُعقد مجلس الصّلح في مكان محايد كالجزائر العاصمة مثلا.

ولو كان الشيخ بن عليوة وأتباعه ممن يفكّرون باغتيال الشيخ عبد الحميد بن باديس لما توانوا لحظة في فعل ذلك وهو بين ظهرانيهم أعزل وحيدا, لا حول له ولا قوة؛ لكن هذه الأفعال ليست من شيم الرجال. ولو كان الشيخ بن عليوة متّهما لدى الشيخ بن باديس لما فكّر في زيارته أصلا.

عاشرا: إن العلاقة الحميمة والأخوية التي كانت بين الرجلين خدمة للدين والوطن تؤكد المواقف المشرِّفة لهما خلال حياتهما. فكما يعرف القاصي والداني أن الشيخ بن عليوة قاد حربا عشواء لا هوادة فيها على المبشّرين المسيحيين وعلى من ارتد عن الإسلام من أبناء جلدتنا, فحاورهم وكتب عن أباطيلهم وبَنَا الزوايا مقابل كنائسهم. وكان أن حاور سنة 1929 جماعة من المرتدّين من مدينة قسنطينة وأقنعهم بالرجوع إلى حضن التوحيد والنطق بالشهادتين من جديد غير أن العوز والفاقة دفَعَا تلك الجماعة إلى طلب العون من الشيخ بن عليوة فأرسل إليهم إعانة مادية وكاتب الشيخ بن باديس في الموضوع فسُرَّ بالرسالة سرورا عظيما وشكر سعي الأستاذ العلاوي وفعله وأعانهم هو أيضا بمائة فرنك حسبما أوردت جريدتا "الفتح" و"البلاغ الجزائري". هذه الأخيرة تقدّمت بالشكر الجزيل للشيخ بن باديس على حسن صنيعه(7).

وفي نفس السياق أوردت جريدة النجاح في عددها 45 وبإمضاء الشيخ عبد الحميد بن باديس ما يلي: "... وأقول عن خِبْرة, لولا الطُرُق ( يقصد الطرق الصوفية) لتنصّر كثيرٌ من الفِرق ولا سيما الجبليون حتى في مغربنا الأوسط, وهذا فرض عظيم في الدّين قاموا به, قد ضيّعه الناس في الحواضر حتى أصبحت أبناؤهم على مرأى منهم فريسة في براثن المحتالين يقادون بسلاسل الفقر والجهل إلى مفارقة دين آبائهم وأجدادهم, والأغنياء والعلماء عن هذا غافلون "فإنا لله وإنا لله راجعون".

وكان محرر جريدة النجاح قد كتب في العدد 133 ما نصه : "...على أن الشيخ (يقصد الشيخ العلاوي) له فضيلة أخرى وهي إنقاذه لمئات الآلاف من القبائل الذين استحوذت عليهم جمعية الآباء البيض (البير بلان) بزواوة والحمامات وغيرها... وقد أسلم الكثير على يده".

حادي عشر: في تقرير داخلي رفعه إلى الحكومة العامة بالجزائر تحت عنوان: "الزوايا في الجزائر", نُشر بعد ذلك تحت نفس العنوان من قِبل دار الكتب في الجزائر سنة 1956, أشار الجنرال ب. ج. أندريه من أكاديمية العلوم الاستعمارية قائلا: "وقد قال ابن باديس نفسه بعد لقاء مباشر مع الشيخ ابن عليوة أنه إذا كان له أن ينتسب إلى زاوية فسيختار الزاوية العلاوية ...", ص 24.

ثاني عشر: إن التواصل بين عائلة الشيخ عبد الحميد بن باديس وجمعية العلماء مع الزاوية العلاوية لم ينقطع أبدا سواء أثناء الفترة الاستعمارية أو بعد الاستقلال والشهائد كثيرة ومتعددة لا يسع المقام ذكرها, آخرُها ما قام به جماعة من أتباع الزاوية (أكثر من مائة شخص) سنة 2009 وفي إطار "قافلة الأمل" بزيارة مدينة قسنطينة واستقبالهم استقبالا حارا من طرف العائلة الباديسية, على رأسها كبيرها الأستاذ عبد الحق ابن باديس ومؤسسة الشيخ عبد الحميد ابن باديس على رأسها الدكتور عبد الله بوخلخال والدكتور فيلالي وغيرهما حيث زاروا الجامع الأخضر وجامع سيدي قمّوش اللذيْن كان الشيخ يلقي فيهما دروسه. كما قام الجميع بالوقوف ترحّما أمام قبر الشيخ الرئيس وقراءة الفاتحة على روحه الطاهرة وأهدوا لممثلي الزاوية إطارا فخما به نصّ مكتوب للشيخ بن باديس يروي فيه تفاصيل زيارته إلى مستغانم عام 1930.

والآن, لقد مضى على الحادثة ما يقرب من سبع وثمانين سنة. ألم يحن الوقت ليسمع بعضنا البعض دون تنقيص أو تشكيك أو ازدراء, بعيدا عن صراعات المرحلة وصخبها الذي ربما جعل كل داع لا يسمع إلا صوته, بعيدا عن النزعة الفردية التي حالت دون التعاون بين المتعاصرين ممن اتفق مشربهم وهدفهم الإصلاحي دون محاباة لا لأشخاص ولا لجماعات أو فئات على حساب الحقيقة التاريخية, بل بحثا تاريخيا نزيها, منزّها عن التزييف والتدليس على ألا يكون البحث التاريخي الرصين مطية للانتقاص من قيمة الأشخاص والغض من مكانتهم؟ إن الخطأ في التصور والعمل وارد ما دام المرء غير معصوم, ولو كان معصوما لما استحق شيئا من تلك القيمة العلمية والاجتماعية التي تبوأها.

إننا في أمس الحاجة, اليوم أكثر من أي وقت مضى, إلى التوحد وجمع الكلمة, والعمل الصالح لصالح العباد والبلاد, يدا بيد من أجلنا جميعا دون إقصاء أو تهميش.

إن الهدف اليوم وغدا أن يتكاتف عقلاء هذا الوطن من أجل بناء غد مشرق لأبناء الجزائر ينعمون فيه بالسلام والتآخي لا ينغّص صفو عيشهم كيدُ كائدٍ ولا عينُ حاسدٍ ولا دسَّاسٌ بالمفاسد. لسان حالهم يردّد دائما وأبدا قول الله عز وجل: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)(8).


الناطق الرسمي د. ناصر الدين موهوب


الإحالات
(1) الآية 141 من سورة البقرة
(2) البلاغ الجزائري, العدد1, ص2, 24/12/1926 .
(3) البلاغ الجزائري, العدد2, ص2, 30 ديسمبر 1926.
(4) البلاغ الجزائري, العدد2, ص2, 30 ديسمبر 1926.
(5) البلاغ الجزائري, العدد3, ص2, 05/01/1927.
(6) الشهاب, ج1, م7, غرة رجب 1350هـ, نوفمبر1931.
(7) البلاغ عدد 128 في 18 صفر 1348 الموافق لـ 26/07/1929.
(8) الآيتان 09 و 10 من سورة الحشر

المصدر : الزاوية العلاوية ترُد: اعتداء, والله لا يُحبّ المعتدين
 
 
(بلقاسم) 

تعليقات

  1. جزاك الله خيرا على هذا الرد الذي يعكس المستوى العلمي و الأخلاقي الرفيع لأتباع الطريقة العلوية و رحمة الله على الشيخين الجليلين عبد الحميد ابن باديس و الشيخ مصطفى أحمد عليوي .

    ردحذف

إرسال تعليق