الشيخ العلاوي - تعليق حول الطرق الصوفية

كنت منذ عرفت قبيلي من دبيري كثير النظر في أحوال الطرق الصوفية, وما آلت إليه اليوم بسبب ما أدخل عليها الجاهلون من أشياء تنافي المبدأ الشرعي الذي هو أساس مذهب السادة الصوفية, حتى عاد في عصرنا لفظ التصوف أثقل على أسماع الكثير هن الحديد, وأبرد من الجليد.

أما التلفظ به فيعدونه سيئة وذلك لما تراءى لهم على الكثير ممن ينتمي لهذه الطرق من المخالفات للأوامر الشرعية, وكلا الفريقين بمعزل عن الحقيقة, إذ الأولون تطرقوا وأفرطوا في إرشاداتهم وانتقاداتهم, فذهب كلامهم سدى لعدم مراعاتهم الحكمة عند الأمر والنهي في قول الحق جل شأنه : (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ), وقوله ‏ (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).

والآخرين فرطوا وانحطوا إلى درجة أصبحوا فيها كما ترى, والحق الذي لا مراء فيه أن يترك الإفراط من الجانب الأول بمراعاة الحكمة في الآية الكريمة عند الأمر والنهي, ويترك التفريط في الجانب الثاني بالوقوف عندما حد لنا الله ورسوله, فتكون النتيجة الاجتماع في الوسط, وهو طريقنا نحن أمة الوسط وصراطنا المستقيم.

وما على إخواننا من الفريقين إذا أراد أن يقوم كل فريق منهم بما يطلبه به مقامه قياما مرضيا عند الله ورسوله وعند الأمة, أن يسير في عمله ذلك على مقتضى الشرع الشريف, ويجتنب كل ما يباين تعاليم شريعتنا المحمدية, ويقتفوا أثر سلفهم الصالح قدما بقدم, ومن يستنكف عن هذا ويتكبر فهو ظالم لنفسه, مضل لغيره, (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ, إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).


المصدر: جريدة البلاغ الجزائري- تعليق البلاغ, العدد 75 بتاريخ 29-06-1928.

تعليقات